الحصاد الثقافي الشهري- نيسان 2008

الجزء (1-3)

مبدعات عربيات يناقشن بتونس دورهن في العلوم الاجتماعية

شبكة النبأ: شاركت مبدعات من 12 بلدا عربيا في ملتقى هو الوحيد من نوعه للمبدعات العربيات اقيم في تونس  لمناقشة موضوع "المبدعة العربية والبحث في مجال العلوم الاجتماعية".

ومثلت المشاركات في الملتقى كلا من ليبيا والجزائر ومصر والمغرب وتونس والأردن والإمارات العربية والعراق ولبنان وسوريا والسودان والكويت.

وبررت إدارة الملتقى اختيار موضوع العلوم الاجتماعية محورا لهذه الدورة ببروز العديد من الظواهر الاجتماعية الحديثة في المجتمع العربي التي تستوجب البحث والدراسة من قبل المختصات العربيات.

وتناوتل المداخلات بالدرس عدة محاور بينها "مكانة ودور الباحثة العربية في مجال العلوم الاجتماعية"، إضافة إلى تطوير آفاق ذلك الدور.

يذكر أن الملتقى انتقل منذ العام الماضي إلى التركيز على دراسة محاور علمية بعدما ظل طيلة عشر سنوات يتناول محاور أدبية وفنية مثل الموسيقى والإنتاج الإذاعي والتلفزيوني ونقد الفنون والشعر.

وتأسس ملتقى المبدعات العربيات منذ 12 عاما بهدف التعريف بإبداع المرأة العربية في جميع المجالات الإنسانية، وتبادل التجارب بين المبدعات العربيات وتوثيق الروابط بينهن.

في ندوة القاهرة حول مستقبل الفكر العربي

الحرية شرط ضروري لتطور الفكر والإبداع الفلسفي

ربط المفكر المصري د. حسن حنفي وزميله د. صلاح قنصوة شرط الإبداع الفلسفي ومستقبل الفكر الفلسفي العربي بالحرية، معتبرين أن هذه الفكر يعاني من قيود عدة قبل أن يتطرقا إلى الطرق الكفيلة لإخراجه من حالته الراهنة.

فقد تناول حنفي في ندوة "مستقبل الفكر العربي" التي عقدت بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة أسباب تراجع الفكر الفلسفي العربي والمعوقات التي تقيد حركته نحو التطور، مشيرا إلى وجود ثلاثة قيود رئيسة تعرقل تطور هذا الفكر متمثلة بالماضي والانبهار بالغرب وإشكالية النص والتأويل.

كما تحدث عن القيد الأول المتمثل بالماضي، متسائلا عن السبب وراء الإصرار على القول إن المذاهب الفقهية التي حددها الفكر الإسلامي لا تزيد على أربعة.

وفاجأ حنفي الحضور بالسؤال عن قيم الإبداع والمعارضة وعدم إدراج مفكرين جدد -من أمثاله- على لائحة الماضي الممثلة بإبداعات الأجداد كالإمام الغزالي وابن سينا والإمام الشافعي وابن حنبل وغيرهم، طالما أنه يعمل على الاجتهاد العقلي.

بيد أن الرجل أعرب عن خشيته من أن الذهاب في محاولة التحرر من قيد الماضي قد يدفع الفكر العربي للتعلق بالقيد الثاني وهو الانبهار بالغرب، ليحل كارل ماركس بدلا من ابن تيمية "وينتقل المفكر العربي بذلك من أسر العلماء القدماء إلى أسر المحدثين".

أما القيد الثالث الذي يعرقل لمستقبل الفكر الفلسفي العربي، فيرتبط -حسب رأي المفكر المصري- بالنص والتأويل.

 

ويرى حنفي أن المطلوب بالوقت الحالي هو كتابة نص جديد لا ترجمة لنصوص حديثة، وقراءة الواقع المعاش الذي يتحدث عن أوطان محتلة في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان, ويتم تهديد السودان ومصر وسوريا ولبنان.

فلسفة عملية

وشدد المفكر المصري على أن أهم ما يحتاجه العرب بالواقع الراهن هو فلسفة التحرر الوطني، بقوله "أنا كمواطن مقهور سياسياً واقتصاديا وإعلامياً .. ونحن بحاجة إلى رصد وتحليل آلام واقعنا وأمراضه".

كما طالب بضرورة العمل على تطوير فلسفة خاصة بالعدالة الاجتماعية ومواجهة التجزئة الطائفية وضرورة توحيد الأمة والتخطيط للتنمية المستدامة وإلى فلسفة عملية تخاطب العامة وتتواصل معهم، مشيرا إلى وجود أزمة هوية وانفصال سحيق بين النخبة والجماهير.

وأكد حنفي خلال الندوة أن لا مستقبل للفلسفة بدون أمة "لاسيما وأننا نمر في مرحلة ردة ضاع فيها حصيلة قرنين ماضيين وغاب عنها مفهوم التقدم حيث ما زلنا في المنتصف نراوح ما بين خطوة للأمام واثنتين للوراء".

ودعا إلى البداية من الأساس عبر الإجابة على "ماذا أعلم.. ماذا أعمل.. ماذا آمل" متسائلا بالوقت ذاته ما إذا كان السبب وراء الردة الفلسفية يعود إلى غياب الاستقلال, والالتزام عند أساتذة الجامعات وكتبهم المقررة, أم إلى غياب المراكز البحثية والإعلام والندوات الفلسفية.

كيف الخروج

ورد د. قنصوة  -وهو أستاذ الفلسفة بأكاديمية الفنون الجميلة- على السؤال عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحال والسبل الكفيلة بالخروج منها، بالتأكيد على مفهوم الحرية.

فقد أشار الرجل إلى أن المواطن العربي بات محروما من حقه في التفكير والتعبير, ويعيش في رحم ثقافي يحيا في تربة ومناخ النظام السياسي.

كما استعرض حال المجتمع والنظام المصري عبر ما يزيد على نصف قرن, وخلص بالقول إن المواطنين تحولوا "إلى حيوانات آكلة ناسلة, فلم تعد فاعلة عاقلة, رعايا كالغنم يسوقها النظام.. وأصبح المثقف شخصية صالون وميكرفون" ليدخل المجتمع -بحسب رأيه- في عصر "الدولنة" أي هيمنة الدولة على كل شيء.

وفيما أجمعت مداخلات الحضور على وجود أزمة بالفكر العربي, لا حل لها إلا بانتزاع الديمقراطية رغم أنف السلطة بتكوين لبنات للإصلاح تتشعب وتتزايد، اختتم د. حنفي الندوة بالتأكيد على مقدرة الإنسان رغم الفقر على التخطيط لمستقبله وإعادة هيكلة مجتمعه.

 

مدينة فرنسية تستلهم النموذج الأندلسي للتعايش بين الديانات

اختتمت بمدينة سيفر الفرنسية فعاليات أسبوع ثقافي حول التعايش بين أبناء الديانات السماوية الثلاث، الذي نظمته جمعية "حوار يهود ومسيحيين ومسلمين" المحلية بالتعاون مع عمدة المدينة ومعهد العالم العربي بباريس واختاروا لها شعار "الأندلس".

وتضمنت الفعاليات معرضا للتراث الإسلامي واليهودي والمسيحي إبان فترة الحكم الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية في الفترة من 732 إلى 1492 ميلادية.

كما تخللت الأسبوع حوارات ونقاشات حول العلاقة بين الإسلام واليهودية والمسيحية شارك فيها مثقفون من أبناء الديانات الثلاث.

وقالت ماري أوديل لافوس مارين إحدى مؤسسات جمعية حوار "إن الهدف من المعرض هو إبراز تجربة الأندلس الفريدة التي تميزت بدرجة عالية من التسامح الديني والتعايش الودي بين أتباع الديانات التوحيدية".

وأضافت أن الأندلس ما زالت نموذجا رائعا يمكن أن نستلهم منه الكثير لتحسين العلاقات بين أبناء الديانات السماوية في مدينتنا وفي فرنسا قاطبة".

واعتبرت مارين وهي مدرسة كاثوليكية أن المعرض "يظهر بجلاء أن المسلمين ليسوا غرباء في أوروبا لأن إسهامات علمائهم وفلاسفتهم وأدبائهم وفنانيهم كانت رافدا أساسيا للنهضة الأوروبية".

من جانبه قال لوران شتريت أحد مؤسسي الجمعية إن تلك الفعاليات تهدف إلى دفع الأجيال الحالية من أبناء المهاجرين العرب، الذين ولدوا وتعلموا في المدارس الفرنسية إلى الاعتزاز بأنهم أحفاد حضارة عظيمة اخترعت الجبر وطورت العلوم ورقت الفنون في وقت كان فيه الغاليون (سكان فرنسا الأصليون) متخلفون جدا".

وقال شتريت إن مؤسسي الجمعية أدركوا أن سكان سيفر قد لا يكون بإمكانهم التحكم في الأحداث الأليمة التي تقع في الخارج، بين اليهود والمسلمين والمسيحيين، إلا أنهم يستطيعون بالتعارف والتآلف أن يحافظوا ويرسخوا أجواء الأخوة والتسامح في مدينتهم.

أما عالمة اللاهوت جنفييف كامو فاعتبرت أن "الحوار بين أبناء الديانات السماوية يجب أن لا يهدف إلى تحويل الآخر عن دينه، وإنما معرفته على نحو أحسن وأكمل". 

وأيد هذا الطرح محمد الجندي، الخطاط المصري المقيم بفرنسا، مؤكدا أن الجهل المطبق بالآخر سبب أساسي في النظرة السلبية للإسلام الموجودة في الغرب.

وقال إن بعض الزوار، الذين قرؤوا ترجمة الآية القرآنية "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم" التي كتبتها في إحدى لوحاتي، لم يصدقوا للوهلة الأولى أنها بالفعل وردت في كتابنا الكريم.

ورأى المؤرخ الفرنسي دومينيك بورن أن فرنسا التي تسكنها أغلبية ذات أصول مسيحية تتعايش مع خمسة ملايين مسلم وستمائة ألف يهودي، ربما تحتاج إلى حوار ثقافات أكثر مما تحتاج إلى حوار أديان.

وأوضح أن الشعب الفرنسي من أشد الشعوب في العالم ابتعادا عن التدين. وأضاف أن أغلبية واسعة من أبناء بلده يصرحون بأنهم لا ينتمون لأي دين وأن 15 % فقط منهم يمارسون شعائر دينية.

 

في «بيت الحكمة» لملتقى قرطاج الدولي تناقش ظاهرة العنف

مما لا شك فيه أن العنف ظاهرة كونية لا يمكن فصلها عن الطبيعة البشرية وأن تجلياتها المادية والمعنوية متعدّدة ومختلفة، وتبدو حاضرة في زماننا هذا بصفة دائمة ومستمرة، حتى اننا لا نعرف هل هذه الظاهرة تفاقمت فعلا أو أنّ نظرتنا إليها هي التي تغيّرت. وعلى الرغم من أنّ القوانين الاجتماعية والأخلاقية تحاول دائما السيطرة على ظاهرة العنف، غير أنها تهددنا في كلّ لحظة عبر الحروب بين الدول والطوائف وعبر الصراعات الاجتماعية والعائلية، إذ يكشف العنف عن التناقض الأساسي الغريب الذي يميّز البشرية، حيث ان أبسط وجوه علاقة الإنسان بالآخر تترتب عنها توترات وصراعات. ويمكننا تعريف العنف بأنّه تلك المواجهة المحتدة التي تنجر عن استعمال الإنسان للقوّة، إمّا لتخويف الآخرين أو السيطرة عليهم أو نفي وجودهم بتذليلهم أو بالقتل.

 في هذا الإطار نظم المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة الدورة الحادية عشرة لملتقى قرطاج الدولي حول العنف، وذلك بمشاركة كوكبة مهمة من المختصين نذكر من بينهم صلاح ستيتية وبسكال بيك وفاطمة حداد وجورج لابيكا وجون باشيلي ومونيك كاستيلو وحميدة بن رمضان وحسن القرواشي. وقد تم طرح ثلاثة محاور تم تقديمها على شكل أسئلة ذات حيرة معرفية وهي:

1ـ العنف والعدوانيّة: هل الإنسان بطبيعته عنيف هل توجد بيولوجيّة للعنف هل يمكننا تفسير التصرفات العدوانية باللاوعي ونزعة الموت هل كلّ قوّة هي بالضّرورة عنف 2 ـ نية أمام العنف: تدفعنا عودة التّطرف الديني الذي يرتكز على «هذيان الطهارة» إلى تساؤلات كلها حيرة: هل التطرّف هو سليل طبيعي لكلّ الأديان هل توجد أديان أعنف من أخرى إلى أيّ مدى يمكن أن تبرّر الأديان اللجوء إلى العنف أم هل ينبغي أن يدفعنا تطوّر مجتمعاتنا إلى جعل الدين أداة سلام كوني 3 ـ العنف والجغرافيا السياسية: هل كلّ نظام حكم سياسيّ هو بالضّرورة عنيف هل العنف هو فعلا محرّك للتاريخ هل يمكن أن يكون العنف مؤسسا لتاريخ أمة هل يجب أن يلجأ كل نشاط سياسي أو مذهبي في مرحلة معينة من تاريخه إلى العنف ما هي المكانة الحاليّة لمبدأ اللاعنف في معالجة بعض الصراعات كيف «نعقـّل» الإنسان بالتربية بمزيد من توعيته تجاه الحقوق والواجبات بإعطاء وسائل الاتصال والإعلام الحديثة سلطة أخلاقية وأدبية وتربوية لم تكن لتغيب عن أذهاننا

 * استراتيجية التخفي

* قدم رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون عبد الوهاب بوحديبة المداخلة الافتتاحية بقوله: «إنّي أعلم أنّ العنف مخلوق فينا. فهو بمثابة اللعنة المُلازمة لنا. ونُولد إلى العنف ونتطوّر معه، فهو يتحدّانا ويُراودنا. وبتأثير الوسائط اليوم أصبحنا أكثر من أيّ وقت مضى عرضة للوقوع في حبال شراكه الغادرة. أمّا الخطاب الوعظي والمُسكّنُ الصادر عن دعاة السلام، فيبدو غير ذي موضوع، بل خبيثا بوجه من الوجوه، ويظلّ وزنه التاريخي والجيوستراتيجي ضئيلا. كما يبدو أنّ التنشئة على اللاّعنف وهمية ومهزومة مسبّقا من قبل التنشئة على العنف. والعنف الذي ندينه ونستنكره هو مع الأسف العنف الصادر عن الآخر، إذ كثيرا ما تغدو إدانات العنف اللفظية والظرفية، بمثابة ردود أفعال في دوامة الاعتداء والرد على الاعتداء، والتنديد بالآخر لتبرير الذات. والغريب أنّ العنف في حاجة غالبا إلى ستار يتستر به، فكأنه يحتاج في إستراتيجيته إلى التخفّي وتبرير الذات. ولنزع فتيل هذه اللعبة التافهة، وإن كانت شيطانية ومحسومة مسبّقا، هل محكوم علينا أن نكتفي بالرفض السلبي، وإن كان لا تحفظ، نقابل به العنف الذي يُمثّل الشرّ المطلق» ويضيف بوحديبة أنه يُقال لنا: مجانين ومغرورون هم الذين يُصدّقون النوايا الطيبة ويثقون بالتبادل والحوار، وحتى بالأعمال المشتركة على أساس أنها وحدها قادرة على تغيير العالم وإرساء قواعد مستديمة لحضارة خالية من العنف. ولكن هل يمنعنا هذا من السعي بكلّ قوانا إلى التأثير على الأحداث، لا سلاح لنا إلاّ يقظتنا، حتى لا تجري بنا الرياح حيثما تشاء ألا يقتضينا الشرف أن نقول ما يجب أن يقال بكامل التبصّر والمسؤولية: ما دامت الضرورة تولّد العنف وما دام العنف يولّد الضرورة، فلا مجال للقبول بهذا ولا بتلك.

 وأشار صاحب المداخلة الى أن الذين يرضون بالعنف ويظنون أنّه وقتي زائل، يكشفون عن ازدواجيته الأساسية، لأنه لا يزول بل يستقرّ، وسرعان ما يكشّر عن أنيابه الفظيعة. فما ظنّ جوابا ظرفيا انقبل جوهريّا وأصبح لا غنى عنه لمن يريدون تحقيق السعادة الوهميّة، سعادة من ينقادون إليه. فكأنّه النموذج الناجع الذي تسير الحكومات الجيدة على هديه. وتوقف بوحديبة عند تاريخية العنف مبرزا «منذ أقدم العصور، كان الجدل قائما بين أنصار القوة وأنصار الحقّ. إنّها المعركة الأزليّة بين البابّا والإمبراطور.. وكان ابن تيميّة عندنا يحلم بنظام حكم يكون فيه سيف الأمير في خدمة العدل والإنصاف. أمّا الإمام الخُميني فقد قلب الآية حين جعل الأمير تحت «ولاية الفقيه». ماذا يبقى من الحقوق والقيم الروحانيّة إذا اعتبرت هشّة ولم تعد قادرة على فرض نفسها بنفسها إنّها سرعان ما تندثر في ألاعيب السلطة المضادّة، رغم ما سجل من تقدم حقيقي على مدى التاريخ». بكلّ «واقعية» رأى عالم الاجتماع عبد الوهاب بوحديبة أننا نسعى إلى إضفاء طابع اجتماعي على العنف، فنتصوّر أن نزع فتيل التوترات الاجتماعية وتهدئتها ليسا إلاّ قضيّة تربية وحسن تصرّف. كما نتصوّر أنّ تبديد العنف وتخفيف وطأته المشؤومة رهينان بتربية جيدة داخل الأسرة وفي المدرسة وفي الميادين العموميّة. وذكر بوحديبة أن العنف المتفاقم اليوم في المدارس، قد يُرسخ الشعور بفشل تربيتنا وضعف طابعها الاجتماعي. ألم يعط المثل من بعيد، من أبعد من ذلك وأعمق، حين ظنّت المجتمعات أنّها ستُخمد العنف بإدماجه في أعمالها الحضاريّة أمّا مجتمعاتنا المنسوبة إلى ما بعد الحداثة، فهل كان بإمكانها أن تنتج غير العنف على أوسع نطاق، والتفنن فيه وتسويقه وتصنيعه فالتعذيب الذي أصبح اليوم، في العديد من البلدان، أداة من أدوات الحُكم، أليس تكشيرا شيطانيّا لتواطئنا مع العنف

 * بضاعة العنف

* وقال المتدخل أيضا «صحيح أنّ التصرّف في القوّة كان دوما عنصرا من عناصر الاستراتيجية. وها هو يستفيد اليوم من التقدّم التقني، لأنّ العنف أصبح بضاعة ومنتوجا يُصنع ويُباع ويُسمن الدول والشركات الوطنيّة ومتعدّدة الجنسيات ومراكز البحوث وعددا كبيرا من المهرّبين. إنّ العنف يقذف بنا في صميم اللامعقول لاعتبارين اثنين: أولا لأنّه يُثير الأهواء ويُهيّجها، وثانيا لأنّه نتاج الإنسان، ذلك الكائن العاقل بالدرجة الأولى. فإذا ما سعينا إلى فهم العنف وتحليله، فإنّما نحن نستخدم أساليب منطقيّة بعيدة عنه كلّ البعد. وسواء تحدّثنا عمّا يحتله العنف من مكانة كبرى في طبيعة الإنسان الحيوانية أو رأينا فيه ما يُشبه المحرّك للتاريخ، فإنّ سلبيّاته تبدو ذات جدوى مريعة. فهل كان يُمكن للشعوب أن تبرز وتُسمع صوتها لولا العنف هل كان يُمكن أن يتجلّى انتصار العدل والحرية والكرامة في هذه الدنيا لولا بلوغ العنف أقصى ذروته أليس الحافز على التقدّم هو العنف ذاته يا لها من مفارقة جدلية عجيبة: العنفُ يستدعي العنف. وكذا الأمر بالنسبة إلى اللاعنف الذي يعتمد بطريقته الخاصّة على ما في الدفاع الشرعي عن النفس من عدم التباس. فالعنف بمثابة الضامن الغريب والشيطاني لاحترام الحقّ». وأضاف بوحديبة أن القول إنّ العنف أمر لا مفرّ منه، وإنه ظاهرة اجتماعيّة كاملة، وظاهرة نفسانيّة كاملة. وإنه من الوجهة الأخلاقية، الإقرار بأنّ الانتقال الخفيّ والغادر عبر الحدود التي تفصل مبدئيّا العنف عن نقيضه، قد يؤدّي إلى معادلة الضحيّة بالجلاد يكشف أن تلك المُعادلة قائمة على باطل، لأنّها بررت الكثير من الغزوات والحروب والمذابح العرقية والإبادات. لذلك لا بد من التسليم بأنّ الحضارة والتقدم، بل حقوق الإنسان ذاتها، تحتاج إلى العنف لتنتصر. هل ينبغي إذن الاستسلام إلى آراء «هيغل» و«ماركس» وغيرهما من «الفلاسفة» الكثيرين، والقبول بأن العنف شرّ مُتواتر لا بد منه يا لها من جدليات تاريخيّة وأنثروبولوجيّة دقيقة هذه التي تتحدّى مبادئنا وسعينا إلى المطلق. وتوقف الباحث عند النصوص الدينية فقال:«إنّنا نجد في القرآن الكريم ذكرا لهذه التوترات عينها. وكما في التوراة والإنجيل إذ يعتبر القرآن أنّ العنف جزء من الطبيعة البشريّة. وهكذا تساورُني الأسئلة حتى في قرارة إيماني وقناعاتي.

 إنّ المحنة الدنيوية التي خلفت آثارا لا تمّحي على مغامرة الرحلة البشريّة كانت مطهّرة. بل يُمكن أن ننسب إلى العنف نجاعة «صحيّة» بما هو إجابة عمّا في التاريخ من غلطة لا معقولة. ولئن أباح اللّه للإنسان أن يستخدم العنف (كما في سورة التوبة، الآية 29) ففي نطاق ضيّق جدّا. أمّا القاعدة العامّة في الإسلام، فهي عدمُ اللّجوء إلى العنف. غير أنّ التأويلات الخارجيّة الصادرة عن الأصوليّة ـ وعن أعدائها الغربيّين ـ لا تقرأ تحسبا لهذه التحفظات القويّة على العنف. فهي عن حسن نيّة أو سوء نيّة تخلط بين النصّ القرآني وسياقه وتتخذ منهما ذريعة لتبرير المواقف أو للتصعيد. وهل في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان كلام مغير لما في القرآن فلنؤكد بقوّة أنّ الإسلام يقضي باللاعنف وبالسّلم والعدل والحريّة وكرامة الإنسان. ويُعلن القرآن بوضوح أنّه [لا إكراه في الدين] (سورة البقرة، الآية 256) وأنّه يجب علينا أن نقبل عن طيب خاطر بالتنوّع البشريّ وباختلافاتنا الايديولوجية والسياسية والاقتصادية وغيرها. واللّه هو الذي يحكم يوم القيامة فيما بيننا من خلافات تافهة إذ هي جميعا دنيويّة وتاريخيّة. وهي خلافات نسبيّة وظالمة بالأساس (سورة البقرة الآية 113). وينبغي ألاّ ننسى بالخصوص أن الإسلام يقضي باحترام الحياة احتراما مُطلقا، إذ لا تتحمّل الحياة الإفراط في العنف ولا ما ينطوي عليه العنف من نفي لها. «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعا» (سورة المائدة، الآية 32) هذه رسالة الإسلام العُظمى، وهذا وجهُه الحقيقيّ».

 * العنف المسيس

* من جهته أشار مدير عام مؤسسة عبد الحميد شومان ثابت الطاهر الأردني، الى أن العولمة جاءت بما يشبه غسيل القلوب والعقول أي أنها تريد للتاريخ أن يبدأ مع بداياتها مبرزا أن كل المعطيات الدولية تساعد على ذلك إلا الإسلام الذي يتجذر في القلوب والعقول الى تاريخ قديم وعميق ومن الصعب اجتثاثه من قلوب البشر ومن هذا المعطى رأى الباحث، بدأت الحملة المغرضة ضد الإسلام وبدأ ترويض أصحاب النفوس التي وصفها ثابت الطاهر بالمريضة للمشاركة على نحو غير أخلاقي وغير مشروع، حيث يقول:« فجاءتنا صحيفة دنماركية تنشر صورا مسيئة للرسول الكريم، ثم فيلم هولندي يظهر الاسلام كدين يدعو للعنف ويستشهد على ذلك بآيات من القرآن الكريم وخطابات لبعض المتشددين الذين يدعون المسلمين الى الجهاد». واستنتج الباحث أننا أمام مفاهيم جديدة وتفاسير مغلوطة وقوى مهيمنة واضطهاد فكري لم يشهد له التاريخ مثيلا من قبل، وبالتالي نحن أمام ثقافات دخيلة منها ثقافة العنف تختلف عن أنماط ثقافة العنف تاريخيا وتتغذى من مخلفات العولمة وهي ثقافة عنف مسيسة، باعتبار أن دوافع العنف تاريخيا تختلف عن الدوافع المثيرة للعنف حاليا. ويمكن القول إن مجموعة مهمة من المداخلات قد أجمعت على محاولة كلّ المجتمعات أن تحافظ على هويتها، ولكنّ مسار التاريخ يدفع دائما إلى التطور والتغيير وعادة ما تتم هذه التطورات والتغييرات بطريقة غير سلميّة، أي بشكل من أشكال العنف مع التوقف عند الفرق بين العنف الثوري والعنف الإرهابي، الذي اعتبره أكثر من متدخل حاضرا إلى درجة أنّ بعضهم يقول إنّ هذا الفرق هو فرق في وجهات النظر: من يدافع عن شرعيّة الصّراع ضدّ نظام ما يتحدث عن العنف الثوري، في حين أنّ الذي يدافع عن شرعيّة هذا النظام نفسه يرمي الخصوم بأسلحتهم، من ذلك أن التّيارات الدينيّة المتطرفة تحاول تبرير اللّجوء إلى العنف كأداة لا غنى عنها باسم الحرب المقدّسة، علما بأن من البديهيّ أن كل الأديان عبر التاريخ مارست العنف بشكل أو بآخر: مارسته ضدّ العالم الخارجيّ لتفرض وجودها عبر الحروب والغزوات ومارسته كذلك بالدّاخل ضدّ كلّ من تعتبرهم منشقيّن أو زنادقة أو مرتدّين.

 وأجمع عديد المداخلات على أنه عندما يغيب التسامح في الأديان أو حتى في الايديولوجيات السياسيّة يزداد اللجوء إلى العنف حدّة، بحيث أنّه يقع تبرير كليّ له. حينئذ وعلى الرغم من كلّ الأعمال البشعة التي يمكن أن تُرتكب يحس الإنسان بأنّه يدافع عن حقه في إطار شرعية مطلقة ومن هنا يمكن أن تظهر كلّ أشكال الإرهاب (الحروب المقدّسة والحروب التي تسمى بالدينيّة والإباداة الجماعيّة وجميع الأساليب التي تتبّعها التّيارات المتطرّفة وبالتالي وفي هذه الحالة يمكن لجميع مظاهر العنف (من الاغتيال إلى إرهاب الدّول) أن توظف في سلام وطمأنينة إذ أنّ كلّ تلك الجرائم تصبح معفاة لأنّه وقع تبريرها بشتى الوسائل. ونصت أكثر من ورقة علمية على أن أخطر أشكال العنف وأقبحها هي تلك التي تبرّر نفسها بنفسها وتعتبر ذلك تنفيذا لحكم إلهيّ أو لحتميّة تاريخيّة.

انتقادات بمؤتمر لغوي بالمغرب لمقلدي الغرب من اللسانيين

انتقد الأستاذ اللغوي بجامعة محمد الخامس بالرباط محمد الأوراغي بحدة من سماهم مقلدي الغرب من اللسانيين العرب الذين يرددون كل صغيرة وكبيرة تظهر لدى اللسانيين الغربيين.

 جاء ذلك في جلسة أشغال المؤتمر الدولي الأول حول "اللغة العربية والتنمية"، المنعقد بمدينة وجدة المغربية بين 15 و17 أبريل/نيسان الماضي.

 وأوضح الأوراغي أنه عاش تمزقا كبيرا أثناء دراساته وبحوثه اللسانية حين اكتشف أن تراث اللسانيين العرب والمسلمين أكثر تقدما من اللسانيين المحدثين.

 وقال ليس كل ما يقوله كبار اللسانيين الغربيين أو صغارهم في اللغة صحيحا، وبسط المتحدث في هذا السياق ملامح نظريته اللسانية الجديدة التي بناها على أنقاض نظرية تشومسكي قائلا "ينبغي أن تدخل نظرية تشومسكي إلى متحف تاريخ اللسانيات ولا يجوز البتة استعمالها".

 وركز الأوراغي في موضوع بعنوان "اللغة العربية أساس التنمية في وطنها" على دور اللغة في إخراج الإنسان العربي من التخلف إلى التحضر، وقال "لا يمكن أن تجد إنسانا متحضرا ولغته متخلفة، ولا يمكن أن تجد إنسانا متخلفا ولغته متقدمة".

 وذكر الأوراغي -وهو من أمازيغ الريف بشمال المغرب مولدا ونشأة- أن "اللغة العربية هي أساس التنمية في وطنها سواء كان هذا الوطن دماغا أو فضاء جغرافياً، ولا يمكن لأي لغة أخرى أن تشاركها في هذه التنمية". وعرف المتحدث اللغة بأنها "ديوان ثقافي ونسق رمزي، وأن وظيفتها صياغة الإنسان بالمحمول الثقافي المضمر فيها.

 

نشر.. اصدارات.. معارض كتب

شعر الحنين إلى العراق

بمناسبة صدور ديوان الشاعرة د./ ليليان دبي – جوري

"على الأنهار وعلى البحار"

 شموئيل (سامي) موريه: يثير صدور ديوان "على الأنهار وعلى البحار" عن دار "كرمل" (أورشليم - القدس، 2007، في 120 ص) باللغة العبرية للشاعرة والباحثة في الأدب العبري الحديث، د./ ليليان دبي – جوري تساؤلات حول شعر الحنين إلى العراق الذي يكتبه شعراء يهود هاجروا إلى إسرائيل، وهل هناك فارق بين هذا الشعر الذي يكتب باللغة العربية والآخر الذي يكتب باللغة العبرية لشعراء اصغر سنا انهوا دراستهم الثانوية في مدارس عبرية؟ فالشعراء الذين تلقوا ثقافتهم في المدارس العراقية كتبوا شعرا ونثرا يتميزان بالتدفق العاطفي والحساسية الصوفية والهروب إلى براءة الطفولة وإلى وطن روحي ضائع، أما الذين تلقوا تعليمهم باللغة العبرية بعد هجرتهم فنلاحظ أن التفكير العلماني والمنطقي عندهم يكبح جماح العاطفة في شعرهم ومع ذلك فما زالوا يحنون إلى براءة الطفولة وإلى الإيمان الديني الذي فقدوه، والى النكهة الشرقية في طفولتهم أو مما رواه لهم آباؤهم، فيصورونها على أنها جزء من تراثهم الحي، غير أن القاسم المشترك بين الجميع هو المرارة المتعلقة بذكريات "الفرهود" عند الجميع. ومعظم هؤلاء الشعراء والأدباء حين يتناولون "الفرهود" يعترفون بالجميل الذي صنعه معهم جيرانهم المسلمون الذين حاموا عرضهم وحياتهم ومالهم، والقليل منهم من يصف الأحداث الفظيعة ألتي شاهدوها أو سمعوا عنها، وذكرياتهم عن العراق هي ذكريات تشوبها رنة التظلم والمرارة، ومن هؤلاء الشاعر سالم الكاتب (شالوم كتاب) الذي انتقل من الكتابة باللغة العربية بعد نشره لديوان "مواكب الحرمان في بيروت (1949)، ووشوشات الفجر (تل- أبيب (1959)،  إلى اللغة العبرية ونشره لعدة دواوين بها، تحدث فيها بأسى عن ماضيه في العراق وطفولته الضائعة وحاضره في إسرائيل، ومذكرات ابنير (يعقوب) يارون باللغة العبرية في ثلاثة مجلدا وهي مغرقة في العاطفية والأسلوب الغنائي، عن بغداد وانجازات الطائفة اليهودية فيه والشعور بالظلم والحيف الذي حاق بها ما أدى إلى الهجرة الجماعية عام 1951.

بدأ الوعي بالهوة العميقة بين الحضارتين الشرقية والغربية عند بدأ الصدام بين الإمبراطورية العثمانية حامية الإسلام السني والدول الاستعمارية الأوروبية، ورأى المسلمون فيه صراعا بين الأديان والحضارات، وتجديدا للحروب الصليبية بين الشرق والغرب في القرن الثامن عشر الميلادي. وقد أجمل السلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) في صراعه مع الأفكار العلمانية التي حملها نابليون إلى مصر وسوريا، ماهية الفروق بين الحضارة الإسلامية ومبادئ الثورة الفرنسية العلمانية التي دعت إلى "الحرية والعدالة والمساواة"، والتي حاول نابليون غرسها في مصر بقول السلطان في فرمانه الذي أرسله إلى مصر والبلدان الناطقة باللغة العربية ليثيرها للجهاد ضد جيش نابليون المحتل، منمقا إياه بأسلوب السجع الذي يعلق بالأذهان وبالقلوب معا، مؤكدا الإيمان الديني:

"فاعلموا أن الطائفة الفرنساوية... تركوا جميع الأديان، وأنكروا الآخرة والدّيّان ...  ويقولون لا يهلكنا إلا الدهر. وما هي إلا أرحامٌ تدفع، وارض تبلع. وليس وراء ذلك بعث ولا حساب، ولا بحث ولا عقاب ".

وقامت مدراس الأليانس الفرنسية بغرس ثالوث مبادئ الثورة الفرنسية في البلاد العربية في نفوس النشء الجديد الذي درس فيها. وهذا الفارق واضح في أدب الحنين إلى العراق الذي يكتبه الكتاب والشعراء من يهود العراق باللغة العربية وخاصة أدب أسحق بار- موشيه وسمير نقاش وكاتب هذه السطور، وحنينهم هو حنين روحي صوفي عاطفي وهروب إلى عالم الطفولة. أما الأدباء اليهود الذين يكتبون أدب الحنين إلى العراق باللغة العبرية، والذي يتميز بسيطرة المنطق والعقل والأحداث التاريخية على العاطفة والوجدان وغنائية الأسلوب فهم من كتاب اليسار من أمثال سامي ميخائيل وشمعون بلاص وإيلي عمير وفي الشعر العبري الذي تكتبه الشاعرات د. ليليان دبي- جوري وأميرة هيس ويعره بن دافيد والشعراء: التوأمان هرتزل وبلفور حكاك اللذان ترأسا بالتوالي وإلى اليوم رابطة الكتاب العبريين في إسرائيل، وروني سوميك وشلومو شبيرا، وغيرهم.

 

بوح التراث من أجل القارئ

للباحث والناقد العراقي شكيب كاظم صدر كتاب جديد ضمّ مجموعة من المقالات والدراسات التي نشرها المؤلف في عدد من الصحف والمجلات داخل العراق وخارجه علي مدي أكثر من ثلاثين عاماً وبالتحديد من عام 1975 حتي عام 2007، وقد آثر المؤلف أ ن يجمعها بين دفتي الكتاب الصادر حديثاً حفظاً لها "كما يقول" من كرّ الجديدين الذي يبلي كلّ شيء وإبقاءها في ذاكرة القارئ والمتلقي مدة أطول وأن وحدة هذه المقالات والدراسات الموضوعيّة تتمثّل في أنها تستوحي التراث عراقيّه القديم وعربيّه الإسلامي التليد، كما أنها تستلهم هذا التراث الخالد. وقد أهدي المؤلف كتابه إلي حشدٍ من كبار أساتذة اللغة والتراث والدرس اللغوي في العراق وهم الدكتور علي جواد الطاهر والدكتور إبراهيم الوائلي والدكتور صلاح خالص والدكتور عناد غزوان والدكتور جلال الخيّاط وغيرهم. تضمّن الكتاب خمسة وعشرين موضوعاً منها "حديث في النحو الأدبي" و "الرسائل المتبادلة بين الكرملي وتيمور" و "أبو الأسود الدؤلي ونشأة النحو العربي" إضافة إلي القراءات النقدية في بعض النصوص والظواهر الأدبيّة واللغوية، ويتميّز الكتاب بمجمله بلغة رصينة، تنهل من التراث، وتتعمق في رصد الظاهرة، أو القضيّة اللغوية أو الأدبيّة، وكذلك التعمق في التحليل والدراسة والكشف. جدير بالذكر أن المؤلف أصدر مؤلفات عدة هي : (الضفة الأولي) وهو عبارة عن مقالات في الثقافة والنقد الأدبي وقد صدر في بغداد عام 2000. و (الضفة الثانية) في نقد القصة والرواية و صدر في بغداد عام 2001. و (في التراث والثقافة والأدب) وهو قراءات نقدية في كتابات مختارة، صدر في بغداد عام 2005 و (في النقد القصصي والروائي) حمل عنواناً فرعيّاً هو "حرثاً في المعني" والكتاب قراءات نقدية في الأدب الروائي والقصصي العربي وصدر ضمن سلسلة الموسوعة الصغيرة،عن وزارة الثقافة العراقية عام 2006. و (مطارحات في الثقافة) وأثار فيه المؤلف قضايا ثقافية متنوعة وظواهر ملفتة في الوسط الثقافي، وصدر عن دار الشئون الثقافية في بغداد عام 2007.

التباسات العراق إقليمياً

صدر عن مركز الدراسات الاقليمية بجامعة الموصل كتاب (العراق ودول الجوار) عن دار ابن الاثير للطباعة والنشر. يقع الكتاب في 366 صفحة ويتحدث عن وقائع المؤتمر العلمي السنوي الخامس لمركز الدراسات الاقليمية الذي انعقد في عام 2006 علي مدي يومين ويأتي ضمن سلسلة الكتب التي اصدرها المركز منذ عام 2003.

وقال الدكتور ابراهيم خليل العلاف مدير المركز (ان علاقات العراق اليوم مع دول الجوار ليست علي ما يرام فهناك اتهامات متبادلة بين العراق وجيرانه بالمقابل فان العديد من دول الجوار باتت تنظر الي العراق بارتياب فهي تعتقد بان العراق يمكن ان يكون آداة بيد الاستراتيجية الامريكية ازاءها ان واقع ومستقبل العلاقات بين العراق والدول المجاورة له تحكمه عوامل واعتبارات عديدة ومعقدة بعضها يتعلق بالبيئة الاقليمية والدولية المحيطة وما تفرزه من تأثيرات بالنسبة للعراق ودول الجوار).

واحتوي الكتاب علي 16 بحثا لباحثين ناشطين في الشأن السياسي العراقي وقد تنوعت هذه البحوث حول: الولايات المتحدة الامريكية ومحاولة اقلمه وتدويل قضية الامن في العراق، اهمية العراق الجيوستراتيجي لدول المشرق العربي في العصر الحديث، موقف الحكومة التركية من تطورات الاحداث في العراق 2003 ــ 2006، الدور الاقليمي لسوريا وتأثيره علي العراق، الاردن والتغيرات التي حدثت في العراق بعد التاسع من نيسان 2003، التحديات التي تواجه العلاقات العراقية ــ الكويتية 2003 ــ 2006، سياسة ايران الخارجية ازاء العراق بعد الاحتلال الامريكي، مستقبل الدور الاقليمي والاقتصادي للعراق الرؤي والاستراتيجيات، انعكاسات حربي الخليج الاولي والثانية علي الحركة الاسلامية في الخليج العربي، رضاء شاه والمؤسسة العسكرية الايرانية، تركيا في الاستراتيجية الامريكية المعاصرة دراسة في الموقف التركي من الحرب علي العراق عام 2003، مشروع سد (اليسو) وتأثيره علي الوضع الاقتصادي للعراق، جامعة الدول العربية واحتلال العراق، العراق والاردن دراسة في العلاقات السياسية بين البلدين 2003 ــ 2006 ، الاحتلال الامريكي للعراق وانعكاساته علي العلاقات السعودية ــ الامريكية. كما جاء في نهاية الكتاب البيان الختامي وتوصيات المؤتمر.

 

جائزة مان بوكر.. عيد ميلاد سعيد

خصص ملحق (كتب) في صحيفة (التايمز) البريطانية الأخير ملفاً خاصاً بالذكري الأربعين لإطلاق جائزة مان بوكر الأدبية المرموقة للكتّاب باللغة الإنكليزية، تصدره الغلاف بتحية حارة تقول: "عيد ميلاد سعيد". المحور الرئيس في الملف هو مسابقة خاصة بالمناسبة تتيح لقراء الصحيفة المشاركة عبر الإجابة علي أربعين سؤلاء يخص تاريخ الجائزة، والفائزين بها من الكتاب، والجوائز هي الكتب الفائزة. الجائزة فاز بها، من غير الانكليز، أربعة هنود أو من أصول هندية هم روث براور جابفالا وسلمان رشدي وأرندهاتي روي وكيران ديساي، لكن لا كاتب هندياً في لجنة التحكيم حتي الآن، حيث من المؤمل أن ينضم الكاتب الهندي أميت كاذوري إلي اللجنة لاحقا. الروائي الليبي هشام مطر كان مرشحاً قوياً علي القائمة عام 2006 بروايته (في بلاد الرجال) وكذلك المصرية أهداف سويف بروايتها (خريطة الحب) عام 1999، واللبناني نعيم المر بروايته (الرجل المثالي). تأسست جائزة مان بوكر عام 1968 بعد أن سميت باسم واحد من أكبر التجار البريطانيين هو بوكر مكونيل، بعد أن أنشئت (مجموعة بوكر للمؤلفين) التي اشترت حقوق نشر عدد من الكتاب بينهم أغاثا كريستي وجورجيت هير وهارولد بنتر. تضمن الملف أسماء الكتاب الفائزين بالجائزة عبر تاريخها الذي استمر عبر أربعة عقود وأولهم بي. أتش. نيوبي من راديو3 (بي بي سي) عن كتابه (ثمة سؤال لتجيب عليه) عام 1969 أما سلمان رشدي ففاز بها عام 1993 عن روايته (أطفال منتصف الليل). عام 1992 تقاسم الجائزة، لأول مرة في تاريخها كل من باري أنسوورث (جوع مخيف) ومايكل أونداجي (المريض الانكليزي) التي تحولت شريطا سينمائيا. من أعمدة الملحق وزواياه الثابتة يتأكد ما ذهبت إليه (الزمان) في عدد سابق بشأن استمرارية حضور الكتاب الكلاسيكيين وأعمالهم الخالدة، من خلال اختيارات النقاد والكتاب والقراء أيضاً، فلم يزل وليم شكسبير وجيمس جويس وجورج أورويل وغراهام غرين ومارسيل بروست بين أفضل اختياراتهم، بينما أحتل لائحة أكثر الكتب مبيعا كتاب معاصرون من أجيال مختلفة.

ثقافة التسامح والمصالحة في مجتمعات الصراع

العيش معاً رغم الاختلاف شرطاً مدنياً للتسويات

صدر كتاب عراق الصراع والمصالحة ــ المصالحة والتعايش في مجتمعات الصراع وهو لمجموعة باحثين عراقيين ساهموا في الادلاء بارائهم بقراءة المشهد العراقي وتحليله. وتقديرا لما لمفهوم المصالحة من اهمية من الناحية الفكرية والسياسية والاجتماعية في عراق اليوم كانت هذه المساهمة من قبل كل المشتركين في هذا الجهد من مراكز وباحثين من اجل ايجاد بيئة صالحة للحياة وخالية من العنف والتطرف ايا كان شكله وقد ضم الكتاب مواضيع عديدة بوبت في اربعة اقسام كل قسم يختص بجانب معين من فضاء المفهوم ودلالاته ففي القسم الاول الذي حمل عنوان ((مجتمع الصراع في العراق)) كانت هناك عدة ابحاث قيمة منها (اساطير النزاعات في ميزوتامبا ووادي النيل) للباحث عادل الامير وايضا موضوعة (مفهوم العنف.. مفهوم الارهاب) للباحث فالح عبد الجبار الذي سلط الاضواء علي مفهومي العنف والارهاب وذكر في مجمل سرده (النزاع بذاته ليس سالبا باطلاق فهو مصدر حيوية وسبب للتطوير شريطة ان يجري بوسائل مدنية، أي عن طريق المؤسسات وهو بلا شك ليس ايجابيا بل مصدرتدمير وتقهقر بوسائل عنفية وثمة مساع عراقية لحل النزاع اسمها مشروع المصالحة الوطنية وما من تسوية او مصالحة ستلغي الفروق والخلافات بل تظل مسعي لايجاد حلول وسط وارساء تسوية جديدة لتلطيف الخلافات والتعايش معها) وركز الباحث علي هذا المفهوم الذي يعد جديدا في عالم السياسة العراقية وسلط الاضواء علي امور تخص العنف والارهاب وضم القسمن الاول ايضا مواضيع عديدة اخري منها (انماط الشخصية العراقية الحالية وآفاق الوحدة المجتمعية) للباحث فارس كمال نظمي وحوار مع الاستاذ حميد مجيد موسي الامين العام للحزب الشيوعي العراقي وحديث عن المصالحة ولكاتب هذه السطور موضوعة (المصالحة الوطنية فكريا وسياسيا ضرورة آنية واسترتيجية) الذي تم التركيز فيه علي اهمية المصالحة اجتماعيا من خلال المصالحة في الذات العراقية التي انقسمت وتهشمت وبشكل ممنهج من قبل السلطات الاستبدادية السابقة ومواضيع اخري لباحثين اخرين وفي القسم الثاني من الكتاب الذي حمل عنوان ((من التعايش الي المصالحة الوطنية)) وضم عدة دراسات وابحاث منها (سؤال التعايش وامكانية المصالحة) للباحث سعد سلوم الذي ركز علي ان مفهوم المصالحة المطروح حاليا في الساحة السياسية العراقية هو فريد من نوعه في المنطقة العربية تبعا للظرف السياسي العراقي السابق والمعاصر ولتشعباته وان الظرف السياسي مازال ساخنا وهناك موضوعة (كيف يكمن ان نعيش سويا ومختلفين) للباحث مهدي النجار وايضا موضوعة (المصالحة الوطنية بين الوهم والحقيقة) للباحث وليد المسعودي الذي ركز علي ان المصالحة الوطنية يمكن ان تتم حينما توجد عملية هضم شاملة لجميع الاطراف والعصبيات المختلفة في ما بينها ودراسات اخري مثل (اشكالية الوضع السياسي العراقي بين مفهومي الشراكة والتعايش) للباحث مصطفي القرةداغي واخرين اما القسم الثالث الذي حمل عنوان ((نحو تفعيل مشروع المصالحة الوطنية)) كانت هناك دراسات منها (الاعلام والدور الوطني في تفعيل مشروع المصالحة) للباحث كامل الدلفي الذي اعطي اهمية كبيرة للاعلام في ترويج وترسيخ مثل هذا المفهوم وشرح ابعاده واطره للمجتمع من اجل التفاعل معه والمساهمة الوطنية من قبل الاعلام في هذا الجهد الوطني وموضوعة (دور منظمات المجتمع المدني في المصالحة الوطنية) للباحث شمخي جبر معتبرا ان منظمات المجتمع المدني وثقافتها الحضارية صلة كبيرة في تحقيق مفهوم المصالحة ونشره في فضاء المجتمع ودراسة للباحث محمد خضير سلطان بعنوان (المصالحة الثقافية اولا) الذي اعطي للبعد الثقافي اهمية كبيرة في اجراء عملية المصالحة الثقافية (من خلال التحليل الثقافي داخل المكونات السياسية نفسها)اما القسم الرابع الذي حمل عنوان ((آفاق ومستقبل المصالحة الوطنية)) وفيها الدراسات التالية (المصالحة الوطنية – المسائلة الي اين) للباحث ساجد شرقي المشعان الذي بحث في الظرف السياسي العراقي المعاصر ومسألة القرارات السياسية التي اتخذت بعد التغيير السياسي ومنها قانون اجتثاث البعث والظروف التي رافقت اصدار هذا القرار ذاكرا (لانحتاج الي قرارات تصدر من النخب فحسب انما يرافق ذلك تفهم لمدي فاعلية هذه القرارات وتفاعل المجتمع معها ليتم برمجتها من قبله اي واقع معاش يوميا والا قد تكون هذه القرارات مجردة من محتواها) وهناك دراسات اخري مثل (المصالحة خيارواعد علي صدارة المهام الوطنية) للباحث احمد الناجي وموضوعة (المصالحة الوطنية والحلول الواقعية) للباحث فواز فرحان وموضوعة (الزحف نحو المصالحة الاجتماعية والوطنية) للباحث والسياسي عبد فيصل السهلاني ان هذا الكتاب هو جهد بسيط يساهم في ارساء ونشر ثقافة المصالحة الوطنية.

كامبردج تعد معجم المسيحيين و المسلمين

  تعمل جامعة كامبردج الآن على إعداد كتاب "معجم العلاقات بين المسلمين و المسيحيين" و سيتم إصداره عام 2012. يتضمن الكتاب 900 مدخلا يركز خلالها على شرائح واسعة من الطوائف الدينية، والأماكن، و الكتاب المقدس، والعلوم اللاهوتية،بالإضافة إلى الكثير من المواضيع والنصوص الجوهرية.

سيشارك في إعداد الكتاب 60 شخصية حول العالم، وهم من ثقافات وديانات مختلفة. ويتناول الكتاب العلاقات بين المسيحيين و المسلمين منذ القدم، حيث يشير إلى وجود العديد من أوجه التشابه و الاختلاف بين الديانتين المسيحية و الاسلامية.

 

الهدف من إصدار هذا الكتاب

يقول فورورد، وهو الرئيس التنفيذي لمشروع هذا الكتاب لصحيفة "شيكاغو تربيون": "نحن نريد من الذين سيصبحون كهنة و رجال دين مسيحيين و مسلمين، كما نريد من كل الشرائح الاجتماعية أن يدركوا أهمية العلاقات والروابط التي تجمع بين الديانتين المسيحية و الاسلام ". ويضيف أن الهدف من هذا الكتاب أن نوصل للقراء أنه و عبر التاريخ قد عاش كل من المسلمين و المسيحيين بسلام جنبا إلى جنب.

يتابع، سيكون للكتاب منظار بعيد، حيث سيتحدث عن الفن و السينما و الحركة النسائية وذلك من المنظور المسيحي- الإسلامي المشترك.يذكر أن مارتن فورورد قد شارك في كتاب مشابه أصدر عام 2006 يتحدث عن العلاقات و الروابط بين اليهودية و المسيحية.

يقول سكوت الكسندر و هو محرر آخر للكتاب أنه يتمنى أن يوفر هذا الكتاب حصيلة من المفردات المشتركة و المألوفة لكل المهتمين بالحوار أو النقاش حول الأديان. ويضيف الكسندر، إن حركة الحوار بين الأديان موجودة في كل العالم لكنها لا تحظى بتغطية إعلامية كافية.

 أوجه التشابه و الاختلاف بين الديانتين

 يقول فورورد: تؤمن كل من الديانتين المسيحية و الإسلامية بوجود إله رحيم ويدعو للخير و السلام. ووجدت المسيحية منذ 2000 سنة، وكانت مبنية على حياة و تعاليم عيسى المسيح، و الذي يعتقده غالبية المسيحيين أنه ابن الرب. كما وجد الإسلام بعد 600 عام من المسيحية ورسوله هو النبي محمد.

يتابع، على الرغم من أن المسلمين يسمون عيسى "المسيح " و كما ورد في نصوص القرآن، إلا أن هذه التسمية لا تحمل أو تتضمن مفهوما دينا. فالمسيحيون يؤمنون أن المسيح هو ابن الرب و رمز المعاناة و أنه تعذب في حياته قبل أن يموت على الصليب ليعود و يقوم أو يبعث من جديد. في حين أن الإسلام لايؤمن بأن الله له ابن ولا أن المسيح مات مصلوبا ثم قام أو بعث من جديد.

لكن، و في الجانب الروحي من الإسلام يعتقدون أن المسيح شخصية روحية مهمة. حيث أن أهم المفكرين الإسلاميين في العصور الوسطى و هو ابن العربي وصف المسيح أنه أهم الأنبياء بالنسبة للتجربة الروحية.

 فضول المسيحيين لمعرفة المزيد عن الإسلام

يشير رشيد عمر، وهو باحث في الشؤون الإسلامية في جامعة نوتردام و محرر آخر للكتاب، إلى نمو ظاهرة الحوار بين الأديان وخاصة بين الإسلام و المسيحيين في أمريكا،لاسيما بعد أحداث11 ايلول، حيث على الرغم من ردود الفعل السلبية للأمريكين بعد هجمات أيلول، إلا أن العديد من المسيحيين بدأوا بزيارة الجوامع و ذلك ليتعلموا و يعرفوا المزيد عن الإسلام. ويضيف عمر انه وخلال عدة سنوات دعي من قبل عدة كنائس ليشرح و يوضح للناس عن إيمانه كشخص مسلم كان وفي كل مرة يشعر بفضول عارم من قبل المسيحيين لمعرفة المزيد عن الدين الإسلامي.

هنري الثامن.. تعدد زوجات وجرائم

رواية سي.جي.سانسون من صنف الخيال التاريخي، أو هي إعادة انتاج التاريخ روائيا، كما يعرف عن الأعمال الروائية التي تجعل من أحداث التاريخ مادتها الخام. في ربيع عام 1543 يسعي الملك البريطاني هنري الثامن المعروف ببطشه وتعدد زيجاته (بلغت الست)إلي كسب ود السيدة كاترين (أصبحت زوجته السادسة فيما بعد). رواية مشوقة حيث يدخل السحر بعدا جماليا آخر، مع سلسلة الجرائم التي تهز العائلة المالكة بخاصة والمجتمع البريطاني بعامة.

الصمت عند نهاية الأغنية

مجموعة شعرية بعنوان (وحي) للشاعر البريطاني نيكولاس هايني الذي غادر الحياة في عز شبابه (في الثالثة والعشرين من عمره) سنة 2006. يقول الناشر إن الطلب علي هذا الكتاب فاق التوقع، نظرا للقيمة الفنية التي حققها الشاعر في كتاباته التي انطلقت أساسا من طبيعته المغامرة حيث جاب المحيطين الأطلسي والباسيفيكي. المغامرة والشعر صنوان في تجربة هذا الشعر وقد بقيت طي المجهول حتي وفاته، ولكن أبويه بول وليبي هايني عملوا علي نشرها بإشراف البروفيسور دونكان وو من جامعة أكسفورد.

جاء في مقدمة الكتاب: إن هايني ترك نصاً يتميز بالقوة ووضوح الرؤية.

التاريخ المختصر للموت

إنها رواية المدينة التي تحاصر الجميع، الأغنياء والفقراء، أصحاب القصور والمشردين. بذا هي خليط من السعادة والألم الذي يميز المدينة المعاصرة.

لكن أشخاص الرواية هم أولئك الذين يمتلكون القدرة علي البقاء في ذاكرة الأحياء، لأنهم غادرونا إلي الحياة الأخري وهناك نتعرف عليهم بمزيد من الوضوح. إنها رواية تكشف حياة شخصياتها ما بعد الموت. بين هؤلاء الذين تتعقب الرواية خطواتهم لوكا سيمس صاحب الصحيفة الوحيدة في المدينة، وكذلك ماريون وفيليب بايرد اللذين وجدا نفسيهما في حالة حب مفادئة بعد عقود من السنوات مرت علي زواجهما!

يقول المؤلف كيفن بروكميير: "عندما وصل الرجل الأعمي إلي المدينة شعر بأنه قد ارتحل طويلا عبر صحراء الحياة. لقد أخبر جميع من يرغب بالاستماع له بالقصة، متتبعا صوت خطاهم. لقد سار أياما وأياما حتي بدأت الأرض تتكسر تحت قدميه.. كان يستمع إلي نبضات قلبه بشكل واضح كما لم يسمع أحد من قبل. في تلك اللحظة، مع مليون سهم من الرمال تضرب وجهه.. عندها شعر بشكل مؤكد بأنه كان ميتا".

الاستعلاء الغربى يصور الرجل الأبيض سيد الكون وإله البشر

"كان الخطاب الأوروبى فى عصر الأنوار المروج للحرية والمساواة وحقوق الإنسان، أول مغتصب لهذه الحقوق من خلال حملات استعمارية، اتسمت بتبنى نزعة ظلامية، لأنها حرمت نفس الحقوق الإنسانية على الشعوب المستعمرة". لم يصدر هذا التقييم على لسان أحد الباحثين العرب أو المسلمين أو العالمثالثيين، وإنما جاء بقلم الباحثة الفرنسية صوفى بسيس فى كتابها الرائع الذى يحمل عنوان "الغرب والآخرون: تاريخ سيطرة".

الكتاب قراءة تحليلية رصينة فى طبيعة علاقة الغرب مع باقى دول العالم، من خلال الاعتماد على مراجع متنوعة تبين تطور موازين القوى فى الحقل السياسى والحقل الاقتصادى وأيضا فى طبيعة الخطاب المروج من طرف أهل السياسة والفكر. وما يضفى مصداقية كبيرة على قراءة بسيس، دقة ملاحظاتها من جهة، وتبنيها خيار النقد المزدوج، للممارسات الغربية ذات النزعة الإمبريالية ولإفرازات هذه النزعة، وإن كانت تركز أكثر على نقد النزعة المركزية الأوروبية، مما يجعل الكتاب مادة علمية غنية بالنسبة للقارئ الغربى وقارئ الجنوب على حد سواء، أو القارئ الشرقي، إذا استعرنا بعض مصطلحات القاموس الاستشراقى سيء الذكر.

"الغرب والآخرون" قراءة فى تاريخ القرون الخمسة الأخيرة، ويبدأ هذا التاريخ، حسب المؤلفة، منذ عام 1492 أى عام "اكتشاف" القارة الأمريكية، وطرد المسلمين واليهود من إسبانيا، حيث نشهد آلة طرد المنابع الشرقية وغير المسيحية للحضارة الأوروبية. ففى مطلع القرن الخامس عشر اخترعت إسبانيا منظومة "نقاء الدم"، وسوف تتكلف ازدواجية الانتماء للديانة المسيحية وللعرق فى شرعنة غزو أمريكا. قبل أن يليها ظهور الخطاب المعادى للزنوج، أو الخطاب الذى يشرعن بدوره العبودية، وقبل أن تتدخل المنظومة العقلانية من أجل تبرير سمو العرق الأوروبى على العرق الأسود.

نحن أمام "اختزال شديد للعرق الإنسانى فى هوية أوروبية تقوم على رفض كل هوية تشوه صورة نريدها لنا نحن أهل أوروبا". يحدث هذا فى وقت تتطلع فيه أوروبا إلى آفاق جغرافية جديدة وإلى تنوع ثقافى وإنسانى غير متجانس مع المعتقدات الأوروبية الراسخة قبل رحلات الغزو والاكتشاف.

حتى عصر الأنوار لم يسلم من النزعة العنصرية البغيضة، فى وقت كان فيه الحديث عن عالمية الحقوق الإنسانية يهم فقط الإنسان الأبيض، وتحديدا "الرجل الأبيض". وسوف تأتى النظرية العلمية التى تتحدث عن سمو هذا الرجل الأوروبى الأبيض من أجل الدفاع عن مصالحه وتغذية شهيته الاستعمارية وهو فى كامل قواه العلمية. من أجل جعل العالم أكثر تحضرا، وبالتخلى عن النزعة الإنسانية، أصبح الرجل الأوروبى الأبيض يعتبر نفسه الحارس الخاص لهذه النزعة. ثمة نقد شديد وصريح تمارسه المؤلفة ضد أسطورة "الرجل الأبيض ومهمته الحضارية".

لا تتردد صوفى بسيس فى التأكيد على أن قدوم "النزعة النازية" لم يجسد استثناء أو قطيعة عما كان سائدا من قبل، بقدر ما كان استمرارية لنزعة الرجل الأوروبى الأبيض، والذارئع الإيديولوجية كانت بدورها جاهزة، من خلال الانطلاق من مبدإ "الغاية تبرر الوسيلة".

كانت المسألة أكبر بكثير من مجرد الحديث عن "تطهير العرق الآرى السامي" أو "تأسيس إنسانية عليا، أو نزعة عرقية، وأنا لا أهدف إلى تمييع الشر كما قد يعتقد البعض"، تضيف بسيس، "بل إن المسألة لم تخرج عن كون هذا الشر كان قائما منذ مدة. ولهذا السبب، لا يصح الحديث عن جرائم ضد الإنسان، وإنما جرائم ضد الإنسان الأبيض".

نقد المراجعات التاريخية

فيما يتعلق بالمراجعات التاريخية المنددة بالنزعة النازية، والتى تمت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ترى بسيس أن الوعى الإنسانى بفظائع معسكرات الاعتقال الهتلرية، "لازال ناقصا لأن المفروض أن نعيد النظر فى عقلية الاستعلاء الأوروبية. ومن الطريف أننا نندد اليوم بالنزعات العرقية والعنصرية للمنظمات النازية أو أحزاب اليمين، ونحن نتجاهل أن نزعة الاستعلاء ظلت راسخة فى اللاوعى الأوروبى وكانت على الخصوص أمرا عاديا من قبل".

لقد ترسخت فى الوعى الأوروبى نزعة التفوق والاستعلاء على باقى الشعوب والأمم والثقافات، وهذا يفسر، من وجهة نظر المؤلفة مدى استخفاف المسؤولين الأوروبيين بمطالب الجزائريين والفيتناميين بضرورة الاعتذار عن مجازر سطيف وسايغون فى عام 1945. إنه "نقص فى الوعي" برأى مسؤولين رسميين. ولا تسلم حتى الأصوات الفكرية المؤيدة لاستقلال المستعمرات من نقد بسيس، مستشهدة فى هذا الصدد بإحدى تصريحات الفيلسوف الفرنسى الراحل بول ريكور.

ترى المؤلفة أن الهوية الغربية لا يمكن أن تنفصل عن "ثقافة الاستعلاء"، فلا فرنسا ولا الولايات المتحدة ولا بريطانيا جسدت الاستثناء على هذه القاعدة، لأن جميع هذه القوى العظمى تنطلق من هذه الأرضية. "إن الخوف من التخلى عن موقع الهيمنة ـ وهو الموقع الذى أسس طبيعة العلاقة مع العالم ـ أصبح لصيقا بالخوف على الهوية من الاندثار. وخلافا لما أردنا دوما تكريسه كيقين، فإن هذه الثقافة تجسدت عبر أشكال عدة وفى جميع حقب التاريخ.

واليوم، ومن خلال الضغط على الجميع من أجل تكريس ثقافة الاختلاف والاعتراف بالآخر، يلجأ الغرب إلى تحديث هذه الثقافة عبر أشكال جديدة من نفى الغير وشيطنته، أو عبر المراوغة والمناورة حول المفاهيم المضللة، من قبيل ابتكار الأوروبيين لمنطق "نحن وهم" كلما تعلق الأمر بالتعاطى مع قضايا الأقليات الأجنبية المقيمة فى القارة العجوز".

ترى بسيس أن الغرب يبقى مرشحا لأن يهيمن على باقى الشعوب والأمم، وذلك بالرغم من ظهور مراكز قوة جديدة فى العالم، مع فارق أن الهيمنة هذه المرة تتخذ أشكالا جديدة ومغايرة عما كانت عليه الأمور من قبل. أما الأمل، عند بسيس، فيكمن فى "العولمة البديلة"، التى تفرز بالضرورة نهاية عصر الهيمنة وظهور متعدد لمراكز القوة والقرار، مما سيفضى فى نهاية المطاف إلى فقدان الغرب لتفوقه وذبول نزعته المركزية والاستعلائية. ويتجسد ذلك على الخصوص فى المظاهرات الشعبية المنددة بالعولمة، والتي، للمفارقة، لا تنظم فقط فى الدول العالمثالثية، بل إنها انطلقت أساسا من عقر الغرب ذاته. ويتجسد أيضا فى المتغيرات التى مست المعيار الأساسى للثراء، الذى أصبح لصيقا اليوم بمستوى التقدم الصناعى والتقنى وليس بالجغرافيا، وخاصة بعد ولوج اليابان ودول جنوب شرق آسيا عالم التكنولوجيا المتقدمة، حيث أدت المعجزة الاقتصادية لليابان والنمور الآسيوية إلى نوع من القطيعة المفاهيمية مع المفاهيم القديمة والمتهالكة المرتبطة بالثراء.

ثمة إذن مجموعة عوامل تترجم تآكل الهيمنة الغربية من خلال تنامى حصة جنوب شرق آسيا والصين فى التجارة العالمية، وإذا علمنا أن القارة الآسيوية تستحوذ لوحدها على ما يقرب 30% من الإنتاج العالمي، ونضيف فوق ذلك الخطاب المروج لتصاعد القوة الاقتصادية الصينية خلال السنين والعقود المقبلة، فإن ذلك يؤشر بشكل عملى على تقويض "المركزية الغربية"، وعلى نقد جدى لمنظومة النظام الرأسمالى ومعه الحلم الليبرالى الذى روج له فرانسيس فوكوياما، الأمريكى الجنسية والآسيوى الأصل.

كتاب "الغرب والآخرون" يدفع بقرائه إلى عدم التفاؤل كثيرا بخصوص مصير خطاب الاستعلاء الغربى الذى يعتقد أنه سيد الكون والطبيعة وإله البشر، ويحثنا نفس العمل الجاد على تبنى خيار النسبية فى قراءة نسق فكرى قديم، ظل دوما مختلطا مع النظام الطبيعى للأشياء. كما يساهم هذا الكتاب وبشكل موضوعى فى زعزعة العديد من القناعات، ولكنه يخدم الإنسان، لأنه ببساطة يساعدنا فى هدم المراجع المريحة، ويفتح آفاق المتلقى نحو فضاءات زمنية وجغرافية أوسع.

صوفى بسيس، تذكروا هذا الإسم جيدا، لأنه يستحق ذلك، من جهتنا نحن على الأقل، هذا إذا كنا نطالب الغرب والغير بأن يكون منصفا مع قراءات شرقية وغربية رصينة أبدعت فى تمرير خطاب "النقد المزدوج" لأى نزعة مركزية تعتقد أنها تحتكر حقيقة، تبقى فى الواقع، أعقد من أن تختزل فى فكرانيات دينية ومذهبية وعرقية لا تمثل إلا نفسها. انتهى الجزء (1-3)

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 4 أيار/2008 - 27/ربيع الثاني/1429