حقيقة البنود السرية وخيارات العراق البديلة للاتفاقية الأمنية مع امريكا

ملف تخصصي

إعداد:علي الطالقاني

شبكة النبأ: بعد أن دخل العراق مرحلة جديدة تبشر نحو الاستقرار الأمني ساهمت هذه الحالة وبشكل فاعل في التشجيع على انسحاب القوات الأمريكية من العراق ضمن اتفاقيات مسبقة فضلا عن الاتفاقية العراقية الأمريكية التي تحدد مدى وجود هذه القوات على الأراضي العراقية وبعد اقتراب الموعد المحدد لإنهاء وجود هذه القوات أخذت مجريات الأمور تتجه نحو منحى آخر وقد أشارت العديد من وسائل الإعلام على أن هناك بنود سرية في الاتفاقية طويلة الأمد، وفي هذا الشأن نفت وزارة الخارجية الأمريكية وجود "بنود سرية" في هذه الاتفاقية، وأنها ستطلع الكونغرس على أي مستجدات في هذا الخصوص.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، شون ماكورماك إن الوزارة سترد "بالطبع" على الرسالة التي وجهها رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، جو بيدن، وأربعة من أعضاء اللجنة من الحزبين.حسب CNN.

وكان أعضاء اللجنة قد وجهوا رسالة إلى وزارة الخارجية طلبوا فيها عقد "مشاورات مفصلة" مع كل من وزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، ووزير الدفاع، روبرت غيتس، حول الاتفاقيات التي يتم التفاوض بشأنها مع العراق.

وقال ماكورماك إنه كانت هناك مشاورات مبدئية مكثفة وجادة، مضيفاً "نحن ملتزمون بتعاون يتسم بالصراحة والشفافية مع الكابيتول هيل لإفادتهم بالمستجدات."

وتابع قائلاً: "نحن ملتزمون بإطلاع الكونغرس على هذه المفاوضات الجارية.. ولن نتراجع عن ذلك الالتزام، كما سنبحث عن طرق مقبولة من الجانبين لتحقيق ذلك."

غير أن ماكورماك لم يقدم تفاصيل حول كيفية إطلاع الكونغرس على آخر المستجدات أو متى سيتم ذلك، كما لم يقل بصورة مباشرة ما إذا كانت رايس سترد على رسالة أعضاء لجنة العلاقات الخارجية وتوافق على الجلوس أمامهم ومناقشة الأمر معهم.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: "سوف نتعاون مع الكونغرس على أساس حل ثنائي مقبول من الطرفين."

ويتعارض تصريح ماكورماك مع شق من رسالة بايدن التي تفيد بأن الكونغرس قد يفرض المصادقة على تلك الاتفاقيات الجارية مع الحكومة العراقية، عندما قال إن موافقة الكونغرس غير مطلوبة فيما يخص "اتفاقيات حالة القوات" SOFAs المعقودة والمعمول بها حالياً بين الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من دول العالم.

وكان السفير الأمريكي لدى العراق، ريان كروكر قد خضع الخميس لاستجواب حول المفاوضات مع العراق، وقال إنه لن تكون هناك بنود أو بروتوكولات أو ملاحق سرية في المحادثات مع العراقيين.

وأنكر كروكر التقارير التي أشارت إلى أن الولايات المتحدة تطالب بقواعد دائمة لها في العراق والسيطرة على المجال الجوي العراقي.

وقال كروكر: القضية موضع مناقشات متواصلة، لذلك لا يمكنني أن أتحدث عن الكيفية التي ستكون عليها عند انتهائها. ولكن يمكنني القول إننا لا نسعى لقواعد عسكرية دائمة في العراق، وعدا ذلك مجرد أقوال عارية عن الصحة."

وأضاف: "ونحن لا نسعى للسيطرة على المجال الجوي العراقي.. وهذا الأمر أشبه بالخرافة.. العراق يبذل جهوده لتطوير قدراته في التحكم بحركة النقل الجوي، وكما يحدث، فإننا نقول بتسليم العراقيين المزيد من المهمات ولامسؤوليات.وفق CNN

ومن القضايا الأخرى الصعبة التي يتم التفاوض بشأنها منح الحصانة القانونية للقوات الأمريكية وشركات التعاقدات الأمنية الخاصة العاملة في العراق.

يذكر أن قضية الاتفاقيات الأمنية مع العراق، تعتبر واحدة من أبرز عوامل توحيد العراقيين بمختلف فئاتهم وأطيافهم.

فقد أثارت الأنباء المتداولة حول الاتفاقية الأمنية الثنائية ردود فعل مختلفة من جانب جهات عراقية كثيرة، بحيث دخل رجال الدين على خط الجدل الساخن، بل وصدرت فتاوى، "تكفّر" بعضها منح سلطات لغير العراقيين على العراق.

أعلن العراق أنه ملتزم بحماية حقوقه وسيادته فيما يخص الاتفاقية الثنائية المقترحة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وشدد على رفض أي بند في الاتفاقية ينتقص من السيادة الوطنية.

المرجعية الشيعية تضع أربعة شروط

من جانبه قال صدر الدين القبانجي ان المرجعية الشيعية بقيادة المرجع الأعلى علي السيستاني تدعو الى أن تستند الاتفاقية العراقية الأمريكية الاستراتيجية طويلة الأمد الى ثوابت أربعة أساسية أبرزها تحقيق السيادة الكاملة وحدوث اجماع وطني عليها، فيما دعا نائب سني الى عرض الاتفاقية على الاستفتاء الشعبي.

وقال أمام المئات من المصلين خلال خطبة صلاة الجمعة بمدينة النجف ان المرجعية حسمت موقفها بشأن قصة الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية من خلال التأكيد على أربعة ثوابت يجب أن تراعيها الاتفاقية واذا راعتها فبها والا فلا وهي السيادة الوطنية والشفافية والوضوح لدى الشعب عن مسودة الاتفاقية والاجماع الوطني ورابعا أن تعرض على البرلمان.

وأضاف ان المرجعية الشيعية العليا لن تسمح بفرض قبليات ومسبقات فكرية مثل أن هذه الاتفاقية كفر يجب اجتنابه، وأن المرجعية ليس لديها مثل هذا الرأي ولا القادة السياسيين، وانما الموقف هو التعامل مع أي قضية سياسية اذا كانت في خدمة استقلال العراق فنحن بحاجة لها، واذا كانت ترسيخا للاحتلال نحن نرفضها.حسب صحيفة الوطن الكويتي

استفتاء شعبي

من جانب اخر، دعا خطيب سنّي العراقيين جميعا الى التعبير عن آرائهم بحرية على الاتفاقية العراقية الأمريكية الاستراتيجية طويلة الأمد المزمع التوقيع عليها بين البلدين الشهر المقبل.

وقال الشيخ حارث العبيدي أمام العشرات من المصلين في العاصمة بغداد ان من حق الشعب العراقي أن يقول كلمة الحق بكل حرية وصراحة في الاتفاقية العراقية الأمريكية التي يجرى الاعداد لها حاليا، لا أن تملى عليه الأفكار، ولا أن يجبر على قول كلمة معينة، بل عليه قول الكلمة التي يرتضيها بحرية التي تحفظ كرامته ودينه وبلده ومقدرات وثروات بلده.

وأضاف العبيدي وهو نائب في البرلمان العراقي عن جبهة التوافق العراقية: هناك ثوابت وطنية لا تنتزع ولا تتغير للتعامل في مثل هذه قضية وهي أن العراق جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والاسلامية وهو عضو فعال في الأمم المتحدة وله مكانته واستقلاله وينبغي أن ينال السيادة الكاملة وأن يكون محررا وأن يملك الشعب الارادة التامة.

وقال: يجب المحافظة على ثوابت في أي اتفاقية أو معاهدة وهي الحفاظ على سيادة واستقلال العراق في أي اتفاقية مع دول العالم وأنها خط أحمر لا يمكن ان تتقرب منه أي جهة في العالم وكل معاهدة واتفاقية لها مساس تسبب انتقاصا أو مسا باستقلال أو بسيادة العراق فهي مرفوضة لا نقبلها لا من جهة السياسيين ولا من جهة الشعب العراقي.

ودعا العبيدي الى عرض الاتفاقية الى الشعب العراقي للاستفتاء عليها والشعب بارادته وحريته يقول قولته.

القوات الأميركية لن تتحرك دون موافقة عراقية 

من جانب آخر  جدد التيار الصدري التظاهر بعد صلاة الجمعة في بغداد والكوفة لاعلان رفضه توقيع اتفاقية بين بغداد وواشنطن.

وتجمع انصار الصدر في مدينة الصدر، وحمل المئات منهم اعلاما عراقية ورايات اسلامية ولافتات تقول الاتفاقية الامنية اسوأ من الاحتلال، اعلان حرب ضد الشعب العراقي.

وقال ستار البطاط خطيب صلاة الجمعة العراق سيصبح قاعدة عسكرية اميركية تقوم بتصفية حساباتها مع من تريد، والاتفاقية ستعطي حصانة للجندي الاميركي بأن يقتل ويعتقل من دون محاسبة او مراقبة.حسب جريدة القبس الكويتية

وتابع امام حشود المصلين اقولها، ما دام مقتدى الصدر يرفض الاتفاق فلن يكون هناك توقيع عليه.

وفي الكوفة خرج حشد من انصار الصدر وهم يحملون لافتات تقول لن يكون العراق مستعمرة اميركية ولن نسمح ان يتحول العراق الي ضيعة اميركية.

وقال الشيخ صلاح العبيدي ان الاتفاقية مرفوضة لانها تأتي علينا بالذل والهوان، وان موقف بعض السياسيين بأن هناك نقاطا تمس السيادة الوطنية مرفوض، مضيفا هل سنتبع من يرفض الاتفاقية بكل تفاصيلها، ام من يحاول تزويق وتعديل واضافة بعض النقاط الجديدة عليها؟.

لا تحرك عسكريا بلا موافقتنا

في غضون ذلك، افاد نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح ان الاتفاقية طويلة المدى، لن تعطي القوات الاميركية في العراق حرية الحركة، وان اي تحرك لن يكون الا بموافقة السلطات العراقية. وقال صالح لقناة العربية اذا توصلنا الى اتفاق فإن اي تحرك عسكري يجب ان يكون ضمن موافقات وقرارات عراقية.. كان هناك طلب اميركي ان تستمر الحالة على ما هي عليه لكن الجانب العراقي رفض.

وقال صالح ان الهدف من هذه الاتفاقية استثمار الدعم الاميركي لمساعدة العراق ومعاونته لحماية وتعزيز سيادته.

واضاف كنا نتمنى ان تستكمل بناء القدرات الامنية العراقية بأقصر وقت لكننا مازلنا (بحاجة) الى وجود قوات لمساعدتنا وبحاجة الى دعم دولي.

مناورة لبقاء طويل في العراق 

و دخلت المفاوضات الأميركية-العراقية حول تحديد العلاقات الثنائية في المستقبل، بما في ذلك التوصل الى اتفاق حول وضع القوات الأميركية في العراق وانتدابها وصلاحياتها، مرحلة حساسة للغاية، على خلفية تصاعد الشكوك بسبب الروزنامة الانتخابية الأميركية، والتداعيات السياسية العراقية، حول إمكان التوقيع على هذه الاتفاقية في الموعد الذي حدده الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في نهاية يوليو المقبل. أن استمرار، لا بل تصاعد، التظاهرات والضغوط العراقية من داخل الحكومة وخارجها، في الأيام والأسابيع الماضية، ضد الاتفاق المتعلق بوضع القوات الأميركية، دفع بواشنطن الى استدعاء سفيرها في بغداد رايان كروكر للتشاور معه حول وضع المفاوضات.

من جانبه نفى كروكر في لقاء مع الصحافيين في وزارة الخارجية الأميركية أن تكون بلاده تسعى من خلال الاتفاق الى إقامة خمسين قاعدة عسكرية بشكل دائم في العراق.

وكان كروكر يرد على مقال نشرته صحيفة الاندبندنت، يقول إن واشنطن تسعى «الى احتلال قواعد عسكرية في العراق بشكل دائم، والقيام بعمليات عسكرية، واعتقال عراقيين وتوقيفهم، وكل ذلك مع التمتع بحصانة تحول دون تعرض أي جندي أميركي لأي مساءلة من قبل القانون العراقي.

ورأت الصحيفة أن مثل هذه الصلاحيات سوف تضعضع وضع العراق في الشرق الأوسط، وتخلق أسسا لنزاع لا نهاية له». وان بوش يريد، بعد توقيع الاتفاق في 31 يوليو المقبل، إعلان أن غزو العراق أدى الى انتصار يبرر كلفته.

إحراج لأوباما.. وفوز لماكين

الاندبندنت أشارت الى أن إطالة أمد بقاء القوات الأميركية هناك سوف تعطل تعهدات المرشح الديموقراطي باراك اوباما بالانسحاب في حال انتخابه رئيسا للولايات المتحدة. كما أن مثل هذا الاتفاق سوف يعزز من وضع منافسه الجمهوري جون ماكين الذي أيد الغزو، وكان من ابرز دعاة زيادة عديد القوات الأميركية في العراق.

وشدد كروكر في مؤتمره الصحفي على انه لن تكون هناك بنود سرية أو ملاحق أو حتى بروتوكولات أو أي شيء مشابه. وقال هذه عملية شفافة. والنظام العراقي يفرض عرض الاتفاق على البرلمان للمناقشة.. نحن لا نسعى الى قواعد عسكرية دائمة في العراق. هذا الادعاء غير صحيح على الإطلاق.

وكرر السفير، ما يقوله هو وغيره من المسؤولين والعسكريين الأميركيين، بان إيران، التي تعارض الاتفاق تقوم عن قصد بجعل المفاوضات صعبة، مجددا اتهام بلاده لطهران «بالتدخل السلبي في الشؤون العراقية من خلال دعمها للميليشيات الشيعية، مثل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر.

بديل للفصل السابع

جاء ذلك في الوقت الذي قالت فيه مصادر أميركية مطلعة إن وزارة الخارجية الأميركية تقوم الآن، بتخفيض سقف التوقعات من هذه الاتفاقية، بينما تواصل وزارة الدفاع مقاومتها لأي تنازلات تمس بصلاحيات القوات العسكرية، أو تعرض الجنود الأميركيين للملاحقة من قبل القضاء العراقي. حسب القبس الكويتية.

وكانت واشنطن وبغداد قد بدأتا في مارس الماضي هذه المفاوضات لتغيير الوضع القانوني للقوات الأميركية في العراق التي ستبقى، حتى نهاية السنة الحالية، تعمل وفقا لقرار من مجلس الأمن الدولي، في ظل الفصل السابع الملزم من ميثاق الأمم المتحدة.

وكان العراق قد ابلغ مجلس الأمن رسميا انه بعد انتهاء فترة القرار، في نهاية 2008، سوف يتحرر نهائيا من سلطة الفصل السابع ليتصرف بشكل سيادي بالكامل، بما في ذلك التوصل الى اتفاقات ثنائية حول وضع القوات الأجنبية المنتشرة فوق أراضيه.

تهديد السيادة العراقية

و تزامن وجود السفير كروكر في واشنطن مع زيارة يقوم بها للعاصمة الأميركية عدد من زعماء عشائر الانبار وأعضاء في البرلمان العراقي، بينهم النائب نديم الجابري والشيخ خلف العليان اللذان مثلا أمام إحدى لجان مجلس النواب الأميركي، وحثا المجلس على تأخير توقيع الاتفاقية الى ما بعد انسحاب القوات الأميركية- كما اقترح الجابري - أو الى ما بعد انتخاب رئيس جديد لأميركا، كما اقترح العليان.

وخلال الجلسة، طالب النائب الأميركي وليام ديلاهانت بطرح أي اتفاق عسكري مع العراق أمام الكونغرس، مشيرا في هذا السياق الى رسالة وقعها 34 عضوا في البرلمان العراقي تطالب بان يبرم البرلمان العراقي أي اتفاق عسكري، ورفض أي اتفاق لا يتضمن جدولا زمنيا لانسحاب القوات الأميركية.

وتواجه المفاوضات منذ بدئها معارضة من بعض القوى العراقية، التي تتخوف من أن يؤدي الاتفاق الى إعطاء الولايات المتحدة قواعد عسكرية دائمة تسمح لقواتها بأعمال تنتهك السيادة العراقية.

صلاحيات الديموقراطيين

في المقابل، برزت احتجاجات وتحفظات في الكونغرس، خصوصا من الديموقراطيين، بينهم مرشحا الرئاسة- اوباما وهيلاري كلينتون - إضافة الى قادة مجلسي الشيوخ والنواب من الديموقراطيين الذين طالبوا إدارة بوش بالتصويت على الاتفاقية وإقرارها، أسوة بالبرلمان العراقي. كما أن ديموقراطي الكونغرس يتخوفون من أن يكبل أي اتفاق توقعه إدارة بوش أيدي أي رئيس ديموقراطي جديد.

من جانبها، تصر إدارة بوش على أن الاتفاقية لا ترقى الى مستوى المعاهدات الدفاعية الرسمية، ولذلك فإنها تبقى من ضمن صلاحيات السلطة التنفيذية. ومن المتوقع أن يتطرق الاتفاق حول العلاقات الثنائية في المستقبل الى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وغيرها من الأطر الواسعة حول العلاقات المستقبلية بين البلدين. لكن المسائل العالقة، التي أثارت الكثير من الجدل ومصدر المعارضة، هي القضايا الأمنية والإستراتيجية التي يفترض أن تحل وفق اتفاق آخر يعرف باسم «اتفاق حول وضع القوات» Status of Forces Agreement SOFA.

ولدى أميركا اتفاقات مماثلة مع ثمانين دولة في العالم، بينها اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، إضافة الى عدد من دول الخليج. ولا تواجه واشنطن معارضة كبيرة في تلك الدول، لان شعوبها لا تعيش في حالة حرب أو نزاعات أهلية دامية، ولا تتكبد الخسائر المدنية .

دفاع عن الحصانة

و يحدد الاتفاق (موضع الجدل) عددا من القضايا الحساسة، بينها صلاحيات القوات الأميركية في العراق وعددها وطريقة انتشارها وما إذا كان بإمكانها اعتقال مواطنين عراقيين، في سياق عملياتها الميدانية في سياق الحرب ضد الإرهاب، إضافة الى إحدى أكثر المسائل إثارة للجدل والاحتجاجات، أي إعطاء العسكريين الأميركيين، والمتعاقدين الذين يقومون بنشاطات أمنية، مثل العاملين في شركة «بلاك ووتر» حصانة ضد ملاحقتهم من قبل القضاء العراقي.

يذكر أن شركة بلاك ووتر كانت قد أثارت سخط العراقيين وتعرضت لانتقادات قاسية في أميركا بسبب تورط عناصرها في قتل مدنيين عراقيين أبرياء. ويقول الأميركيون إن الإصرار على مسألة الحصانة هو أمر جوهري ويحكم جميع الاتفاقات المماثلة بين أميركا والدول الأخرى.

أيلين لايبسون، المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي والرئيسة الحالية لمركز ستيمسون للأبحاث، قالت إن إصرار واشنطن على مسألة توفير الحصانة لجنودها هو من بين ابرز الأسباب التي تفسر معارضتها التقليدية لمحكمة العدل الدولية التي يمكن أن تحاسب العسكريين أو السياسيين الأميركيين وفقا لمقاييس قانونية دولية.

وتضيف لايبسون: الأميركيون يصرون، وعن حق، على أن لديهم نظاما قضائيا عسكريا يتعامل بإنصاف وحزم مع الانتهاكات التي يرتكبها جنودهم! لكن التركيبة السياسية العراقية والروزنامة الانتخابية في أميركا والعراق والتعقيدات الأمنية والتقنية التي لا تزال بحاجة الى حلول، كلها عوامل قد تؤدي الى تأخير التوقيع الى ما بعد نهاية الشهر المقبل، الأمر الذي قد يدفع بحكومة المالكي الى التراجع عن موقفها السابق الرافض للتجديد لقرار مجلس الأمن، الذي يغطي القوات الأجنبية في العراق.

لكن مصادر أميركية مطلعة على مشاورات كروكر في واشنطن، قالت إن دخول المفاوضات في مرحلة حساسة يجب ألا يفسر على أنها وصلت الى طريق مسدود، مضيفة ان الخارجية الأميركية ستعمل على وضع صيغ لتسوية بعض القضايا العالقة، والتركيز على البنود التي تدعو لإجراء مراجعات دورية للاتفاق العسكري، وإجراء مشاورات استراتيجية دورية، كما تفعل مع دول أخرى في المنطقة- مثل إسرائيل ومصر - إضافة الى إعطاء ضمانات للعراقيين بملاحقة أي عسكريين أميركيين أو متعاقدين ينتهكون القوانين العراقية.

في المقابل، يرى دبلوماسي أميركي متقاعد (خدم في العراق) أن واشنطن تعول على قلق حكومة المالكي، وبعض القيادات السنية، من الانسحاب بشكل مبكر، في حال فوز اوباما للضغط على بغداد للتوقيع من دون شروط»!

قواعد دائمة وحصانة كاملة للجنود الأميركيين

و بموجب الاتفاق المتوقع اقراره بين واشنطن وبغداد، يحتفظ بموجب الاتفاق الاميركيون باكثر من خمسين قاعدة عسكرية دائمة في العراق ويتمتع الجنود والمقاولون الاميركيون بالحصانة امام القوانين العراقية، كما يطلق الاتفاق يد القوات الاميركية للقيام باعتقالات ونشاطات عسكرية من دون استشارة الحكومة العراقية ولا اي مساءلة من القانون العراقي. وعلق سياسي عراقي على هذا الاتفاق بقوله «انه سيشكل خرقا رهيبا لسيادتنا، واذا وقعت الحكومة العراقية عليه فسوف تفقد شرعيتها وسيصارالى النظر اليها كمخلب للأميركيين.

خيارات العراق البديلة للاتفاقية الأمنية

وفي نفس السياق كتب محمد عبد الجبار الشبوط في صحيفة الوطن الكويتي موضوعا حول الاتفاقية يقول فيه "لا تزال المحادثات العراقية الامريكية بشأن المعاهدة الامنية، كما اعلن الدكتور علي الدباغ الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، في مراحلها الاولى ولدى الجانب العراقي رؤية ومسودة تختلف عن رؤية ومسودة الجانب الامريكي وهناك تشديد كبير من قبل الحكومة العراقية في الحفاظ على كامل السيادة للعراق على ارضه وسمائه ومياهه وكل شؤونه الداخلية وعلاقاته الخارجية ولن تقبل الحكومة العراقية اي بند يمس او ينتقص من هذه السيادة ولايضمن مصالح العراقيين «واكد» انه من المبكر الحديث عن مواعيد للاتفاق او بنود تم الاتفاق عليها مع الجانب الامريكي، وان كل مرحلة من مراحل التفاوض يتم عرضها على المجلس السياسي للامن الوطني للاطلاع عليها.

ويذكر الشبوط في مفارقة يقول يكاد يتحقق نوع من الاجماع الاحتجاجي على المعاهدة الامنية المزمع ابرامها بين الولايات المتحدة الامريكية و العراق قبل ان تنتهي المفاوضات بين الطرفين بشأنها وقبل ان يتم الاتفاق على صيغتها النهائية وقبل ان يتم التوقيع عليها، وقبل ان تعرض نصوصها على مجلس النواب العراقي.

ويضيف الكاتب يعلق الناطق الرسمي الدباغ على ذلك كله بالقول: ان ما يدور من حديث في الداخل والخارج عن الاتفاقية لا يعكس موقف المفاوض العراقي الذي يحرص كامل الحرص على عدم التفريط باي حق من حقوق العراق والعراقيين.

 ويتساءل الشبوط عن المفارقة في كلام الدباغ لماذا هذه المفارقة بين ما يدور من حديث في الداخل والخارج عن الاتفاقية«وبين» موقف المفاوض العراقي الذي يحرص كامل الحرص على عدم التفريط باي حق من حقوق العراق والعراقيين؟.

ويطرح سؤال آخر لماذا يركز ما يدور من الحديث في الداخل والخارج على وصف الاتفاقية المزمعة بانها تمثل انتهاكا للسيادة العراقية، في حين يركز المفاوض العراقي حسب رواية الدباغ على هذه السيادة؟ لماذا لا يشعر المتحدثون في الداخل والخارج بموقف المفاوض العراقي وفيهم اركان في الدولة وقادة في الطبقة السياسية، بما في ذلك اعضاء في البرلمان وزعماء لكتل؟.

ويجيب الشبوط عن هذه التساؤلات ان الحل يكمن بإشاعة المعرفة: ثمة اجابات محتملة كثيرة، سوف أستبعدها كلها من ذهني وذهن القارئ، واركز على واحدة منها فقط، وتلك هي احاطة المفاوضات بشيء من السرية لجهة تفاصيلها بما في ذلك المواد التي يجري البحث فيها، والموقف العراقي منها، مقابل الموقف الامريكي.

بمعنى آخر انه من المحتمل ان يكون سبب هذا التفارق هو عدم معرفة المفارقين وهم كثر قد ينعقد بهم اجماع سياسي، ومن بينهم جمهور خرج الى الشارع احتجاجا ورفضاـ بتفاصيل هذه المفاوضات. غياب المعرفة سبب قلقا وخوفا من مجهول، وليس خوفا من معلوم، وحينما يشعر الانسان بالخوف من شيء يجهله فان اسهل شيء يفعله هو ان يرفضه.

وربما لم يكن الجهل مقصودا، وربما لم يكن من قصد الحكومة احاطة المفاوضات بجدار السرية، لكن من المحتمل ان يكون فاتها تشخيص اهمية توفير المعرفة بشأن الاتفاقية ومفاوضاتها وجعلها ميسورة للمواطن المتظاهر احتجاجا، وللسياسي الرافض مسبقا، والفقيه الذي اصدر التفوى من باب الاحتياط الوجوبي، على قاعدة «دفع المفاسد مقدم على جلب المنافع». واذا كان الامر كذلك، فان علاج الخوف الاستباقي سهل ميسور، يتمثل في تيسير المعرفة، واطلاع الناس عليها، لكي يكون الجمهور على بينة مما يجري بشأن هذه الاتفاقية التي جلبت الى نفسها الكثير من اللغط والاحتجاج والرفض، حتى قبل ان تولد. لقد تجاوزت الشعوب، ومن بينها الشعب العراقي، مرحلة القبول بما يتم تقريره بمعزل عنها، وبالتالي فمن الحكمة بمكان ان يكون الشعب على اطلاع بما يجري بشأنه وشأن بلاده حتى تبقى الامور في دائرة السلامة بدون ان تسفر عنها مضاعفات غير مرغوب فيها.

ويضيف الشبوط في مقاله أن الحكومة العراقية اذا لم تكن لديها اسباب اخرى، ان تكشف عن ثلاثة امور:

اولا، رؤيتها للاتفاقية المسجلة في المسودة التي تحدث عنها الدباغ والذي يبدو انه مطلع عليها.

ثانيا، اسماء الوفد المفاوض باسم العراق والحكومة العراقية، لتسهيل الاتصال بهم والاطلاع عن طريقهم مباشرة على مجرى المفاوضات.

ثالثا، سير المفاوضات، وذلك عن طريق اصدار نشرات خبرية او press releases تكون بمتناول الاعلام والمواطنين المعنيين والمهتمين. وليس من بين هذه الامور الثلاثة ما يمكن ان يندرج تحت القضايا الامنية التي لا يجوز كشفها او يجوز كتمانها بحسب شرح جوهانسبرغ للمادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ينص على مبدأ التدفق الحر للمعلومات. وفي هذه الاثناء يمكن للحكومة واجهزتها المعنية ان تطلق حملة اعلامية بشأن الاتفاقية، تشرح للناس الاسباب التي تدعو الى عقد مثل هذه الاتقافية، والخيارات الممكنة في حال عزفت الحكومة عن عقدها مع الولايات المتحدة التي تملك اكثر من 150 الف جندي على الارض العراقية.

وعلق " الشبوط" على شرعية القوات الامريكية قائلا أن العقد مع العراق ينتهي مع نهاية هذا العام اي في 31 ديسمبر. ويتعين تحديد الطبيعة القانونية لوجود هذه القوات في العراق اذا لم تنسحب صباح الاول من يناير من عام 2009، والا فانها ستكون صباح ذلك اليوم قوات احتلال قانونا وواقعا اذا لم يتم التوصل الى اطار شرعي وقانوني يسمح لها بالوجود.

ويطرح الكاتب ثمة خياراتيمكن التفكير بها لحل هذه المسالة:

الخيار الاول، ان يتم التوصل الى ابرام اتفاقية مع الجانب الامريكي لتنظيم وجود قواته على الارض العراقية بشكل لا ينتهك السيادة الوطنية العراقية، وربما امكن محاكاة الاتفاقيات المماثلة التي تنظم وجود القوات الامريكية في المانيا واليابان، او الاستفادة منها، وبخاصة في تشخيص الاجراءات التي ينبغي ان تتخذ لضمان السيادة الوطنية مع وجود قوات اجنبية على اراضي الدولة.

الخيار الثاني، ان يتقدم العراق مرة اخرى بطلب الى مجلس الامن من اجل اصدار قرار يمدد لوجود القوات الامريكية، بحيث يكون وجودها مشروعا، بموجب القانون الدولي، دون ان يعيد ذلك العراق الى دائرة الدولة الواقعة تحت الاحتلال. وذلك في حال عدم امكان تحقيق الخيار الاول في موعده المقرر.

الخيار الثالث: ان يطلب العراق من القوات الامريكية الانسحاب «فورا»، بنهاية مدة التفويض الدولي في 31 ديسمبر من هذا العام، ثم الدخول بمفاوضات ثنائية لتنظيم اجراءات «الانسحاب الفوري»، وجدولتها، اخذا بنظر الاعتبار ان اي انسحاب فوري سوف يستغرق فترة من الزمن قد لا تكون قصيرة.

ربما تطوع البعض بطرح خيار رابع، هو خيار «المقاومة المسلحة»، لكن خبرة السنوات الماضية كانت اكثر من كافية للدلالة على ان هذا الخيار عالي الكلفة، حيث كشفت ان المضار التي يتسبب بها اكثر من المنافع التي يعد بها او يمكن ان يحققها، وبالتالي فليس من الحكمة اعتباره خيارا..

.............................................................................................

- المركز الوثائقي والمعلوماتي في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام:يقدم الخدمات الوثائقي والمعلوماتية للاشتراك والاتصال:[email protected] ///  www.annabaa.org

شبكة النبأ المعلوماتية- االثلاثاء  10/حزيران/2008 - 6/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م