مقدمة :-
تشهد الاسعار العالمية للحبوب الستراتيجية ( الحنطة، الشعير،
الذرة، الرز وغيرها ) ارتفاعاً منذ عام 2001 ومن غير المتوقع حدوث
انخفاضاً قريباً في السنوات القليلة اللاحقة لهذه الاسعار.
ويبين الجدول (في آخر المقالة) ثابت اسعار الاغذية والحبوب الذي
نشرته منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة منذ عام 2000
الى الاشهر الاولى من عام 2008
اذ يتبين ان ثابت اسعار الحبوب بالذات يعاني من ارتفاعات
متزايدة وخاصة في الاشهر الاخيرة من عام 2007 وبداية عام
2008مقارنة بثابت اسعار الاغذية الذي يمثل معدل لخمس مواد غذائية
اساسية اخرى.

ومن الواضح من الشكل ادناه ان هناك تصاعداً مستمراً في اسعار
الاغذية هذا العام لم تشهده السنوات القليلة الماضية. وقد يعزى هذا
الارتفاع العالمي في اسعار الحبوب خاصة الى جملة اسباب يمكن تلخيص
اهمها :-
1. الاسباب الطبيعية والتغيرات المتعلقة بالمناخ والمتمثلة
بحالة الجفاف في معظم مناطق انتاج الحبوب مثل استراليا وافريقيا
وشمال الصين فضلاً عن السيول والفيضانات في افريقيا الغربية وموجة
الصقيع في اوربا وجنوب الصين والعواصف الثلجية في مناطق متفرقة من
العالم والتي سببت خسارة المحاصيل. مما سبب نقص واضح في انتاج هذه
الحبوب.
2. الطلب المتزايد على هذه المحاصيل وشحة المخزون العالمي
الكافي لتوفير مستلزمات الامن الغذائي للشعوب فضلاً عن ان هذه
المحاصيل تمثل غذاء الفقراء من شعوب العالم وهذا مؤشر واضح على
ارتفاع نسبة السكان الفقراء عالمياً مما حدى بزيادة الطلب في مقابل
النقص الحاصل من الانتاج. اذ بينت منظمة الاغذية والزراعة بان
الدول النامية سترتفع نسبة استيرادها للحبوب الى 35%، كما يتوقع
اقتصاديون ان الامر سيستغرق سنوات عدة حتى تزداد الامدادات الى
درجة تكفي لاعادة تكوين مخزون يسمح بانخفاض الاسعار.
3. التحويل المتزايد في استخدام محاصيل الحبوب لغرض انتاج
الوقود الحيوي رخيص الثمن او الايثانول وخاصة في الدول المتقدمة
كدول الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الذي اصبح حالياً يستخدم
كبديل عن البنزين بحجة الحفاظ على البيئة.
4. ارتفاع اسعار النفط الخام عالمياً وبلوغه مستويات غير مسبوقة
لابد ان تخلق غلاء فاحش في جميع المواد المستهلكة. فضلاً عن كونه
سبباً مباشراً لارتفاع معدلات التضخم وزيادة الفقر.
ان هناك اهتماماً عالمياً بهذه المشكلة المتفاقمة تمثل بالاهداف
الانمائية للالفية الجديدة التي كان من اولها القضاء على الفقر
المدقع الذي هو احد نتائج ارتفاع الاسعار ونقص الغذاء مما يفضي الى
ارتفاع نسبة الجائعين وغير الآمنين غذائياً فضلاً عن حالات سوء
التغذية ونقص الوزن عند الصغار. ان العراق ليس بمعزل عن هذه
المشكلة العالمية بل ان ظروفاً اخرى تجعل المشكلةاكثر تفاقماً في
العراق وفي بلد غني لديه فائض نقدي بسبب ارتفاع اسعار النفط الخام.
تحديات داخلية
لقد بينت دراسات وطنية اعدها الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا
المعلومات عن الامن الغذائي ان الذين لايحصلون على الحد الادنى من
استهلاك الطاقة الغذائية قد تزايد من 20% عام 1991 الى 25% عام
1997 وفي دراسة اخرى اعدت عام 2005 بينت ان 15.4% من سكان العراق
معظمهم من محدودي الدخل وسكان المناطق الريفية عدوا غير آمنين
غذائياً وهم بامس الحاجة الى مختلف انواع المساعدات الانسانية
واهمها تزويدهم بالمواد الغذائية كما يعد هذا المؤشر انعكاساً
لزيادة نسبة السكان شديدي الفقر.
وعلى الرغم من تزايد استخدام التكنلوجيا والانترنت والهواتف
النقالة والستلايت والاهتمام العالي من قبل الشباب بتحسين
معلوماتهم بعد عام 2003 الا ان ذلك لم يقلل من انفاق الاسرة على
المواد الغذائية فقد بينت دراسة عام 2005 ان نسبة انفاق الاسرة
العراقية على المواد الغذائية قد بلغ 47%.
وتأتي هذه الدراسات الاحصائية في ظل نظام دعم لسلة غذاء المواطن
العراقي عبر برنامج البطاقة التموينية الذي تنفذه وزارة التجارة
منذ اواخر عام 1990 والى يومنا هذا وبالرغم من ان نظام توزيع
البطاقة التموينية يشكو من العديد من الثغرات الا انه ما زال صمام
الامان الغذائي الوحيد لاكثرية العوائل العراقية.
وبناءً على الارتفاع غير المسبوق باسعار المواد الغذائية
ومفردات البطاقة التموينية عالمياً لاسيما الحنطة والرز فانه من
غير المستبعد ان تمر العائلة العراقية فيما تبقى من هذا العام
بازمة ايصال هذه المفردات.
وان من اكبر التحديات التي تواجه الحكومة هو الاستمرار في توفير
مفردات البطاقة التموينية وضمان انسيابيتها وحسن توفير توزيعها او
منع الاهدار فيها الى نهاية هذا العام مع انه من الواضح ومنذ بدء
اقرار ميزانية عام 2008 ان تخصيصات الموازنة لمفردات البطاقة
التموينية لايتناسب مع الارتفاع العالمي في الاسعار حسب تقرير
وزارة التجارة مما حدا بهاللمطالبة بمضاعفة المبلغ تقريباً تحسباً
لارتفاعات غير متوقعة خلال العام الا ان قرار رفع الدعم ومشروطية
صندوق النقد الدولي كان حائلاً دون احداث زيادة مباشرة للتخصيصات
ولذا فما بين مطرقة الكلفة الاجتماعية وسندان قرارات رفع الدعم
تقرر اضافة المبالغ المكملة لاحتياجات مواد البطاقة حتى نهاية
العام الى الموازنة التكميلية بالاعتماد على فروقات زيادة اسعار
تصدير النفط الخام.
ومما زاد الامر سوء فان ازمة الجفاف وقلة الامطار فضلاً عن شحة
وانحسار مياه نهر دجلة ومشاكل توفير مياة الري وخاصة لمحصول الشلب
سبب خسارة المزارعين لبذورهم التي بذرت في الارض لهذا الموسم
الزراعي وخاصة في المنطقة الشمالية التي تعتمد على مياه الامطار
ومن المعلوم ان حاصل الحنطة والشلب يساهمان بنسبة من احتياجات
البطاقة التموينية لهذين المحصولين ولذا فأن تفاقم هذين السببين
ارتفاع الاسعار العالمية للحبوب وما يلاقيه المزارع العراقي من
ازمة الجفاف وقلة المياة وخسارة البذور وقلة الحاصل والخسارة
المادية الكبيرة تعد من التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد.
اجراءات الدولة ومقترحات
اولاً :- كيف تواجه الدول ازمات مشابهة
تتحدث التقارير وآخر اخبار الاهتمام العالمي بازمة الغذاء
وارتفاع اسعار المواد الغذائية التي يصاحبها عادةً ازمات ومسؤولية
اجتماعية لها كلفة باهضة على الدول والحكومات خاصة وان مجلس حقوق
الانسان التابع للامم المتحدة اعتبر ازمة الغذاء انتهاكاً جسيماً
لحقوق الانسان وقد شهدت العديد من دول افريقيا واسيا تظاهرات
ومسيرات احتجاجية مناهظة لحكوماتها بسبب ارتفاع الاسعار ومطالبة
بحل مشكلة شحة الغذاء وبناءً على ذلك فان الدول واجهت هذه الازمة
بالعديد من الاجراءات تحسباً لازمات قد تتفاقم في الايام القادمة
وكان من بين هذه الاجراءات :-
1- على مستوى الدول والقارات باتخاذ قرارات من قبيل زيادة
التخصيصات المالية لدعم القطاع الزراعي كما حصل في افريقيا اذ
سيفرج البنك الافريقي للتنمية عن حوالي 250 مليون دولار لغرض شراء
الاسمدة وتطبيق برامج لخفض الخسائر الزراعية بسبب تغير المناخ.
2- البدء بتطبيق انظمة لدعم اسعار المواد الغذائية والمنتجات
الزراعية وفرض القيود على الصادرات وبحث سياسات التعريفة الكمركية
وخفض الضرائب على الوارادات من الاغذية.
3- ماصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الاخير في شرم الشيخ من
توصيات لحل الازمة والمتمثل باشراك القطاع الخاص بشكل فاعل
والتاكيد على دورهم الاجتماعي لتقديم الخدمات في بلدانهم ومشاركة
الحكومات باقامة مراكز التدريب واعداد الشباب لزجهم في سوق العمل
وخفض مستوى الفقر.
4- اتخذت عدد من الدول تبلغ 21 دولة تقريباً سياسة تقييد اسعار
سلع بعض المواد الغذائية المهمة باعتبارها خطوة تدخل مؤقت لمحاربة
التضخم وان لهذه الخطوة مشاكلها وعواقبها واهمها تاثير الانتاج
الزراعي والصناعي المحلي والتجارة خاصة اذا اتخذ هذا التقييد في
الاسعار سياسة بعيدة المدى، وان خطوة مثل هذه لا تلائم دولاً
كالعراق مثلاً الذي يعد مستورداً للمواد الغذائية الاساسية كالحبوب
اذ تزيد هذه الخطوة من التكلفة والعبء المالي على الدولة كما يحصل
حالياً في نظام البطاقة التموينية.
5- من الامور المهمة التي دعت اليها دول الخليج هو توحيد عملة
تلك الدول اذ اعتبرت ان الوحدة النقدية تجنب المنطقة رفع قيمة
عملاتها على حده وعلاج لتفاقم التضخم وغلاء المعيشة الذي لم تعد
تجدي معه زيادة الرواتب والاجور وتأتي هذه الدعوة في ظل دراسة لفك
ارتباط عمله بعض دول الخليج بالدولار.
ثانياً :- اجراءات الحكومة العراقية
متمثلة بموازنة عام 2008
ضمت موازنة عام 2008 تخصيصات مالية استهدفت امرين الاول دعم
الشرائح المحتاجة والفقيرة والمتضررة ضمن منافذ مختلفة منها
تخصيصات شبكة الحماية الاجتماعية وتخصيصات تعويض الضحايا والمهجرين
لابعاد شبح الفقر والعوز مع الاخذ بنظر الاعتبار ان يكون الدعم
باتجاه الدفع نحو العمل والانتاج ضمن تخصيصات للقروض الصغيرة التي
تمنح للعاطلين عن العمل لحثهم على انشاء مشاريع قليلة الكلفة توفر
فرصة عمل وتخفض من البطالة.
اما الامر الثاني وهو ما يهم مبحثنا الحالي دعم العاملين في
مجال الزراعة وخاصة مزارعي الحبوب (الحنطة والشعير والرز والذرة)
فضلاً عن دعم مربي الدواجن ودعم اسعار البذور والاسمدة واسعار
مشتقات نفطية للمزارعين واعانات زراعية اخرى. فضلاً عن تشجيع
العاملين في هذا المجال من تخصيص مبالغ لاقراض صغار المزارعين
وتخصيص راسمال للمصرف الزراعي المعني باقراض المشاريع الزراعية.
ويأتي ذلك متزامناً مع ما اطلقته الحكومة من مبادرة زراعية خصص
لها 600 مليار ديناروباشراف رئيس الوزراء شخصياً لدعم القطاع
الزراعي.
ان التخصيصات جاءت مع قرارات مهمة في صالح المنتوج الزراعي
المحلي المدعوم من محاصيل الحبوب مما يحد من منافسة المنتوج
المستورد ونحن بحاجة لقرارات مماثلة لدعم المنتجات الزراعية الاخرى
كالطماطة والخضروات والفاكهة التي اغرقت اسواق العراق من شتى انحاء
العالم وبأرخص الاثمانمما جعل منتوجنا الزراعي لايقوى على المنافسة.
بيد ان جميع هذه الاجراءات لم تساهم في جعل المزراع المحلي
يصمد اتجاه ظرف غير محسوب كالذي يواجهه العالم حالياً فضلاً عن
موجة الجفاف الذي مرّ به العراق مما سبب خسارة المزارعين لحبوبهم
المبذورة في الارض والارتفاع العالمي لاسعار الحبوب مما لايتلائم
ومستوى دعم الحكومة لاسعار الحبوب المحلية وان دولاً اكثر استقراراً
من العراق ولا يملكون فائضاً نقدياً من فروقات اسعار النفط الخام
الا انهم اتخذوا اجراءاً سريعاً بزيادة مستوى الدعم لاسعار الحبوب
في بلادهم بما يتماشى مع ارتفاع اسعارها عالمياً وبذلك يتم تشجيع
المزارع على زراعة هذه المحاصيل ويقلل من الهجرة المعاكسة.
كما ان التخصيصات عادةً لاتعني صحة الاجراءات فها هي المبادرة
الزراعية التي خصص لها مبلغاً ضخماً لم تظهر ملامحها واوجه انفاقها
مع ان من اهم ما وضع من آليات لتنفيذ هذه المبادرة هو الاهتمام
بالموارد المائية والسعي للوصول الى اتفاقية مع دول الجوار (سوريا
وتركيا وايران) لتحديد حصة العراق المائية ولعقد اتفاقيات ملزمة مع
الدول المتشاطئة مع العراق وبموجب القوانين الدولية وان عدم تفعيل
آليات تنفيذ المبادرة دليل واضح على ضعف المفاوضات من الجانب
العراقي بأتجاه انتزاع حقوقنا المائية.
ثالثاً :- اصلاح نظام البطاقة التموينية
يبين الجدول ادناه ما خصصته الحكومة لهذا النظام على مدى
السنوات الثلاث الماضية وهذا العام
السنة التخصيص
2005 4 مليار دولار
2006 3 مليار دولار
2007 117ر3 مليار دولار
2008 928ر3 مليار دولار
الا ان المواطن العراقي ما زال يعاني من سوء التوزيع وانسيابية
مفردات البطاقة التموينية وبالرغم من ان هذا النظام يعد الضمان
الوحيد لامان الفرد العراقي غذائياً الا انه في كثير من الاحيان
لاياتي متناسباً مع الحاجة وخاصة في المناطق الريفية والنائية
والفقيرة وهي الاكثر احتياجاً لسلة الغذاء ولذا اصبح من المهم في
ظل الظرف الحالي الاسراع في تنفيذ القرارات التي اتخذت منذ مدة من
قبل وزارة التجارة في اجراء الاصلاحات والتعديلات في نظام البطاقة
ليشمل الشرائح الاكثر احتياجا مع حجبهاعن الشرائح ذات الدخل
المرتفع وهذا كما نعلم يتطلب احصاءاً لعدد المشمولين بالبطاقة
وبذلك يمكن اتخاذ الخطوات اللاحقة من زيادة الكميات وتحسين
النوعيات واضافة فقرات اخرى مما يضمن وصول سلة الغذاء الى الشرائح
المحتاجة والتي تضررت فعلاً في ازمة ارتفاع الاسعار.
وفي الختام ربما سائل يسأل ان كان ارتفاع اسعار النفط الخام احد
اسباب ازمة ارتفاع المواد الغذائية في بلدان لاتنتج النفط فكيف
ببلد عضو في منظمة الاوبك وينتج حالياً 2.5 مليون برميل يومياً
ويعد عاملاً مهماً في امداد الطاقة كما اشارت ندوة حول الطاقة على
هامش منتدى الاقتصاد العالمي الذي انعقد مؤخراً في شرم الشيخ.
هل يعد منطقيا تأثير ارتفاع اسعار الاغذية والحبوب على وجه
التحديد مماقد يسبب ازمة داخلية حقيقة تعاني منها الاسرة العراقية
؟؟
* عضو مجلس النواب
...............................
FAO Food Price Index
Cereals Food Price Index
FAO
Food Price Index |
Cereals |
Food
Price Index |
|
87
89
97
101
111
106
124
172
148
150
159
160
171
195
201
203
224
238
281
280
284 |
92.7
94.5
94.1
102.3
114.4
117.3
127.4
157.4
141.7
144.4
151.2
155.8
161.6
171.4
175.3
180.6
187.3
196.3
215.8
218.4
218.2 |
2000
2001
2002
2003
2004
2005
2006
2007
2007
April
May
June
July
August
September
October
November
December
2008
January
February
March
April |
|