الحكومة تتدخل في كل شيء

 حتى في الرياضة

عباس النوري

الحكومة العراقية: مصطلحاً تعني السلطة التنفيذية العليا, ومجلس النواب السلطة التشريعية العليا, ومجلس القضاء السلطة القضائية العليا ومجلس الرئاسة رئيس العراق كله ..أم كما يروج له (رمز ليس إلا) وهذا إجحاف بحق العراق وشعبه. ولدينا في العراق أمور ليس متعارفاً في الدول الديمقراطية بكل أنواعها وهو المجلس السياسي الأعلى…والله أعلم إن لم تلتزم القيادات بالدستور العراقي الجديد رغم التغييرات التي تدارستها اللجنة المختصة ولم يطلع الشعب العراقي عليها …ماذا سينتج من سلطات تتداخل في شؤون بعضها الآخر لنصل لمحصلة أسلوب ديمقراطي فوضوي.

يجب أن أشكر جميع الكتاب الذين كتبوا هواجسهم وتخوفاتهم وحبهم للرياضة العراقية في موضوع تدخل الحكومة في شأن اللجنة الأولمبية، فكلها دوافع وطنية وإن أختلف الأسلوب والطرح…تحية لكل أبطال الرياضة العراقية فأنتم سفراء العراق في العالم…أوصلوا صوت الشعب المعذب من قبل أشقائه قبل أصدقائه وأعدائه…الشعب العراقي عامة ومحبين الرياضة العراقية خاصة معكم وسنداً لكم في نيل نجاحكم ورفع أسم العراق الديمقراطي الجديد عالياً شامخاً….وكل الأصوات الخيرة التي ساندتكم وتساندكم تعي جيداً أهميتكم… هنيئاً للعراق وشعبه هذه الالتفاتات القيمة من المسؤولين بأعلى مستوياتهم، ومن الكتاب ومحبي الرياضة لكي تبقى الرياضة العراقية ممارسة بعيدة عن السياسة والمصالح الضيقة…أنها روح الوطنية فلا تتلكأ.

كما لوحظ من التعاملات والتفاعلات السياسية تداخل بين الصلاحيات. وقد يشير البعض أن الظرف الخاص الذي يعيشه العراق يفرز حالات استثنائية غير مألوفة في النظم الديمقراطية. بعض التدخلات الحكومية لا يحسب لها التأثيرات العالمية, وكأن الذي أقترح تدخل الحكومة ودفعها لذلك يتصور أن العراق يعيش بمنعزل عن العالم، أو أن العراق يعيش في عالمه الخاص, أو قد يكون أنه قادر أن يبرر مثل هذه التدخلات لظروف أمنية يمر بها العراق دون غيره…وهذه ضرورة مرحلية للتصدي لما يعيق عمل الحكومة العراقية.

لست بصدد اللجنة الأولمبية – والشعب العراقي لديه تجربة مريرة بما مارستها هذه اللجنة في عهد النظام البائد والسمعة السيئة التي كان يحضا بها نجل الدكتاتور لممارساته القبيحة ضد الرياضيين الذين سعوا لرفع راية الرياضة العراقية عالياً. لكن في حينه كانت جميع الممارسات غير الأخلاقية واللاإنسانية تجابه من قبل القلة, ولم يكن لها صدى لا في الدول العربية ولا في العالم الرياضي كما أثير اليوم موضوع تدخل الحكومة العراقية في توقيف نشاطات اللجنة الأولمبية، وهو يعد تدخل غير مسؤول وغير مدروس بحد ذاته…

لكن، من جانب نطالب الحكومة لمكافحة الفساد، ومن جانب تعلو الأصوات لتدخلها في أمور ليس من اختصاصها. ان تدخل الحكومة العراقية في شؤون المؤسسات المدنية يوحي لدكتاتورية السلطة التنفيذية وبسط قواها على مجالات تعد محرمة, وكذلك تدخل الأحزاب السياسية المشاركة في السلطات في خصوصيات المؤسسات المدنية أمر محرم ومخالف للدستور والعرف الديمقراطي العالمي.

 الذي يحدث في العراق شبه حالة طوارئ وبرز العضلات…والقرارات تتخذ دون معرفة آثارها الدولية وآثارها على بناء الشخصية العراقية ضمن مجتمع يراد به أن يكون مدني. لازال العراقيون بحاجة لفترات تجربة إدارة الدولة، وسيلاحظ مستقبلاً خروقا وتداخل في الصلاحيات، وهذه حالة طبيعية لمن يفتقد لممارسة وخبرة وحكمة قبل اتخاذ القرار.

 الحكم السياسي العراقي (الديمقراطي) هو في طور البناء والنمو، ومن غير الممكن أن نطالبه بالنقاء والشفافية والنموذجية نزيهاً من الأخطاء. الممارسة والعمل والحراك السياسي يعني ارتكاب الأخطاء على شرط أن لا تكون جسيمة، لكن عندما تقدم الحكومة على قرار يراد به خيراً ولم يتمعن في آثاره فيعطي القرار أثار سلبية آنية ومستقبلية…لكننا جميعاً نتعلم من مدرسة الحياة، لكن مدرسة السلطة التنفيذية وباقي السلطات مسؤولية كبيرة يجب أن يتحكم به الحكم الرشيد وعدم التسرع في القرارات.

أن على كاهل الحكومة العراقية مسؤوليات كثيرة وكبيرة ومن غير الممكن تحملها شخص واحد، نعم على السيد نوري المالكي تحمل مسؤولية رئاسة مجلس الوزراء لكن عليه التعاون مع فريق من المسؤولين السياسيين في الدولة العراقية لتخفيف العبء والحمل والتركة الكبيرة.

المؤسسات المدنية يجب أن تكون مستقلة وبعيدة عن تدخل السلطة التنفيذية، والوزارات بكل تخصصاتها ليس المراد التدخل وتسيير المؤسسات المدنية ذات المفهوم والمصطلح…أي أن من واجب وزارة الرياضة والشباب هو دعم الأندية الرياضية وتوفير المستلزمات الضرورية لاستمرارية الأندية الرياضية في إدامة أنشطتها بطريقة يضمن سلامة الحركة الرياضية وارتقائها.

العالم يتطلع للعراق وتطوره من حكم دكتاتوري لحكم ديمقراطي فلا تغيروا الظواهر وتبقوا على الجوهر…فليكن القول يطابق الفعل، ولنتسامح ونجتمع من أجل رقي العراقي في كل زواياه ونبين للعالم أجمع أننا حقيقةً بلد الحضارات.

لو كان الحكم في العراق دكتاتوري فردي، أو حكم ملكي تعسفي أو حكم الحزب الواحد لما واجه انتقادات لكل صغيرة وكبيرة، ولكن الحكم في العراقي ديمقراطي فيدرالي تعددي فهذا أي انتقاد مقبول ضمن المعقول…وأي تدخل من قبل السلطة في شؤون المؤسسات المدنية يعتبر عملاً خارج أطر الديمقراطية المعروفة…أم أن التدخل لحل أزمة معينة لفترة وجيزة يحفظ سمعت العراق ويحارب الفساد بكل أشكاله أمر ضروري…لكننا بحاجة لوقت…وبحاجة لدروس وعبر.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس  29 أيار/2008 - 22/جماد الاول/1429