من مظاهر الروتين

عقيل بن عبدالخالق ابراهيم اللواتي

الصراع بين الجمود والتطور هو أحد سنن هذا الكون وينسحب هذا الأمر على الشركات والمؤسسات والأفراد، لا سيما في مجتمعاتنا العربية التي تعاني فيها بعض مؤسساتها من الترهل الإداري والنمطية والخوف من التجديد والابتكار وهو ما يُجمِله خبراء الإدارة في مصطلح الروتين.

كثيرا ما نسمع كلاما عن "الاصلاح الاداري" وعن دوره في التنمية .. ولكن أين هو هذ "الإصلاح الإداري" في آليات وأداء العمل اليومي لمؤسساتنا وبالذات تلك المعنية  وبشكل مباشر في عملية التنمية والنهوض الاقتصادي والخدمي؟

هذا السؤال واسئلة اخرى ستبقى تطلق من جانب الرأي العام مادام أن مظاهر الروتين والبيروقراطية والأنماط القديمة و البالية في الإدارة لا تزال حاضرة في بعض مؤسساتنا.  وللدلالة على هذا الكلام يمكن الإشارة إلى بعض الأمثلة ان المواطن العادي الذي يتوجه إلى هذه الدوائر لإنجاز معاملة بعينها يلاحظ كيف ان بعض هذه الدوائرلا زالت  تدور رحاها على مبدأ   ( اكتب طلبا ونرد عليك ) وسيل من الوثائق الرسمية وغير الرسمية (الاصل والصورة) المطلوبة وغير المطلوبة التي يمتلكها الشخص.

وكيف انه يتعقب معاملة واحدة فقط لأيام وأشهر احيانا، وحتى تنتهي .. يكون قد أهدر وقتاً وجهداً، وطاقة بشرية لجسده، وطاقة ميكانيكية لسياراته، فيما لو استثمرها جميعها في شيء أخر لخرج منه بفوائد كثيرة. هذا إلى جانب فقدان بعض من الراحة والهدوء المطلوبتين للاستقرار النفسي من جراء الركض المستمر خلف المعاملة، إلى جانب ما يسببه عناء الذهاب والإياب من ضغوط تضاف له على قائمة الأعباء اليومية الأخرى التي تعكر بالدرجة الأولى صفو الإنتاجية ..

 هذا بالإضافة إلى ازدحام الشوارع، وعدم انسيابية الحركة المرورية فيها وأمور أخرى كثيرة. وكيف ان هذا المواطن العادي والمسكين يشعر بنشوة عارمة جدا، (وكأن كل هموم الدنيا قد ولت عنه في تلك اللحظة)  وانتصارا كبيرا لمجرد أنه تمكن من إنجاز معاملة عادية جدا في إحدى هذه الدوائر، كتجديد تصريح ما اوسداد فاتورة ما، او لانه انتزع توقيعاً من موظف في هذه الدائرة .. الخ.

هذه فعلاً مشكلة، وحلها أو الإسهام في حلها .. لا يتجاوز أكثر من التعامل مع أساليب التقنية والتكنولوجيا التي أحدثتهما عجلة التطور في الدول المتقدمة وتدريب العاملين في هذا القطاع عليها . فالتعامل مع هذه الأساليب سيقلص من هدر الوقت والجهد وما يتبع ذلك من خسائر مادية ومعنوية كبيرة، وطاقات تستنفذ بلا مردود أو عائد نفعي عظيم.

لقد ألغت الكثير من المؤسسات الخاصة والعامة في الدول المتقدمة المعاملات الورقية وبدأت تتواصل مع الناس إدارياً عن طريق الانترنت بحيث انتفى حتى ذهاب المراجع إلى هذه الدائرة أو تلك واصبح بمقدور الملايين أن يتابعوا معاملاتهم وإنجازها وهم في بيوتهم بكبسة زر بدلاً من الانتظار في أقبية هذه الدوائر لساعات طويلة ومتواصلة لاجل غير معلوم.

في الادارة الحديثة، لا مجال هناك  للحديث عن أي إصلاح اقتصادي بدون إصلاح إداري شامل. وعملية الإصلاح الإداري هي نقلة نوعية في تقديم الخدمات مع تقليص التكاليف وتحويل إدارة الخدمات من أسلوب البيروقراطية إلى الأسلوب التجاري أو الاقتصادي سواء عن طريق التخصيص أو عن طريق التشغيل الذاتي لخدماتها بإيجاد أساليب أكثر مرونة والبعد عن الروتين والبيروقراطية،و مواكبة المستجدات التي يعيشها هذا الكون.

والانتقادات التي تطلق في السر والعلن من جانب الرأي العام ستبقى تمثل عين الحقيقة مادام أن هذا الإصلاح الإداري المأمول يتواتر في حضوره اللفظي فحسب ولا يرقى إلى مستوى الفعل والعمل اليومي.

* كاتب عماني

شبكة النبأ المعلوماتية- االاحد  6/تموز/2008 - 2/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م