أسرار الشرق القديم ولصوصية الغرب الحديث

اعداد: ميثم العتابي

 

شبكة النبأ: أول طائر للحضارة غرد ها هنا، حيث سبقت الحضارة الشرقية المتمثلة بحضارة وادي الرافدين والحضارة المصرية، جميع الحضارات العالمية، من حيث البناء المدني والتطور العمراني والعلمي، ذلك مادلت عليه جميع المكتشفات والأحفوريات الاثرية، من بابل إلى الاهرام.

غير ان البعض يحاول تسمية الغرب هو عراب للحضارة العالمية، ذلك طبعا وفق المزاج السياسي السائد اليوم، والذي يحاول أن يجهض أي مشروع حضاري أو ثقافي خاص بالشرق القديم، والذي تمتد عمق حضارته إلى أكثر من اربعة آلاف سنة، كان فيها الشرق دولة مدنية متقدمة، في حين كان الغرب آنها مازال يمتاز بأكل لحوم البشر، ويسكن الكهوف.

(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي، تسلط الضوء على أهم المنجزات البحثية الدولية التي تعيد للشرق مكانته من حيث عمق الحضارة، ودوره في الريادة الأولى:

لصوصية الحضارة اليونانية من مصر الفرعونية

يعترض الكاتب الأمريكي جورج.جي.ام. جيمس على مصطلح الفلسفة اليونانية أو الإغريقية بل يراها تسمية خاطئة ويشدد على أن من يعرفون بأنهم فلاسفة اليونان لم يكونوا أصحاب هذه الفلسفة وانما أصحابها هم الكهنة المصريون وشراح النصوص المقدسة والرموز السرية للكتابة والتعليم.

ويقول في كتابه (التراث المسروق.. الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة) ان المصريين القدماء استحدثوا مذهبا دينيا شديد التعقيد سُمِي نظام الأسرار.. أول مذهب عن الخلاص بهدف السمو على سجن الجسد وان هذا النظام ظل سريا وشفاهيا يحظر تدوينه لنحو خمسة آلاف عام حتى سُمح للإغريق بالتعلم مباشرة من الكهنة المصريين.

ويضيف، أن الفلسفة المصرية غير المكتوبة والتي تمت ترجمتها الى اليونانية القديمة هي وحدها فقط التي وجدت هذا المصير البائس. تراث سرقه الإغريق حيث يرى أن الإسكندر الأكبر الذي غزا مصر عام 332 قبل الميلاد اغتصب مكتبة الاسكندرية ونهبها واصطنع أرسطو (384-322 قبل الميلاد) مكتبة لنفسه من الكتب المنهوبة.

ويقول جيمس ان التضليل في حركة الترويج للفلسفة اليونانية يبدو سافرا وفاضحا الى أقصى مدى عند الإشارة عمدا الى أن نظرية المربع القائم على وتر المثلث قائم الزاوية هي نظرية فيثاغورث وهو زعم أخفى الحقيقة قرونا عن أعين العالم. ان المصريين هم الذين علموا فيثاغورث واليونانيين الرياضيات التي عرفوها بعد أن أُتيحت لهم فرصة التعلم من الثقافة المصرية. بحسب رويترز.

ووصف جلال كتاب جيمس بأنه صدمة لانه يكشف أسطورة كبرى ومؤامرة حكمت التاريخ واستبدت بفكر الانسانية وهي جزء من سياسة عالمية امتدت قرونا، مشددا على أن مثل هذه الأساطير لبست ثوب الحقائق وأصبحت مرجعا يُستشهد به ويكتسب قدسية أكاديمية وخاصة أن "جميع الغزاة" ناصبوا الثقافة المصرية "العداء القاتل" ولم ينتموا الى مصر تاريخا أو مجتمعا ولهذا تعمدوا تجفيف منابع الثقافة المصرية المادية والروحية بتدميرها أو نهبها حتى لو تخفوا وراء أقنعة أيديولوجية باسم الحضارة أو " إبلاغ رسالة".

ويرى مؤرخون أن مصر أطول مستعمرة في التاريخ اذ خضعت للاحتلال البطلمي عام 332 قبل الميلاد على يد الإسكندر ثم تلاه الاحتلال الروماني الذي أنهاه العرب عام 641 ميلادية وصولا الى حكم أسرة محمد علي (1805-1952) الذي تخلله الاحتلال البريطاني لأكثر من 70 عاما وانتهى عام 1956 تنفيذا لاتفاقية الجلاء التي وقعها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر عام 1954 ليستعيد المصريون بلادهم بعد "احتلال" متصل دام نحو 23 قرنا.

وأشاد جلال في مقدمة عنوانها (أفارقة الشتات.. البحث عن الجذور والفردوس المفقود) بهذا الكتاب إضافة الى كتاب (أثينا.. افريقية سوداء) الذي ترجم بدون دقة بعنوان (أثينا السوداء) في مصر منذ سنوات، وهو من تأليف المؤرخ البريطاني مارتن برنال.

وقال ان هذين الكتابين كفيلان بايقاظ الفكر وإعادة النظر في كثير من الثوابت والأفكار المستقرة اذ يكشفان مساحات الصمت والغياب في تاريخ مصر الحضاري.

وأضاف أن مخطوطات نجع حمادي التي عثر عليها فلاح مصري في أربعينيات القرن العشرين مصادفة في جنوب مصر تتضمن فصولا من جمهورية أفلاطون.

ويقول جيمس مؤلف الكتاب ان عبارة "اعرف نفسك" التي تنسب الى سقراط (469-399 قبل الميلاد) منقوشة على الجدران الخارجية للمعابد المصرية ضمن وصايا أخرى موجهة الى المريدين الجدد، وان سقراط نقل هذه الكلمات عن المعابد المصرية ولم يكن هو صاحبها.

ويضيف أن المعابد والمكتبات المصرية نُهبت بعد غزو الاسكندر للبلاد وان مدرسة أرسطو حولت مكتبة الاسكندرية الى مركز أبحاث ولهذا لا غرابة اذ يتأكد لنا أن الانتاج الوفير على نحو استثنائي وغير مألوف من الكتب المنسوبة الى أرسطو أمر من المستحيل تماما من حيث القدرة الطبيعية طوال حياة فرد بذاته، داعيا الى التفكير في مغزى تجنب أرسطو "أي إشارة" لزيارته لمصر وحده أو في صحبة الاسكندر.

ويعلق مشددا على أن إخفاء هذا التاريخ يثير الشك فيما يتعلق بحياة أرسطو وانجازاته، مُسجلا ما يقال انه قضى عشرين عاما تلميذا بين يدي أفلاطون (427-347 قبل الميلاد) الذي كان الاغريق يعتبرونه فيلسوفا آنذاك.

لكن جيمس يتساءل: كيف استطاع أفلاطون أن يعلم أرسطو علوما لم يكن أفلاطون نفسه يعرفها؟ ويضيف، أن هذه الرواية غير قابلة للتصديق.

ويناقش المؤلف قضية لها أهمية كبرى، هي موقف حكومة أثينا من الفلسفة اليونانية قائلا ان الحكومة كانت تنظر اليها باعتبارها فلسفة أجنبية المنشأ.

كما كان فلاسفة اليونان مواطنين غير مرغوب فيهم، حيث كانت السلطة تضطهدهم ومنهم أناكسا جوراس الذي سُجن ثم نُفي كما أُعدم سقراط وبيع أفلاطون في سوق النخاسة وقدم أرسطو للمحاكمة ثم نُفي. أما أسبقهم جميعا وهو فيثاغورث (نحو 572- 500 قبل الميلاد) فقد طردته السلطات وأبعدته عن البلاد الى ايطاليا.

ويتساءل: هل نتخيل بعد ذلك أن اليونانيين القدماء تحولوا فجأة وزعموا أنهم أصحاب ذات التعاليم التي اضطهدوها أول الأمر ونبذوها صراحة؟ انهم كانوا يعرفون يقينا أنهم يعمدون الى نهب ما ليس لهم وما لم ينتجوه.

ويطرح جيمس أسئلة عن اختفاء أو موت فلسفة الاغريق مع انحسار الحضارة المصرية.

ويقول ان موت أرسطو الذي ساعده الاسكندر على ضمان الحصول على الكتب من المكتبات والمعابد المصرية، كان علامة على موت الفلسفة بين الاغريق الذين لم تكن لديهم على مايبدو القدرة الطبيعية على النهوض بهذه العلوم والتقدم بها.

ويضيف أنه لولا "هذه الدراما" عما يسمى الفلسفة اليونانية وممثليها لأصبح لقارة افريقيا شهرة مغايرة ولحظيت بمكانة مرموقة بين الأمم غير أن الوضع التعس للقارة الافريقية ولشعوبها هو على ما يبدو ثمرة تشويه الحقائق وحرفها والذي اتخذ دعامة أُُقيم فوقها الانحياز العرقي أعني الرأي العالمي التاريخي الزاعم أن القارة الافريقية متخلفة.

ويقول ان العالم تعرض للخداع زمنا طويلا بشأن منشأ الفنون والعلوم وترتب على ذلك "تأليه" رموز يونانيين وأطلق على افريقيا القارة المظلمة لان أوروبا نالت وحدها شرف نقل الفنون والعلوم الى العالم.

ويضيف فيما يشبه التلخيص أن أصحاب الفلسفة اليونانية الحقيقيين ليسوا هم اليونانيين القدماء بل شعب شمال افريقيا الذي اصطلحنا على أن نسميهم المصريون، وهم أحق بالتكريم الذي حظي به اليونانيون زيفا على مدى قرون. هذه السرقة للتراث الافريقي على أيدي اليونانيين القدماء قادت الى رأي عالمي خاطئ يقضي بأن القارة (الافريقية) لم تسهم بشيء في تاريخ الحضارة. هذا هو التضليل الذي أضحى أساسا للانحياز العرقي والذي أضر بجميع الشعوب الملونة.

إيمحوتب أبو الأطباء وعميدهم في التاريخ القديم

تذهب طبيبة مصرية الى أن ايمحوتب الذي كان مستشارا للملك زوسر هو "المعماري الاول" اذ بنى أول هرم في العالم قبل نحو 4650 عاما وأدخل عناصر جديدة في فن العمارة باستخدام جذوع النخيل وحزم نبات البردي كما يعتبر عميد الاطباء في التاريخ اذ سبق أبقراط الاغريقي بنحو ألفي عام.

وتقول مرفت عبد الناصر في كتابها (ايمحوتب.. الطبيب الذي بنى أول الاهرام) ان ايمحوتب هو أبو الطب والاطباء في مصر القديمة أما أبقراط فهو أبو الطب عند الاغريق الذين غزوا مصر في القرن الرابع قبل الميلاد وعرفوا قيمة ايمحوتب لدرجة أنهم رفعوا مكانته لدرجة الاله ووصفوه بأنه ابن للاله بتاح كما جعلوا من ايمحوتب مرادفا لاله الطب الاغريقي.

وتضيف أن ايمحوتب هو المؤسس الحقيقي للحضارة المصرية القديمة لانه تعامل لأول مرة في التاريخ مع الحجر فبنى أول أهراماتها وأول أهرام العالم. هرم سقارة المدرج المنسوب الى الملك زوسر أبرز حكام الاسرة الثالثة الفرعونية (نحو 2686-2613 قبل الميلاد).

وتعمل الكاتبة أستاذة للطب النفسى بجامعة كنجز كوليدج بلندن ولها سلسلة كتب للاطفال في 40 جزءا عنوانها (موسوعة التاريخ المصرى القديم) تتناول الفن والملوك والملكات وحياة الناس فى مصر الفرعونية وكتب أخرى منها (لماذا فقد حورس عينه) و (ايزيس وأخواتها).

ويكتسب هرم زوسر المدرج أهمية تاريخية اذ يعد أول هرم كامل بناه المصري القديم من الحجر الجيري قبل نحو 4650 عاما وتعرضت مصاطبه الست للتهالك بفعل الزمن. وأعلن المجلس الاعلى للاثار بمصر أنه ينفذ حاليا مشروعا عن الهرم الموجود بمنطقة سقارة جنوبي القاهرة لتوثيقه بالتصوير المجسم ثلاثي الابعاد حفاظا على قيمته الاثرية.

وتعد الاهرام من معالم مصر التي شهدت قبل الميلاد بأكثر من أربعة الاف عام حضارات لم يؤرخ لها ثم توحدت البلاد جغرافيا واداريا تحت حكم مركزي عام 3100 قبل الميلاد على يد الملك مينا مؤسس الاسرة الفرعونية الاولى. بحسب رويترز.

وفي عصر بطليموس الثاني الذي حكم مصر تقريبا بين عامي 284 و246 قبل الميلاد قسم الكاهن مانيتون أشهر المؤرخين المصريين تاريخ البلاد الى ثلاثين أسرة حاكمة منذ توحيد مصر حتى الاسرة الثلاثين التي أنهى حكمها الاسكندر حين غزا مصر عام 332 قبل الميلاد.

وتقول مرفت عبد الناصر ان ايمحوتب الاديب والمهندس والطبيب هو "أول من وضع" المبادئ والقيم الاخلاقية للاطباء قبل قسم أبقراط بقرون.

وتسجل أن ايمحوتب أوصى بمبادئ أخلاقية منها لا تسخر من الانسان الذي به إعاقة. ولا تسخر من الذي فقد بصره. ولا تضحك من الرجل الذي عقله في يد الله، في اشارة الى المريض النفسي.

وتقول ان اسم ايمحوتب يعني في اللغة المصرية القديمة "من يأتي في سلام" وان نقشا بجدار في معبد ادفو يطلق على ايمحوتب "مخفف آلام المصريين" وانه ذو الاصابع الذهبية كما تصفه نقوش بمعابد حتشبسوت واسنا وفيلة في جنوب البلاد بأنه الذي يشفي المريض بمهاراته ويهب الصحة من جديد.

وفي الكتاب صور كثيرة لاهرام مصر الثلاثة الشهيرة وأهرام أخرى سبقتها تاريخيا لكنها أقل شهرة وصور للملك زوسر وايمحوتب وبعض أدوات الجراحة وصور لجداريات طبية ملونة توضح كيفية تجبير الكسور وفحص العيون وبردية جراحية تعود الى نحو 3600 عام وذكر فيها المخ لاول مرة في التاريخ وتعرف باسم بردية ادوين سميث وهو تاجر اثار أمريكي اشترى البردية عام 1862 وبعد وفاته أهدت ابنته هذه البردية الى جمعية التاريخ في نيويورك. ثم ترجم عالم الاثار هنري برستد هذه البردية عام 1930.

ويضم الكتاب فصلا عنوانه (التخصصات الطبية في مصر القديمة) تثبت فيه المؤلفة أن الاطباء في مصر الفرعونية عرفوا كل التخصصات الطبية. وقد ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت أنه رأى في مصر أطباء للعيون والعظام والامراض الباطنية وأمراض النساء والولادة.

وتضيف أن الاطباء المصريين القدماء عرفوا الكثير عن أمراض القلب كما وصفوا المخ وأدركوا أن اصابة الجانب الايمن فيه تؤثر على الجانب الايسر من الجسم.

وتقول مرفت عبد الناصر ان علم الجراحة كان متقدما في مصر القديمة حيث برع الاطباء أيضا في جراحات الفم والاسنان وتوصلوا لاول مرة في التاريخ لصناعة أطقم الاسنان.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  21/حزيران/2008 - 17/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م