المتشددون السعوديون.. فتنة للأمة

علي ال غراش

تحت عنوان الحوار الإسلامي والانفتاح ومواجهة الجهل والانغلاق\ انطلقت أعمال المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بمكة المكرمة، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي استقبل ضيفه رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، الرئيس الاسبق الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني بحفاوة بالغة، إذ شارك الضيف بدعوة خاصة من قبل العاهل السعودي، وهي دعوة تظهر مدى العلاقة المتميزة بين الزعيمين، والرغبة بتجاوز الظروف الصعبة التي تواجه الأمة.

المؤتمر (الإسلامي العالمي للحوار) واجه تحديا صعبا قبل انطلاق أعماله بسبب إصدار عدد من رجال الدين المتشددين السعوديين بيانا جارحا مسيئا ضد أبناء المذهب الشيعي "الشيعة".. مما شكل حرجا بالغا للدولة المضيفة السعودية. ولم يمنع ذلك من مشاركة المسلمين من الشيعة والسنة، وبحضور أكثر من 500 شخصية إسلامية، لمدة ثلاثة أيام، بهدف فتح الحوار الهادف بين أفراد الأمة الإسلامية من جميع المذاهب، وكذلك مع أتباع الديانات والملل والثقافات الأخرى في العالم، سعيا لنشر ثقافة التعايش والتسامح والاعتراف بالاخر بين المسلمين بعضهم بعضا، في فترة مرحلة زمنية صعبة حيث ساءت فيها العلاقات فيما بين المسلمين أنفسهم، وسط ارتفاع حالات الكراهية والتحريض، وتنامي نشطاء التشدد والعنف، ودعاة الطائفية البغيضة .. بشكل مخيف.

بعد انتهاء فترة المؤتمر قام ضيف الملك الشيخ هاشمي رفسنجاني بزيارة لبعض المدن السعودية، ومنها المدينة المنورة، ومنطقة عسير، وكان كل محب للوطن وللسلام يأمل أن تساهم هذه الزيارة الفريدة لمنطقة عسير من قبل ثاني أقوى شخصية في النظام الإيراني في تضييق فجوة الخلاف والاختلاف وسوء الفهم، وإشاعة مفهوم التعايش والانفتاح بين المسلمين وبالذات بين أفراد المذهب السني والشيعي في ظل التصعيد وإثارة النعرات الطائفية بين المذهبين، وتكون مصداق أهداف المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، وكلف حكومة خادم الحرمين الشريفين ميزانية عالية.

وكان من المأمول أن يكون الشعب السعودي على مستوى الحدث، وان يستوعب رسالة المؤتمر في نهج الحوار الهادف والعقلاني البعيد عن التعصب والتشدد، وان يرد على بيان بعض رجال الدين المتشددين في السعودية الذي أساء لأبناء طائفة إسلامية حاضرة في المؤتمر، وشركاء في الوطن، بشكل عملي عبر استقبال ضيف خادم الحرمين الشريفين بالترحيب والكرم اللائق بما يدل على أصالة وشهامة وعروبة هذا الشعب, وكدليل على رفضه لأسلوب التشدد والتكفير والإساءة لأبناء طائفة إسلامية كبيرة.

ولكن المثير ان بعض السعوديين مارسوا أسلوبا مخالفا لما هو لائق ومطلوب ومناسب، واثبتوا أنهم يعيشون في عالم ثان ـ وان فاقد الشيء لا يعطيه ـ حيث عبروا عبر المواقع الالكترونية عن موقفهم لزيارة ضيف الملك لمنطقة عسير بردود وعبرات وكلمات نابية وطائفية بغيضة، وألفاظ بذيئة غير محترمة تصنف بـ "الإهانة".. موقف وكلمات تؤكد وتدعم ما جاء في بيان بعض رجال الدين في السعودية الذي يطعن في أبناء المذهب الشيعي، وهو موقف أحرج القيادة والشعب السعودي، ومثل رسالة رد قوية وسريعة ومتشددة غير موفقة من داخل السعودية، على أعمال المؤتمر الذي يدعو للانفتاح والتسامح والحوار والاعتراف بالاخر.

في الحقيقة الردود المسيئة والجارحة والطائفية تظهر مدى ابتعاد شريحة من المجتمع السعودي عن رسالة التسامح والحوار والإيمان بالتنوع الديني والمذهبي والفكري ومدى تحجر العقليات والعصبية والتشدد والاستمرار في الانغلاق!

غياب ثقافة الحوار

الظاهر أن بعض فئات الشعب السعودي ـ والشعب العربي والإسلامي ـ بحاجة إلى أكثر من هذه المؤتمرات والندوات والفعاليات، لكي يؤمنوا بثقافة الانفتاح والتعايش والحوار مع الآخر المختلف في المذهب والدين والقبيلة والعرق والثقافة.

انهم بحاجة إلى ممارسة تلك الثقافة (الاعتراف بالاخر وبالحوار والتعايش) في الواقع داخل الأسرة والمجتمع والمدرسة من خلال المناهج التعليمية الخالية من الاساءات لبعض الملل والمذاهب والحضارات، وكذلك على المستوى الإعلامي بشكل عملي يعكس واقع تنوع المجتمع، وليس فقط إعلاني تصاحب فترة المؤتمرات.

كما بين ذلك عدم نجاح مؤتمر الحوار الوطني بين أطياف الشعب السعودي في إرساء ثقافة التنوع والاعتراف بالطرف الاخر رغم اللقاءات السبعة الرئيسية بالإضافة للقاءات التحضيرية.

حتما هناك من بين الشعب السعودي من جميع المناطق والمذاهب والتيارات الثقافية فئات تؤمن بالحرية والتعددية الدينية والثقافية، وترفض التصرفات التي تسيء للوطن وللمواطنين وللدين الإسلامي.

لماذا لم يستوعب بعض السعوديين رسالة المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، وثقافة التنوع والتعايش والانفتاح؟

هل من السليم في بلد كالسعودية التي تحتضن الحرمين الشريفين، وتقيم مؤتمر الحوار الإسلامي، أن يمارس بعض علمائها التشدد والتكفير، ويشنون حملة إساءة ضد طائفة إسلامية، وأن يتعرض ضيف الملك لحملة كراهية وشتم؟

وماذا ينبغي على قيادة الوطن اتجاه هذه التصرفات التي تزرع الكراهية والفتن والطائفية البغيضة بين أبناء المنطقة، وتنشر ثقافة الخوف وتمزق نسيج الوحدة الوطنية.. لاسيما إن المنطقة أصبحت تحت بارود قابل للانفجار في أي لحظة؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  21/حزيران/2008 - 17/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م