سيناريو الرفض والقبول.. الاتفاقية الامنية

ميثم العتابي

شبكة النبأ: بين المداولات والقرارات تأتي سياسة الرفض والقبول لهذا العرض أو ذاك الطلب، فتارة تحت نوع وأفق ومناخ سياسي معين، وتارة أخرى تحت ضغوط معينة ذات صلات خارجية منها أو داخلية.

والضغوط الداخلية دائما ما تكون متمثلة بإرادة الشعوب، بيد ان تأثيرها بات وتحت وقر السياسات الحديثة عملة ضئيلة، بل وعلى ضوء الديمقراطيات المتقولبة بثياب وحلل جديدة أصبحت نادرة جدا، كما وان زمان التأثير الشعبي العام قد ولى إلى غير رجعة، كما هو واضح مما نراه من خلال الديمقراطيات والحريات الحديثة، ومثلما نرى الان ما هي إلا نتاج كلامي يتمثل في ان تقول ما تريد، وما تريد فقط، لا غير، ولا تنتظر جوابا او ردا على ما تقول.

والصلة الثانية هي الضغوط الخارجية التي يرزح تحت ظلها الرأي الخاص، ذلك لما تتقابل في بعض الأحيان المصالح المشتركة بين هذه الآراء، فتكون ولادة الرأي الآخر في ظل منهجية الرأي القادم من الخارج، حتى تكون شبه توافقية بين الرأيين، للخروج بقرار ينفع إلى حد ما جميع الأطراف المتقابلة في حالة القرار.

والاتفاقية أو المعاهدة الأمنية المتوقع عقدها وتوقيعها بين بغداد وواشنطن، حضت في بداية أمرها برفض شعبي كامل من بعض القوى والإتجاهات والتيارات، وفق مبررات معلنة عنها تلك الجهات، تصب في مجرى الصالح العام والوطنية العراقية والحفاظ على الهوية والسيادة والإستقلال العراقي.

كما وعلى صعيد آخر حضت هذه الاتفاقية بدعم لها وقوبلت بالحسنى لدى الغير، أيضا كانت هذه الدعوى لقبولها وفق مبرراتها المعلنة، منها الحفاظ على وحدة العراق أرضا، ذلك ان العراق في بداية طريقه وهو ضعيف نسبيا، بالنسبة إلى الهجمات الخارجية والتدخل الخارجي، وأيضا من ناحية إرتباطه بالسوق الكبرى الاقتصادية وخلق حالة من التوازن الاقتصادي لهذا البلد، كما لايخفى ان أغلب البلدان المجاورة لها نفس هذه الاتفاقيات والمعاهدات، رغم عراقة تأسيس حكوماتها، ورغم مقولتها بحكوماتها المحافظة.

غير ان الغريب في الامر ان الحكومة العراقية صرحت ـ بعد تجاهل صوت الشارع ـ ان المباحثات وصلت إلى (طريق مسدود)، وان المعاهدة او الاتفاقية تنتهك السيادة العراقية وفي بعض بنودها لاتحترم الاستقلال الكامل العراقي.

والمضحك بالامر ان بعض الفصائل السياسية العراقية تعطي وجه الشرعية لنفوذ أمريكي بعيد الأمد، واستغالا مصلحي داخل الاراضي العراقية، تحت ذريعة الحماية الكاملة والتعاون بين البلدين، والظاهر ان هذه الفصائل أو الكتل أو الاحزاب والتجمعات هي الأقل حظا في سير العملية السياسية العراقية، أي ان الاتفاقية هذه إلى جانب ما يرونه إنها مفيدة للجميع، ما هي إلا مفيدة لهم وتحمي مصالحهم الخاصة، ولذا يبدو ومن خلال إذعانهم لها انهم يتخوفون من هيمنة أخرى وسير العملية السياسية العراقية في البلاد نحو منزلق الحزب الاعلى أو الحزب الحاكم، او نظرية التسلط والهمينة من جديد.

غير مسترشقين الرؤى السياسية الدولية لجميع الأنظمة في العالم، والتي تقول بحكم الأغلبية في النظام الديمقراطي مع أحترام الأقلية في ظل نظام مؤسسات الدولة تحت رعاية القانون والدستور، رغم تعثر الحالتين السابقتين قانونيا.

ومن الجدير بالذكر ان تصريحات الحكومة هذه جائت بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى كل من إيران والاردن، وقد تم التصريح عنها في الاردن بعد خروجه من إيران مباشرة، حيث إلتقى هناك بالرئيس الإيراني وبعض القادة، أيضا كان له لقاء خاص مع المرشد الاعلى للجمهورية الإسلامية، ثم ومباشرة حين توجه إلى عمان لمقابلة العاهل الاردني، اعلن من هناك ان المباحثات وصلت إلى (طريق مسدود).

وهنا يلقي السؤال بنفسه: لماذا تم الإعلان عن (مسدود) من عمان؟ ولماذا بعد الزيارتين الاخيرتين؟.

هذا إذا سلمنا بمصالح الدول المشتركة ومعاهدة الجيران. أو إذا قلنا بالتأثيرات الجانبية والصلات التي تلقي بظلالها على المسيرة السياسية العراقية.

ولكن يتبقى سؤال من شأنه أن يحفر في مستقبليات هذا الـ (الطريق مسدود) هل هي لعبة سياسية بإتجاه صناديق الإقتراع التي ستفتح امام الشعب العراقي بعد أشهر من الآن؟ أم انه مجرد إثبات موقف وحفظ ماء الوجه للحكومة العراقية؟

حيث ان الواضح للعيان ان الحكومة بكلامها هذا قد أذعنت لمطاليب الشعب، بعدما تجاهلته في أكثر من مناسبة بهذا الخصوص، وقد رفضت رفضا قاطعا أي مشروع من شأنه ان يقف حائلا بين حرية العراقيين وكرامتهم.

بيد ان الامر الخفي والاكثر خطورة من غيره هو هل حقيقة أن الحكومة أوقفت العمل بهذا المشروع وأدانته بشكل جوهري، وبدون تدخل حتى وان كان من أصحاب المعاهدة أنفسهم هذا إن لم يكن هنالك في الافق لعبة سياسية للمشروع الانتخابي الامريكي العراقي على حد سواء، والذي ستوضح الايام القلائل القادمة هذه الصيغة بتجلي كامل.

وتبقى إذ ذاك مسألة مهمة على محيط الواقع العملي، فما بين الجهر بالاتفاقيات علنا وغرف المداولات سرا، بون شاسع وكلام آخر، يختلف عما تتناقله وسائل الاعلام، وعما ينفرد في تصنيفه المحللين السياسيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  15/حزيران/2008 - 11/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م