الانتخابات البرلمانية وآمال التغيير

أحمد شهاب

ينطوي ملف الانتخابات الأخيرة على مجموعة من الأسئلة المتلاحقة حول حاضر ومستقبل الحراك السياسي المحلي، في ظل مرحلة سياسية باتت جديدة من جهتين، الأولى جدة طريقة الاقتراع العام، حيث جرت الانتخابات بالأمس وفق التقسيم الجديد للدوائر، تخللها قائمة من الشروط الصارمة لتنظيم حركة الإعلانات الانتخابية في الشوارع، وتحديد عدد المقار لكل مرشح في الدائرة الواحدة. واعتماد المرشحين المتمكنين ماديا على الإعلانات المتلفزة، وإعلانات الصحف، والرسائل القصيرة للوصول إلى أكبر قدر من الجمهور، وقد جرى ذلك على حساب تقليل الاحتكاك المباشر بالجمهور، فبرزت ظاهرة اعتذار المرشحين عن الزيارات الشخصية، والاكتفاء بالتواصل مع أصحاب الشأن العائلي أو القبلي للتأثير على أكبر قدر ممكن من الناخبين، وكان من المؤمل أن تدفع تلك التغييرات إلى اهتمام المرشحين بالقضايا العامة، لكنهم على ما يبدو لا يزالون مستمرين في دائرة استرضاء الصوت الانتخابي.

كما برزت خلال الأيام الماضية رغبة الحكومة في تطبيق القانون بشدة وصرامة أصابت الجميع بقدر كبير من الاستغراب، وأثارت لدى المراقبين العديد من علامات الاستفهام، سواء من قبل الذين عارضوا تلك الإجراءات أو الذين أثنوا ودافعوا عنها، وتمثلت في الخطوات السريعة والجدية التي اتخذتها وزارة الداخلية لمنع إتمام إجراء انتخابات فرعية قبلية في بعض المناطق، وإلقاء القبض أو ملاحقة بعض المرشحين المشكوك في تورطهم بشراء الأصوات، كما تأكدت هذه الرغبة من خلال إقدام الحكومة على شطب بعض المرشحين لأسباب مختلفة، وتدخل القضاء بصورة عاجلة لإعادة قيد بعض المشطوبين، وهو ما سوف يعزز من مكانة القضاء في البلد.

وربما الأكثر إثارة في هذه الانتخابات محاولات التأثير على الصوت الانتخابي من خلال إجراء استطلاعات وهمية للرأي، لا ترتكز على قواعد علمية واضحة، وكل هدفها توجيه الصوت إلى عدد من المرشحين لأسباب طائفية أو قبلية أو تجارية أو غيرها، وعلى عكس الاستفتاءات التي تجرى عادة في الغرب تحت رعاية مؤسسات إعلامية وبحثية كبرى تتسم بقدر كبير من الحيادية، فإن أغلب الذين أداروا الاستفتاءات خلال هذه الانتخابات لا يمتلكون الحد الأدنى من الخبرة التي تؤهلهم لاستقصاء التوجهات العامة للناخبين في الدوائر، ولذا جاءت النتائج المعلنة في الغالب مضللة للناخب، وليس لها علاقة بمعطيات الساحة التنافسية داخل كل دائرة.

صوت للقبيلة وصوت للطائفة

من جهة ثانية، فإن انتخابات أمس تعتبر «فاصلة» عن زمن اتسم بالكثير من التوتر السياسي، من الأزمات المتتالية التي اعترضت مسيرة العمل السياسي في الداخل وغياب رجال دولة قادرين على المساهمة في دفع مسيرة التنمية الوطنية إلى الأمام، إلى العجز عن إدارة دفة الحوار بين الفرقاء في الساحة المحلية، انتهاء بفشل الحكومة والمجلس معا في تجاوز العثرات التي اعترضت مسيرة تطور الديمقراطية في الكويت، وكان الأمل «ممن لا يزال يتمسك بالأمل الإصلاحي» يعوّل على ثمار التقسيم الجديد للدوائر للخروج من المأزق الراهن بأقل قدر من الخسائر، لكن المفاجأة جاءت من رحم الدوائر الخمس، والتي استبطنت عراكا واستقطابا قبليا وطائفيا في سبيل تحقيق مكاسب محدودة على حساب الوطن.

لقد فجرت الحملات الانتخابية الأخيرة بصورة مفزعة مسألة الانتماءات الفرعية القبلية والمذهبية، بل وأضيف لها البعد المناطقي، فقد دعا البعض لانتخاب مرشح منطقة محددة دون غيره، مثل انتخاب مرشح منطقة كيفان أو الرميثية أو الضاحية -على سبيل المثال- دون غيرهم من مناطق الدائرة، وهي ظاهرة جديدة لم نشهدها من قبل، لكن رغبة البعض بالتكسب الانتخابي من شأنه أن يخلق مثل هذه الظواهر وأكثر.

لقد كشفت الكتابات المتداولة في منتديات الانترنت بصورة خاصة أن العصبية القبلية والطائفية هي أساس الاختيار عند الناخبين، بل ومثلت الدافع الرئيسي لعدد كبير من الأفراد للتسجيل في قيود الناخبين، وهي ظاهرة ليست طارئة، وليست من نتائج الدوائر الخمس، لكنها بدت أكثر تنظيما وإلحاحا في الانتخابات الأخيرة، ربما لأن تقليص عدد الدوائر واتساع حجمها أشعل رهبة المنافسة في قلوب المرشحين، ودفعهم إلى استنفار روابطهم التقليدية بصورة غير مسبوقة.

مأزق حقيقي

وببقاء هذه العصبية القبلية والطائفية، فإن الدولة تبدو في مأزق حقيقي، ربما لا تشعر بخطورته الآن، خاصة أن القبلية والطائفية لا تزال إحدى أوراق اللعبة التي تعتقد الحكومة أنها تمتلك ناصيتها بشطارة، لكنها في الواقع تمثل تهديدا فعليا على الاستقرار السياسي والاجتماعي داخل البلد، فمن المؤكد أن النجاح السياسي الذي تحققه الدولة في اجتذاب بعض الشرائح الاجتماعية على حساب البعض الآخر يزيد من عدد الأنصار ويزيد الدولة شعورا بالقوة والنفوذ، لكنه أيضا يزيد من عدد الذين يطالبون بحصة من المغانم، وربما تجد الدولة نفسها في يوم ما مفلسة.

مع انتهاء الانتخابات يفترض أن نقترب من نقطة تحوّل تبشر بمرحلة سياسية جديدة، عنوانها الشراكة الوطنية لبناء مستقبل أفضل، لكن حتى اللحظة لم يستجد جديد يشجع رجال الإصلاح السياسي على التفاؤل، فالانتخابات الأخيرة جاءت في ظروف غامضة نسبيا، ولا أحد يعرف بالضبط ماذا يخبئ المستقبل لنا؟ ولا كيف ستدار الدولة في المرحلة المقبلة؟ لكن في كل الأحوال فإن إشارة القبول بالإصلاح هي تعزيز مشاركة الشعب بكافة فئاته وانتماءاته في تقرير مصيره السياسي.

وتفنيد مشاعر الإحباط من السياسة عن طريق تقديم أداء يتسم بالشعور بالمسؤولية، وتفنيد ما يتردد من أن الانتخابات والديمقراطية في مفهوم الدولة عبارة عن محاولة للفت نظر الدول الغربية والمؤسسات الدولية، والدفع نحو تصنيفها كدولة ديمقراطية مستقرة سياسيا، وليس لإيمانها بحق الناس في المشاركة والاختيار.

* كاتب كويتي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20 أيار/2008 - 13/جماد الاول/1429