لوبي حمل السلاح يدخل حلبة الانتخابات الرئاسية الامريكية

شبكة النبأ: بين تاييد حقوق حمل السلاح وحيازته من قِبل المحافظين وعدم تاييده من الديمقراطيين، طُرحت قضية الحق في حمل السلاح بقوة في الآونة الأخيرة داخل الولايات المتحدة، ولا يعود ذلك فقط إلى قرب الانتخابات الرئاسية أواخر هذا العام، وبالتالي محاولة المرشحين الحصول على دعم لوبي السلاح، ولكن يعود أيضاً إلى الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في الولايات المتحدة.

فلأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1791 تُقدم المحكمة العليا تفسيراً "للتعديل الثاني" من الدستور يتضمن الاعتراف بحق المواطنين في حيازة وحمل الأسلحة، وذلك بعد سنوات من السجال السياسي حول الحق في حمل السلاح، وما إذا كان "التعديل الثاني"، ذو الـ 17 كلمة، يقر ذلك الحق أم لا.

وجاء ذلك أثناء نظر المحكمة استئنافاً قُدم من مقاطعة كولومبيا "العاصمة واشنطن" ضد حكم محكمة الاستئناف الفيدرالية والتي قضت بإسقاط قانون المقاطعة يعود إلي عام 1976 يحظر الامتلاك الشخصي للمسدسات، والذي يُعتبر أشد القوانين صرامة لضبط حمل السلاح في الولايات المتحدة، وهى القضية التي عرفت باسم مقاطعة كولومبيا ضد هيلر.

الجدل حول الحق في حيازة الأسلحة

تكمن أهمية الرأي الذي تبنته المحكمة العليا في أنه يحسم بشكل كبير جدلاً استمر لعقود طويلة بين المدافعين عن الحق في حمل السلاح والمنادين بتقييد هذا الحق، فأنصار تقييد حمل السلاح يقولون أن التعديل الثاني لا يتضمن الحق في امتلاك الأسلحة الهجومية Assault Weapons، ويشيرون إلى أحداث مثل مجزرة مدرسة كولومباين الثانوية في ابريل 1999 والتي أسفرت عن مقتل 14 طالب ومدرس، وبالتالي يؤيد هؤلاء التدابير المتعلقة بتقييد الحق في حمل وامتلاك الأسلحة من قبيل وضع عدد محدد للبنادق التي يمكن للفرد أن يشتريها، ورفع السن المسموح عنده بامتلاك البنادق. بحسب تقرير واشنطن.

ومن أهم الجماعات المدافعة عن تقييد حيازة وامتلاك الأسلحة "حملة برادي لمنع العنف الناتج عن الأسلحة" و"الائتلاف من أجل وقف عنف الأسلحة".

أما الجماعات المؤيدة للحق في حمل السلاح، ترى أن مثل هذه الإجراءات تتعارض مع الحقوق الدستورية الثابتة للمواطنين في حمل السلاح، كما أن حظر أنواع معينة من السلاح لم يؤد إلى انخفاض معدل الجريمة. ويُعتبر "الاتحاد القومي للبنادق" من أبرز هذه الجماعات، فضلا عن وجود جماعات أخرى على درجة كبيرة من القوة كمنظمة "ملاك البنادق الأمريكيين"، و"لجنة مواطنين من أجل حق الاحتفاظ بالأسلحة وحملها"، والتي تعتبر فرع من "هيئة التعديل الثاني.

تفسير "التعديل الثاني"

ويدور الجدل بشكل أساسي بين الفريقين حول تفسير التعديل الثاني من الدستور وما إذا كان ضمان حق الأفراد في حيازة وامتلاك الأسلحة أم أن المقصود بها هو ضمان الحق الجماعي المتمثل في التنظيمات العسكرية، إلى جانب الخلاف حول الربط بين معدل الجريمة والحق في حيازة الأسلحة.

وأيا كان الأمر، فإن المحكمة العليا لم تحسمه مع تحفظ النائب العام الامريكي Paul D.Crement الذي اتخذ موقفا وسطاً-عكس الغالب على إدارة الرئيس بوش من تأييدها المطلق للحق في حمل السلاح- عبر فيه عن دعم حق الأفراد في حمل السلاح لكنه لم يأخذ أي موقف من دستورية قانون الولاية، وانتقد محكمة الاستئناف الفيدرالية لحسمها الأمر بشكل قاطع، وحذر المحكمة العليا من إصدار أي رأى من شأنه الإضرار بالتشريعات الفيدرالية المنظمة لحيازة الأسلحة. وقال إن التعديل الثاني يتحدث عن الحق في حمل السلاح، لكن تحدث عن ضرورة وجود ضوابط معقولة reasonable regulations للأسلحة النارية، وقال إن الإدارة الأمريكية مهتمة بعدم تقويض القيود الفيدرالية على الأسلحة الآلية.

فالسؤال الصعب والذي لم تجب عليه المحكمة هو تحديد نوعية القيود والضوابط التي تستطيع الحكومة وضعها على "الحق الدستوري" المعترف به حديثاً. ويزيد الأمر وضوحاً استطلاع للرأي أجرته صحيفة الواشنطن بوست في الفترة من 7-10 مارس 2008 على عينة مكونة من 707 "فرد بالغ"، بهامش خطا 4% ، فبينما عبّر 72% عن اعتقادهم أن التعديل الثاني يكفل حق الأفراد في حمل السلاح، عبر 47% عن اعتقادهم أن كفالة حق الأمريكيين في حمل السلاح مقدمة على تقييد امتلاك السلاح، فإن 39% من العينة دعموا بقوة إصدار قانون في ولاياتهم يمنع امتلاك المسدسات ويطلب أن تبقى البنادق والمسدسات فارغة أو مغلقة داخل المنازل و 20% وافقوا إلى حد ما، مقابل 27% يعارضوا بقوة و11% يعارضوا فقط.

وأعرب 60% من العينة عن تأييدهم القوي لقانون ولاية يحظر امتلاك المسدسات الشخصية ويطلب أن تبقى البنادق في البيوت فارغة أو مغلقة، وأعرب 16% عن تأييدهم للقانون بينما عارضه بقوة 15% و8% اكتفوا بمجرد المعارضة، ومن الملاحظ أن هذه الآراء تعكس التحدي الذي تواجهه المحكمة العليا، وهو الإقرار بالحق الدستوري في حمل الأسلحة، وفى نفس الوقت إثبات شرعية القوانين الفيدرالية التي تقيد هذا الحق.

لوبي السلاح والانتخابات الأمريكية

يلعب لوبي السلاح في الولايات المتحدة دوراً هاماً في الانتخابات الرئاسية وبشكل خاص الجماعات الداعمة للحق في حمل السلاح مثل "الاتحاد القومي للبنادق" و"ملاك البنادق الأمريكيون". ويكمن عنصر المساهمة الرئيسي لهذه الجماعات في تقديم الدعم المالي للمرشحين سواء لانتخابات الكونجرس أو الانتخابات الرئاسية، إلى جانب التصويت لهؤلاء المرشحين. وتتفاوت هذه المنظمات فيما بينها في حجم الدعم المالي الذي تقدمه، فالجماعات المؤيدة للحق في حمل السلاح تنفق أضعاف ما تنفقه نظيرتها الداعية لتقييد هذا الحق.

وبالنظر على بيانات The Center for Responsive Politics يتضح هذا الفارق، ففي الفترة من عام 1997 إلى 2003 أنفقت الجماعة المؤيدة لحمل السلاح- بالأساس الاتحاد القومي للبنادق، و"ملاك البنادق الأمريكيون" و"لجنة مواطنين من أجل حق الاحتفاظ بالأسلحة وحملها"- ما يزيد عن 35 مليون دولار أمريكي مقابل 2.4 مليون لكل من "حملة برادي" و"الائتلاف للتصدي للعنف الناتج عن البنادق". وتظهر تلك البيانات قوة لوبي السلاح داخل الولايات المتحدة، وحجم التأثير الذي يستطيع ممارسته، وخاصة الاتحاد القومي للبنادق.

وقد ظهر هذا بوضوح في الانتخابات الرئاسية عام 2000، فقد كانت إدارة كلينتون قد أبعدت هذا الاتحاد عن البيت الأبيض لمدة ثماني سنوات، وأيدت حظر بيع الأسلحة الهجومية وفرض القيود علي البنادق، وخشي الاتحاد من أن يواصل آل جور سياسة كلينتون المعادية للحق في حمل البنادق، ويتمكن في النهاية من إخلال اتزان المحكمة العليا ضد "التعديل الثاني".

ولم يكن الاتحاد القومي يثق في آل جور على الإطلاق، في حين أنه اعتبر بوش الابن صاحب سجل نموذجي بتوقيع إجراءين قانونيين يؤيدان حمل البنادق في تكساس يسمح إحداهما للمواطنين حمل أسلحة غير ظاهرة والأخر يجعل من الصعب علي الحكومات المحلية مقاضاة صناع البنادق.

وشارك واين لابيير Wayne Lapierreالرئيس التنفيذي للمنظمة، في رئاسة مهرجان "اللجنة القومية الجمهورية"، وقام بجمع أكثر من 21.3 مليون دولار لانتخاب بوش، ولعب الاتحاد القومي للبنادق دوراً كبيراً في خسارة آل جور في ثلاث ولايات على الأقل، وهى أركانسو وتينسي ووست فيرجينيا.

وكان من نتيجة ذلك أن قام الرئيس بوش بتعيين جون أشكروفت كأول نائب عام في الإدارة، وهو الذي كان على رأس متلقي أموال الاتحاد في أثناء خوضه انتخابات عضوية مجلس الشيوخ لسنة 2000.

لوبي السلاح والاستحقاق الرئاسي لعام 2008

يُطرح التساؤل الآن عن المرشح الذي سيقوم لوبي السلاح بالتصويت له خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، ولعله يمكن استكشاف ذلك من خلال أمرين رئيسيين، الأول هو نصيب الديمقراطيين والجمهوريين من الأموال التي أنفقها هذا اللوبي، أما الثاني فهو مواقف المرشحين أنفسهم من قضية حمل السلاح والتي تحدد بشكل كبير من سيصوت لهم.

بالنسبة للأمر الأول فبالنظر إلى نفقات الجماعات المؤيدة للحق في امتلاك السلاح، والمطالبة بتقييده، في الفترة من عام 1990 إلى بداية عام 2008 يتضح أن الديمقراطيين حصلوا على 94% - في المتوسط - من الأموال التي أنفقها المؤيدون لتقييد حمل السلاح مقابل 6% فقط للجمهوريين.

وقد تكون معرفة نمط نفقات الاتحاد القومي للبنادق مؤشراً هاماً في هذا الإطار، فالاتحاد القومي لا يُعتبر فقط أقوى لوبي سلاح بل أقوي لوبي أمريكي، علي الأقل طبقاً لتصنيف مجلة Fortune، والتي وضعت المنظمة على رأس قائمة 25 أقوي "power 25" –أقوي لوبي في الولايات المتحدة الأمريكية- في عام 2002، كما حصل مع "الاتحاد الامريكي للمتقاعدين" علي لقب أنجح جماعة استقطاب (لوبي) في الولايات المتحدة.

وتنفق المنظمة أموال طائلة للدفاع عن الحق في حمل السلاح، وتُعارض كل مظاهر تقييد حمل السلاح من قبيل القيود على امتلاك الأسلحة الهجومية، والتحريات التي تُجرى على من يؤيد حيازة السلاح، والمدة التي تستغرقها، وتسجيل الأسلحة النارية.

وبالنظر إلى نفقات الاتحاد في الانتخابات التي شهدتها الولايات المتحدة – انتخابات الكونجرس والرئاسة - منذ عام 1990 إلى 2008 يظهر بشكل واضح دعم الاتحاد للجمهوريين فقد حصلوا على 83%، في المتوسط، من النفقات، مقابل 17% فقط للديمقراطيين والذي يظهره الجدول التالي:-

جدول يوضح إسهامات الاتحاد القومي للبنادق (الدولار)

الانتخابات

إجمالي المساهمات (مليون دولار)

السبة المئوية

للديمقراطيين

النسبة المئوية للديمقراطيين

1996

1,671,696

16%

%84

1998

2,041,961

%14

%86

2000

3,140,346

%8

%92

2002

2,028,389

%8

%92

2004

1,150,130

%14

%86

2006

947,625

%15

%85

2008

646,295

%21

%80

الإجمالي

16,311,519

17%

%83

ماكين الأوفر حظاً

أما الأمر الثاني فهو مواقف المتنافسين من الحق في حمل السلاح، والذي يُحدد مقدار الدعم الذي من الممكن أن يتلقوه من لوبي السلاح. يمكن القول أنه بالنظر إلى مواقف كل من السيناتور هيلاري كلينتون والسيناتور باراك أوباما والسيناتور جون ماكين، فإن ماكين هو الأقرب للحصول على دعم لوبي السلاح، وبشكل خاص الاتحاد القومي للبنادق.

ويرجع ذلك من ناحية إلي الدعم التقليدي الذي يحظى به الجمهوريون من لوبي السلاح، بالإضافة إلى سجله بخصوص هذه القضية، فقد صوت ضد تمديد قانون حظر حمل الأسلحة الهجومية - والذي أصدره الكونجرس في عام 1994، والذي كان جزءاً من مشروع قانون أكبر ضد الجريمة وقعه الرئيس كلينتون، خاص بـ 19 نوع من الأسلحة النارية شبه الاتوماتيكية - 10 سنوات، وعارض مشروع قانون الجريمة عام 1994 والذي تضمن حظر الأسلحة الهجومية.

وعبّر ماكين عن ذلك بوضوح في مؤتمر "الاحتفال بالقيم الأمريكية" "Celebration of American Values" والذي نظمه الاتحاد القومي للبنادق، لأول مرة في عام 2001، قائلاً "منذ ترشحت للكونجرس للمرة الأولى عام 1982 كنت فخوراً لأنني أدعم ملاك البنادق والاتحاد القومي للبنادق. ولأكثر من عقدين عارضت جهود الداعين لمنع حمل الأسلحة"، وخاطب الحضور " ملاك البنادق ليسوا متطرفين، إنهم قلب أمريكا الحديثة".

هيلاري وأوباما خارج تأييد لوبي السلاح

ويعزز من موقف ماكين سجل كل من هيلاري وأوباما في دعم تقييد حمل السلاح، أما هيلاري فقد صوتت لتمديد قانون حظر حمل الأسلحة الهجومية لمدة عشر سنوات في عام 2004 كما طالبت بتكثيف التحريات لإعطاء التراخيص لعروض البنادق، إلي جانب دعمها لتسجيل وترخيص البنادق، وتحميلها البالغين لمسؤولية استخدام أطفالهم للبنادق، ومطالبتها برفع سن حظر امتلاك السلاح للشباب من 18إلى 21 سنة وتحديد مبيعات البنادق بواحدة كل شهر والسماح للجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية Consumer Products Safety Commission بتنظيم البنادق.

ويُصعب من موقف هيلاري كلينتون الموقف الذي يتخذه لوبي السلاح تجاهها، فقد كتب كريج فيلدز Craig Fields - مدير عمليات الانترنت في مؤسسة "ملاك البنادق الأمريكيون"- في مقال له بعنوان Hillary Clinton: Socialist Gun-Grabber، أن المشكلة أن هيلاري ليست فقط تصوت في الاتجاه الخاطئ، بل في كونها من أشد الداعين لتقييد حمل وامتلاك الأسلحة، إلى جانب أن واين لابيير الرئيس التنفيذي للاتحاد القومي للبنادق يقوم بكتابة سلسلة من المقالات يصف فيها "سنوات الكوابيس" التي سيعيشها ملاك الأسلحة في حال فوز هيلاري بالرئاسة.

ولا يعتبر السيناتور أوباما أحسن حالاً من هيلاري، فقد صوت هو الآخر لتمديد القانون لمدة 10 سنوات، ودعا لقانون قومي ضد حمل الأسلحة التي يمكن إخفائها concealed weapons ما عدا المتقاعدين من الشرطة والجيش، ويدعم تخفيض مبيعات البنادق إلى واحدة كل شهر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  25 أيار/2008 - 18/جماد الاول/1429