منع ألعاب العنف للأطفال هل هو الحل الوحيد؟

 

شبكة النبأ: فيما لاتزال سياسة المنع هي الحل الأوحد والامثل لجميع انواع المشاكل التي تنشأ في العراق بَدَت جلسة البرلمان العراقي صاخبة وفاقَ عدد المطالبين بحق التحدث من النواب إلى أكثر من 35 نائبا من مختلف الكتل السياسية، لكن الجدل الدائر تحت قبة البرلمان لم يكن حول احد القوانين الخلافية الكبيرة كقانوني النفط والغاز وانتخابات مجالس المحافظات، بل كان يتعلق بمقترح قانون "منع استيراد الألعاب النارية والمفرقعات الصوتية".

وفي الأزقة القريبة من مقر مجلس النواب الواقع في المنطقة الخضراء وتحديدا في منطقة كرادة مريم الملاصقة لبوابات المنطقة المحصنة، حمل العديد من الأطفال في ظل شمس الظهيرة المحرقة في بغداد أسلحتهم البلاستيكية الشبيهة بالأسلحة الحقيقية واخذوا مواقعهم بعد أن انقسموا إلى فريقين.

احمد حسين 12 سنة، أو حمودي كما يحب أن يناديه الجميع، بدا ببندقيته الكلاشنكوف وحركاته الشبيهة بحركات جنود الجيش العراقي في الاقتحام والجلوس على ركبة واحدة، كأنما تم تدريبه في أفضل معسكرات الجيش العراقي.

لم تشهد منطقة كرادة مريم ومنطقة الصالحية الملاصقة لها أيضا، أية عمليات عنف طائفي، في فترة تنامي القتل على الهوية في البلاد، بسبب قربها من المنطقة الخضراء والتشدد الأمني الواضح فيها، لذا فان الأطفال من الفريقين يمثلون عددا لا بأس فيه من الطوائف والأديان العراقية، فالمنطقة معروفة أيضا بتواجد مسيحي كبير فيها. بحسب تقرير لـ نيوزماتيك.

حسين محسن والد الطفل احمد الذي كان يجلس على مقربة من منزله يراقب مبتسما حركات الأطفال القتالية، يقول "لا يمكن لقانون أن يزيل من ذهنية أطفالنا حب اقتناء العاب تشبه الأسلحة الحقيقة في ظل تواجد عسكري كبير في منطقتنا، وفي ظل مشاهد التلفزيون التي تعرض دائما قوات الجيش العراقي وهي تعتقل الإرهابيين".

ويستدرك قائلا "هذا يزيد حماسة الأطفال في ضوء ما يسمعوه في البيت من آبائهم، وهم يثنون على عمل الأجهزة الأمنية، أثناء عرض تلك المشاهد".

القيادي في قائمة الائتلاف النائب سامي العسكري يشير إلى "أن سماء بغداد اشتعلت رصاصا حقيقا عندما فاز المنتخب العراقي، مما يعني أن الكثير من العوائل العراقية تمتلك أسلحة خفيفة، استخدمتها للتعبير عن فرحها، وأمام أعين أطفالها".

ويحذر العسكري من أن "إطلاق النار للتعبير عن الفرح لهو اخطر وارسخ في ذهن الطفل من منع مسدسات الماء"، مستدركا "الحل يكمن في التوعية والتعليم في المدارس، وليس في إقرار قانون بالمنع، وهل سيتم اعتقال كل طفل يحمل مسدسا بلاستيكيا في الشارع؟ ،انه قانون ليس في مكانه"، بحسب العسكري.

وتنص المادة أولا من مقترح القانون "على منع استيراد وتداول أو التعامل أو البيع للألعاب النارية للأطفال بكافة أشكالها".

علي احمد، 37 سنة، يمتلك محلا لبيع العاب الأطفال والمستلزمات الرياضية في منطقة بغداد الجديدة جنوب شرقي العاصمة بغداد، يقول إن "العوائل التي تأتي لمتجره لشراء لعب لأطفالها تنقسم إلى فريقين، الأول يستمتع باختيار أسلحة لهم، والثاني يحاول إقناع أطفاله بعد شراء تلك اللعب لكن دون نتيجة، فالأطفال متمسكون بتلك الألعاب ويأخذ بعضهم بالبكاء إن رفض آبائهم شرائها".

رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفولة في البرلمان النائبة عن الائتلاف سميرة الموسوي تقول إن "هناك توجها عالميا لمكافحة الإرهاب وثقافة العنف التي يحاول الأطفال تقليدها، عبر امتلاك العاب شبيهة بالعاب الإرهابيين والمتقاتلين في كل إنحاء العالم، مما يمهد الطريق لانضمامهم للجماعات المسلحة مستقبلا، بسبب حبهم للقوة التي يظهرها أتباع تلك الجماعات المسلحة".

وتضيف عضو البرلمان أن "تشريع القانون سيكون خطوة مهمة للغاية في بلد تم عسكرته طوال أربعين عاما ،فاللعبة شيء مهم وأساسي في تشكيل شخصية الطفل، لذا قامت العديد من البلدان كان آخرها إسرائيل بحرق بتجميع تلك الألعاب وحرقها لما لها من تأثير سيء على تصرفاتهم".

وتشير الأسباب الموجبة التي تضمنها مقترح قانون الألعاب النارية إلى أن تلك الألعاب "تشيع ثقافة العنف، مما يخلق جيلا عدوانيا يؤمن بالقتل والصراع الدائميين، ويشكل خطرا تنشئة الجيل الجديد، وان القانون جاء لتقويم السلوك الاجتماعي وخلق جيل معافى من أفكار العنف".

رانيا احمد 24 سنة، والتي تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية في منطقة حي الجامعة ذات الغالبية السنية والتي كانت تسيطر عليها مجاميع القاعدة قبل حوالي عام ترى "أن نظرتها تغيرت نحو تلك الألعاب بعد تكون الصحوات في منطقتها، فبعد أن كانت تلك الألعاب تشجع الأطفال على تقليد رجال الجماعات المسلحة، أصبحت الآن دافعا قويا لهم لتأييد رجال الصحوة الذين يحاربون الإرهاب". على حد قولها.

رانيا احمد تبتسم، وتقول "لقد تغير الحال في مدرستي فبعدما كنت أرى التلاميذ ينقسمون إلى فريقين احدهم قوات أمريكية وعراقية والآخر تنظيمات مسلحة وهو دائما المنتصر، أخذت أراهم في ساحة المدرسة الخلفية ينقسمون إلى صحوة وجيش عراقي من جهة وتنظيم القاعدة من جهة أخرى، وتستدرك ضاحكة "وهم يلقون القبض عليهم كما في التلفاز ويمسكوهم من ياقتهم ليلقوا بهم في حمام المدرسة الذي هو بحسب هؤلاء الأطفال السجن للإرهابيين".

النائب عن جبهة التوافق حسين الفلوجي يقول إن "قضية المنع بسيطة جدا ولا تمثل مشكلة في المجتمع العراقي فطالما المشرع رأى أن هناك مصلحة تخدم الأجيال في منع تلك الألعاب، وان الجدل الكبير في البرلمان يمثل حالة صحية ،ويصب في مسرة الديمقراطية الناشئة ،فلا خير في برلمان ليس فيه خلاف".

هادي محمد 54 سنة، الذي يعمل في التدريس منذ 30 عاما يقول "أن مقترح القانون شيء جيد، لكن اعتقد أن الأمور بدأت تتجه نحو التهدئة، وسوف تزول تلك الألعاب والاهتمام بها تدريجيا بعد زوال المؤثرات التي تحفز على اقتنائها".

محمد الذي يسكن منطقة الحرية ذات الغالبية الشيعية يلفت إلى أن "تفكير الأطفال تحول ولو نسبيا بعد نجاحات الحكومة في القضاء على الجماعات المسلحة في أكثر من موقع، فقد أشرت اختفاء مباريات السنة والشيعة والتي كنت أتمزق عندما أراها وأحس أن ثقافة الطائفة ترسخت إلى الأبد في العراق".

ويعتقد محمد أن "معظم الأطفال الذين يدرسهم يقلدون الجيش العراقي الآن وهذا انجاز كبير للدولة، ومتى ما انتهت العمليات العسكرية وعادت الحياة المدنية سيبدؤون بتقليد الفنانين والرياضيين، لذا لا حاجة للمنع، فالمنع يجر منعا آخر وهذا ما لا نحتاجه في مجتمعنا".

ويتفق عضو لجنة الصحة والبيئة في البرلمان النائب عن التحالف الكردستاني آزاد عمر بامرني مع رأي التدريسي محمد، ويؤكد "أن من غير المنطق منع شيء على أساس سوء استعماله وخاصة فيما يتعلق بالمفرقعات الصوتية التي تستخدمها البلدان منذ قرون".

ويضيف بامرني "كان يجب الاكتفاء بقرار من مجلس الوزراء يمنع هذه الألعاب لسنتين بسبب الأوضاع الراهنة، لا أن يشرع قانون يمنعها لعشرين سنة قادة"، لافتا إلى "أن العقوبات في القانون مجحفة ولا تحمل لمسة إنسانية للمتعاملين بتلك الألعاب".

وتنص المادة اثنان على معاقبة المخالفين بالسجن لمدة ثلاث سنوات أو غرامة 30 مليون دينار عراقي أو بكلتيهما.

وتأخذ رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفولة في البرلمان نفسا عميقا وتقول "مثلما نحتاج إلى جهد كبير لتغيير طريقة تفكير الطفل العراقي وعائلته وحثهم على اقتناء العاب فكرية لا تشجع على العنف، فان اللجنة تحتاج إلى جهد اكبر لإقناع الكثير من النواب بان القانون ليس كماليا وغير قابل للتطبيق، وانه خطوة أولى لتنشئة جيل محب للسلام".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد  22/حزيران/2008 - 18/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م