
شبكة النبأ: تأتي المطالبة بإصلاح سياسات الهجرة الأمريكية، في
ظل نقاش الكونجرس ومحاولات استقطاب الرأي العام، لتكون قضية الهجرة
غير الشرعية على قائمة قضايا المتنافسين على الرئاسة لعام 2008.
وذلك ما عبرت عنه الدراسة الذي أعدتها أردري سينجر، بعنوان "إصلاح
سياسات الهجرة الأمريكية: فتح سُبل جديدة للاندماج، وذلك في إطار
مشروع معهد بروكينجز، الذي يُطلق عليه "Opportunity 08 الهادف إلى
مساعدة مرشحي الرئاسة والرأي العام ودوائر صنع القرار بالقضايا
الإشكالية التي تواجها الأمة الأمريكية، من خلال عرض بعض الأفكار
وإعطاء خلفية عن العديد من القضايا محل الاهتمام من جانب الناخبين.
وفي ضوء ذلك، تعرض الدراسة التي بصددها لمحة عن الدور الاقتصادي
الذي لعبته العمالة المهاجرة في سوق العمل الأمريكي، ولاسيما في
الوظائف غير المرغوبة من قبل الشريحة الكبير من العمال الأمريكيين
كتعليب اللحوم ، في حين أنها تجذب العديد من العمال المهاجرين خاصة
من المكسيك وأجزاء أخرى من أمريكا اللاتينية. ويُلاحظ أن أكثر من
ربع القوة العاملة في هذه الصناعة غير موثقين (أي من المهاجرين غير
الشرعيين).
حقائق أساسية
في البداية تشير الدراسة إلى ثمة حقائق أساسية ترتبط بقضية
الهجرة، حيث تقدر عدد المهاجرين بـ 11 إلى 12 مليون مهاجر يقيمون
بشكل غير قانوني، وأن 12% من السكان الأجانب مولودين هناك (ولدوا
على أرض الولايات المتحدة الأمريكية)، فثلثهم تقريباً يقيمون بصورة
غير قانونية. ويتزايد العدد بحوالي 500.000 شخص سنوياً منذ عام
2000. كما يُلاحظ أن حوالي 40% منهم دخلوا الولايات المتحدة
بتأشيرة قانونية مؤقتة ثم انتهكوا تأشيراتهم، بينما تجنب البعض
السلطات على الحدود. وفي هذا السياق يمكن القول أن السياسة
الأمريكية بشأن قضية الهجرة قد تأخرت في الإصلاح.
فرغم محاولات الكونجرس الجادة لصياغة تشريعات لحل تلك القضية
إلا أنه فشل في تمرير تشريع يغير من سياسة الهجرة. بحسب تقرير
لموقع تقرير واشنطن.
النقاش الحالي والخيارات التشريعية
تحت هذا العنوان عرضت الدراسة للنقاش حول ما يتوجب على الحكومة
الفيدرالية أن تفعله في الفترة الحالية بشأن تزايد الأشخاص الذين
لا يحملون وثائق قانونية تمنحهم الإقامة القانونية في الولايات
المتحدة.
وتؤكد الدراسة على أن الحكومة الفيدرالية أخذت العديد من الجهود
الاحترازية والوقائية لمواجهة تلك القضية منها: ووضع سياج أمني
كأولوية عليا، إلى جانب غيرها من الجهود الوقائية الاحترازية،
والتي تشمل التأكد من قانونية وجود العامل، والعقاب القاسي ضد
انتهاك القوانين المتعلقة بالوجود غير القانوني. ويلاحظ أن هذا
الوضع لا يدعم برنامج العامل المؤقت أو برنامج التشريعات
Legalization program، فهو يأخذ في الاعتبار أن تسوية أوضاع
المهاجرين غير المصرح لهم (غير القانونيين) من خلال التشريعات
القانونية يؤدي للمزيد من الهجرة غير القانونية.
محاور النقاش حول سياسة الهجرة
تلاحظ الدراسة أن الجدل حول سياسة الهجرة يتسم بدرجة عالية من
التسييس، فيرتبط بشكل ما بالميول الأيديولوجية. ومن ثم على
المرشحين المتنافسين أن يختاروا مصطلحاتهم بحرص حتى يتجنبوا
المعاني الخفية.
وترى أن الوضع الأكثر تأييداً داخل الولايات المتحدة يتمثل في
تدعيم صياغة إستراتيجية شاملة تضمن تصحيح الوضع القانوني للمهاجرين
غير القانونيين وتوسيع القنوات القانونية لدخول البلاد. ومن فهي
تدعم برنامج "العمال الزائرين السنوي"، والزيادة المستمرة في
تأشيرات العمل الأساسي والعائلات للإقامة الدائمة، بالإضافة إلى
الزيادة في تأشيرات ذوي المهارات العليا H-1B.
ويلاحظ أن الأفكار محل النقاش تدور حول البرنامج التشريعي
الهادف للسماح للمهاجرين غير القانونيين بالحصول على إقامة دائمة
وفي النهاية المواطنة. وذلك من منطلق أنه متعذر الدفاع عن، أو غير
متخيل طرد أو سجن 11 مليون شخص ليس لديهم شرعية قانونية لإقامة
بالولايات المتحدة.
الاستجابة المحلية للفشل الفيدرالي
تحت هذا العنوان تقول الدراسة أن الواقع يشهد فشل الحكومة
الفيدرالية في الاستجابة لمشكلات قضايا الهجرة على الرغم من
سلطاتها التنفيذية، على حين أن حكومات الولايات ليس لديها القدرة
على التحكم بشأن من يدخل البلاد أو في أي مكان سوف يقيمون.
فالمهاجرون يتمركزون في مناطق جغرافية محددة، مما يفرض أعباء
اقتصادية واجتماعية على موارد الولاية المحدودة، الأمر الذي وصل
لحد الغليان في بعض الولايات.
وفي هذا السياق نجد أن حكومات الولايات تقترح تفعيل القوانين
التي تُقصر العمل أو الأجرة على هؤلاء الذين يستطيعون تقديم إثبات
قانونية حصولهم على الإقامة الأمريكية. وعلى الرغم من الضرب بهذه
القوانين بعرض الحائط، إلا أنها عملت على إحياء النقاش المحلي وخلق
بيئة غير مواتية للمهاجرين المحليين، حتى لو كانوا بصورة قانونية.
ويُلاحظ أن تزايد مشاعر الغضب تجاه الهجرة غير القانونية تقود
الموظفين الرسميين بالولايات لفرض المزيد من القرارات التي تعكس
وجود استجابة للضغوط العامة.
اتخاذ خطوات لإصلاح الهجرة ودعم
التشريعات المستحقة
وفي هذا الإطار تشير الدراسة إلى أن الرئيس الجديد لابد أن
يُدرك بوضوح أن الهجرة غير القانونية أضحت تشكل واقعاً اجتماعياً
واقتصادياً كجزء من النظام الحالي، وأنه لابد من العمل على خلق
سياسات تتكيف مع هذا الوضع.
وقد مرر مجلس النواب مشروع قانون في 2006 بشأن خلق نظام تشريعي
من ثلاث درجات يُؤهل المهاجرين للحصول على المواطنة في أماكن
مختلفة، وذلك بالاعتماد على طول فترة الإقامة. ويرى ديمتريوس
باباديميتريوس رئيس مركز سياسة الهجرة، أن أي شئ أقل من فرصة
حقيقية لكسب إقامة دائمة قانونية لا يُشكل حافزاً كافاً لإغراء
المهاجرين للتسجيل وعدم اللعب بالقواعد. وفي هذا السياق طالب قانون
إصلاح الهجرة والتحكم لعام 1986 [IRCA]، طالبي الوظيفة إثبات
أهليتهم للانتخاب من خلال حملهم لوثائق قانونية تمنحهم الإقامة
الأمريكية لخمس سنوات سابقة. وقد شابه التزوير والمتناقضات
الإدارية.
ومن هنا، فإن أي برنامج جديد لابد أن يقبل التشريعات غير
القانونية ويمدها بآلية بسيطة للتسجيل، مع إيجاد فرصة لاكتساب
الإقامة القانونية مع الوقت. فالخبرة خلال برنامج الـIRCA توضح أن
العديد من المهاجرين سوف يأخذون مغامرة التطبيق عندما يستحق المخرج
المتوقع ذلك.
هذا، وقد أشارت الدراسة إلى العديد من المكاسب التي يتوجب
توافرها في أي قانون تشريعي لضمان نجاحه واستمراره، وتلك المكاسب
تتمثل في الأتي:
تحسين فرص عمل المهاجرين، وتمتعهم بالحماية، وتَعٌلم الإنجليزية
والمهارات الأخرى مما يخلق تقدماً في سوق العمل.
إعطاء أصحاب العمل الفرصة لأن يستأجروا عمالاً بشكل قانوني،
والتأكيد على وجود قوة عمل أكثر استقراراً، ومن ثم التقليل من
مخاطرتهم في التعرض للعقاب أو تشويه سمعتهم. فأغلبية المهاجرين لا
يقوموا بتجاوز تأشيراتهم أو حتى دخول البلاد بشكل غير قانوني إلا
عندما يكون هناك وظائف متاحة واستعداد لدى أرباب العمل لتجاوز
التشريعات.
أن يتكفل التشريع بشكل إيجابي العائلات والأطفال، فالأطفال
الحاصلين على المواطنة الأمريكية بحكم مكان الميلاد مؤهلين للعديد
من البرامج، لكن الآباء غالباً غير مسجلين، ويرجع ذلك للشعور
بالارتباك والخوف من كشف المعلومات للسلطات.
التأكيد على حق الحياة والعمل في الولايات المتحدة الأمريكية
الذي يشكل تغييراً حياتياً للمهاجرين، مما يجعلهم أقل خوفاً من أن
يطردوا وأكثر احتمالاً لأن يشاركوا بشكل طوعي في المؤسسات التي يتم
إنشاؤها، مثل مدارس أطفالهم، وتدريباتهم والتعليم، وفي بحثهم عن
المساعدة الطبية. الأمر الذي يقود إلى مجتمعات أكثر صحية.
ونخلص من ذلك أن البرنامج التشريعي المستحق الذي يمد المهاجرين
بفرصة الإقامة القانونية مع إتباعها بالحصول على المواطنة يعتبر
أفضل التوقعات للاندماج، والذي يفيد كل الأمريكيين.
الرئيس القادم وقضية الهجرة
وفي هذا الصدد تشير الدراسة أن على الرئيس القادم أن يدعم
إصلاحاً شاملاً للهجرة؛ لكي يزيح الحمل من على عاتق حكومات
الولايات، ومنع صانعي القانون على مستوي الولايات من القيام بضربة
قوية للمهاجرين بطرق تشكل خطراً سياسياً واجتماعياً. ومن ثم فعلى
الرئيس القادم تدعيم البرامج الجديدة بشأن دمج المهاجرين. فالإدارة
الجديدة لابد من أن تحقق برنامج مساعدات ممول فيدرالياً
Federally-funded impact aid program لمساعدة الولايات.
ويمكن أن يخلق البرنامج التشريعي ملايين فرص الحصول على إقامة
قانونية جديدة كما يمكن أن ينتج عن تشريعاته عمل مستقر ودخل أعلى،
تصاحبه مدفوعات ضرائب الدخل الأعلى التي تفيد الكيانات الحكومية.
إلى جانب أن الخدمات الإضافية التي يحتاجونها لابد من أن تغطي جزءاً
منها رسوم التسجيل في برنامج التشريعات المستحقة. فمثل هذه الرسوم
لابد من أن تساعد ليس فقط في تغطية التكاليف الإدارية للبرنامج،
لكن أيضاً في تحمل النفقات الاجتماعية الإضافية.
دعم المبادرة الأمريكية الجديدة
تشير الدراسة إلى أنه إلى جانب الدور الذي تقوم به حكومات
الولايات تلعب المنظمات غير الراغبة في الربح دوراً فعلي لتطوير
البرامج والممارسات التي تساعد على دمج المهاجرين. ومما لا شك فيه
أن جودة الأنظمة والمؤسسات ستساعد في تكيف المهاجرين للحياة في
الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي دفع المناطق المتأثرة
بالهجرة، لوضع سياسات إرشادية لتسهيل الاندماج، ودعمهما بالتمويل.
وتنطلق الدراسة من أن الأصل في تمويل المبادرة الأمريكية
الجديدة المقترحة يمكن أن يكون من خلال الحكومة الفيدرالية، غير
أنه يمكن أن يشمل مبادرات الولايات التي أقيمت على أساس المشاركة
العامة- الخاصة. وكمثال جيد على ذلك مبادرة ولاية الينوى Illinois
عام 2005، تحت مظلة المبادرات الأمريكية الجديدة القومية، ومن هنا
يمكن أن يتم تشجيع الولايات لتصميم خطط محددة لاحتياجاتها.
وفي هذا السياق عرضت الدراسة توصيات من جانب خبرة الينوى يمكن
تطبيقها في باقي الولايات الأمريكية.
إنجاز حملة لتعليم الإنجليزية، فتعلم الإنجليزية هام للمهاجرين
حتى يتمكنوا من المشاركة الكاملة في المجتمع الأمريكي.
مساعدة المقيمين بشكل دائم المؤهلين للحصول على الجنسية
الأمريكية، فعندما يحصل المهاجرين على الجنسية يكون لهم الحقوق
والمسئوليات لأن يكونوا أعضاء كاملين في المجتمع الأمريكي، لديهم
حق التصويت في الانتخابات، الوظائف الحكومية، الخدمة في هيئات
المحلفين والمشاركة في الأنشطة المدنية الأخرى.
التأكيد على أن المهاجرين يمكنهم الحصول
على خدمات الولاية.
ويُلاحظ أنه لكي تطبق باقي الولايات نموذج الينوى، فإن ذلك
يتطلب تمويلاً فيدرالياً. فكل ولاية يمكنها أن تصمم توصياتها
الإستراتيجية وبنائها الاستشاري الخاص بها، وتمويله من جانب
المنظمات في إطار مشاركة عامة-خاصة، والعمل مع المنظمات المحلية في
المناطق المأثرة.
وفي النهاية، تعرض الدراسة لبعض الملاحظات الختامية، والتي تدور
حول كون السياسة الفيدرالية الجديدة لابد من أن تتحرك بشكل أكبر
تجاه البرنامج التشريعي الذي يتبعه دعم مالي لتحقيق الاندماج
الاجتماعي، والمدني، والاقتصادي لكل المهاجرين.
وأنه على الرئيس القادم أن يدعم برنامج التشريعات المستحقة كجزء
من انطلاقة أوسع للإصلاحات السياسية. فالأمريكيون عليهم أن يفخروا
بكونهم ذوي تاريخ طويل يدمج مواطنين متنوعي الثقافات والحضارات في
أمة واحدة. ومن ثم سيكون أمر حيوي للرئيس القادم أن يجمع وجهات
النظر بشأن قضية إصلاح سياسة الهجرة، لكي يؤكد على نجاحات المستقبل
لهذه البلد كقائد للاقتصاد العالمي وكأكبر بوتقة صهر في العالم.
|