من جوانب الفرادة في التجربة الفلسطينية أنه لأول مرة يجبر شعب
من الشعوب على الإقرار بأنه لا حق له في تقرير مصيره على أرضه، وأن
مغتصبي هذه الأرض لهم وحدهم الحق والشرعية في التعبير عن هويتهم
القومية والثقافية على شكل دولة أحادية القومية، ويطلب من هذا
الشعب في أول تجربة من نوعها في التاريخ أن يقر بشرعية الاغتصاب
وأن وطنه التاريخي يخص شعبا آخر.
لذلك فإن المتتبع لتاريخ الفكر الإنساني يلمس اهتماما واضحا
بالتنشئة السياسية كإحدى العمليات التي يقوم بها المجتمع في ثنايا
عملية التنشئة الاجتماعية، ولقد أثبتت بعض الدراسات أن التنشئة
السياسية للمواطن في بعض البلدان تبدأ في سن الثالثة، أي قبل أن
يدخل المدرسة، حيث يرتبط الطفل عاطفيا برموز بلده وهيكل وصور
نظامها السياسي قبل إدراكه للعالم السياسي بوقت طويل.
وتكمن أهمية التنشئة السياسية للشباب الفلسطيني في كونها تتمثل
في نقل تراث الأمة من جيل إلى جيل ومن ثم بناء المواطن المتمثل
لذلك التراث، ولقد كشفت التطورات المتعاقبة التي مرت بها القضية
الفلسطينية ذلك التباين السياسي الذي يدار به الصراع من الجانب
الفلسطيني بحيث كان هناك باستمرار تناقض بين الأهداف والطموحات،
والقدرات، وبذلك يكون جوهر دراسة التنشئة السياسية يتمثل في معرفة
كيفية تربية أبناء الأجيال الجديدة بوصفهم أعضاء في النظام
الاجتماعي تربية سياسية.
ونجد أن من أهم ما يتوارثه الشباب الفلسطيني عبر الأجيال هو
الوعي بحق العودة، والإصرار عليه، والتأكيد على أنه حق طبيعي مشروع
لا يمكن التنازل عنه، لذلك جاءت هذه الدراسة، التي تحمل عنوان دور
التنشئة السياسية في تعزيز وعى الشباب الفلسطيني بحق العودة، و
تعتبر الأسرة من أهم وسائل التنشئة السياسية، وهى أهم الفترات التي
يتم فيها تشكيل ملامح شخصية الفرد المستقبلية، وتحديد سلوكه
الاجتماعي، والذي يؤثر على سلوكه السياسي مستقبلا. وتعد هذه
المرحلة من أهم الفترات النمائية لما يحدث فيها من تشكيل الأنا
وبداية نمو الضمير أو الأنا الأعلى، والذي يتشكل عبر أساليب
التنشئة الوالدية والملاحظة والتقليد، مما يسهم في استدماج القيم
والمعايير والاتجاهات التي تتميز بها الثقافة الفرعية التي ينتمي
إليها الآباء.
كما و تعتبر المؤسسة التعليمية من وسائل التنشئة السياسية
الهامة، سواء أكانت بطريقة مباشرة أم بطريقة غير مباشرة، لمدى
فاعلية عناصرها (المقررات / الأنشطة / المعلم). كما و لا يقل دور
وسائل الإعلام أهمية عما سبق من وسائل التنشئة، لأن من خلالها يمكن
تدعيم العادات الاجتماعية، وتكوين الوعي السياسي للأفراد، كذلك
اكتساب القيم والاتجاهات السياسية التي تتبناها الدولة، ومن ثم
تساعد على تنمية الولاء للوطن، ولئن كان هذا الدور يمثل سلاحا ذا
حدين، ففي الوقت الذي يتم فيه عن طريقها نقل القيم والمعايير
الاجتماعية المتفق عليها بين أفراد المجتمع فإنها في الوقت نفسه
تقوم بصورة غير مباشرة بتغيير هذه القيم وإحلال قيم أخرى جديدة
سلبية، مما يؤثر سلبا على شخصية الأفراد، وتظهر خطورة وسائل
الإعلام في المجتمعات خاصة في فترات التغير الاجتماعي الذي يمر به
المجتمع.
كما وللأصدقاء دور هام في التنشئة السياسية حيث يبرز هذا الدور
بشكل كبير عند ضعف الروابط الاجتماعية داخل الأسرة، لذلك هدفت
الدراسة الحالية إلى معرفة دور التنشئة السياسية في تعزيز وعي
الشباب الفلسطيني بحق العودة، كما هدفت إلى معرفة الفروق في
التنشئة السياسية والتي تعزى إلى (النوع/المواطنة/نوع الكلية/الانتماء
السياسي).
وقد أسفرت نتائج الدراسة على أن الأسرة تحتل المرتبة الأولى في
دور التنشئة السياسية، يليها المؤسسة التعليمية، ثم دور الأصدقاء،
ويأتي دور وسائل الإعلام في المرتبة الأخيرة، كما أشارت النتائج
إلى وجود فروق دالة إحصائيا في دور المؤسسة التعليمية، والمجموع
الكلي للمقياس، لصالح الإناث، كما لا توجد فروق دالة إحصائيا في
التنشئة السياسية تعزى للمواطنة، كما توجد فروق دالة إحصائيا في
دور المؤسسة التعليمية لصالح الكليات الأدبية، كما توجد فروق دالة
إحصائيا في دور (الأسرة /المؤسسة التعليمية/ وسائل الإعلام /
المقياس ككل) لصالح الأحزاب الإسلامية، كما أشارت النتائج إلى أن
(100%)من أفراد العينة يؤيدون العودة مقابل التوطين و التعويض،
ويؤيدون العودة لأراضي (48) مقابل العودة لأراضي (67)، ويعتبرون أن
حق العودة حق طبيعي مقابل أنه قرار سياسي، كما أن (97.3%) ليس
لديهم أي تصور عن طبيعة مجتمع ما بعد العودة.
لذلك واستنادا إلى النتائج المتحصل عليها من خلال الدراسة نوصي
بأن تأخذ وسائل الإعلام الدور الريادي في عملية التنشئة والتوجيه
الممنهج وفق رؤية واضحة نحو هدف يتم العمل من أجل تحقيقه، كما لابد
من الأخذ بعين الاعتبار أن في المؤسسة التعليمية يعتبر المدرس هو
الأساس في عملية التنشئة حيث أن المقررات تتحول إلى واقع من خلال
المدرس واتجاهاته وقيمه وسلوكه، والتي قد تكون مساندة أو مقوضة
لأهداف تلك المقررات.
وتبصرا بأهمية دور المعلم باعتباره القدوة ونموذج السلوك
القيمي للطلبة، نجد أنه لابد من ضرورة إعداده بصورة تتسق وخطورة
هذا الدور.
كما واستنادا إلى نتائج الدراسة نطلب من أهل الاختصاص وضع
تصور لتوضيح معالم وطبيعة مجتمع ما بعد العودة. |