إصلاح ما افسدته الديكتاتورية

محمد علي جواد

بما ان مفردة الاصلاح تحمل معني نبيلة وجميلة لذا نجدها على السن النخب السياسية داخل اسوار الحكم كما نجدها على ألسن النخب الثقافية خارجها، بما يشبه تقريباً الشارة الذهبية على شكل خارطة العراق التي يحملها السياسيون على صدورهم فيما تتخذها بعض السيدات قلادة للزينة!

لكن قبل هذا لا بد من تحديد مقاصد الاصلاح، لاننا بعد لم نبلغ مراتب الدول المستقرة التي تنطلق في مشاريع للإصلاح السياسي او الاقتصادي، والعراق بلد بات مصداقاً للمقولة المأثورة: (هل يصلح العطار ما أفسده الدهر)، لا سيما وامامنا الكثير من مُدعي (العطارية) وتغيير الظاهر بمسحات من عطور مختلفة.. وفي العراق كل شيء بحاجة الى إصلاح بدءاً بالانسان ومروراً بالمجتمع وما يحمل من ثقافات وليس انتهاءً بالدولة ومرافقها الحيوية من أمن واقتصاد وعلاقات خارجية وغير ذلك كثير..

إذن نحن لسنا امام اصلاح سياسي كما في بعض الدول المصابة بالديكتاتورية والفردية، أو امام اصلاح اقتصادي تطبقه بعض الدول (النامية) فيما يسمى بالعالم الثالث في محاولة منها للنهوض بالمستوى المعيشي لمواطنيها والتخلص من قيود الفقر وضغط الديون والتضخم، وإنما القضية تسع الجميع، أي جميع افراد الشعب العراقي مطالبون بالمشاركة في عملية الاصلاح.

 والى ذلك يهدينا القرآن الكريم عندما يورد مفردة الاصلاح كفعل للمفرد والمثنى والجمع ويجعله ضمن معايير التزكية والانتقال من حالة الى حال اخرى افضل وأسمى، وفي غير آية وردت كلمة (أصلحا) و(أصلح) و(أصلحوا)، مثلاً جاء في سورة المائدة "فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ"، او ما جاء في سورة آل عمران عندما يذكر البارئ عز وجل مصير الكفار في الآخرة ثم يأتي الاستثناء "إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ".

فالاصلاح هنا ليس شعاراً ولا تسمية خاصة بجهة وانما ثقافة عامة يشترك في حملها جميع افراد المجتمع، ما دامت المقاصد عامة وتشمل الجميع، فاذا وقف الجميع ـ مثلاً ـ بوجه الاشاعة والتشهير والغيبة وغيرها من الممارسات المنبوذة فاننا سنكون قد رفعنا اول خطوة نحو الاصلاح الحقيقي والجذري الذي ليس فقط يترك آثاره على الواقع الاجتماعي وانما يبقى خالداً في التاريخ حتى وان جارت الايام وانقلبت الاوضاع، كما حصل في العراق بدايات القرن الماضي عندما كان المجتمع يستلهم ثقافته من الحوزة العلمية ومدارس حفاظ القرآن ومنابر الوعظ والارشاد، واليوم نستعيد تلك الأيام الخوالي برموزها ومواقفها بكل فخر واعتزاز، واكثر من ذلك يقف المناؤون من التيارات الاخرى امام هذا التاريخ وقفة من لا يجد سوى الاقرار بالواقع خياراً إذا ما اراد الاستمرار في وجوده بين اوساط المجتمع.

ومع زوال هذه الثقافة حلّت محلها فوراً ثقافة الديكتاتورية والفردية، ويعرف ابناء شعبنا ان مفردة الديكتاتورية لها دلالات اجتماعية قبل ان تتجسد في السياسة والحكم، فانسحاب الجميع عن تحمل المسؤوليات الاخلاقية والدينية والاجتماعية أعطى الضوء الاخضر بقصد او دونه لشخص مثل صدام وجماعة مثل حزب البعث لان يتكفلوا بالأمر ويعدّوا انفسهم ممثلين شرعيين للشعب العراقي ومن ثم تكون كلمتهم او كلمة صدام هي كلمة الملايين ومن دون ان يتوقع احد ان هذه الكلمة قد تدفعهم الى حروب كارثية او فتن سوداء لاتترك مجالاً للنور والخلاص.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاثنين  7/تموز/2008 - 3/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م