تسعى المفوضية الأوربية لدول الإتحاد الأوربي الى تمرير تشريعات
هامة تخص المهاجرين غير الشرعيين في أوربا، وتنوي عرضها على
البرلمان الأوربي من أجل المصادقة عليها. هذه التشريعات توحد
السياسة المتبعة في دول الإتحاد الأوربي إزاء قضايا اللجوء والهجرة
غير الشرعية، وذلك من أجل صد التيار المتدفق من المهاجرين غير
الشرعيين والذين يتوافدون من كل حدب وصوب خصوصا من دول العالم
الثالث. التشريعات المقترحة تنظم عملية الهجرة وتباشر في التخلص من
الكم الهائل من المقيمين غير الشرعيين من خلال السماح للقضاء
الأوربي بحجز المهاجرين الذين لا يملكون اوراقا رسمية لفترات
متفاوتة لا تزيد مدتها على الـ ( 18) شهرا قبل ترحيلهم. كما أن
الذي يرحّل من أي دولة من دول الإتحاد لا يحق له العودة الى اوربا
إلاّ بعد فترة لا يقل مداها عن خمس سنوات.
رغم ان هذه التشريعات المزمع طرحها على البرلمان الأوربي قد
لاقت إحتجاجات شديدة من قبل المنظمات الإنسانية التي تهتم بحقوق
الإنسان في اوربا كمنظمة العفو الدولية ومنظمات انسانية اخرى إضافة
الى معارضة بعض ممثلي الأحزاب داخل البرلمان الأوربي كالحزب
الإشتراكي وحزب الخضر لمسودة هذه التشريعات، فإنه من المتوقع
مصادقة البرلمان الأوربي على بنودها وربما مع بعض التحويرات.
قد يتساءل البعض عن الدواعي والأسباب التي دعت المفوضية
الأوربية لإصدار هكذا تشريعات في الوقت الحاضر؟ والجواب ربما يكمن
في النقاط الرئيسية التالية :
1- لقد شهدت السنوات العشر المنصرمة زيادة مضطردة في عدد
المهاجرين غير الشرعيين الى أوربا، حيث وصل عددهم اليوم الى ما
يزيد على (8) ملايين شخص، وهذا ما يولد مأزقا إقتصاديا وأمنيا
وإجتماعيا عند الأوربيين. أن الغالبية العظمى من المقيمين غير
الشرعيين يعملون في السوق السوداء مما يفقد الدولة حصتها الضرائبية
التي تجنيها عادة ممن يعمل بصورة رسمية. كما أن تفشي الجرائم بين
البعض من هؤلاء يعرض أمن الدولة بشكل عام والمواطن الأوربي بشكل
خاص للخطر. مكافحة دول الإتحاد الأوربي للهجرة غير الشرعية يعني في
نظرهم تقليص فرص الجريمة بمختلف أنواعها وكذلك تأمين ومتابعة مصادر
تمويل الدولة المادية من خلال القضاء على السوق السوداء.
2- فتح الحدود بين دول الإتحاد الأوربي جعل حركة العمالة
الأوربية سهلة وفي متناول اليد. الأيدي العاملة الوافدة الى دول
أوربا الغربية من دول اوربا الشرقية كثيرة وتفي بالحاجة الأوربية
الى حد ما. التأريخ هذا اليوم يعيد نفسه في أوربا، فكما احتاجت
اوربا إبان الستينات من القرن المنصرم الى أيدي عاملة أجنبية فإنها
اليوم تحتاج أيضا الى هذه الأيدي العاملة بسبب التطور التقني فيها.
إلاّ أن أرباب الأعمال سابقا كانوا يحتاجون الى أيدي عاملة غير
ماهرة من أجل العمل في المناجم أو مصانع تجميع السيارات، أما اليوم
فان أوربا بحاجة الى عمال ماهرين من أجل زيادة قدرة المجتمع
الأوربي على المنافسة. هذه الأيدي متوفرة في شعوب أوربا الشرقية
مما يجعل الإستعانة بأيدي عاملة من خارج دول الإتحاد أمر غير
ضروري.
3- الأعداد المتزايدة من المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين في
أوربا قد يولد خللا في التركيبة السكانية الأوربية. فالأوربيون
بشكل عام يتكاثرون ببطىء بينما تتكاثر الجاليات الأجنبية الوافدة
من دول العالم الثالث بزخم مضطرد. بمرور الزمن سيحصل خلل ديموغرافي
يبين تصاعد لوغارتمي واضح عند الأقلية الوافدة ونقصان مشهود عند
الأغلبية من السكان الأصليين. هذا التخلخل في النسب السكانية بدأ
يولد قلقا ظاهرا ومستترا عند الأوربيين خصوصا أن الصعود المتسارع
في السكان يحصل في الجاليات المسلمة مما يقوي هاجس ظاهرة " أسلمة "
أوربا.
أوربا تعي جيّدا ملابسات هذا المأزق لكنها بين أمرين متضادين
أحلاهما مرّ كالعلقم! فإما تعويض النقصان الحاصل بالولادات
الأوربية بولادات إسلامية وهذا يعني الإقتراب من خطر ظاهرة "
الأسلمة " أو القبول بخطر فقدان التوازن بين الشيخوخة والشباب وهو
أمر مضر بصناديق الضمان الإجتماعي ومستقبل أوربا الإقتصادي.
لم يجد عقلاء السياسة الأوربيين وسيلة ناجعة لحل هذا الإشكال
غير مسك العصا من وسطها فإن خير الأمور أوسطها. طرد الأعداد
الهائلة من الوافدين سوف يقلل سرعة تكاثر الجاليات الأجنبية من جهة
وسوف يضمن رفد مجتمع الشباب عندهم بزخم متزن من خلال الجاليات
المقيمة قانونيا فيها. هذا الأمر سيفي بالمتطلبات الإجتماعية
والإقتصادية المستقبلية في المجتمع الأوربي الى حد ما.
4- أصبحت عملية مكافحة الهجرة غير الشرعية مطلبا جماهيريا
أوربيا هذا اليوم، حيث قد بات ذلك واضحا من خلال إلتفاف الناس حول
السياسيين الذين يرفعون شعارات مكافحة الهجرة أو يبعثون إشارات
متطرفة ضد الأجانب. هذا المطلب الجماهيري إن لم يلبّ من قبل
السياسيين المعتدلين فأن القوى المتطرفة والعنصرية سوف تتبناه
وتنطلق من أجله مما سيرفع رصيد أصواتها بين الأحزاب وهذا ما يحفز
المخاوف المستترة من إعادة التأريخ لنفسه!
الأسباب التي عمقت مدى تململ الأوربيين من الأجانب بشكل عام
والمسلمين منهم بشكل خاص في السنوات العشر المنصرمة قد لا تخفى على
أحد وتتلخص بما يلي : يتخوف الكثير من الأوربيين من الأجانب بسبب
تفشي بعض الأمراض الإجتماعية عند البعض أو بسبب وجود هوة ثقافية
واسعة بين الكثير من المهاجرين وبينهم. هذه الأمور تجعل عملية
الإندماج بين المهاجرين وسكان دول أوربا بطيئا جدّا حيث لا ترقى
الى المستوى الذي يتمناه الأوربيون. هذا من جانب ومن جانب آخر لا
يبدي الكثير من المهاجرين أو اللاجئين رغبة جديّة في العمل بل يتم
الإكتفاء بالمساعدات المادية الممنوحة لهم من قبل الدولة المضيفة،
وهذا ما يشكّل عبئا مادياّ على الدولة المضيفة يتحمل وزره دافع
الضريبة الأوربي.
ليس ضعف الإندماج هو العامل الوحيد في بعد الشقة بين الأوربيين
والمهاجرين فحسب، إنما هاجس الخوف من الإرهاب صار يقض مضاجع
الأوربيين أيضا خصوصا بعد العمليات الإرهابية التي قامت بها
القاعدة في الغرب. كما أن إرتفاع نسبة الجريمة بكل أشكالها في
اوربا، والتي تعزى أسبابها الى الزيادة المضطردة للأجانب، تجعل
المواطن الأوربي في حالة نفور وضجر تؤدي به الى رفض التزايد
المشهود في أعداد المقيمين الأجانب الشرعيين منهم وغير الشرعيين.
هذا الرفض المتنامي مع الزمن يشكل ورقة ضغط قوية على السياسيين
الأوربيين في أن يكونوا أكثر حزما وشدة في معالجة مشاكل الهجرة
وتنظيمها.
إلاّ أن المراقب للأمور قد يجد بأن تشريعات أوربا في معالجة
مشاكل الهجرة سوف لن تكون ناجعة وفعّالة ما لم يتم التمحص في أسباب
الهجرة ودواعيها. الهجرة غير الشرعية نحو أوربا سوف تستمر رغم كافة
الإجراءات المتخذة إزاءها، فالحد منها أو تقليصها لا يتم عمليّا
إلاّ بمعالجة أسبابها. الأسباب الرئيسية للهجرة مختصرة بالعوز
المادي والإضطهاد السياسي. فما على أوربا، إن كانت جادة في مساعيها
لمعالجة مأزق هجرة الأمواج البشرية اليها، إلاّ ان تتخذ مواقف جادة
وحاسمة في تنمية إقتصاديات دول العالم الثالث من جهة ونشر الوعي
وتشجيع الديمقراطية فيها من جهة أخرى. هذه الديمقراطية يجب ان تنشر
بالتروي والحكمة مع صدق النية ومصداقية الهدف، لا أن تنشر بدوّي
المدافع وقصف الطائرات، فالديمقراطية الساخنة تكوي آخذها ومعطيها!
|