عام  1948 عام نكبة فلسطين وليس استقلال اسرائيل

زهير الخويلدي

كانت الأطروحات الخاصة بتخلف الشرق وانحطاطه وعدم مساواته بالغرب ترتبط ...بالأفكار الخاصة بالأسس البيولوجية للتفاوت العنصري

ادوارد سعيد / الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق

 

تذكر الفلسطينيون وبعض الذين يؤمنون بطهارة وصدق قضيتهم النكبة على الرغم من مرور ستين عاما بالكامل من ضياع مدن وقرى وعشائر وأحياء عربية بأكملها واختفائها من الخريطة وتحول أسمائها العربية الى أسماء عبرية أين تحولوا فيها السكان الأصليين الى أقلية بعد أن كانوا أغلبية.

المشهد في الضفة وغزة كان مؤثرا ومثيرا للتعاطف والاهتمام فقد لبس الناشطون ملابس سوداء تعبيرا عن الحزن والمعاناة معبرين عن الفاجعة الأليمة بطريقتهم وحمل الشيوخ مفاتيح رمزية لبيوتهم وأحيائهم وأطلق الأطفال والشباب البالونات التي تصور معاناة هذا الشعب الصابر والمثابر و تجولت المسيرات عبر الشوارع الرئيسية وحمل الكهول لافتات تتمسك بحق العودة وعروبة القدس وتؤكد أن الحق لا يضيع بالتقادم وأن الشعب لم ينس ما حدث لأجدادهم من تهجير وتقتيل واغتصاب للأرض.

في الجهة المقابلة يحتفل الاسرائليون بمرور ستين عاما على تشكل دولتهم على حد زعمهم ويشاركهم في ذلك جورج بوش بإلقائه لخطاب تاريخي في الكنيست بعد أن سبقه ساركوزي بتخصيص معرض الكتاب الدولي بباريس من أجل هذا الغرض. وقد تحدث بوش لأول مرة تقريبا عن أن سنة  1948 هي سنة استقلال اسرائيل وتعهد بتأييد كل الأمريكيين لهذه الدولة ودعمهم لها بجميع الوسائل في مواجهتها لقوى الشر في المنطقة ويؤيده محمود عباس الرئيس المفترض لدولة فلسطين في نحته لهذا المفهوم الجديد بقوله: هناك شعب يحتفل باستقلاله ويقصد الإسرائيليين وشعب آخر يتذكر نكبته ويقصد الفلسطينيين ويطالب كالعادة باستئناف عملية السلام ويستجدي مواصلة التفاوض والحوار ويمر عرضا على الثوابت ليشير الى حق اللاجئين في العودة دون التطرق الى التعويضات واستعادة الأرض وإزالة الجدار العازل وتفكيك المستوطنات وفرض السيادة على الفضاء الجغرافي المحرر برا وجوا وبحرا.

ثمة مغالطات كثيرة في كلام ساسة هذا الزمان وثمة قلب للحقائق وتزييف ومن المؤكد أنها ليست زلات لسان أو ناتجة عن الغفلة وقلة انتباه بل هي خطة متكاملة ومشروع تعمية وتضليل مبرمج، إذ كيف نفسر انقلاب الاحتلال الى استقلال والنكبة الى إجلاء والعروبة الى تخلف والإسلام الى إرهاب حسب وجهة النظر الدولية الرسمية، كيف نفسر اعتبار المحرقة الصهيونية للفلسطينيين تطهيرا وتحريرا للأرض من المحتلين، كيف يتحول السكان الأصليون الى لاجئين وسكان مخيمات ومشردين والسكان الوافدين الى مالكي أرض وأصحاب حق.

يقال مصائب قوم عند قوم فوائد ومصيبة الفلسطينيين في بلدهم وخسارتهم تحولت الى مجال للربح والفائدة عند الاسرائليين وبالتالي ان أحزان الفلسطينيين هي سبب لظهور أفراح عند الإسرائيليين.  بيد أن استقلال اسرائيل هي مغالطة كبيرة وأي كلام في هذا الاتجاه هو كذب وتدجيل لأن العكس هو الصحيح وفلسطين هي التي احتلت واستعمرت وأرضها هي التي افتكت بالقوة عن طريق مجموعة من عصابات الهاجانا بالتعاون مع بقايا جيوش الاستعمار الانجليزي.

كما أن نكبة فلسطين هي حقيقة دامغة ومعطى تاريخي مسجل بأحرف سرية في الذاكرة العربية ومزروع في وجدان كل مواطن حر في العالم ومهما قيل ومهما كتب من أباطيل فإنها تظل مجرد أضغاث أحلام وترهات لا معنى لها.

 فهل يعقل أن نجعل يوم عيد ميلاد اسرائيل هو نفس يوم ذكرى وفاة فلسطين؟

هناك عدة معطيات جديدة تمثل بوارق أمل وتشير الى أن التاريخ يسير عكس ما تنظر اليه بعض الدوائر الغربية وباختلاف ما تخطط اليه الإدارة الأمريكية والإسرائيلية، هذه المعطيات يمكن أن نذكر منها ما يلي:

-  إيمان غالبية الفلسطينيين في الداخل والخارج بشرعية قضيتهم وانخراطهم بشكل أو بآخر في مشروع الاستثبات والممانعة وتمسكهم بحقوقهم التاريخية.

-  اختلال التوازن بين الطرفين في مستوى النمو الديموغرافي وميل الكفة لصالح السكان العرب الفلسطينيين على حساب السكان الإسرائيليين وبروز مجموعات اثنية غير يهودية فيهم مثل الفلاشا والمنحدرين من أصول روسية أرثوذوكسية.

- ظهور تيار داخل اليهودية العالمية مضاد للصهيونية ينادي بإرجاع الحقوق الى أصحابها ويدعوا الى التسامح ويعتبر دولة اسرائيل سبب الوبال على اليهود في العالم وفقدانهم فلسفة الوجود.

- حديث بعض الكتاب عن قرب نهاية دولة اسرائيل وتفسيرهم ذلك بفقدان الإسرائيليين للمعنى ومعاناتهم من أزمة هوية وتبعيتهم للمساعدات الخارجية وتزايد الهجرة المعاكسة في صفوفهم.

- انتقال المعمورة من هيمنة قطب واحد مؤيد بإطلاق لدولة اسرائيل الى عالم متعدد الأقطاب تتضارب فيه المصالح وتتقاطع والبعض منها مؤيدة علنا لحقوق الفلسطينيين.

- صحوة الضمير في الغرب وتخليه عن أوهام التمركز على الذات وتفكيكه لايديولوجيا العرق النقي والثقافة الرائدة وإيمانه بالتعدد والتنوع وحق الاختلاف والنسبية الثقافية وتوجهه نحو التكفير عن ذنبه تجاه الفلسطينيين.

المحرج بالنسبة للمتابع هو صعوبة تصديق آراء الفريقين في الآن نفسه، هل نصدق الذي يتمنى أن يحتفل العالم بذكرى مرور 120 سنة على تأسيس دولة اسرائيل أم الرأي الذي يفترض زوالها في أقل من عشرين سنة فقط؟ ماذا لو اتضح أن القول بقرب زوال دولة اسرائيل هو مجرد يوطوبيا سياسية وايديولوجيا حالمة لا غير وأن الدول المعرضة للزوال هي الدول المجاورة لها سواء معتدلة أو معادية لها وأنها ستتقسم الى كيانات صغيرة وملل ونحل لا حول ولا قوة لها؟ فمتى يفهم العالم أن الحل المنصف للجميع هو إيقاف النكبة وإعطاء الشعب الفلسطيني استقلاله وقيام دولة علمانية ديمقراطية تحترم قيم المواطنة وليس الاحتفال بقيام دولة اسرائيل وإجبار العرب والمسلمين بالقوة على التطبيع معها والاعتراف بها؟

* كاتب فلسفي

شبكة النبأ المعلوماتية- االاحد 18 أيار/2008 - 11/جماد الاول/1429