المسلم العالمي.. في رؤية الفقيه الفقيد الشيرازي

عدنان البديري

  

شبكة النبأ: النظرة الضيقة التي ترافق انسان اليوم لاتجعله مؤهلاً ان يرى ويتفاعل مع الفضاء الفسيح وهو بذلك يمنعه الاحتقان ان يكون حرا كما خلقه الله جوهرة مضيئة على الارض هي ذاتها التي سجدت لها الملائكة إلا ابليس الذي أبى واستكبر، ولذا فانه يحجب ضياءه الخاص وجعله اما على الانانية او الحدود العائلية او المناطقية والبلد دون ان يكسر حدود الآفاق وينظر بشمولية الى كل الناس باعتباره حجة مكلفة وناظرة بحميمية الى الناس اجمعين.

ان الحياة بناموسها قد تكون جاهزة لبقية الخلائق للعيش والتدافع والتزاحم على مكتسبات الحياة دون ان يكون لها معناً سوى حفظ النوع لكنها لدى الانسان تشتمل على شئ جوهري الا وهو المعنى فهو الشئ الوحيد الذي يخص البشر، فان الفرد على وجه العموم معني لما يحصل في العالم من مضالم او ويلات سواء في الشق الاقتصادي او السياسي وتهمه البيئة باعتباره مشاركا قسرا في المحيط الارضي وما يحصل فيها من تغيرات سلبية بتاثير الاستخدامات البشرية المتنوعة لوسائل العيش.

فالإمام الراحل السيد محمد الشيرازي (قده) نطق بالعالمية من خلال نظرية اللاعنف والمدارات والتثقيف الجماهيري، كذلك شخصية غاندي الذي أراد ان تكون الهند انموذجا يحتذى به في النطاق العالمي، وهذا مسرى كثير من الشخصيات الانسانية التي حفظ لنا التاريخ من سيرتها ونضالها لحقب مضت من عمر الزمن.

والفقيه الراحل اية الله السيد محمد رضا الشيرازي (رضوان الله عليه) كان قد أولى هذه المسالة كثير من اهتماماته بشكل محاضرات او من خلال التأليف مستندا لمنطوق الآيات الواضحات في الحض على شمولية المعنى الفكري للأنسان المسلم بكونه بعض من تكليفه في حالة الاستطاعة والمقدرة.

حيث يقول رضوان الله عليه، في معرض حديثه عن عالمية التفكير:

(للتفكير العالمي مظاهر في مختلف الحقول، فله مظاهر في الحقل الاقتصادي، وفي الحقل السياسي، وفي الحقل التبليغي.

وحيث إننا في الغالب حاملون لراية التبليغ، فإنّ حديثنا يدور في مظاهر التفكير العالمي في الحقل التبليغي، ذلك أنّ للتفكير العالمي تأثيراً في نمط التبليغ وكيفيته وأسلوبه ورقعته وأبعاده.

إنّ الله تعالى لم يجعل الدين حكراً على بلد معيّن، لقد كانت البيئة التي نشأ الرسول وترعرع بيئة ضيّقة ومحدودة، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال مراجعة المعلّقات والقصائد الأخرى للعرب يومذاك، ولكن القرآن الكريم لغته لغة عالمية.

يقول الله تعالى :لِيَكُونَ لِلْعَــالَمِينَ نَذِيرً. ويقول في آية ثانية :لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه. وفي آية ثالثة: وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً للْعَـالَمِين وفي آية رابعة وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِلنَّاسِ وليس لبقعة خاصة. ويقول في آيات أخرى:يَـأَيُّهَا النَّاس..

هناك كتب جمع (مكاتيب الرسول) التي بعثها إلى ملوك العالَم في وقته، فلقد بعث كتباً وسفراء إلى ملك الروم وكسرى فارس وملك الحبشة وعظيم القبط، والحارث بن أبي شمر ملك تخوم الشام، وهوذة الحنفي ملك اليمامة، وبعث كتباً إلى رؤساء العرب وشيوخ القبائل، وإلى الأساقفة وإلى مختلف الطوائف.

ولقد تأثّر بعض هؤلاء واستجاب، ومن أولئك أسقف الروم فإنّه بعدما قرأ كتاب النبي خرج إلى الكنيسة في حشد وقال: يا معشر الروم إنّه قد جاءنا كتاب أحمد يدعونا إلى الله، وإنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله. ومنهم: فروة عامل قيصر بعمان فإنّه عندما جاءه كتاب النبي آمن وأعلن إيمانه، فطُلب فأُخذ وقُتل. وكذلك ملك البحرين المنذر بن ساوا، فقد قبل دعوة النبي وأعلن إسلامه، ولقد أعلنت البحرين إسلامها منذ بدايات أمرها. وقصة النجاشي في هذا المجال معروفة أيضاً. وهذا يتطلب منّا أن لا نحصر اهتمامنا في بلد أو إقليم أو قومية بل نكون عالَميين في تفكيرنا التبليغي.

وفي بعض محاضراته يشرح الفقيه الراحل السيد محمد رضا انواع التفكير الضيّق ودرجات الرقي النسبي الذي يلازم بعض الافراد حيث يقول:

يختلف الأفراد في مدى تفكيرهم إلى أنواع; نذكر بعضها:

النوع الأوّل: ذوو التفكير الشخصي وهؤلاء تكون الذات هي المحور وهي المنطلق والغاية وهي الإطار والهدف في تفكيرهم، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنّ هذا حال أغلب الناس مع الأسف.

وهناك كلمة لأحد العلماء جديرة بالتأمّل، يقول فيها: نحن البشر في الغالب نتألم لوجع سن واحدة من أسناننا أكثر مما نتألم لموت مليون فرد من أفراد البشر جوعاً مثلاً، مع أنّ الله سبحانه وتعالى قد كرّم بني آدم! فإنّ كثيراً من الناس لا يهدأ له بال إذا أصابه أدنى أذى في بدنه، ولكنه لا يكترث ولا يحرّك ساكناً بل لايشغل فكره الأمر فيما لو اُخبر أنّ في أثيوبيا مثلاً عشرة ملايين إنسان مهدّدون، هذا النمط من التفكير هو تفكير أناني، فصاحبه يحب للأنا ويبغض للأنا ويعمل للأنا، ولو بحثتم عن السبب والجوهر الحقيقي وراء كلّ ما يعمل لوجدتم أنّ الأمر لا يعدو تجارة مادّية فقط. وهذا النوع ـ كما قلنا ـ يمثّل مع الأسف حال كثير من البشر إن لم يكن حال أكثر البشر.

النوع الثاني: أصحاب التفكير العائلي، فهؤلاء يترقّون درجة فيفكّرون في حدود عائلاتهم، فكل ما يشغل فكر الفرد هنا زوجته وأولاده وأحفاده، فتفكيره عائلي فقط.

النوع الثالث: التفكير العشائري وهو أرقى من النوع الأوّل بدرجة، لأنّ الفرد يفكّر في عشيرته وأقاربه، ولكنه لا يفكّر أبعد من ذلك.

النوع الرابع: التفكير القومي، وهذا النوع من التفكير ينطلق من المصالح القومية، أى أنّ المصالح القومية هي التي تقود تفكير الإنسان وتشغل باله ويعمل من أجلها ويضرب ما يتعارض معها. وهذا أرقى من سابقه لا شكّ.

النوع الخامس: التفكير الإقليمي أو القطري، حيث يكون ملاك التفكير عند صاحبه هو البلد الذي يعيش فيه.

وهناك أنواع أخرى كالتفكير اللوني أو اللغوي وغيرهما.

النوع الأخير والأعلى: التفكير العالمي، وهو أن يكون تفكير الفرد على مستوى العالم. ان المشكلات العالمية بغض النظر الى انها في المربعات البعيدة عن المسلم جغرافيا وبغض النظر عن كونها في يوم من الايام ستشمله بسلبياتها او تصديرها اليه فانه مسؤول معنويا عن المصير الانساني فان التصاعد المفرط لحرارة الارض وانحسار المياه ومشكلة الاوزون المتصاعدة الخطورة تشمله واقعا ومصيرا ويشارك جميع سكان الارض فيها فمن منطق هذا الضغط ومن منطلق المصير الانساني يكون الفرد المسلم مسؤولا عن البيئة بشكل خاص قبل ان يكون التاثير المباشر عليه كحاجة ضاغطة او كمشكلة تطرق الباب بعنف شديد.

الانسان العالمي او المسلم العالمي مسؤول بدرجة ما عن مصير البشرية وتجرحه مآسي الآخرين وهو محاسب ان كان يمتلك الحل لتلك المعضلات استشهادا بالقول ان على العالم ان يظهر علمه وقت المصاعب والكوارث والاضطرابات.

ومن هذا يكون الفرد ذو التفكير العالمي مسؤول شرعا عمّا يكتنف مصير الانسانية من نكبات او معضلات.

وتفكير العالم الجليل الراحل السيد محمد رضا هو في عين هذا المفهوم الرفيع من النظرة النبيلة التي هي بالأصل نظرة الاسلام الاصيلة المعتدلة، فجزاه الله بالخيرات على صدقات تفكيره اتجاه الاسلام والمسلمين.

وهو آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي. النجل الأكبر للإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي

ولد في كربلاء المقدسة سنة 1379هـ. نشأ وترعرع في ظل والده المقدس، فتهذب بأدبه وتعلم من أخلاقه وعلمه.

بدأ دراسته الأولية في مدرسة حفاظ القرآن الكريم ثم التحق بالحوزة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة حيث درس مقدمات العلوم الدينية لدى أساتذتها الكبار.

هاجر بصحبة والده إلى الكويت وهناك واصل دراسته فقرأ الرسائل والمكاسب على عمه المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي.

هاجر إلى إيران في سنة 1399هـ فحل بمدينة قم المقدسة حيث استمر في دراسة السطوح حتى أكملها وبدأ دراسته العالية لدى والده وعمه وآية الله العظمى الوحيد الخراساني وغيرهم من كبار الفقهاء والمجتهدين فنال مرتبة الاجتهاد.

شرع بتدريس بحث خارج الفقه والأصول منذ عام 1408هـ ولا زال مستمراً في ذلك في حوزة قم المقدسة.

له مؤلفات عديدة وقيمة في تفسير القرآن والعلوم الحوزوية والثقافة العامة، من مؤلفاته:

- التدبر في القرآن ج1و2: وهو كتاب تفسير يقع في 309 صفحة، طبع عدة مرات في الكويت ولبنان.

الترتب: وهو بحث أصولي معمق، حصل المؤلف بسببه على عدة إجازات اجتهاد.

- الرسول الأعظم  رائد الحضارة الإسلامية

- كيف نفهم القرآن؟

- علوم قرآنية،الفردوس،

- إرادة الإنسان فوق التحديات

- خطب الجمعة/ الجزء الأول

شبكة النبأ المعلوماتية- الإثنين  16/حزيران/2008 - 12/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م