في مهرجان الزواج الجماعي، وفي تلك الساحة التي شهدت العديد من
المهرجانات وكتبت عنها الصحف الكثير... ومنها أخذت هذه الفكرة
تنتشر في ربوع البلاد...
هناك حيث تجتمع القلوب، ويتلاقى الأصدقاء، التقيت بصديقي العزيز
(محمد) وكنتُ منذ زمن طويل لم أره، وكم كانت لحظات اتسمت بالسعادة
والفرح، فما أجمل أن يلتقي المرء بأخيه الذي تجمع بينهما الذكريات،
وبعد أن تحدثنا عن أوضاعنا، وكيف عمل الزمن على تفريق الشمل
الجامعي، بعد هذا جلسنا لتناول طعام العشاء.
وبعد مرور ما يقارب النصف ساعة، جاء أحدهم بطبق من الأرز واللحم
واعتذر عن التأخير وذلك بسبب الزحام.
قلت له: كان الله في عونكم يا أخي الفاضل...
وذهب الشاب ليعمل على خدمة الآخرين، فيما كنا نتابع أحاديث
الجامعة... للحظات، وإذا الكلمات الفولاذية، كلمات لم أكن قد
سمعتها منذ زمن طويل وظننت أن الناس قد نسيتها... رصاصات من
الكلمات صارت ترشق جميع العاملين في هذا المهرجان… كان أحدهم يتحدث
بصوت مرتفع: " أنتم... إلى متى سنبقى هكذا دون عشاء... أين تنظيمكم...
ما هذه الفوضى... أنتم تضحكون على الناس... حتى هنا الواسطة تعمل
عملها... "
نظرت خلفي لأجد أحد الشباب... الثوب الأنيق، والشماغ الملكي،
وذلك العقال الإماراتي ... شخصية في غاية الأناقة سألتُ نفسي:
أيكون هذا هو المتحدث بهذه الكلمات؟ ! لا أظن ذلك... منظره لا يدل
على هذا...
ودققت النظر جيداً... أعرفه... نعم أعرفه... إنه هو زميلنا في
الثانوية... قلتُ لمحمد: أتعرفه؟!
قال محمد: لا... لا أتذكره...
قلتُ: ربما نسيته... أما أنا فأتذكره جيداً... إنه جاسم...
زملينا في الثانوية... لقد تغير كثيراً... ما هذه الأناقة؟!
دنوتُ منه سألته: هل تذكرني يا جاسم؟
شمخ بأنفه: ومن تكون أنت أيضاً؟! هل أنت أحد أقرباء العرسان؟
قلتُ: لا وإنما أنا زمليك (علي) هل تذكر أيام الثانوية؟!
نظر في وجهي ثم قال بعد أن ابتسم: نعم تذكرتك، نعم أنت الطالب
المجد علي.
وبعد تبادل التحيات، وبعد أن عرفتُ أنه يعمل في إدارة أحد فروع
البنك (... ) دعوته للأكل معنا في ذلك الطبق الذي حصلنا عليه بشق
الأنفس...
ودار الحديث عن موعد زواجي...
قال محمد: أنصحك بالزواج في هذا المهرجان لأنه يحمل أهداف سامية
جداً.
قال جاسم ساخراً: الزواج الجماعي يحمل أهدافاً سامية ! أظنها
دانية وليست سامية...
وضحك ساخراً... ثم أردف قائلاً: أين التنظيم يا أستاذ محمد؟
وأين المستقبلين للضيوف وكبار الشخصيات...؟ إني لا أرى سوى
الفوضى... أليس من المفترض أن تكون هناك لجنة تنظم هذا المهرجان...
لجنة للأرز وأخرى للفاكهة... وأخرى للمشروبات (الماء والبيبسي...)
وقبل هذا لجنة للشخصيات مثلي...
قال محمد: أنا لم أقل هكذا بل قلت أهداف سامية من قبيل توحيد
الصف وتشكيل القوة، وإشاعة أجواء الفرحة العامة في البلد، وإشاعة
أجواء الألفة والمودة... أضف إلى هذا أن ( يد الله مع الجماعة)...
قال جاسم: هذا تفكير أكل عليه الدهر وشرب حتى ارتوى...
في هذه الأثناء كانت مجموعة من الأطفال تركض حتى تعثر أحدهم
وكان يحمل علبة بيبسي فسقط على الأرض وأصابت بعض القطرات ثوب جاسم
الأنيق...
فما كان منه إلا أن نهض ثائراً وصفع الطفل على وجهه...
قلتُ له: ماذا فعلت يا أنيق...
قال غاضباً: ألا ترى ماذا فعل... أ مثلي يتسخ ثوبه هكذا...؟!
وهذه نقطة ضعف في هذا المهرجان، لماذا يدعون الأطفال يحضرون مثل
هذه الأماكن، ألم يكن الأجدر بهم أن يصنعوا لهم قاعة بمفردهم، أليس
عيباً أن تتسخ ملابس الشخصيات من جراء لعب أطفال؟!
إني أنصحك يا علي أن لا تتزوج في هذا المهرجان... ثم أنظر هل
ترى آباء المتزوجين؟ انظر إليهم... إنهم كالغرباء في هذا المهرجان،
عزيزي تزوج بمفردك ودعك من كلام الأستاذ محمد.
غضب محمد وقال: هل جئت إلى هنا لتصطاد السلبيات... لماذا لا
تنظر إلى الإيجابيات؟ ألا ترى تعب القائمين على هذا العمل... لماذا
لا تتقدم بكلمة ( شكراً لكم على مجهودكم ) بدلاً من النقد
التافه، ولماذا أنت تنتقد في هذه الدائرة لماذا لا تتقدم بمقترحاتك
إلى العاملين في المهرجان... اسمح لي أن أقول عنك إنك إنسان
سلبي...
قال جاسم: هكذا إذاً أيها الإنسان المثقف الواعي... أتعتقد أني
حضرت إلى هنا لتناول طعام العشاء؟ أنت مخطأ يا أستاذ... فمثلي لا
يأكل في هذه الصحون...
غضب محمد حتى تطاير الشرر من عينيه وصرخ في وجه جاسم وقال: هيا
اذهب إلى الفنادق والصالات فهي تناسبك هيا اذهب...
وذهب جاسم بعد معركة كلامية طويلة كادت أن تشتبك فيها الأيدي...
ذهبنا إلى موقع الغسيل... وهناك كانت المفاجأة وجدنا جاسم قد
تعارك مع أحدهم واتسخت ملابسه بصورة لا يمكن وصفها...
وعندما أردنا الخروج مودعين أقرباء المتزوجين وجدنا جاسم وكأنه
يبحث عن شيء ما، اقتربتُ منه وسألته: عما تبحث أيها الأنيق؟ ولماذا
ثيابك متسخة هكذا؟ ألم يكن من الأفضل لك أن تحضر بثياب تناسب هذه
الدعوة...؟
قال جاسم بعد أن رأى السخرية في وجهي: أتسخر مني؟ انظر ماذا
فعلوا بي؟ لقد سرقوا حذائي... ألم يكن من الأفضل لهم أن يعينوا
شخصاً يكون مسئولاً عن الأحذية؟ !
ضحك محمد وقال: بل كان عليك أن تكون أكثر حرصاً على حذائك يا
أنيق... |