أنت حي فينا فكرا وروحا ومنهجا علما وعملا ومسلكا

الشيخ محمد سعيد المخزومي

 إنا لله وإنا اليه راجعون

بسم الله الرحمن الرحيم

(هلك خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة)

الكارثة كبيرة، والفاجعة عظيمة، والثلمة رهيبة، والهوّة التي خلفها فقدان آية الله السيد محمد رضا الشيرازي "قدس الله سره" في التشيع سحيقه.

بهذه الفاجعة الرهيبة لا يسعني إلا أن أبوح بكلمات يعتصرها الالم لفداحة الخطب والتسليم المطلق لقضاء الرب، رضاً برضاك وتسليماً لقضاك وإنا لله واليه راجعون، تلك هي كلمات التعزية التي كانت أولاها بين يدي مولانا الإمام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وفي الثانية اقدم بها أحر التعازي لساحة المرجع الرباني آية الله العظمى السيد الشيرازي اطال الله عمره وأبقاه، والثالثة بين يدي المقدس الراحل السيد محمد رضا الشيرازي أعلى الله درجاته، أما الرابعة فكانت للتعزية للأسرة الطيبة المباركة، وآخرها كلمة للأمة المفجوعة المحرومة:

الكلمة الأولى: بين يدي مولانا الإمام الحجة المنظر عجل الله تعالى فرجه الشريف

سيدي يا اباصالح.. أنت المُعزّى الأول، فأعظم الله لك الأجر بهذه الفاجعة العظيمة، لما نعلم من أن لفقدان هذا العالم الجليل من وقع على قلبك الكبير، حيث فقدانه عزيز  عليك لما قد سبَّبَّ به فراغا في صرح التشيع، وأن تفريغ التشيع من رجاله يؤلم قلبك المقدس. لقد خلّف فقدان هذا العالم الرباني ثلمة في الدين لايسدها شيء وبهذه الثلمة يا سيدي أنت المفجوع الموجوع... إن فقدان هذا العالم العارف قصمة لظهر مسيرة الدفاع عن منهج أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وأن أول من يتوجع لتك القصمة هو ساحة قدسك الرفيعة...

اقول سيدي يا حجة الله ...

كيف لا يكون ذاك وقد كان يقوم جدك الإمام الصادق عليه السلام إجلالا للشاب هشام بن الحكم كي يجلسه إلى جنبه إظهارا لجلالته عنده واثره في الدفاع عن الدين رغم وجود اعلام اصحابه، وكبار أجلّة علماء شيعته، أما لو كان قد اختطف المنون من بين يديه هشاما فما عساه أن يصنع ؟... من الطبيعي أنْ سيكون فقدانه مؤلما لقلبه المقدس.

كذلك الأمر بالنسبة إلى ساحة قلبك القدسية يا بقية الله ... فأنت يا مولاي صاحب العزاء بفقدان هذا العالم الجليل.. والسيد السليل.. للدوحة النبوية صاحبة المجد الأثيل.. المفعمة بذلك الجهاد الطويل عن الشريعة والمذهب والدين.. فأعظم الله لك الأجر مولاي على هذا المصاب الجلل، وجعل أجرك على هذا المصاب تعجيل فرج ظهورك المبارك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.  

الكلمة الثانية:لساحة المرجع الرباني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (أطال الله بقاءه)

 اقول .. سيدي أيها المرجع المقدس وصاحب القلب الكبير والسراج المنير في ظلم الليل الحندس، ربط الله منك القلب وثبتك على هذا الخطب.. وأجزل الله لك الثواب على هذا الألم وهذا المصاب.

إن سيدنا (الرضا) الراحل  نبعة نبوية ترعرعت بين يدين مقدستين كريمتين .. يد والده المجدد المؤيَّد وعمه الصادق المسدَّد، وما من دليل أدل على ربانية يدك العظيمة وأنفاسك الكريمة إلا هذا النتاج الغزير الثَّرْ وتنشئة هذا العالم الجليل البَّرْ ، فأطال الله عمرك الشريف ورعى ضلك الوارف المنيف وجعلك راية من راياته الخفاقة، وجعل أجرك على هذا المصاب الجلل أن يَصل ايامك بأيام مولاي ومولاك الحجة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ويجعلك من أنصاره ورجاله  .

الكلمة الثالثة: بين يدي المقدس الراحل السيد محمد رضا الشيرازي ( أعلى الله مقامه)

سيدي ايها (الرضا) الراحل عنا من هذا العالم مبكرا قبل أوانه، أيها الراحل الذي مازال ينتظره أهل زمانه، يا ثمرة أبيه ونتاج عمه وغصن جده ونبعة الشجرة التي أنبتها ربها نباتا طيبا  فكانت وما زالت تؤتي ثمرها كل يوم باذن ربها.. سيدي لقد انحدرتَ من شجرة طيبة فيها كل ما لذَّ من ثمار الحياة وطاب.. وجئتَ في زمن تعيش الأمة فيه الجفاف واليباب.

وما أن تهاوت عروش الظالمين وتعثرت باذيالها عناكب الحالمين، صارت اجيال الأمة المحرومة تتطلع إلى نورٍ ما الِفَتْه قط، وسماع كلام ما كانت قد سمِعَتْهُ من ذي قبل، فبدأت خيوط آمال الشباب المؤمن تنسج لها أثواب الحياة وتعد حلتها لمستقبلٍ زاهرْ، وترسم لها تطلعا لنسيج فكر وقّادٍ ثَرٍّ باهرْ، بعد أن عاشت سنين ظلام الفكر  الغابر، وعتمة ثقافة النهج الخاسر...

بدأت تلك الطلائع تنفض عنها غبار الزمن الغادر ، فصارت تسمع عن أبيك الراحل نهجاً لائحاً، ومن عمك – اطال الله عمره – مسلكا للحياة واضحاً، ومن فكرك الوقاد سبيلا فيه عبق المستقبل المشرق فائحاً.. واذا بيد المنون تخطفك من بين يديها اختطاف ثدي الأم من بين يدي رضيعها..

 سيدي أيها السيد الرضا (قدس الله سرك)...الشباب الحالمون ما زالوا ينتظرونك.. والاجيال الصاعدة ما فتِئَتْ ترتقب فكرك.. والأمة المحرومة ها هي مرابطة على أعتاب عطائك تنتظر منك المزيد، وآفاقها تتطلع إلى منهاجك البعيد.

سيدي ايها ( السيد الرضا أعلى الله درجاتك) أقول : أما أنت فلا ضير عليك، فقد  وفدت على رب كريم في حضيرة القدس مع أولياءه الأبرار، حيث الجنان والرحمة والرضوان .

أما هذه الأمة فهي التي خسرتك، والفتية الذين آمنوا بربهم هي التي فقدتك، إلا أن لها في عمك المرجع الرباني صاحب القلب الكبير آية الله العظمى السيد الصادق الشيرازي سلوة، ولها في هذا العالم الرباني قدوة أطال الله عمره وابقاه ذخرا لهذه الأمة.

الكلمة الرابعة: للأسرة الكريمة (ثبتها الله تعالى) :

أما كلمتي للأسرة الكريمة والشجرة الطيبة فاقول أعظم لكم الأجر، وأجزل لكم الثواب، وربط على قلوبكم، وشد على سواعدكم، وثبتكم على منهاج الدفاع عن دين الله، والذب عن شريعة رسول الله، ومنهاج أهل بيته الطبيبن الطاهرين.

أما انتم فشجرة طيبة طيبها الله بنور الولاية، وثبَّتَ دعائمها بأوتاد الاخلاص لمحبة محمد وآل محمد، فالشجرة المباركة لا بأس عليها إن اختطف المنون منها غصنا فقد باركها الله بمن حولها من الأغصان، وإن ضاقت الأرض بثمرة منها وارتقت إلى أعلى عليين ففي الثمار الأخرى بقية لبقية الله في العالمين، ثبتكم الله، وايدكم جميعا وأخص بالذِكر المفجوعةَ بهذا المصاب الوالده الكريمة، والسادة الأعلام الكرام آية السيد مجتبى الشيرازي، وآية السيد مرتضى الشيرازي والعلامة السيد جعفر الشيرازي والعلامة السيد مهدي الشيرازي والعلامة السيد محمد علي الشيرازي والعلامة السيد محمد حسين الشيرازي، وباقي الأعلام من الأسرة الشيرازية الموقرة.

 كما نعزي كل من اتصل وتفرع من هذه الشجرة الطيبة من نسل طيب، وثمر جني من أسرة المدرسي واخص بالذكر آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي وآية الله السيد هادي المدرسي وآية السيد عباس المدرسي وباقي الأعلام الأكارم من هذه الأسرة الكريمة. ثبتكم الله جميع، وربط على قلوبكم جميعا، وسددكم لهذه الأمة جميعا، وحفظكم للأجيال الطامحة نحو الحياة جميعا.

الكلمة الخامسة: للأمة المفجوعة :

 أما كلمتي للأمة المفجوعة فاقول إعلموا انكم كنتم في رحاب من قال عنه أمير المؤمنين عليه السلام (صحبة العالم دِين يُدان الله به)، فانتم مدينون بكل كلمة نطقها آية الفقيه الفقيد والعالم العارف، ومدينون بكل فكرة ثبتها في خطابه ودوّنها على صفحات كتابه،من هذا المنطلق فانتم مدينون في صحبة كل عالم رباني من هذه الأسرة الطيبة وغيرها على طول الأرض وعرضها، وأن ما قد فاتكم من هذا العالم الرباني والمفكر العارف الكثير، وما قد خفي عنكم اكثر منه ومن والده المجدد المضطهّد، فلا يفوتنكم الأعظم لأنكم أمام (علماء صحبتهم ديِن يُدان الله به) ومعنى الدين الذي يدان الله به هو أن صحبة العالم العابد، والعارف الزاهد، والمفكر المربي، والرباني الفذ عبادةٌ ومنهجٌ وسبيلٌ يُعبّدُ الله بسببها، فهنيئا لمن صحب فقيدنا الغالي الفقيه الفقيد السيد محمد رضا الشيرازي قدس الله سره، وهنئيا لمن أخذ منه أو سمع علما وعلّمه، وهنئيا لمن أخذ منه واتبعه، وأعظم الله من صحبه ولو من خلال خطابه المسموع وكتابه المقروء.

وفي الختام ..

اقول لك سيدي ( سيد محمد رضا الحسيني الشيرازي قدس الله سرك)، أما أنت فلا بأس عليك حيث رحلت إلى رحاب الله تعالى وجوار الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، لكنما نحن الذين فقدناك ونحن الذين خسرناك، وإن كنت غبت عنا شخصا، وفارقتنا من دون سابق علم وإنذار، ولا من سالف إعلام وإخبار فأنت حي فينا فكرا وروحا ومنهجا، علما وعملا ومسلكا، وأنت فينا عرفانية عميقة، وخُلقا رفيعا، وربانية فريدة، فطِبْتَ حيّا وطِبْتَ ميتّا، وأنت حيا كما قال أمير المؤمنين عليه السلام :

(هلك خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة)

وإنا لله وإنا اليه راجعون

 

مولاكم جميعا

الشيخ محمد سعيد المخزومي

28/ جمادي الأول/ 1429 هجرية

المصادف  3/ 6/ 2008 ميلادي

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء  5/حزيران/2008 - 28/جماد الاول/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م