مدينة الصدر: هدنة عراقية وقصف أمريكي

اعداد: ميثم العتابي

شبكة النبأ: بين التوترات السياسية والأوامر العسكرية، بين قصف طائرات جيش الإحتلال الأمريكي، ومدرعات الجيش العراقي، وسطوة المسلحين المحتمين في الأزقة وما بين دور المواطنين، بين هؤلاء واولئك كلهم، ترتجف المدينة، وتتهاوى كلمة المدنية على فكيّ الإقتتال والآلة العسكرية التي جلبت الدمار والويلات إلى الأهالي والمدنين العزل.

في منظر شبه مدمر تستيقض مدينة الصدر اليوم بعد أشرس عمليات عسكرية شهدتها بغداد منذ سقوط النظام السابق، بين جيش المهدي التابع للتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر من جهة، والقوات العراقية المدعومة من جيش الإحتلال من جهة أخرى.

معسكرات تقيمها الحكومة لإيواء الأسر النازحة

وجد مصور صحفي يسكن في مدينة الصدر نفسه مضطرا لترك منزله والعيش في بيت شقيقه قرب حي الكرادة مع بناته الثلاث وولده وزوجته هربا من تهديد المسلحين له لإجباره على ترك عمله الصحفي، فيما تنتظر مئات الأسر التي تقطعت بها السبل تهيئة معسكرات وعدت الحكومة بإقامتها لإيوائهم خلال حملتها العسكرية على المسلحين في المدينة.

وبحسب المصور الصحفي فأن اغلب المواطنين من سكنة قطاعات (9، 10، 11) تركوا منازلهم نتيجة العمليات العسكرية الكثيفة القريبة من سكنهم، فيما ذكر الناطق المدني باسم خطة فرض القانون أن الحكومة هيأت معسكرات لإيواء عوائل النازحين من المدينة البالغ عددهم أكثر من 400 عائلة لحد الآن. كما يقدر التعداد السكاني مدينة الصدر الشيعية الواقعة شرقي العاصمة بغداد بنحو 2 – 4 مليون شخص. بحسب أصوات العراق. 

وقال الناطق المدني باسم خطة فرض القانون تحسين الشيخلي إن: الحكومة العراقية تنوي خلال اليومين المقبلين إقامة معسكرات إيواء للنازحين من مدينة الصدر في ملعبي الشعب والصناعة ومعسكر الرشيد ببغداد.

وأوضح أن أربعة أنواع من العائلات في مدينة الصدر ستستفيد من هذه المعسكرات، أولها عوائل متعاونة مع الأجهزة الأمنية الحكومية في المدينة وتتعرض للتهديد من المسلحين في حالة بقائها داخل المدينة، والثانية هي العوائل التي تعرضت للتهديد بسبب عملهم بالوظيفة الحكومية، وثالثا عوائل تعرضت حياتهم للخطر بسبب عدم مبالاة المسلحين بزرع العبوات وضرب الصواريخ من أمام منازلهم وأخيرا العوائل التي بدأت تتضايق من العمليات المسلحة التي لا تنتهي ليل نهار.

وأضاف الشيخلي، أن معسكرات الإيواء هذه وقتية وستجهز بالخيم والماء والكهرباء ووجبات غذائية وحتى مستلزمات الطبخ للعوائل النازحة من المدينة الشيعية التي قدر الشيخلي أعدادها بـ أكثر من 400 عائلة لحد الآن.

وكانت مدينة الصدر مسرحا لمواجهات دامية بين القوات الأمنية مدعمة بالقوات متعددة الجنسيات من جهة ومقاتلين محسوبين على جيش المهدي التابع للتيار الصدري بدأت في أعقاب شن الحكومة حملة على المسلحين الخارجين على القانون بدأت في البصرة جنوبي العراق في نهاية آذار مارس الماضي ثم امتدت إلى محافظات أخرى.

وانتهت المواجهات بعد إعلان زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر براءته ممن يحملون السلاح بوجه الحكومة أو يهاجمون مكاتب الأحزاب لكن المواجهات كانت تندلع بشكل متقطع في مدينة الصدر وهي معقل مهم للتيار الصدري وتدخلت الطائرات الأمريكية في المواجهات فيما دخلت المدينة تحت ظرف مشابه للحصار.

وأعلنت الحكومة أنها ترمي إلى فرض سلطة الدولة على كل المناطق ونزع سلاح "الميليشيات" داعية مقتدى الصدر إلى حل جيش المهدي لكن الزعيم الشاب رفض المطلب، ما دعا الحكومة إلى التلويح بحرمان الصدريين من دخول انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها أواخر العام الجاري.

وكان الصدريون الحائزون على 30 مقعدا في البرلمان إنسحبوا من حكومة نوري المالكي التي كانوا يشغلون فيها ست حقائب وزارية، في نيسان إبريل من العام الماضي 2007، بسبب رفض الحكومة مطلبهم بجدولة إنسحاب القوات الأجنبية من العراق.

واتهم الناطق الحكومي المسلحين في مدينة الصدر بفرض إتاوات على السكان وابتزاز الأهالي، قائلا: لدينا 16 محطة للمشتقات النفطية كانت المجاميع المسلحة تفرض سيطرتها عليها وتفرض سعرا على المشتقات النفطية يزيد عن سعر الحكومة الرسمي ما يحقق إيرادا يفوق الخيال.

وبدورها، انتقدت لجنة المهجرين والمرحلين في مجلس النواب ما وصفته بسكون الحكومة العراقية حيال إيجاد حل مناسب وسريع لأزمة اللاجئين في العراق وخصوصا مواطني مدينة الصدر، وقال رئيس اللجنة عبد الخالق زنكنه أن: الحكومة العراقية لا تحرك ساكنا لإيجاد حل مناسب وسريع لحل أزمة اللاجئين في العراق.

وبين زنكنه أن هؤلاء النازحين يمثلون نسبة 17% من سكان العراق ويجب على الحكومة أن تمارس دورها في تحسين ظروفهم الإنسانية الصعبة، مؤكدا إن اللجنة وجهت طلبات عديدة لهيئة رئاسة مجلس النواب لطرح مشكلة النازحين على الحكومة العراقية لكن دون جدوى.

مخاوف من أزمة انسانية ينفيها الجيش الامريكي

بدا الاتفاق لوقف القتال بين الميليشيات وقوات الامن المدعومة من الولايات المتحدة في معقل رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ببغداد متماسكا الى حد بعيد رغم وقوع اشتباكات متقطعة.

وقال الجيش الامريكي انه سيقلص حجم عملياته ليرى ما اذا كان المسلحون ملتزمين بالهدنة لكن متحدثا باسمه قال ان القوات ستستهدف المسلحين الذين يحاولون شن هجمات من ضاحية مدينة الصدر.

وقال سكان في مدينة الصدر ان اشتباكات محدودة اندلعت بعد يوم من توصل الفصائل السياسية الشيعية الى اتفاق لانهاء أسابيع من القتال الذي أسفر عن مقتل المئات.

وحاصر القتال بين قوات الامن المدعومة من الولايات المتحدة والمسلحين سكان حي مدينة الصدر البالغ عددهم مليوني نسمة منذ مارس اذار عندما أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بحملة على الميليشيات في بغداد ومدينة البصرة الجنوبية الغنية بالنفط. بحسب رويترز.

ولا يزال التوتر يخيم على مدينة الصدر ولا تزال المتاجر في شوارعها الرئيسية مغلقة رغم اعادة فتح بعض المتاجر في الشوارع الجانبية. وحلقت طائرات الجيش الامريكي في سماء مدينة الصدر.

وقال اللفتنانت كولونيل ستيفن ستوفر المتحدث باسم القوات الامريكية في بغداد: لا يغير هذا الاتفاق في الواقع شيئا بالنسبة لنا... اذا اطلق اي شخص قذائف مورتر او صواريخ او زرع عبوة ناسفة بدائية الصنع فسنقتله.

وتساور الشكوك بعض السكان في استمرار الهدنة التي توصلت اليها كتلة الصدر البرلمانية والائتلاف الشيعي الحاكم.

وقال شخص يدعى عادل العتبي انه نقل أسرته خارج مدينة الصدر هربا من العنف.

وأضاف، لن أسارع باعادتهم لانني غير مقتنع بأن السلام سيستمر. الخصومة شديدة بين الحكومة وجيش المهدي وهذا الاتفاق يمكن أن ينهار في أي لحظة.

وقال البريجادير جنرال الامريكي مايك ميلانو في مؤتمر صحفي ان المسلحين أطلقوا 1000 صاروخ وقذيفة مورتر على الاقل منذ اندلاع القتال في 23 مارس اذار. واستهدف الكثير منها المجمع الدبلوماسي والحكومي في المنطقة الخضراء. ورفض ميلانو مخاوف وكالة مساعدات من حدوث أزمة انسانية.

وقال: لا نرى أزمة انسانية. الاسواق مفتوحة في أنحاء مدينة الصدر والمسؤولون يحاولون تحديد المشاكل المتعلقة بالمياه والصرف الصحي لحلها والقمامة تجري ازالتها.

انخفاض وتيرة العنف بعد الاتفاق بين الائتلاف والصدريين 

قالت صحيفة واشنطن بوست إن العنف في مدينة الصدر الشيعية "خفتت حدته" في أعقاب التوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال بين الجماعات المسلحة والقوات الأميركية والعراقية، فيما قال مسؤولون أميركيون وقادة من "المليشيا" انه لم يجر التوصل إلى عقد هدنة حتى الآن الأمر الذي يؤكد هشاشة الاتفاق.

ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم الجيش الأميركي العميد البحري باترك درسكول قوله إن: من المهم التأكيد ان هناك حوار متواصلا، مضيفا، أن من السابق لأوانه القول إن هناك اتفاق على هدنة. بحسب واشنطن بوست. 

وقال درسكول ان القوات الأميركية نفذت عمليات محدودة في مدينة الصدر في وقت ابرام الهدنة.

ونقلت الصحيفة عن قادة كبار في جيش المهدي التابع للتيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر انهم لم يتلقوا الأوامر بعد للتخلي عن العمليات، سواء من مقتدى الصدر أو من كبار مساعديه في مدينة النجف المقدسة.

وأضافوا أن أية هدنة ربما لن تدوم طويلا بالنظر إلى شيوع مناخ عدم الثقة، وهو ما عمقته الدماء التي أريقت في الأسابيع الأخيرة في المدينة.

وقال طالب البهادلي وهو عضو بارز في جيش المهدي ومسؤول في مكتب الصدر في المدينة: انا لا اعتقد بهكذا هدنة ما دام الاحتلال موجودا في البلد، مؤكدا، نحن في مرحلة حرب وهذه اولويتنا.

وتشير الصحيفة إلى ان القتال في مدينة الصدر أودى بحياة المئات، الا ان مستوى العنف انخفض عموما في المدينة مؤخرا، على الرغم من حدوث اشتباكات متفرقة. ولم يذكر مسؤولون في مستشفى الأمام علي وقوع قتلى، الا انهم تحدثوا عن إصابة تسعة برصاص.

وقال المتحدث العسكري الأميركي اللفتنانت كولونيل ستيف ستوفر: ليس هناك تقارير عن سقوط صواريخ أو قذائف هاون على المنطقة الخضراء انطلاقا من مدينة الصدر.

وأضاف، منذ 23 من آذار مارس الماضي اطلقت 1.069 ما بين صاروخ وقذيفة هاون على أهداف متفرقة في بغداد، وعندما نرى عناصر إجرامية تطلق قذائف أو صواريخ أو تزرع عبوات خارقة للدروع، فاننا نستهدفهم ونقتلهم.

الائتلاف والتيار الصدري والمشاكل العالقة بينهما 

كشف القيادي بالائتلاف العراقي الموحد حيدر العبادي، عن أن الائتلاف والتيار الصدري اتفقا على انهاء الحملات التصعيدية بينهما، وذلك بإضافة نقطتين للنقاط 14 التي اتفق عليها الطرفان لإنهاء الأزمة في مدينة الصدر.

وأضاف العبادي أنه: تم إضافة نقاط فرعية للنقاط الـ14 باتفاق الطرفين منها إيقاف جميع الحملات الإعلامية والتصعيدية خاصة الاتهامات بحق الحكومة وتشكيل لجان تحقيقية لإستلام الشكاوى ضد القوات الأمنية التي تقوم بتجاوزات بحق المواطنين.

وأكد، أن الطرفين الائتلاف والتيار الصدري اتفقا على هاتين النقطتين، وبذلك أصبحت نقاط الاتفاق 16 نقطة بدل 14، كما تم الإتفاق على ضرورة تسهيل مهمة الدولة في القبض على الخارجين عن القانون.

وعن آليات تطبيق هذا الاتفاق، ذكر العبادي أن هناك لجنة من الائتلاف تعمل من اجل تطبيق هذه البنود بعد أربعة أيام من الاتفاق. بحسب أصوات العراق.

وعن توقف العمليات العسكرية على مدينة الصدر قال العبادي: إذا توقفت قذائف الهاون على أنحاء بغداد المنطلقة من مدينة الصدر فلا يوجد مبرر لعمل عسكري، وإن القوات الأمنية بعد انتهاء مدة الأربعة أيام ستنتشر في كل أحياء مدينة الصدر ولا يجوز مقاومتها أو رفع السلاح بوجهها.

ولفت إلى أن رئيس الوزراء سيأمر بتسليم مبالغ مالية لجميع العوائل في مدينة الصدر من اجل تجاوز هذه المرحلة الصعبة، فضلا عن البدء بحملة واسعة  لتقديم الخدمات والأعمار في مدينة الصدر بعد استتباب الأمن.

رغم اتفاق الاطراف مازال القصف الأمريكي مستمرا للمدينة

تعرضت ثلاث مناطق كبيرة في مدينة الصدر شرقي بغداد، الى قصف نفذته مروحيات عسكرية بشكل متواصل، رغم توقيع اتفاق بين الحكومة العراقية وممثلين عن التيار الصدري يقضي بايقاف المواجهات التي تشهدها المدينة.

وابتدأت عملية قصف جوي على ثلاث مناطق كبيرة تتبع مدينة الصدر (شرقي بغداد) هي منطقة جميلة التجارية، والكيارة، والداخل.

وكان الناطق باسم الحكومة علي الدباغ قال ان الحكومة توصلت إلى اتفاق مع التيار الصدري يتكون من 14 نقطة من اجل دعم واستقرار مدينة الصدر، وحفظ الامن فيها والمناطق الأخرى في بغداد.

وأوضح الدباغ ان: هناك محادثات بين وفد من الائتلاف والتيار الصدري من اجل دعم الأمن والاستقرار في مدينة الصدر والمناطق التي تشهد مشاكل أمنية، وتم التوصل الى اتفاق مكون من 14 نقطة بين التيار الصدري والائتلاف الذي نقل رؤية الحكومة. بحسب أصوات العراق. 

وقال الناطق باسم التيار الصدري الشيخ صلاح العبيدي، في وقت سابق، إن الاتفاق مع وفد الائتلاف العراقي لانهاء ازمة مدينة الصدر، يتضمن عشر نقاط من اصل 14 نقطة، جميعها نوقشت بين وفد التيار الصدر والائتلاف، وتنص على تنفيذ الاتفاق سيبدأ اعتبارا من يوم الاحد المقبل، على ان تنفذ كافة البنود خلال اربعة ايام، مبينا ان الاتفاق يقضي بوقف اطلاق النار وانهاء المظاهر المسلحة، وفتح كافة المنافذ المؤدية الى مدينة الصدر.

شبكة النبأ المعلوماتية- االخميس 15 أيار/2008 - 8/جماد الاول/1429