الموارد الحقيقية للعلاوة الاستثنائية

أحمـــد بلال

للعلاوة الاستثنائية نوعان من الموارد، موارد حقيقية، تَزيد النماء و تُشيع الرخاء،..  و موارد  وهمية، تَسحب بالشمال ما قدَّمته  باليمين،  إن لم يكن أكثر، كفرض الإتاوات، وطباعة العملات، و رفع أسعار السلع  الأساسية و الخدمات، فكل هذه أمورٌ لا تصاحبها زيادة فعلية، كما أنها قلَّما تُصاحبها العدالة الاجتماعية  في التوزيع.

أما الموارد  الحقيقية، التي يمكن أن تُوفر العلاوات، و تَزيد المدخرات، فيمكن أن تتنوع إلي عدة  أقسام:

· زيادة الانتاج زيادة حقيقية، و عدم قصره علي السلع الاستهلاكية و الترفيهية، و إنما يتعداه للسلع الانتاجية والاستراتيجية، لنجدَ علي قائمة المنتجات الصناعية مثلاً  الصناعات الالكترونية، و الميكانيكية و الحيوية، بدلاً من الشيبسي و البيبسي و أكياس البلاستيك، وتتغلب سياسة التصنيع علي صناعة التجميع، و في المجال الزراعي تتصدر المحاصيل الرئيسية، بحسب احتياجنا لها قائمة الانتاج الزراعي، بدلا من الزراعات التي لها أولوية أقل، كالكنتالوب و غيره، و يجب كسر حواجز الخطوط الحمراء، التي تريد حصرنا في الاستهلاك غير المُرشَّد، و منعنا من الانتاج الحقيقي.

·   حسن التخطيط و الإدارة، و الاهتمام بالبحث العلمي الجاد، و الاستفادة من خبرة الخبراء، و إطلاق الطاقات، و تشجيع الإبداعات، و المواهب،  التي إن سافرت إلي الخارج تجد التشجيع و حسن التوظيف،  أما ما فعلته  الدولة من تخطيطٍ لإجهاض الإضراب،  بالإعلان عن علاوةٍ كبيرة،   ثم بعد الإضراب بيومٍ واحد، تعلن عن زيادة أسعار الوقود، و عن تصدير الغاز لإسرائيل،  فهذا ليس تخطيطاً، و لكنه كيدٌ و تحبيط و تخبيط.

·     توفير جو الأمان و الحرية و العدالة لرؤوس الأموال، و تشجيع رؤوس الأموال  المتوسطة و الصغيرة،  و عدم التعرض لرجال الأعمال الشرفاء بالاتهام و الحبس والتضييق، و في المقابل إحالة المرتشين و المزورين و المتربحين من المال العام، إلي القضاء المدني العادل  لتأخذ العدالة مجراها. فالعدل له أكبر الصلة و الأثر  في الاستقرار و التنمية.

·   التعفُّف عن المال العام، و إلغاء التسهيلات الاستثنائية، سواءً كانت أراضي، أو قروضاً،  أو ترخيصاتِ مشاريع، و الأمانة في المساواة بين أصحاب المشروعات الكبري، و تعفُّف المسئولين عن العمولات و الرشاوي الخفية و المقنَّعة في هذا المجال.

·   حفظ مقدرات البلد من الأطماع الخارجية خاصة من اليهود،  و إلغاء اتفاقيات تصدير الغاز، التي تتسرب روائحها البغيضة في نفس الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الغاز و الوقود لأبناء الشعب.

·        ترشيد الاستهلاك، و القضاء على السفه، و ليكن رجال الحكم و الكبراء قدوةً للناس في ذلك.

·    و قبل كلِّ هذا، دعم التربية و غرس الأخلاق، التي توصل الي احترام المال العام، وتقدير المسئولية،  و البعد عن الإسراف.

و مع هذه الوسائل، لا بدَّ  من أمر آخر أساسيٍّ   جوهريٍّ،  يأتي قبل هذه الوسائل، و يأتي معها،  و يأتي بعدها،  و هو أمرٌ يؤمن به، و يقتنع به فيما أظنُّ، أكثر من 90 % من الشعب المصري، و ربما يغفل عنه  أيضاً أكثر من 90% من رجال الحكم و الإدارة و الإعلام، وهذا الأمر هو : ربط النماء و الرخاء و العطاء بطاعة الله تعالي  و تطبيق شرعه، و إقامة العدل الذي أمر به، و في المقابل ربط الشقاء و الغلاء و البلاء بمعصية الله و تضييع شرعه، وإشاعة الظلم الذي نهي عنه، و إذا قال قائلٌ،   فما بال الغرب تقدَّم مادياً،  فالرَّدُّ أنهم كطائرٍ يطير بجناحٍ واحدٍ،   جناحِ المادة دون جناح الروح، جناح الرقيِّ المادي، و الهبوط الخلقيِّ،  يوشك أن يترنَّح و يسقط..، و الذي ننشده هو سعادةَ الحال مادياً، و راحة البال نفسيا وروحيا،   و لا يحقق هذا إلا شرع الله تعالي الذي يُسعد الناس في دنياهم، و يُتِمُّ لهم السعادة في أخراهم.

و نجد أن  الشريعة الإسلامية  قد تميزت،  و تفردَّت، في ضبط  الميزان بين المصلحة الخاصة و المصلحة العامة،  و بين المصلحة الدنيوية و المصلحة الأخروية، فكل هذه المصالح تتعاضد و تتوافق، علي حين أن هذا الميزان يختل في غيرها من النظم، و هذه بعض أمثلة، و أظن أن الكثيرين عندهم أمثلة أكثر و أوضح :

·    لو كان عندك محلٌّ تجاريٌّ في منطقة راقية، فبحثت عن استثمارٍ مُربحٍ له، فوجدت أن أفضل و أربح استثمار، هو إنشاء كافتريا حديثة بها جواذب اللهو و الطرب للشباب من الجنسين،  فإنك قد حققت ربحاً علي المستوي الشخصي، و خسارةً أيَّ خسارة، للمصلحة العامة بإلهاء الشباب ثم إغوائهم ثم  إفسادهم.

·        لو كان عندك قيراط أرض زراعية  صدر قرارٌ بتبويره،  و تحويله لأرضٍ للبناء،  فهنا مصلحةٌ  شخصيةٌ  كبيرة، قد تحققت لك بفارق الثمن الكبير الذي ظهر لك فجأةً، و لكن هناك خسارة في المصلحة العامة بنفس القيمة أو يزيد نتيجة تبوير الأرض.

·   بعض الرخص السيادية و المحلية، الممنوحة لمشروعاتٍ قائمة للدعاية و التهليل لمن يفتتحونها في عهدهم المبارك، دون دراسات جدوي حقيقية، هذه المشاريع تعود ببعض النفع الخاص من شهرة و تلميعٍ لمن وضعوا حجر الأساس لها، و لكنها تعود بالخسارة الفادحة على المستوي العام نتيجة غياب الجدوي الهادفة، و عدم  استشارة الخبراء عند بداية تنفيذها. 

·   الاستعجال في افتتاح مشروعات مثل طريق المحور، يحقق مصلحةً شخصيةً وقتيةً  لمن يُنسب إليهم افتتاحه، ثم تُصرف الملايين بعد بضع سنوات لإصلاح ما أفسده النفاق والاستعجال عند إنشائه.

·   التسهيلات الخارجية للأجانب و خاصة اليهود منهم، تعود بالنفع الشخصي بعمولات طائلة علي الكبراء،  و بوعود الحماية و التثبيت لهم، و تعود بأبلغ الضرر و النهب و السيطرة علي مقدرات البلد.

·   التخطيط العشوائي، و الاتباع الأعمي للتوجيهات الفوقية دون مناقشة الفاسد منها، تعود علي بعض أصحاب المناصب بمصلحةٍ شخصية في التمسك بمناصبهم، و تضخم رواتبهم، وتعود بالضرر العام علي الشعب كله،  انظر الي موافقة سبع عشرة  حهة عليا، علي بناء جراج رمسيس، ثم موافقتهم أيضا علي هدمه بعدما استبان ضرره.

ليتنا عند التفكير في موارد العلاوة و الزيادة، نفكر في مواردَ حقيقيةٍ،  تُرضي ربَّنا، و تُسعد شعبنا، و تنقذ القائمين علي الأمر من مسئولية الحساب أمام ربهم،   " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ".

ahmadbelals@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت 10 أيار/2008 - 3/جماد الاول/1429