عن مستقبل الثقافة الإسلامية والخطاب الإسلامي

حسن آل حمادة

هكذا أفهم العولمة!

لا يزال الحديث مستمراً ومحتدماً حول موضوع العولمة، ولا غرو في ذلك؛ إذ أصبحت     -كمصطلح- من أكثر الكلمات شيوعاً بين العلوم المختلفة، فهي من القضايا التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وراح معظم الكتَّاب والمثقفين بل وغير المتعلمين! يستخدمونها ضمن مفردات أحاديثهم اليومية، أضف إلى ذلك؛ أنها تصادفنا يومياً ضمن عناوين المقالات والدراسات المنشورة في الصحف والمجلات، كما نسمعها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وإطلالة سريعة على فهرست عناوين دور النشر والمكتبات خير شاهد على ما ندعي ونقول.

ولا يخفى أن الكتابات التي نُشرت حول العولمة تحكي وجهة نظر كتَّابها، فهناك من تشدد حيالها، وهناك من دافع عنها ورأى فيها المخلص للأمم والشعوب، وهناك من التزم موقف الصمت والحياد حتى تنجلي الغبرة!

ويبدو للمتتبع أن من يتبنى مشروع العولمة أو الكوكبة تراه يرفض العولمة الغربية المُحمَّلة على أجنحة المعلوماتية والعالم المفتوح، والمدجّجة بالعلم والثقافة حتى وإن كانت غير إنسانية، على طريقة: السريع يأكل البطيء! هذه القاعدة الجديدة التي هي أشد بأساً من سابقتها القائلة: إن القوي يأكل الضعيف، لأن أصحاب السرعة يعملون على تثبيط حركة الآخرين بكل وسعهم وجميع إمكانياتهم، عن طريق الاحتكار والهيمنة والاستعمار. وبهذا حق لنا القول: إن العولمة بالمعنى المعاصر قديمة قدم التاريخ، وهي نوع من الاستعمار القديم؛ تتمثل في رغبة الشمال في السيطرة والهيمنة على الجنوب.

فالعولمة لا تعني -جملة وتفصيلاً- إندماج العالم وذوبانه في كتلة واحدة على الطريقة الأمريكية التي توجس منها حتى الأوربيين أنفسهم، بل هي طريق نحو إلتقاء الجميع، من أجل صناعة مستقبل الجميع.. هكذا أفهم العولمة! وقد يفهمها آخرون بطريقة أخرى، وسيلحظ القارئ لصفحات هذا الكتاب دراسات وأبحات متنوعة عالجت موضوع: (مستقبل الثقافة الإسلامية في ظل ثورة المعلومات وتحديات العولمة)، من زوايا متعددة، وهذه الدراسات بأجمعها تمثل الباب الأول من هذا الكتاب، وقد سبق نشرها في أعداد مختلفة على صفحات (مجلة الكلمة).

الخطاب الإسلامي المعاصر والألفية الثالثة

تحت هذا العنوان تندرج بحوث ومقالات الباب الثاني من هذا الكتاب، وقد يصاب القارئ بالدهشة حينما يقرأ أبحاثاً متقدمة في طرحها لوضعيات الخطاب الإسلامي، وكيف ينبغي أن يكون في ظل الألفية الثالثة؟ عندما يقارن ما يقرأه بواقع الحال الذي يعيشه أبناء هذا الخطاب؛ أو عندما يوائم بين سلوك الإنسان المسلم ومعتقده!

ولعل من نافلة القول: إننا نعيش في زمنٍ اختلط فيه الحابل بالنابل -كما يقال- لدرجة أننا أصبحنا نلمح فيها الكثير من المسلمين الذين يعيشون بيننا وهم عاجزون عن التفريق بين الأفكار المنسجمة مع أهداف الدين ومقاصد الشريعة، وبين أهداف اللادين ومقاصد الشيطان!

ومن الأمور المحزنة أنك تجد من يرتكب الحماقات والأعمال الشنيعة باسم الإسلام، كما نرى ونشاهد في أعمال: العنف والإرهاب، التي يذهب ضحيتها أناسٌ أبرياء، منهم: الشيوخ الركَّع، والأطفال الرضَّع، الذين لا يفقهون ما يجري حولهم!! فنجد عبر أجهزة الإعلام المختلفة: رؤوساً تقطع، وعيوناً تُسمل، وأجساداً تُسحل، وللأسف نجد هذه الحماقات المخزية تُسجَّل، كماركة إسلامية الصنع!!

وفي هذه العجالة حق لنا أن نتساءل عن المنهل الفكري الذي يستقي منه القائمون بهذه الأعمال أفكارهم! فهل هم يستقونها من القرآن الحكيم؟ أم من سيرة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ 

يبدو أننا نتفق على خلاف ذلك، إذ هي -أفكارهم-، وكما يتضح لكلِّ ذي لُبٍّ، تخالف الشرع، والعقل، والفطرة السليمة! وإذا تسالمنا على قاعدة: كل ما حكم به العقل حكم به الشرع، اتضح لنا أن القرآن الكريم، بتعاليمه السمحة والرحيمة في وادٍّ، وأولئك في وادٍّ آخر!! 

فالقرآن الحكيم يرشدنا إلى أن: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...}[المائدة:32]. فمن يعتدي على إنسان واحد بغير وجه حق؛ فهو كمن يعتدي على الناس جميعاً! فبديهة؛ أن من يقتل شخصاً بريئاً قد يتجرأ على قتل ثانٍ، وثالث، وهكذا... فيما التحفظ على إنسان واحد يعني التحفظ على الكل!! فحديث الآية حديث عن الكيف، لا عن الكم.. أجل، هكذا يخبرنا الله تعالى، غير أننا نجد أن من يمتلك ثقافة العنف، يسرف في القتل، وبتعبير الآية: {... ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة:32]. وبالرغم من أن الآية نزلت في خصوص بني إسرائيل؛ إلاَّ أننا نجد لها الكثير من المصاديق في هذا الزمان الذي ملئ بالرُعب وأعمال القتل الهمجية، حتى وجدنا في زمننا هذا من يدافع عن الحيوان -أعزكم الله- بينما لا يجد الإنسان المستضعف من يدافع عنه، ولست بحاجة لإيراد الأمثلة على ذلك!

وفي مقابل تلك الصورة القاتمة والمشوهَّة؛ نلحظ أن الشواهد على حرص الإسلام في حقن الدماء، كثيرة جداً في التاريخ الإسلامي، ويكفي أن نعلم بأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يوصيهم فيقول: "سيروا بسم الله، وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقطعوا شجراً، إلا أن تضطروا إليها، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً، ولا امرأة، وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أقصاهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإذا سمع كلام الله؛ فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، وإن أبى فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه إلى مأمنه".

إذنْ، ونحن نعيش في ظل هذه الظروف الحرجة التي يُتهم فيها الإسلام بأنه دين العنف والإرهاب! نظل بحاجة ماسة لنشر تعاليم القرآن الكريم الداعية إلى السلم والسلام، كما أننا بحاجة لتبيين حقيقة مهمة قد يغفل عنها بعض المسلمين، هذه الحقيقة -كما أتصور- تتجلى في فضح الممارسات القمعية والعنفية التي اُرتُكِبت في فترة من فترات التاريخ الإسلامي باسم الإسلام، وهو بريء منها، براءة الذئب من دم يوسف؛ لئلا نؤخذ بما فعل السفهاء منا!

فهل يعي حملة ألوية الجهاد هذه المعاني، لئلا يغرسوا في ذاكرة الآخر صورة سيئة ومشوهة عن الجهاد في الإسلام، كما هو حاصل الآن، في أكثر من مكان؟

ولا يخفى -على القارئ- أن النزعة الإنسانية بدأت تظهر بشكل واضح في بعض الخطابات الإسلامية المعاصرة، مما جعل بعض الجهات تتعجب من مقولة "أنسنة الخطاب الإسلامي"! وذلك نتيجة لتشكل بنية معرفية قاصرة وغير عميقة للنص الديني الإلهي؛ بسبب تداخل فهمه بما تراكم عليه من نصوص وشروح بشرية أضحت هي الميزان الذي يُحتكم إليه، ويقاس عليه!!

أخيراً.. ماذا أعددنا للقرن الحادي والعشرين؟!

ولن أقف طويلاً عند هذا السؤال -الذي خصصنا له الباب الثالث من هذا الكتاب- بل سأكتفي بإعادة السؤال على القارئ بشيء من المرارة؛ لأقول: ماذا أعددنا للقرن الحادي والعشرين؟!

والله ولي التوفيق.

.........................

* ورقة مستل من تقديم الكاتب لكتاب: "مستقبل الثقافة الإسلامية في ظل ثورة المعلومات وتحديات العولمة"، الصادر مؤخراً في بيروت بمشاركة نخبة من الكتاب العرب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  14/حزيران/2008 - 10/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م