بين كربلاء وباب الحارة

ميثم العتابي

منذ حوالي عام ونيف دأبت الفضائيات العربية على عرض المسلسل السوري (باب الحارة) والذي جسد شخصياته نجوم شاشة التلفزيون السوري، وهو مسلسل أعقبته عدة أعمال درامية تتبلور فكرتها في ذات السياق التي تتحدث عن الفترة التي عاشها المواطن الشامي في ظل الاحتلال التركي من جهة والفرنسي من جهة أخرى، كما وتجسد شخصيات هذا العمل الدرامي، القيم العالية التي يتمتع بها مجتمعنا العربي من الأخوة والكرامة والشهامة وحب الجار والتآلف والرحمة والمساعدة، والقائمة طويلة جدا، والتي ربما يعدها البعض في هذا اليوم من مثاليات القرن الحادي والعشرين.

وتمحورت الشخصية المهمة فيه حول (العكيد) أو (الأبضاي) وحسب اللهجة السورية أو اللبنانية، هم كبار القوم وأسياد الحي. ورغم إننا لسنا في معرض التحليل الأكاديمي النقدي للعمل الدرامي هذا، بيد كان لابد لنا ان نقف عند ثيمة هذا العمل والهدف من وراءه. ذلك لما يحمل في طياته من روح استنهاض لكل المغيبات عن شخصية الفرد العربي اليوم.

بالتحديد تدور فكرة هذا العمل التلفزيوني حول الباب التي يجتمع عندها الناس، فهي التي تحميهم من الطوارق الخارجية والاعتداءات، وللباب دلالات متعددة لاتقف عند حدود الباب العادي الذي تدركه الحواس المختبرية.

ولعل المشاهد البسيط أنتبه إلى ان القصد من وراء الباب هي ليست بالضرورة تلك الباب التي تفتح وتغلق أثناء وبعد إنتهاء الحلقة اليومية، بل إنها القيم التي يتمتع بها أولا أبناء الحي، وثانيا كبير القوم الذي يمثل لهم الدرع الواقي والأمين، والذي كان دأبه ان يقيهم بحياته من كل مايلم بهم ويتعلق بمصيرهم. وهو الإيثار بالنفس، وتقديم مصلحة الجماعة على المصلحة الفردية الضيقة، والسهر الدائم على حماية مصالح الغير، خاصة وانه يتمتع بالثقة التي أنيطت به وبالمركز الذي يتبوأه بينهم.

ولعل القارئ لم يعرف بعد الرابط والمغزى بين الكلام الآنف الذكر وبين واقعنا اليوم، أقول اليوم وبعد متنفس الحرية التي شهدناها بعد زوال كابوس الهيمنة الذي ربض على قلوبنا وعقولنا لأكثر من ثلاث قرون.

كان حري بنا ان نتأمل بواقع مختلف جدا عما كان سائد عليه في السابق، ولكن الآمل النظرية شيء، والواقع العملي شيء آخر تماما.

فكرة الباب التي تحدثنا عنها قد تكون ألهمت الكثير من أصحاب الخطط الأمنية في وضع سور أو أبواب أو جدران عازلة أو ما شاء الله من تسمياتها المختلفة. فما نراه في عراق الحريات المتعددة، والديمقراطيات المختلفة، وفي كربلاء خصوصا، هو صنع وبناء أبواب من الحديد الصلب ذات المحيط الكونكريتي الجبار على مداخل المدينة (القديمة)، وهذا طبعا لتطبيق الخطة الأمنية المحكمة وحماية العتبات المقدسة، وعلى نحو من التحصين بالغ الدقة في تحوط واجراء امني مكثف.

حتى أصبحت المدينة القديمة في كربلاء ـ كأخواتها في بقية المحافظات ـ عبارة عن قلعة رومانية أو صرح بابلي.

والمؤسف في هذا الأمر، وعند الرجوع الى العمل التفلزيوني ومقارنته، نجد انه لم يؤخذ من هذا العمل الدرامي الذي حاول استنهاض وشحذ الطاقة الإنسانية وتذكيرها بمميزاتها العظيمة، عبر توجيه النظر الإنساني إلى الداخل مستفيدا من التجارب السابقة في التاريخ لمقارعة المحتل ودحر الظلم، اقول لم يؤخذ منه غير فكرة الباب التي تغلق على المدينة النائمة، ولعل الفرق ان باب العمل الدرامي كان بابا يغلق على الجميع، كان كبير القوم هو السور لهم، ولم يكونوا بالعكس، اما أبوابنا هذه فقد أغلقت بالمقلوب، أو على نصف (الحارة) الصغير جدا وبقي والنصف الآخر خارج السور وخارج الباب.

لذا نرى اليوم في العديد من مناطق التحصين ان الأسوار والأبواب لم تغلق على أبناء الشعب أو أهل (الحارة) لحمايتهم كما هو في المفهوم السائد والمسلم به، ولكنها أغلقت على كبير القوم (العكيد) والذي هو بالتالي من واجبه كمتصدي لحمايتهم لا لحماية نفسه وحده، أو لعله كان يريد حماية نفسه منهم.

هذه الأبواب والأسوار هي واقع محتم تفرضه المرحلة الراهنة، وأشدد على الدواعي الأمنية من وراءه ومدى الحاجة له، ولكني كمواطن بسيط أرى غير ذلك أرى اننا بقينا خارج السور، والحماة قبعوا داخله. وكيف سيتسنى لمن هم في الداخل من حماية من تركوه في الخارج.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاثلاثاء 13 أيار/2008 - 6/جماد الاول/1429