قضايا عراقية: أمل كبير في المواصلة رغم الظروف

21-6-2008

اعداد: ميثم العتابي

 

شبكة النبأ: رغم كل المآسي التي مرت وتمر على هذا الشعب الذي كافح لعقود متعاقبة، وما خلفه الاحتلال الامريكي من ندب وجرح عميق فيه، ورغم كل المخاوف التي تلفه من النظر إلى المستقبل المجهول، يبقى العراقي متحديا لجميع تلك الصعاب ليشق بأمله عباب الحياة ويرفع بكاهله من على سور وطنه تراب الامس المرير.

(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي نسلط الضوء على جانب من بعض الحياة اليومية للفرد العراقي، مع عرض للهموم والامراض النفسية والأجتماعية التي أصابت المواطن العراقي:

معالجة المرضى العرقيين عبر الإنترنت من الصدمات النفسية

كشفت خبيرة في الطب النفسي عن مشروع رائد للعلاج المعرفي "Interapy" عن طريق الإنترنت، والمخصص للعراقيين الذين يعانون من اضطراب الشدة ما بعد كرب، كالحروب، وفقدان شخص عزيز أو مرض.

وكشفت الطبيبة والمعالجة النفسية نهلة الحاج حسن، التي تدرس الطب النفسي في جامعة دمشق، أن المشروع، الذي أطلقته جامعة زيوريخ في سويسرا، بالتعاون مع مركز معالجة ضحايا التعذيب في ألمانيا، أثبت نجاحه بعد اعتماده في أوروبا ومع بعض المرضى السودانيين.

وقالت الطبيبة: إنه ومع أحداث العنف في العراق، تم الاتفاق على إنشاء مركز افتراضي للعلاج بطريقة "Interapy"، أو العلاج النفسي المعرفي بواسطة الانترنت، الذي يعتمد على مراسلات تتم بين المريض والمعالج لفترة خمسة أسابيع، عبر موقع معد خصيصا لهذا الغرض، ومن ثم تتم متابعة المريض من قبل معالج عربي واستشاريين خبراء في زيوريخ وبرلين، لمراحل ستة من العلاج.

وأقرت الحاج حسن بصعوبة المشروع في البداية لعدم توفر إمكانية الربط بالإنترنت لشريحة واسعة من الشعوب العربية، خاصة بالعراق، بسبب الإمكانيات المادية المحدودة، وانقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه مستمر. بحسب (CNN).

لكنها قالت إن الردود الإيجابية التي وصلتها كانت مشجعة، إذ اتصل بالقائمين على المشروع حتى الآن أكثر من 10 أشخاص يعانون مما أسمته بـ"اضطراب الكرب بعد شدة.

الحاج حسن الموجودة حالياً في سويسرا، كمشرفة على المعالجين النفسانيين العرب الذين يتدربون تحت إشراف خبراء في مدينة زيوريخ، قالت إن مركز كركوك المتخصص في العراق، يعتبر من أبرز المؤسسات التي تتعاون على تطبيق المشروع على مرضاه.

ولفتت إلى أن العلاج مخصص للعرب وتحديدا العراقيين، أينما كانوا، مشيرة إلى أنها شاهدت الكثير من المرضى العراقيين في سوريا أيضا.

وخلصت الطبيبة إلى أن ما يميز هذا العلاج هو أنه مجاني، كما يحدد كل معالج إرشادات خاصة للمريض من خلال الكتابة عن الموضوع الذي يشغله، والفترة التي ستستغرقها المراسلة بشأنه، إضافة إلى النقاط التي يجب التركيز عليها.

وشددت على أن المشروع الذي يمتد على مرحلة سنتين، هو خطوة جديدة ومضمونة لمد يد المساعدة للكثير من العراقيين الذين ربما يشعرون بالخوف واليأس من نسيان بعض الأمور أو تجاوزها، والاستمرار في الحياة إلى الأمام.

عراقيون: مواصلة البحث عن ذويهم حين خرجوا ولم يعودوا

يدقق عشرات من العراقيين اسبوعيا في غرفة شبه مظلمة في مبنى الطب العدلي في بغداد في صور ضحايا لم يبق من بعضها سوى الرؤوس او الاشلاء وذلك في محاولة للعثور على شقيق او قريب خرج ولم يعد بسبب اعمال العنف.

ومن خلال نظرات يملؤها الخوف الى صور يبثها جهاز كمبيوتر يبحث جميع الذين جاؤوا من مختلف مناطق العراق بقومياته وطوائفه عن علامة فارقة في الوجوه والاجساد لعلها تساعد في العثور على جثة مفقود من الاهل او الاقارب.

وتقول فضيلة (48 عاما) التي تبحث عن ولدها بعد خروجها من الغرفة: لم اجد صورته بين الضحايا. وفقد نجلها مصطفى بستان (27 عاما) وهو اب لطفلين بينما كان في طريقه الى عمله في كانون الاول/ديسمبر الماضي.

وتؤكد الام التي ترتدي حجابا اسود اللون: لم يعد ابني مصطفى بعد ان غادر المنزل في سيارته البيضاء. بحسب فرانس برس.

وتواظب فضيلة التي تتحمل نفقات زوجة ابنها مصطفى وطفليه على المجيء الى الطب العدلي كل اسبوع آملة بالعثور على جثة ابنها او ما تبقى منها. وتتابع: من المؤلم حقا اختفاء ابني خلال مرحلة شهدت انخفاضا في اعمال العنف في بغداد. في اشارة الى تحسن الاوضاع الامنية اثر انتشار قوات اميركية وعراقية ضمن خطة "فرض القانون".

ويشار الى ان شارع حيفا في جانب الكرخ (غرب دجلة) حيث تسكن فضيلة كان معقلا للمتمردين. وتضيف فضيلة: خلال تصاعد اعمال العنف انتقلنا الى مكان اخر في بغداد اكثر امنا لكننا عدنا مع انخفاض وتيرة العنف وبعد يوم من عودتنا اختفى ابني وانا متأكدة من خطفه وقتله وما اريده الان هو الجثة.

وتشير احصائيات الى مقتل اكثر من خمسمئة عراقي خلال شهر كانون الاول/ديسمبر 2007 فيما قتل خلال كانون الثاني/يناير من العام نفسه حوالى الفي شخص قضى معظمهم في اعمال عنف طائفية.

وقد اعلنت مجموعة "ايراك بودي كاونت" المستقلة في تقرير نشرته في كانون الثاني/يناير الماضي ان 24 الف عراقي قضوا خلال العام 2007 بسبب اعمال العنف. وتوضح المجموعة ان اعداد القتلى المدنيين في العراق بين آذار/مارس 2003 والاول من كانون الثاني/يناير 2008 يتراوح بين 81 الفا و88 الفا.

ورغم انخفاض اعداد القتلى في العام الماضي تشير احصائيات وزارات الدفاع والداخلية والصحة الى ارتفاعها مجددا بحيث قتل 1073 شخصا خلال نيسان/ابريل الماضي قضى معظمهم في اشتباكات بين قوات اميركية وعراقية وميليشيات شيعية.

من جهته يقول الطبيب منجد رضا علي مدير الطب العدلي في بغداد ان: اكثر من الفي جثة مجهولة الهوية تم دفنها في مقبرتي النجف وكربلاء (جنوب بغداد). واوضح: خلال تصاعد اعمال العنف كنا نحتفظ بالجثث لخمسة ايام فقط بسبب وصول جثث اخرى وبشكل يومي. واشار الى ان بعض الجثث كانت عبارة عن اشلاء مقطعة. وتستقبل مشرحة الطب العدلي مواطنين جاؤوا من مختلف مناطق البلاد للبحث عن جثث اقرباء لهم.

وتقول رونق علي وهي في الثلاثينات من محافظة ديالى المضطربة (شمال شرق بغداد): قطعت اكثر من سبعين كيلومترا للوصول الى المشرحة للبحث عن شقيقي رانزي.

اعتداء إيراني على قرى كردية بشمال العراق

لجأت عشرات العائلات من قرى مجاورة لايران في اقليم كردستان العراق الى الاقامة في خيم في منطقة قلعة دزه هربا من القصف المدفعي الايراني المتكرر لكنها تواجه ظروفا معيشية صعبة في ظل انعدام الماء والكهرباء.

وتقول حليمة محمد عبد الله (65 عاما) التي نزحت مع عائلتها: لا نعلم الى متى سنبقى في هذه الخيم بعيدا عن منازلنا ومزارعنا.

وتضيف حليمة التي ترتدي الملابس الكردية التقليدية ان: اكثر ما نخشاه هو التعرض للامراض وخصوصا الاطفال وسط هذه الاراضي القاحلة فحقولنا ومواشينا هي مصدر رزقنا ولا نعرف الى متى سنبقى في هذه المنطقة الجرداء. بحسب فرانس برس.

ويقيم منذ اشهر في حوالي خمسين خيمة نصبها الصليب الاحمر الدولي والامم المتحدة عشرات العائلات التي تعاني جراء انعدام الكهرباء والمياه الجارية الامر الذي يدفعها الى البحث عن الينابيع في المنطقة التي تبعد مسافة ستين كلم عن الحدود مع ايران.

ويؤكد مسؤولون في حكومة اقليم كردستان العراق ان ايران تقصف من حين لاخر عدة قرى داخل العراق يتمركز فيها حزب الحياة الحر الكردستاني (بيجاك ـ كردي ايراني معارض) من دون وقوع خسائر بشرية.

وتتبع القرى ناحية زاراوة الحدودية الواقعة في قضاء قلعة دزه (160 كلم شمال شرق السليمانية) وهي شناوه وماردو وسوركوله وباستيان واليرش ورزكه. وتعتبر المنطقة من معاقل حزب الحياة الحر المنضوي تحت راية حزب العمال الكردستاني ويمثله اكراد ايرانيون.

وبدأت القوات الايرانية بقصف المنطقة في اواخر سبتمبر 2007.

وتشتهر المناطق الزراعية حول القرى الحدودية مع ايران بزراعة الفواكه مثل التفاح والعنب والتين والرمان بالاضافة الى اشجار الجوز.

من جهته، يقول حمد رسول خضر (55 عاما) المقعد بسبب اصابته بشلل قبل اعوام ان: حياتنا قاسية جدا هنا.

ويضيف وهو يراقب اطفالا يتنقلون بين الخيم ونسوة يحضرن الطعام ان: الاوضاع سيئة للغاية ونعيش على مساعدات محدودة تقدمها لنا منظمات انسانية.

اما ابراهيم رحمن حسين (32 عاما) فيقول ان: العائلات عانت برد الشتاء الماضي والان تعاني حر الصيف نخشى على الاطفال من الامراض خصوصا مع نقص الخدمات الصحية وانتشار الافاعي والحشرات.

يؤكد مسؤول في حكومة الاقليم تقديم: احتجاج رسمي للامم المتحدة بعد تعرض القرى الى قصف ايراني.

ويقول ديندار زيباري منسق حكومة الاقليم لشؤون الامم المتحدة ان: حكومة الاقليم قدمت مذكرة احتجاج رسمية للامم المتحدة سلمتها الى مكتب الامم المتحدة في اربيل ولممثلية الامم المتحدة في بغداد.

ويضيف، طلبنا منهم اتخاذ موقف رسمي من القصف المدفعي الايراني للقرى الحدودية.

ويشير زيباري الى تعرض حوالي 12 قرية حدوية للقصف ما ادى الى نزوح قرابة 140 عائلة عن القرى المتاخمة لايران.

وتشهد محافظة اذربيجان الغربية الايرانية حيث توجد اقلية كردية كبيرة مواجهات من حين لاخر بين الجيش الايراني وناشطين اكراد ينتمون الى بيجاك.

وقد هدد بيجاك في ابريل الماضي بنقل المواجهات العسكرية الى طهران اذا استمرت عمليات قصف مواقعهم في الجبال الوعرة الواقعة ضمن المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وايران.

وكانت روناهي احمد عضو المكتب السياسي في بيجاك قالت في احدى القواعد العسكرية في جبال قندبل الواقعة في اقصى الطرف الشمالي للعراق: لا نستطيع السكوت اكثر على ما تقترفه ايران من هجمات ليس بامكاننا ان نبقى مكتوفي الايدي فايران تطاردنا بشكل يومي.

من قلب المآساة فنانة عراقية تستلهم الابداع في لوحاتها

تعكس لوحات الفنانة التشكيلية العراقية أزهار حميد الوجه القبيح للعنف في مدينة الفلوجة العراقية التي تمزقها الحرب والتي كانت معقلا لتنظيم القاعدة.

وبعد مقتل أحد أشقاء أزهار حميد (31 عاما) واعتقال شقيق اخر اتخذت مشاعر الفنانة اتجاها جديدا وبدأت تصور في لوحاتها مآسي الحياة المحيطة بها.

وكانت أزهار حميد قبل ذلك تستوحي مشاهد من الطبيعة في أعمالها لكن موضوعات لوحاتها تغيرت في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.

وقالت أزهار: كنت أرسم المناظر الطبيعية.. الاشجار.. البحيرات.. لكن الآن بعد أن جاء الاحتلال ودخلت القوات المحتلة تغيرت نفسيتي. بدأت أرسم المأساة والالم.. الحزن.. العنف في البلد. حاولت انه ارسمه. أحس انه متنفس لي بعد مقتل أخي واعتقال اخي الثاني.

وقتل مسلحون شقيق أزهار الاكبر في الفلوجة عام 2006 ثم بات شقيقها الاصغر في عداد المفقودين في بغداد في عام 2007.

وكانت الفلوجة معروفة بأنها معقل لمسلحين من السنة وشهدت العديد من المعارك بين المسلحين والقوات العراقية والامريكية. بحسب رويترز.

وفي ابريل نيسان عام 2004 شنت القوات الامريكية هجوما كبيرا على المسلحين في المنطقة دمر خلاله 70 في المئة من مباني الفلوجة. وأعقب ذلك هجوم اخر قادته قوات أمريكية في نوفمبر تشريون الثاني عام 2004 زاد في تدهور حالة المدينة.

وتركز أزهار حميد في لوحاتها على المرأة العراقية ومعاناتها من الحرب والعنف.

وقالت الفنانة: ينصب اهتمامي على المرأة. ارسم المرأة لانها هي التي يقع عليها الهم الاكبر. المرأة التي ترملت أوطلقت أو فقدت ابنها وزوجها... أحب اجسد شكلها وهي حزينة.. وهي متألمة. المرأة ما لها أي ذنب بهذا الشيء الا انها تعيش المأساة وتتألم.

وبالرغم من عدم وجود احصائيات تذكر يمكن الاعتماد عليها لعدد الارامل العراقيات تقدر وزارة شؤون المرأة أن أكثر من 300 ألف امرأة فقدن أزواجهن في بغداد وحدها وأن ثمانية ملايين امرأة عراقية ترملن في أنحاء البلاد.

وفقدت الاف العراقيات أزواجهن خلال الحرب بين العراق وايران في الثمانينات. وزاد عدد الارامل خلال حرب الخليج في أعقاب الغزو العراقي للكويت.

وذكرت أزهار حميد أنها تتمنى أن يرى العالم لوحاتها التي تعبر عن الوجه الحقيقي للمرأة العراقية وكفاحها في الحياة.

كما قالت الفنانة: أتمنى أو أطمح انه أظهر على الساحة العربية ثم العالمية.. ان أشارك بمعارض تقام خارج البلاد حتى أري العالم ان المرأة ليست حبيسة المنزل وانه المرأة العراقية امرأة جادة وعاملة ومثقفة وأم في نفس الوقت.

وبدأت أزهار حميد مشوارها مع الرسم في سن الثانية عشرة وعرضت لوحاتها في كل أنحاء العراق. وتلقت الفنانة دعوة من السفارة الامريكية في العراق للمشاركة بأعمالها في معرض فني بالولايات المتحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد  22/حزيران/2008 - 18/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م