بعد 5 سنوات من تقرير التنمية العربية.. اخفاقات تعمق الفجوة

شبكة النبأ: بعد خمس سنوات من صدور تقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني لعام 2003، عقد مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينجز، حلقة نقاشية حول أحد تقاريرها الجديدة المعنون بـ "الألفية الجديدة للمعرفة" تقرير "التنمية البشرية العربية لبناء مجتمع المعرفة، خمس سنوات مضت"،الصادر في ابريل الماضي. وقد ناقشت مؤلفته كريستين لورد الباحثة ببرنامج السياسة الخارجية بالمعهد ما توصلت إليه من نتائج وتحديات مع عدد من الخبراء منهم ستيفن جراند الباحث ومدير برنامج العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي بمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، وعمرو جوهر رجل الأعمال المصري البارز، و رامي خوري مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشئون الدولية بالجامعة الأمريكية ببيروت.

وقد ركز تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 على إخفاقات العالم العربي التي تمثلت في ثلاثة نواقص أساسية هي: تراجع الحكم الصالح القائم على الحرية وحقوق الإنسان. والنقيصة الثانية تمثلت في تمكين المرأة بالعالم العربي. والنقيصة الأخيرة كانت في تراجع المعرفة عربياً.

وقد كانت النقيصة الثالثة محور التقرير الثاني لتقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003، والمعنون بـ "تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003: نحو إقامة مجتمع المعرفة والذي ركز على المعرفة باعتبار أنه من الصعوبة بمكان تحقيق الحكم الصالح وتمكين المرأة في مجتمع تُحبس فيه المعرفة.

وقد كان هذا التقرير الأساس الذي صاغت على أساسه الإدارة الأمريكية مبادرات إصلاح منطقة الشرق الأوسط التي اختلفت مسمياتها. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وتناول تقرير "الألفية الجديدة للمعرفة بنظرة متفحصة لما اتخذه العالم العربي من إجراءات لتحقيق مجتمع المعرفة وما هي الإجراءات التي مازالت في حاجة إليها. وركز على خمسة مجالات مهمة، يري أن تطويرها وتحسينها من الأهمية بمكان. وتشمل تلك المجالات المهمة التي ركز عليها التقرير الحوكمة والتعليم، العلوم والتكنولوجيا والإبداع، المعرفة كقاعدة للصناعة وثقافة المعرفة. ويرصد التقرير قائمة بإخفاقات ونجاحات كل دولة في تلك المجالات.

إخفاقات في تحقيق الحوكمة والحكم الرشيد

رصد تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003 أن تحسين الحوكمة والحكم الرشيد يقوم على عدة أسس ومبادئ منها: انتخابات نزيهة، والمساءلة والمحاسبية، وتعزيز حكم القانون، وحريات التعبير والمعارضة والتجمع.

وفي الوقت الذي طورت فيه سبع دول من الانتخابات والمحاسبية والمساءلة وهي (الجزائر، البحرين، العراق، قطر، المملكة العربية السعودية، سوريا) أخفقت العديد من دول المنطقة. ومن تلك الدول التي أخفقت في تحقيق انتخابات حرة والمحاسبية والمساءلة كانت الأردن، ليبيا، المغرب، والإمارات العربية المتحدة، وكانت أكبر الدول إخفاقا. وترتبط تلك الدول المخفقة بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وبدلاً من المزيد من التطور، لاحظ التقرير أنه بعد خمس سنوات تزايدت عدد الأنظمة السلطوية التي تقوم على حرية السوق، والسيطرة على مشاركة جماعات المعارضة السياسية، والرقابة على وسائل الاتصال والتعبير. وقد استجابت الحكومات لضغوط الخارج لتحقيق الإصلاح بتكوين حكومات هجينة سلطوية، والتي تنحرف عن الإصلاح الذي تسعي إليه الدول الغربية، والتي تقوم على إصلاحات انتحابية وتعزيز دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. ولاحظ التقرير صعوبة الوقوف على دور القانون بالمنطقة؛ لسعي العديد من الأنظمة إلى إعادة كتابة قوانينها بدلا من إحداث تغيرات فيها.

ومنذ تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003، زادت الرقابة على وسائل الاتصال من الانترنت إلى التليفزيون. والذي جعل المدنون الفاعل الرئيسي في التعبير عن المعارضة، على عكس عام 2003، ولذا أصبحوا أكثر الجماعات تعرضاً للاضطهاد من قبل الحكومات. كما تتعرض أيضا القنوات الفضائية هي الأخرى للرقابة في ظل قانونين جديد صاغتها الحكومات التي تتشكل تحت مسمي وثيقة الإعلام الجديدة Arab Media Charter، وقد مررت الدول العربية بجامعة الدول العربية هذا القانون الذي يحظر بث البرامج التي يُري أنها تنتقد أو تنال من القيادات السياسية والوطنية والدينية.

هذه الخطوات تُعرقل تطور وإصلاح العالم العربي، لاسيما في ظل استمرار تجريد المواطنين من حقوقهم واستمرار الحكومات في إخماد أي تقدم إلى الأمام. أي تقدم حقيقي لن يحدث إلا في مجتمع حر يُتيح حرية النقاش والحركة.

تطورات في المنظومة التعليمية

التعليم هو أحد المكونات الأساسية لمجتمع المعرفة. وفي حالة العالم العربي شهد هذا المكون تطورات ملحوظة. فلأول مرة في التاريخ تُسجل الأردن أعلي من المتوسط العالمي في مادة العلوم، كما أن هناك أيضا زيادة في عدد الملتحقين بالعملية التعليمية من الجنسين (بنين وبنات). هذا بجانب العديد من المبادرات داخل الدول العربية، والتي سوف يكون لها كبير الأثر على العملية التعليمية ومخرجاتها كجامعة الملك عبد الله للعوم والتكنولوجيا بالمملكة العربية السعودية، والمدينة التعليمية بالدوحة بدولة قطر. والتي تضم خمس جامعات غربية، ومستشفى تعليمية سعتها 350 سرير، ومكتبة مركزية، ومنتزه قطر للعوم والتكنولوجيا.

وعلى الرغم من تلك الانجازات التي تم تحقيقها إلا أن الحكومات العربية تنفق تقريبا 5% من نتائجها الإجمالي على التعليم بدون نتائج مرضية. فزيادة عدد الأطفال بالمدارس والمصادر التعليمية لم تنعكس في تدريب المدرسين وسياسات تعليمية. وفي الوقت الذي يُنفق فيه المال الكثير على التعليم العالمي يتخرج الطلاب من الجامعات بقدرات لا تتناسب مع سوق العمل. فالجامعات وأصحاب العمل يخفقون في التواصل فيما بينهم حول احتياجات سوق العمل، والباحثين عن العمل في المستقبل سيواجهون مشكلات لإيجاد وظائف بالمنطقة التي تناسب قدراتهم.

ولكن الشيء المهم بجانب بعض التقدم والتطور الحادث، التركيز على الجانب الكمي بجانب الكيفي. بعبارة أخري المدرسين يجب أن يكونوا مؤهلين للتدريس، والجامعات تحتاج إلى العمل مع أصحاب العمل للتأكد من أن قدرات خريجيها تتناسب مع متطلبات سوق العمل. فضلاً عن توفير المصادر وإنفاق المال للتأكد من أن الخريجين مؤهلين للعمل في المستقبل.

الحاجة إلى المزيد في مجالات العلوم والتكنولوجيا والإبداع

في الوقت الذي يتسم فيه التقدم العالمي في المجالات العلمية والتكنولوجية بالثبات، بدأ العالم العربية في الاستثمار، بشكل بطئ، في تلك المجالات. فهناك اتجاه بالدول الخليجية النفطية الغنية لأن تكون أكثر استثماراً في مجالات التكنولوجيا والعلوم والتعليم العالي، ولكن هناك تحديات جمة تُواجه تطوير تلك المجالات في الدول الغير نفطية لتناقص المال اللازم لإنفاقه على تطوير وتحديث تلك المجالات. وعلى الرغم من تلك التحديات فإن الدول النفطية وتلك الغير نفطية حققت تقدما حيث زادت عدد الدوريات العلمية، التي زادت بنسبة 18% من عام 2000 إلى عام 2004.

وعلى أساس المدخلات الأربعة المهمة لتحقيق نتائج في مجالي العلوم والتكنولوجيا والتي تتمثل في "عمال على درجة من المعرفة، مشتغلين بالبحث العلمي والتطور، نفقات على البحث العلمي والتطور، معاهد)، تحتاج الجامعات العربية إلى تخريج طلاب بمهارات تُناسب سوق العمل. فضلا عن أن الخريجين يتحاجون إلى العمل في المجالات التي تتناسب مع مؤهلاتهم ومهاراتهم. ففي الكثير من الدول العربية تُسجل النساء نسبة كبيرة في مجالي العلوم والتكنولوجيا، وهي نسبة أكبر من مثيلاتها الأمريكية، ولكنهم لا يُواصلون هذا التقدم في الاشتغال بهذين المجالين. كما أن الكثير من خريجي الجامعات العربية لا يستقرون في بلادهم العربية. فدول مثل المغرب، سوريا، ليبيا، الجزائر، ومصر تعد من أكبر الدول التي تهاجر عقولها العلمية إلى الخارج، للمعاناة الاقتصادية بتلك الدول.

كان الإنفاق العربي على البحث العلمي والتطوير منخفضاُ كما جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003. ولكن بعد ذلك زاد الإنفاق العربي على مجالي العلوم والتكنولوجيا. فهناك بعض المبادرات التي تهدف إلى تحقيق بعض التقدم في هذين المجالين منها التعهد الجزائري بتخصيص 1.5 بليون دولار لزيادة ميزانية البحث العلمي والتقدم التكنولوجي. كما أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤسسة محمد بن راشد المكتوم التي تهدف إلى بناء مجتمع يقوم على المعرفة. ولكن هذه المبادرات سوف تحتاج إلى بعض الوقت لكي تُأتي ثمارها.

كما زادت أيضاً عدد المؤسسات التي تُركز على التطور العلمي. ولكنها ذات تمويل منخفض. فالتطور في المؤسسات العلمية سوف يكون حقيقياً إذ توافر لها التمويل الكافي سواء أكان من قبل الحكومات العربية أو المؤسسات الخاصة الغير حكومية.

تعميق ثقافة المعرفة

على الرغم من ارتفاع معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط؛ لاستمرار ارتفاع أسعار النفط عالمياً، إلا أن دول المنطقة أخفقت في إدراك قوتها الكامنة. وفي الوقت الحالي بدأت الدول العربية في بناء صناعة لا تقوم فقط على المصادر الطبيعة. فمنذ تقرير التنمية الإنسانية العربية حققت بعض الدول مثل الأردن والمغرب والمملكة العربية السعودية نموا في الصادرات التكنولوجية، وتستثمر دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر في المعامل والمراكز البحثية. وبينما ينال هذا التقدم إعجاب البعض، فإن دولاً خارج الدائرة العربية حققت نتائج تفوق ما حققته الدول العربية. وتحتاج ثقافة المعرفة هي الأخرى إلى المزيد من الاهتمام.

وثقافة المعرفة تعني توافر ثقافة تُقدر الابتكارات والإبداعات والاستكشافات العلمية. ولذا نادي التقرير بضرورة وجود تعاون بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام والمثقفين والمواطنين لتحقيق مثل تلك الثقافة. وعلى الرغم من الجهود العربية في هذا المجال مثل مبادرة ترجمة الكتب الأجنبية إلى العربية مازالت تلك الخطوات لا تحقق ما هو مرجو منها لارتفاع نسبة الأمية بالعالم العربي.

تضيق الفجوة

تحتاج الفجوة المعرفية بالعالم العربي إلى الكثير من الوقت لتضيقها. على الرغم من أن العالم العربي يأتي في

مرتبة أعلى من العديد من الدول منها الصين، الهند، فيتنام، ودول أوروبا الشرقية، وبعض دول أمريكا اللاتينية، مازالت هناك الكثير من المشكلات الضخمة التي تلوح في الأفق. ففي العالم العربي 35% من سكانه تحت 15 سنة، والذي يعني أنه بحلول 2020 سيحتاج إلى ما يقدر بـ 100 مليون فرصة عمل. فإذا لم يحقق العالم العربي التغييرات المطلوبة بصورة سريعة، سوف تكون هناك صعوبات جمة لمواجهة تلك المشكلات، التي تعوق من فرص النهوض ومواكبة الدول الأخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء  2/تموز/2008 - 28/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م