العمالة الاوروبية ورحلة العودة من الغرب إلى شرق

 

شبكة النبأ: تراجعت بعض الدول في الإتحاد الاوربي مع تقدم واضح للبعض الآخر في أستقبال اليد العالمة والتعامل معها ومع خبرتها، ومن هذه الدول هي الدول الأوفر حظا كما هو معروف، لذا تغلبت شرق أوربا بإستقطاب النازحين إلى غرب أوربا في بريطانيا وضمنت عودتهم إلى الديار. حيث بعد أربع سنوات من سفر مصمم الرسم التوضيحي (الجرافيك) البولندي كريس ريتشتر الى بريطانيا بحثا عن فرصة عمل وللدراسة بوصفه من مواطني الاتحاد الاوروبي عاد مع زوجته الى الوطن.

عاد الزوجان ليشيدا منزلا بأحد ضواحي العاصمة وارسو في إطار اتجاه متزايد للعودة من جديد للشرق.

وقال ريتشتر (27 عاما) لرويترز: استغرق عثورى على وظيفة في وارسو ثلاثة أيام فقط. لم نعتبر بريطانيا وطنا لنا أبدا .. ذهبنا للمغامرة وكسب بعض الخبرة المهنية.

ولا يبرز ذلك النمو الاقتصادي القوي في الاعضاء الجدد في الاتحاد الاوروبي والتباطؤ المتسارع في بريطانيا فحسب بل أيضا سرعة تكيف الجيل الاصغر سنا في اوروبا الذي يتحلى بطابع عملي مع أسلوب العمل في اقتصاد القرن الحادي العشرين في ظل العولمة.

وأتت سابينا زوجه ريتشتر بوظيفتها في شركة تأمين ائتماني مقرها لندن معها إلى وارسو.

وتقول: في عالم اليوم مع موجود أجهزة الكمبيوتر والهاتف المحمول لا ينبغي أن اتواجد في المقر الرئيسي كما كان الحال في السابق. يمكنني الجلوس هنا في وارسو ولدي المرونة لاداء وظيفتي بغض النظر عن المكان.

ومع رخص تكلفة السفر زاد عدد الرحلات بين وارسو ولندن عشرة أمثال تقريبا منذ انضمام بولندا للاتحاد الاوروبي عام 2004 وأبرزت حالة الزوجين إن الهجرة في أوروبا لا تسير في اتجاه واحد دائما على عكس الاعتقاد السائد.

ورصد اقتصاديون اتجاها لتنقل الافراد بين الدول بعد فترات إقامة قصيرة بحثا عن ظروف أفضل. بحسب رويترز.

وجاء في تقرير حديث لمعهد ابحاث السياسة العامة البريطاني إن إحصاءات الهجرة داخل الاتحاد الاوروبي الذي يضم 27 دولة غير دقيقة لكن نحو نصف مليون نسمة انتقلوا الى بريطانيا من شرق اوروبا منذ عام 2004 عادوا لبلادهم بالفعل.

وتفيد بيانات الحكومة البريطانية إن طلبات العمل من ثماني دول في شرق أوروبا انضمت للاتحاد الاوروبي عام 2004 انخفضت بنسبة 13 في المئة في الفترة من يناير كانون الثاني الى مارس اذار من العام الماضي.

وتشجع الاتجاهات في سوق العمالة في الاونة الاخيرة كثيرين من المهاجرين من شرق اوروبا على العودة الى الوطن وتريد الحكومة البولندية عودة مواطنيها للمساعدة في سد النقص في العمالة الذي يؤجج تضخم الاجور في وقت تسجل فيه أسعار الغذاء والوقود زيادة سريعة.

كما يشكل ذلك اتجاها ايجابيا للاقتصاد البولندي الاوسع وتقول مالجورزاتا تشرفينسكا وهي سمسارة عقارات في وراسو ان نحو 20 في المئة من الشقق التي تبيعها يشتريها مهاجرون عائدون يدفعون بصفة عامة الثمن نقدا من أموال ادخروها في الخارج.

كانت بريطانيا وايرلندا والسويد هي التي فتحت أسواق العمل لمواطني شرق أوروبا عام 2004 وتبعتها ببطء دول أخرى أقدم في عضوية الاتحاد الاوروبي وتقدم فرنسا على خطوة فتح سوق العمل في يوليو تموز.

ويبلغ تعداد سكان بولندا 38 مليون نسمة وهي أكبر دول شرق أوروبا التي انضمت لعضوية الاتحاد عام 2004 . وانضمت بلغاريا ورومانيا للاتحاد الاوروبي في 2007.

والعوامل الاقتصادية هي الدافع الرئيسي الذي يحذب البولنديين للعودة لبلادهم.

من جانبه قال مايكل ديمبنسكي رئيس غرفة التجارة البريطانية البولندية في وراسو: ارتفع الزلوتي (العملة) البولندي نحو 40 في المئة مقابل الاسترليني منذ عام 2004 لذا ينبغي أن يعود المواطنون.

وتابع، في ظل الفارق بين تكلفة المعيشة في البلدين ليس هناك معنى لان تكون مهاجرا اقتصاديا في المملكة المتحدة في الوقت الحالي.

ويجد المهاجرون البولنديون الذين يدخرون لتحويل النقود لوطنهم إن قيمة المال الذي يكسبونه بشق الانفس في الخارج تقل عما كانت عليه من قبل.

ونما اقتصاد بولندا 6.1 في المئة في الربع الاول من عام 2008 ونما اقتصاد سلوفاكيا 8.7 في المئة وجمهورية التشيك 5.4 في المئة. بينما من المتوقع أن تسجل بريطانيا التي تعاني من أزمة دين عالمية وأسعار منازل متهاوية معدل نمو 1.8 في المئة فقط في عام 2008.

كما ان كثيرين من الاوروبيين الشرقيين في بريطانيا وايرلندا يعملون في قطاع البناء والقطاعات المتصلة به والتي اضيرت بشدة من تباطؤ الاقتصاد.

ومما يزيد من اغراء العودة للوطن زيادة الاجور في شرق أوروبا فقد ارتفعت الاجور في قطاع الشركات في بولندا بنسبة 12.6 في المئة في أبريل نيسان مقارنة بنفس الشهر قبل عام ويرجع ذلك جزئيا لقلة العرض بسبب الهجرة.

ولا يزال بوسع اوروبيين شرقيين كسب الكثير في اقتصاد بلغ مرحلة النضوج مثل بريطانيا عما يكسبونه في بلادهم ولكن هذه الميزة تتلاشى عند وضع تكلفة المعيشة الاعلى في بريطانيا في الاعتبار.

ويدرس مارسين كيكوت (27 عاما) الانجليزية في وراسو عقب عودته من لندن قبل أشهر قليلة ويقول: ذهبت الى لندن لادخر بعض المال. امضيت وقتا جميلا ولكن لم ادخر بنسا.

ويضيف، حين عدت الى وارسو عرض على ثلاث وظائف على الفور تقريبا. ولكن ربما ليس من السهل العثور على وظائف في بعض البلدات الاصغر. لي صديق بولندي لا يزال في لندن وهو يريد العودة ولكنه يخشى الا يجد وظيفة هنا.

وسافر عدد كبير من البولنديين الى بريطانيا حين بلغت نسبة البطالة في بولندا حوالي 20 في المئة. وتراجعت هذه النسبة في الوقت الحالي الى 10.5 في المئة.

كما ان العوامل الثقافية والشخصية توضع أيضا في الاعتبار. ففي ادنبره رفض توميك الذي يعمل حارسا في ملهى ليلي ذكر اسم العائلة حفاظا على سمعته حين يعود لبلاده وهو ما ينوي ان يفعله قريبا.

ويقول: ساظل دائما أجنبيا (في بريطانيا).. أحب عالمي. إنه أفقر ولكنه عالمي. لا يمكنني القول إن الوضع سيء هنا ولكن يمكن ان أعيش في نفس المستوى في بولندا.

ومثل كثير من الاوروبيين الشرقيين يشكو البولنديون من العمل في وظائف بسيطة في الغرب أقل بكثير من قدراتهم او مستواهم التعليمي.

وتقول ميروسلافا موزولوفا التي عملت في سلسلة مطاعم برت ايه مانجر: لن اندم ابدا على العام الذي قضيته في لندن.. ولكن من (منظور مهني) كان مضيعة للوقت. وتعمل المواطنة السلوفاكية حاليا منسقة جودة في شركة طيران منخفضة التكلفة في براتيسلافا.

ورغم مثل هذه الشكاوي وتغير الموازين الاقتصادية ينوى كثيرون من الاوروبيين الشرقيين في بريطانيا البقاء على الاقل في الوقت الحالي. وتزوج عدد كبير منهم من سكان محليين واشتروا عقارات ولديهم وظائف جيدة لا يريديون التخلي عنها.

وتدير جوانا مايكرزاك حانة في ادنبره بالقرب من أربع متاجر بولندية مع شريكها الايرلندي.

وتقول: اعتقد ان من جاءوا من اجل المال فقط غادروا الان. تركوا أسرهم في بولندا والان تم لم الشمل. ولكن كثيرين من البولنديين يبقون ويترقون. يصبحون مديري حانات او مديرين في شركات نظافة.

ويستبعد ديمبنسكي من غرفة التجارة البريطانية البولندية عودة جماعات معينة مثل رجال الاعمال والاطباء ويضيف، لا يزال تأسيس أعمال في بريطانيا أسهل منه في بولندا لان الروتين لا يزال سيئا. دفع الضرائب وتوظيف عاملين والاستغناء عنهم أسهل.

وتابع، ان مهنا تتطلب مهارات عالية مثل الاطباء لا يزال دخلها في بريطانيا اعلى منه في بولندا ست مرات تقريبا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء  25/حزيران/2008 - 21/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م