شبكة النبأ: رغم كثرة الدلائل التي تشير إلى استبعاد العمل
العسكري الامريكي ضد إيران، فإن القيام به يبقى أمراً مطروحاً أمام
الولايات المتحدة، ربما ليس بوصفه "خياراً" بذاته لحل الأزمة، ولكن
كجزء من أي إستراتيجية تتبعها الولايات المتحدة مع طهران، سواء
أكان الحل الدبلوماسي أو الاحتواء.
هذا ما يطرحه اشتون كارتر في دراسة بعنوان "الأبعاد العسكرية في
إستراتيجية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني"، والتي نشرها
مركز أمن أمريكا الجديدة، كجزء من عدة دراسات تتناول كيفية التعامل
مع إيران. ونقلها موقع تقرير واشنطن.
يطرح الكاتب في بداية دراسته استنتاجاً رئيسياً توصل إليه،
يتمثل في أنه لا يوجد أي من الأعمال العسكرية التي تناولها تصلح
لأن تكون "خيارا" للأزمة النووية الإيرانية، والسبب في ذلك هو أن
سيناريوهات العمل العسكري المطروحة في المقالة لن تنجح في إنهاء
البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل ونهائي، وبالتالي فإنها قد
تكون "بعداً" من أبعاد أي إستراتيجية لإنهاء أو احتواء البرنامج
النووي الإيراني، فقد يمهد لحل دبلوماسي ينهى الأزمة، ولكنه قد
ينهي هذا الحل أيضا.
الضربة الجوية
يعتبر توجيه ضربة جوية للمواقع العسكرية الأساسية بغرض تأخير
الوقت الذي تستطيع عنده إيران أن تحصل علي المادة القابلة للانشطار
الكافية لتصنيع قنبلة نووية، السيناريو الأكثر تداولاً بخصوص
الضربة العسكرية وذلك على نمط الضربة الجوية الإسرائيلية للمفاعل
العراقي أوزراك ، والضربة الجوية الأمريكية لمجمع يونج بيون في
كوريا الشمالية عام 1994.
فقد نجحت الضربة الإسرائيلية، على سبيل المثال، في تأخير
البرنامج النووي العراقي لسنوات، الأمر الذي أعطى الفرصة لخطوات
لاحقة، مثل عملية عاصفة الصحراء، وعمليات التفتيش والعقوبات التي
نُفذت في التسعينيات، والغزو في عام 2003، ولكن ينبغي الأخذ في
الاعتبار أن توجيه ضربة إلى المجمعات النووية الإيرانية لن يأتي
بنتائج تقنية حاسمة كما حدث مع اوزراك في 1981 أو يونج بيون في
1994.
أهداف الضربة الجوية
يعتبر مفاعل ناتانز الهدف الرئيسي والهام لأي ضربة، حيث يوجد به
العديد من أجهزة الطرد المركزي من نوع P-1، ويقدر عددها بالآلاف،
في مراحل مختلفة من بدء التشغيل، وإذا تم تشغيلهم باستمرار فإن
3000 جهاز طرد مركزي يستطيعون إنتاج حوالي 25 كجم من اليورانيوم
عالي التخصيب، ما يعادل قنبلة نووية سنوياً. وتقوم إيران أيضا
بتطوير أجهزة طرد مركزي من نوع P-2 والتي تخصب ثلاث مرات أسرع على
الأقل.
وإلى جانب ناتانز، فإن هناك أماكن أخرى رئيسية في برنامج إيران
النووي ستكون هدفاً لأي ضربة عسكرية مثل أصفهان وبوشهر وآراك
وطهران، حيث يحتوى مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية على إمكانيات
لتحويل اليورانيوم.
أما مفاعل بوشهر فيحتوى على مفاعلين للماء الخفيف تم إنشائهما
وتزويدهما بالوقود من قبل روسيا، ومن المتوقع أن يبدأ العمل بهما
في 2008، وسينتج مفاعل بوشهر في كل عام كمية كافية من البلوتونيوم
كافية لتصنيع عدة قنابل.
وبالنسبة لموقع آراك فإنه يضم مفاعل متوسط للماء الثقيل في
بداية مراحل العمل والذي باستطاعته إنتاج بلوتونيوم أفضل من بوشهر
ولكن بكميات قليلة، وتتمثل آخر الأهداف في مركز البحث النووي في
طهران والذي يمثل مركز القيادة العلمية للبرنامج النووي الإيراني
لعقود.
تقع تلك الأماكن في غرب إيران، وكل مجمع من هذه المجمعات الخمسة
يضم مباني متعددة، وبالتالي سيتراوح العدد الكلي للأهداف ما بين
100-200 هدف، وهو عدد قليل بما يكفى لانجازها بواسطة القنابل
وصواريخ كروز الأمريكية، و يمكن إطلاق الطائرات التي ستحمل القنابل
من حاملات الطائرات الأمريكية، أو في حالة استخدام قاذفات القنابل
بعيدة المدى من الولايات المتحدة الأمريكية.
أما استخدام القواعد الأمريكية في الخليج أو أفغانستان أو تركيا
أو دييجو جارسيا سيكون أمراً ذا حساسية سياسية، كما أن إمكانية
وقوعه ستعتمد على الإطار السياسي الذي تحدث خلاله الضربة العسكرية،
ولن يحتاج الأمر حملة جوية مصاحبة للقضاء على هذه الدفاعات الجوية
الإيرانية، فالدفاعات الجوية التي تؤمن الأماكن الإيرانية الخمسة
ضعيفة.
وهناك بعض الخطوات العسكرية التي يجب اتخاذها قبل توجيه مثل هذه
الضربة، منها تحديد أماكن القوى الجوية المطلوبة لتنفيذ الضربة
والذي لن يكون أمراً صعبا، فالولايات المتحدة عادة ما يكون لديها
حاملة طائرات في الخليج وعادة يصل العدد إلى اثنين ما يعنى توفير
نحو 75 ضربة جوية، وتوفر السفن المصاحبة والغواصات الأمريكية
العشرات من صواريخ كروز، والطائرات قصيرة المدى التي ستقوم بالضربة
يمكن إن تأخذ أماكنها بسرعة، أما القاذفات فيمكن إطلاقها من
الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو دييجو جارسيا.
وستحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى اتخاذ العديد من الخطوات
الاستعدادية المهمة لحماية القوات الأمريكية في المنطقة، بما فيها
العراق من رد الفعل الإيراني، وإجراءات أيضا تُتخذ لحماية "الأصدقاء"
والمصالح الأمريكية مثل البنية التحتية الخاصة بالنفط.
ماذا ستحقق الضربة العسكرية؟
بدايةً يمكن القول أنها ستحقق القليل إذا كان هناك برنامج نووي
سري موازي لتخصيب اليورانيوم أقدم عمراً من مفاعل ناتانز، وفي هذه
الحالة فإن تدمير ناتانز لن يؤخر امتلاك إيران لقنبلة علي الإطلاق،
فالعديد من المحللين يرون أن هناك منشآت ضمن البرنامج النووي
الإيراني لم يتم الكشف عنها بعد للوكالة الدولية للطاقة الذرية،
فمفاعل ناتانز نفسه لم يتم اكتشافه إلا في السنوات الأولى من هذا
العقد، وبالتالي فإن الولايات المتحدة عليها إن توسع قائمة المواقع
المستهدفة من قبل الضربة العسكرية لتشمل الأماكن المشتبه بها على
أساس المعلومات الاستخباراتية.
وفى حالة عدم وجود برنامج سري موازي لناتانز، فإن القيمة
الرئيسية للضربة ستتمثل في تعطيل تخصيب اليورانيوم بواسطة أجهزة
الطرد المركزي، والتي يمكن قياسها بحجم التأخير الذي ستحدثه في
قدرة إيران على امتلاك اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لتصنيع
القنبلة النووية.
بعد الضربة من المتوقع أن تقوم إيران بإنهاء التفتيش الذي تقوم
به الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفى غضون عدة سنوات ستعيد إيران
بناء برنامجها النووي الموجود حاليا، وقد تكون طهران قد أعدت
بالفعل لمثل هذا السيناريو من خلال إخفاء وتوزيع العناصر الرئيسية
للبرنامج الذي سيتم إعادة بنائه بعد أي ضربة عسكرية، ومن المحتمل
أن إيران ستستغرق عامين لإعادة بناء برنامج تخصيب اليورانيوم إلى
المستوى الحالي، ولكن هذا التأخير المتواضع يمكن زيادته من خلال
طريقين الأول إذا كانت الضربة العسكرية جزء من عملية "الدبلوماسية
الإلزامية" coercive diplomacy والتي قد تؤدي إلى إنهاء دائم
لبرنامج إيران النووي، الثاني أن تتبع الضربة الأولى بعدة ضربات
أخرى على المواقع التي أعيد بنائها.
وطبقا لهذه التقديرات فإن الضربة العسكرية ستؤخر حصول إيران على
القنبلة النووية من عام 2013 إلى 2015، في حالة عدم الاقتصار على
ضربة عسكرية دون أن تكون جزء من عمل دبلوماسي أو يتم إتباعها
بضربات أخرى.
التكلفة المحتملة للضربة
سيأخذ رد الفعل الإيراني عدة أشكال منها:
أولاً: أخذ الدبلوماسيين أو الرعايا الأجانب رهائن، وقد يمتد
إلى عمل عسكري تقوم به القوات المسلحة الإيرانية ضد القوات
الأمريكية في العراق أو أفغانستان أو أي منطقة في الشرق الأوسط،
وقد تأخذ صور تحرك لحلفاء طهران مثل حزب الله وبعض "الوكلاء" في
العراق ولبنان والضفة الغربية وغزة، وقد تتسبب إيران في العديد من
المشكلات بالنسبة لحرية الملاحة في الخليج، ومنها نقل النفط.
وقد تهدد إيران بقطع صادراتها من النفط، وهى أكبر من أي كمية
تستطيع أن تغطيها زيادة الإنتاج السعودي، وبينما ستؤدي هذه الخطوة
إلى رفع أسعار النفط، فإنها ستحرم إيران من 60 مليار دولار تمثل
85% من موازنة الحكومة.
ثانيا:ً إذا تمت الضربة بشكل أحادي بدون موافقة الاتحاد
الأوروبي أو روسيا والصين، فإن أي طريق لدبلوماسية متعددة الجوانب
سيفشل، وبالتالي فإن أي دبلوماسية أحادية من قبل الولايات المتحدة
تجاه طهران سوف تفتقد إلى القدرة على فرض عقوبات سياسية واقتصادية
التي تمتلكها هذه الدول، كما أن أي عمل عسكري يفتقر إلى إستراتيجية
أعمق متفهَمة ومدعومة من هذه الدول سوف يدفعهم إلى الناي بأنفسهم
عن الولايات المتحدة.
ثالثا: أن العمل العسكري سوف يؤدي إلى تأثير عكسي على الرأي
العام الإيراني، والذي يؤيد الخيار النووي، وبالتالي فإن أي ضربة
ستزيد من تصلبه، بالإضافة إلي أنها قد تولد جيلاً معادياً للتقارب
مع الولايات المتحدة علي العكس من الوضع الحالي. فضلاً عن الأثر
الذي تحدثه على توجهات الرأي العام في دول المنطقة، وبالأخص الدول
الهامة للمصالح الأمريكية، والذي سوف يتحول تجاه دعم طهران. |