الخطاب الذي القاه أبو مازن كان مفاجئاً من حيث التوقيت وأن
كانت مضامينه قد تحمل دلالات متناقضة. وبإختصار يمكن النظر الى
دعوة أبو مازن للحوار الوطني الشامل لتطبيق المبادرة اليمنية، على
أنه جاء لتحقيق أحد هدفين متناقضين:
أولاً: قد تكون دعوة ابو مازن للحوار صادقة، سيما أن هناك
الكثير من الأسباب الموضوعية التي تدعوه للسير في هذا المنحى،
خصوصاً في ظل وصول المفاوضات بينه وبين اسرائيل الى طريق مسدود،
وفي ظل دخول اسرائيل الى حقبة جديدة على ما يبدو، ومرحلة سيسطر
فيها اليمين واليمين المتطرف، ناهيك عن خيبة أمل ابو مازن من الدور
الأمريكي في التسوية، وتراجع الدور الأمريكي بشكل كبير، فضلاً عن
الدعوات التي صدرت عن الكثير من قيادات الصف الثاني في حركة فتح
الداعية لوقف التفاوض والحوار مع حماس.
ثانياً: وقد تكون دعوة ابو مازن للحوار قد جاءت استباقاً لمخطط
اسرائيلي عسكري تجاه غزة، أدرك ابو مازن أنه بات وشيكاً، وبالتالي
فتأتي هذه الدعوة من باب الظهور بمظهر القائد الذي أدى ما عليه من
واجبات بشأن منح الفرصة للحوار. وقد يكون ابو مازن ينطلق من
افتراض أن الأوضاع في غزة مرشحة للتغيير بشكل جذري بفعل العمل
العسكري الإسرائيلي، وبالتالي فهو اطلق هذه الدعوة من باب تسجيل
موقف قبل أن تقوم إسرائيل بما تنوي القيام به. وواضح تماماً أن ابو
مازن في هذه الحالة لن يكون مطالباً بدفع أي شئ. قد يكون قد ترامى
الى مسامع ابو مازن أن جلسة الحكومة الاسرائيلية القادمة سيتم فيها
اتخاذ قرار بشن العمل العسكري ضد غزة وبالتالي، فأن اطلاق هذه
الدعوة لن يقدم من ناحية عملية ولا يؤخر، ولكنه يسمح لأبو مازن
بتسجيل موقف أمام الرأي العام الفلسطيني يسمح له بمد الجسور مع
الجمهور! الفلسطيني بغزة. دعوة ابو مازن جاءت مفاجئة لأنها جاءت في
ظل مواصلة اجهزته الامنية حملاتها ضد نشطاء حماس في الضفة وفي ظل
المواقف المتشنجة الصادرة عن مقربي ابو مازن ومستشاريه. ناهيك عن
أن دعوة أبو مازن اعادت استنساح موقفه السابق من شروط الحوار، وهو
تطبيق المبادرة اليمنية وليس اتفاق صنعاء، أي المطالبة بتراجع حماس
عن " انقلابها "، دون الاستعداد لمناقشة مواقف حماس الأخرى.
من الصعب الحسم بين هذين السيناريوهين، فكلاهما يبدو واقعياً،
لكن بغض النظر عن دوافع ابو مازن، فأنه يتوجب على حماس الترحيب
بها، وإبداء مؤشرات على حسن النية من ناحيتها، والمطالبة بشكل لبق
وبدون انذارات بإنجاح هذا الحوار، فأن كانت اسرائيل بصدد توجيه
ضربة عسكرية للقطاع، فأن دعوة ابو مازن لن يكون لها تأثير على مجرى
الامور من ناحية علمية، وأن كان سيكون لها دلالات على توجهات
الرجل.
Saleh1000@hotmail.com |