الدعاية الانتخابية: حرية الممارسة وقانونية التطبيق

أحمد جويد/مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

السائد في العرف الديمقراطي أن يمارس المرشحون للانتخابات في الأيام أو الأسابيع أو الأشهر التي تسبق العملية الانتخابية أنواع عديدة من الدعاية تروج لشخوصهم وبرامجهم التي ينوون تطبيقها أثناء ممارستهم السلطة بعد الحصول على ما يكفي من أصوات المقترعين، والدعاية الانتخابيّة كما يراها البعض عبارة عن النشاطات والفعاليات الانتخابية القانونية التي تقوم بها الكيانات الحزبية والقوائم الانتخابية المسجلة، والمرشحون لشرح برامجهم الانتخابية لجمهور الناخبين، وكذلك الدعوات التي يوجهونها إلى الجمهور للتصويت لصالح أي من المرشّحين أو أي من القوائم أو الأحزاب، وفيها يستعرض كل مرشح إمكانياته وقابليته في الإقناع والتأثير في نفس المقترع من أجل الحصول على صوته.

 ومن بين أكثر الوسائل شيوعاً واعتماداً لدي المرشحين عقد المؤتمرات والندوات والاتصال المباشر بمختلف شرائح المجتمع سواء عن طريق الدائرة التلفزيونية أو في الميادين والساحات العامة، وتتخلل أيام الدعاية حركة كبيرة وواسعة للمرشحين تشمل معظم أنحاء الدائرة الانتخابية، ففي حال كان البلد يمثل دائرة انتخابية واحدة تراه يجوب جميع أنحاءه، أما إذا كان البلد مقسم إلى عدد من الدوائر فإن حركته سوف تقتصر على تلك الدائرة، يرافق كل ذلك تغطية واسعة لوسائل الدعاية الأخرى سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة منها.

 أما النوع الآخر من الدعاية والترويج للحملة الانتخابية يأخذ شكل المخطوطات"اللافتات" والملصقات"الصور والبوسترات"، وهذه الوسائل الأخيرة محترمة من قبل الكيانات السياسية ومؤيديها في الدول الضالعة في العمل الديمقراطي والتي تقدس هذه الممارسة بكل حيثياتها وتحترم رأي الآخر والنتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع.

 إلا أننا نشاهد في الدول الحديثة العهد بالديمقراطية لا تزال تؤمن بوسائل العنف أكثر من وسائل الإقناع في جني الأصوات والحصول على التأييد الشعبي، ففي التجارب الانتخابية الماضية أظهرت الممارسة نوع من الاعتداء على ملصقات الجهة الفلانية في المكان"ألف"قابله نفس الاعتداء في المكان "باء"، الأمر الذي يشير الى وجود تعسف في استخدام النفوذ لأنصار كل مرشح - شخص كان أو كيان سياسي- في المنطقة التي يتم فيها الاعتداء على وسائل الدعاية المشروعة للمرشحين، أما الانتهاك الآخر الذي يمارسه البعض ينطوي على احتكار المناطق العامة لصالح جهة ما لملصقاتها ومخطوطاتها دون السماح لباقي الجهات من استخدام نفس الحق، وينسحب ذلك الأمر على وسائل الدعاية الأخرى التي تسيطر عليها جهات متنفذة لتأخذ من خلالها مساحة غير متساوية مع الآخرين.

 ومن خلال التجربة وبرغم حداثتها نأمل أن ترصد الجهات المشرفة على الانتخابات في العراق تلك الممارسات البعيدة كل البعد عن طبيعة ورح العمل الديمقراطي الذي يتطلع له العراقيون لوضع ضوابط وقوانين ملزمة للحد من هكذا تصرفات لا تليق بسمعة وتأريخ الأحزاب والجهات السياسية التي تنوي الدخول في العملية الانتخابية وبما يتلائم وروح الدستور والمواثيق الدولية التي تنص على تلك الحقوق، مدركةً لأهمية حسن سير الانتخابات بطريقة تسمح للجميع أخذ فرصتهم المتكافئة في العمل الدعائي.

 فالجميع يتطلع إلى رؤية انتخابات نزيهة يتمتع بها الناخب بمطلق الحرية في الإدلاء بصوته كما يتمتع بها المرشح بكامل حقه في استخدام كافة الوسائل المشروعة للترويج الى برنامجه الانتخابي.

 ومن أجل الرقي بالعمل الديمقراطي والاستفادة من هذا الحق في التعبير عن الرأي بكل حرية، نرى أن يتم العمل الدعائي وفق الآتي:

1- الالتزام بالفترة القانونية للدعاية الانتخابية والتشديد عليها من قبل المفوضية العليا للانتخابات وفرض مبالغ مالية على الأشخاص أو الكيانات التي تتجاوزها أو حرمانها من خوض الانتخابات.

2- عدم اللجوء إلى كل ما يتضمن إي نوع من أنواع التحريض أو الطعن بالمرشحين الآخرين، أو التعرض بالإساءة إلى الكيانات الحزبية أو القوائم الانتخابية والامتناع عن التشهير والقذف والشتم والابتعاد عن إثارة النعرات أو استغلال المشاعر الدينية أو الطائفية والقبلية والعائلية أو العنصرية أثناء ممارسة العمل الدعائي.

3- الامتناع عن التعرض المادي لحملات الآخرين الانتخابية، سواء كان ذلك بالتخريب أو التمزيق أو إلصاق الصور والشعارات فوق صور وشعارات الآخرين، أو أية أعمال أخرى تفسر على أنها اعتداء مادي على الحملة الانتخابية للمرشحين الآخرين.

4- عدم الاعتداء أو التجاوز على الأملاك الخاصة بوضع الملصقات والصور الدعائية عليها، إلا بعد الحصول على موافقة أصحابها على ذلك، وعدم وضع الملصقات والصور الدعائية على اللوحات الإعلانية التي تعود ملكيتها للشركات التجارية والمواطنين إلا بعد الحصول على موافقتهم الصريحة على ذلك، والتعهد بإزالة جميع مظاهر الدعاية الانتخابية بعد انتهاء العملية الانتخابية.

5- عدم إقامة التجمعات أو عقد الاجتماعات العامة في المساجد والحسينيات ودور العبادة والمقرات الأمنية العامة، لأغراض الدعاية الانتخابية.

6- تزويد المفوضية العليا للانتخابات بجميع الصفحات والمواقع الالكترونية التي من خلالها سوف تتم ممارسة الدعاية الانتخابية، للاطلاع على الالتزام بضوابط الدعاية الانتخابية.

7- الابتعاد عن مظاهر التسلح إثناء الاجتماعات العامة والمسيرات وسائر الفعاليات والنشاطات الانتخابية الأخرى التي تتم من خلالها الدعاية للحشد الشعبي.

8- تجنب اللصق العشوائي للصور والبيانات في الأماكن العامة، وضرورة الاهتمام بمظهر الأمكنة وتنظيفها بعد الانتهاء من الدعاية الانتخابية.

9- عدم الحصول على أموال لتغطية مصاريف الحملة الانتخابية من أي طرف خارجي يعمل على عدم الاستقرار في العراق بشكل مباشر أو غير مباشر، وبعدم الحصول أيضا على أموال المؤسسات الحكومية كـ(النثريات)المخصصة لجوانب أخرى واستخدامها لصالح جهة ما في الدعاية الانتخابية.

10- تقديم بيان مالي مفصل الى هيئة النزاهة ولجنة النزاهة في البرلمان والى المفوضية العامة للانتخابات بجميع مصادر تمويل الدعاية والتي حصل عليها المرشح (فرد أو كيان سياسي) وحجم تلك الأموال قبل موعد الانتخابات بفترة تتيح لتلك الجهات التحقق من مشروعية استخدامها والتي من الممكن أن يترتب عليها الحرمان الانتخابات إذا ثبت تورط المرشح أو الكيان السياسي في عمليات الفساد المالي.

 وبالالتزام بكل ما تقدم نضمن جزءً كبيراً من نزاهة ممارسة العملية الديمقراطية والسير بها نحو الأمام لتصبح طقوسها مألوفة لدى المجتمع والسياسي الذي هو بأمس الحاجة إلى تغيير طريقة تفكيره في الحصول على السلطة والوصول إلى سدة الحكم وصنع القرار عن طريق تداول السلطة بصورة سلمية عبر الآليات الحرة التي تتبعها جميع البلدان المؤمنة بحرية الرأي وحكم الشعب والنزول عند إرادته ورغبته في اختياره لقادته وممثليه في مؤسسات الدولة والحكم.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الإثنين 16/حزيران/2008 - 12/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ / 1999- 2008م