الصراعات العراقية الداخلية تحول حاسم ام  تكتيك مرحلي؟

شبكة النبأ: بالرغم من انقسام اراء المواطنين العراقيين بين مؤيد ومعارض لحملة الحكومة الاخيرة في الجنوب وتداعياتها التي ما زالت تحدث في بغداد أعرب سياسيون وباحثون عراقيون، عن قناعتهم بان المشهد السياسي في العراق قد تغير الى حد بعيد عقب استهداف الحكومة للميليشات التابعة لتيارات سياسية "شيعية"، وفيما وصفه بعضهم بـ"نقطة التحول الحاسمة" في سير الاحداث داخل العراق، قال باحث ان هذا التحول ما زال "هشا"، وسيحتاج وقتا قبل التيقن من انه استراتيجي ولم يحدث بـ"المصادفة".

المالكي والصدر: صراع سلطة ومستقبل غير واضح

يتضح اكثر فاكثر، كما يقول الاستراتيجي الامريكي انتوني كوردسمان في دراسته الاخيرة، ان صولة الفرسان التي شنها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في البصرة، كانت اقرب الى صراع على القوة والنفوذ مع الزعيم مقتدى الصدر، منها الى محاولة للتعامل مع قضايا الامن و الميليشيات والمجرمين. لكن ما هو اقل وضوحاً هو كيف سيتطور هذا الصراع وماهي نتائجه بالنسبة للولايات المتحدة والعراق ككل.

يرى كوردسمان ان هناك ثلاثة احتمالات او خيارات امام هذا الصراع، لكنه يؤكد انه لا يمكن التنبؤ بنتائج اي منها.

الاحتمال الاول: ان ينتصر المالكي، ويهزم ميليشيا التيار الصدري اي جيش المهدي، وبالتالي تهميش التيار الصدري سياسيا.

الاحتمال الثاني: ان ينجح المالكي بدفع الصدر الى فتح صفحة جديدة من العنف الواسع والمقاومة.

الاحتمال الثالث: ان يعلق الطرفان في صراع شيعي ـ شيعي داخلي على السلطة، يخلط بين العنف واللعبة السياسية.

من الواضح، الآن، كما يرى كوردسمان، ان المالكي يضغط على حركة مقتدى الصدر لكن ليس من الواضح الى اين يتجه المالكي في اطار بناء الهيكل الاشمل للسياسات الشيعية في العراق.

وفي هذا السياق، ليس من الواضح الآن كيف سيكون مستقبل ومصير وتوازن القوى داخل الائتلاف الشيعي الحاكم، فرغم الانتصار الانتخابي الكبير نسبيا الذي حققه الائتلاف عام 2005، 4.1 ملايين صوت و 140 مقعداً، الا انه اخذ يعاني منذ ذلك الحين، من تشققات كثيرة، مزقته الى درجة ان احد السياسيين قال ان الائتلاف لم يعد قائما كحقيقة سياسية او كتلة برلمانية. فضلا عما يعانيه زعيم الائتلاف عبدالعزيز الحكيم من مرض السرطان، الذي فتح الطريق امام ابنه عمار لتولي الزعامة، لكن مشكلة عمار انه شاب و»زعيم« لم يمتحن بعد، ولم يتم البرهنة على كفاءته.

من جهته النائب عن الائتلاف العراقي الموحد، علي العلاق يرى، ان الوضع السياسي في العراق "قد تطور بعد احداث البصرة بشكل كبير، لينعكس على مختلف المجالات السياسية والاستراتيجة." مشددا ان بوسع الجميع ان "يقول الان بشكل قاطع ان حكومة المالكي ليست طائفية."

وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد اطلق في الخامس والعشرين من شهر اذار الماضي خطة امنية في محافظة البصرة اطلق عليها (صولة الفرسان) تهدف للسيطرة الامنية على المحافظة واستهداف عناصر خارجة على القانون كما قالت الحكومة وقتها.

واوضح العلاق، لوكالة (اصوات العراق) أن المشهد السياسي في العراق "تحول باتجاه الوفاق وطني والسير نحو اتخاذ قرارات هامة واستراتيجية من قبل الكتل السياسة العراقية، وبضمنها الكتل التي انسحب من الحكومة في وقت سابق". مشيرا الى ان هذه الكتل اتخذت قرار العودة بعد حصولها على درجة عالية من الضمانات من حكومة المالكي.

من جهته، ابدى النائب عن التحالف الكردستاني سيروان الزهاوي تفاؤله بان "هناك امكانية كبيرة لاعادة الاصطفافات السياسية من جديد".

وقال الزهاوي "قد لا اكون مبالغا بكلامي في ان الخطوات تمضي قدما نحو الامام، وبشكل متسارع اكثر مما كانت عليه في السابق، وسيحصل انفراج سياسي غير متوقع، مما سيخرج العراقي من عنق الزجاجة."

وتابع الزهاوي قائلا ""سيحصل تحسن سياسي جيد، لا سيما بعد اجراء انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراءها في اكتوبر/تشرين الاول المقبل، والتي ستكون خطوة ايجابية لاعادة الاصطفافات السياسية، واعادة الاستحقاقات الانتخابية".

وتشكل كتلة التحالف الكردستاني، ثاني الكتل البرلمان من حيث العدد في مجلس النواب، حيث تحوز على (55) مقعدا في مجلس النواب البالغة (275) مقعدا.

واعرب الزهاوي عن اعتقاده بان حكومة المالكي "لم تضرب ابناء التيار الصدري في البصرة ولم تكن تقصدهم، بل هي ضربت جهات كانت تحسب نفسها على التيار الصدري." مضيفا ان حكومة المالكي" اثبتت انها حكومة وحدة وطنية، ونحن نؤمن بالحوار السياسي، ويجب تطويق الازمة من اجل تحقيق الانفراج السياسي".

وكان رئيس الوزراء نوري المالكي شدد عقب احداث مدينة البصرة ان عملية صولة الفرسان في المدينة "لا تستهدف أي كيان أو تيار سياسي، وانما تستهدف الخارجين عن القانون والعصابات التي تقوم بادخال المخدرات وتهريب المشتقات النفطية وعصابات الجريمة المنظمة التي تستهدف اساتذة الجامعات والاطباء والكفاءات، وانه جاء نتيجة لطلب الاهالي تخليص المدينة من تلك العصابات" واصفا موقف حكومته بـ"المتأخر" نتيجة لما صارت عليه مدينة البصرة على حد وصفه.

 وفي السياق ذاته، وصف الباحث والمحلل ابراهيم الصميدعي، التحول في المشهد السياسي بعد احداث البصرة، بـ"التحول الهش" معربا عن اعتقاده بان ما جرى من توافقات سياسية بين الحكومة العراقية والاطراف المناوئة لها، "جاء بمحض الصدفة، ولم يتم التخطيط له استراتيجيا."

ويمضي الصميدعي في شرح فكرته قائلا إن "الجهات التي عاشت مع الحكومة في ما وصفوه بالربيع السياسي، كانت تبحث عن اي فرصة للعودة الى ركب الحكومة ارضاء لقاعدتها الجماهيرية التي اوصلتها لقبة البرلمان، والمشاركة في مكتسبات الحكم هي السبيل الافضل لفعل ذلك."

وتابع الصميدعي ان الايام القادمة اذا اثبتت ان التحول "كان تطورا داخليا يتعلق بفرض القانون على الجميع وترسيخ هيبة الدولة وفقا لصفقات سياسية داخلية، فان من الممكن الحديث ساعتها عن التحول الحقيقي." مستدركا "اما اذا ثبت بان الامر مجرد "ترتيب اقليمي وصفقات ترعاها اطراف خارجية تحاول خلق توازن اقليمي، ساعتها سيكون كل ما جرى محض تحول هش، لن يقف امام المتناقضات التي تطفو على السطح بين فترة واخرى."

من جهته ، يتحدث الكاتب والمحلل السياسي محمد الفراتي عن التحول وفقا لما حصل في مدينة البصرة نفسها، ويرى ان من غير الممكن "وصف اي خطة حتى اللحظة بالنجاح، لان الحكومة العراقية نفسها اعترفت بان العديد من المجرمين قد غادروا المنطقة وقد يعودون باية لحظة، الامر الذي لايساعد على التنبؤ بفرض القانون عمليا في البصرة."

ويضيف الفراتي ان الاحزاب السياسية "لازالت تسيطر على المشهد السياسي في البصرة، وكل ماجرى هو استبعاد حزب من مجموع الاحزاب."

وتابع الفراتي قائلا إن "احزاب من قبيل الفضيلة والمجلس الاعلى والدعوة تمثل نفوذا واسعا حتى هذه اللحظة، وان حالة الحرمان الموجود ربما تعيد تشكيل المشهد السياسي بشكله الاصولي كما كان عليه." مضيفا ان "حالة الاستقرار النسبي والخلاص من سطوة اهم حزب اصولي كالتيار الصدري، ومن قبله جماعات اليماني وابن الحسن، حالة صحية، وعلى الحكومة استغلالها لخلق حالة المدنية في تلك البصرة والاحساس بسلطة القانون."

واستطرد الفراتي ان "عمل الاحزاب الاسلامية في ظل الوجه العلماني، هو افضل مما كانت عليه، ليعيد لها صفة القداسة على الصعيد الشخصي بدلا تحمليها تبعات التردي الحاصل في تلك المدنية." داعيا الحكومة العراقية، الى "ضرورة الاستفادة القصوى من حالة التغيير الموجودة في المدينة، لانها لن تدوم اكثر اذا ما عاد الوجود الاصولي وتراخي الحكومة في فرض سلطتها ربما."

المالكي: لا تفاوض مع الميليشيات

من جهة اضافية جدد نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية تصميمه على الاستمرار في مواجهة الميليشيات والجماعات المسلحة على اختلاف مسمياتها مؤكدا ان العلميات العسكرية مستمرة حتى الانتهاء من نزع سلاح الميليشيات وحلها ومن ضمنها ميليشيا جيش المهدي.

وهذه اول اشارة واضحة وصريحة من رئيس الوزراء تجاه الميليشيا التي يتزعمها السيد مقتدى الصدر حيث أكد المالكي ان الحكومة العراقية مصممة على الاستمرار في عملياتها العسكرية التي تجري في مدينة الصدر حتى تحقق العملية اهدافها.

وقال المالكي في مؤتمر صحفي في بغداد ان "الهدف النهائي الذي لن نتراجع عنه هو نزع سلاح الميليشيات وحل جيش المهدي والجيش الاسلامي وجيش عمر وانهاء القاعدة."

ووصف المالكي تحقيق هذه الاهداف بأنه "المحصلة النهائية والبوابة الحقيقية للأمن والاستقرار للعملية السياسية."بحسب رويترز.

وحدد المالكي شروط الحكومة العراقية تجاه المحاولات التي تقوم بها العديد من الكتل والاحزاب والشخصيات السياسية من اجل انهاء التوتر الامني القائم جراء العمليات المسلحة وقال "قلنا بكل وضوح لمن يشترك بالعملية السياسية (شروطنا) هي نزع السلاح وحل الميليشيات وعدم التدخل في شؤون الدولة ودوائرها ومؤسساتها ووزراتها وعدم انشاء محاكم وعدم التدخل في عمل الاجهزة الامنية وتسليم المطلوبين والتعامل مع السلطة من اجل كشفهم وملاحقتهم."

ووصف المالكي هذه الشروط بانها " ليست شروطا تعجزية بل هي من اوليات وابجديات العملية السياسية وعمليات الاستقرار."

وعبر المالكي عن موقف الحكومة في عدم اجراء اي مفاوضات "مع العصابات" وقال ان رفض الشروط التي وضعتها الحكومة "يعني استمرار جهد الحكومة في نزع السلاح بالقوة واخضاع العصابات الى ارادة الدولة والقانون بالقوة."

الكتلة الصدرية: تصريحات المالكي انطوت على تجنيات ومراوغات 

وردّت الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي على تصريحات رئيس الوزراء نوري المالكي امس ورأت على لسان المتحدث باسمها النائب صالح العكيلي انها انطوت على ما وصفه بـ "مغالطات وتجنيات فضلا عن مراوغات".

واضاف العكيلي خلال مؤتمر صحافي عقدته الكتلة الصدرية في فندق الرشيد ان "المقدمات الخاطئة تؤدي الى نتائج خاطئة وعليه فأن المعلومات الخاطئة تقود الى قرارات وقناعات خاطئة". بحسب تثرير لـ كونا.

وراى العكيلي ان تصريح رئيس الوزراء العراقي بعدم وجود حصار على مدينة الصدر يخالف الواقع الذي يثبت غير ذلك مؤكدا ان مدينة الصدر ما زالت محاصرة وهنالك منفذ واحد لدخول وخروج المواطنين وهو منفذ الطالبية ودعا وسائل الاعلام الى الذهاب لمدينة الصدر للتثبت من ذلك.

ولفت الى ارتفاع الاسعار خاصة اسعار المواد الغذائية مؤكدا ان هنالك معاناة وحصارا حقيقيين على المدينة.

اما بخصوص موضوع الكهرباء فقال "منذ اكثر من شهر لا توجد كهرباء في مدينة الصدر عدا بعض المناطق القليلة والتي حرمت منها ايضا منذ اكثر من اسبوع".

ولوح العكيلي بانهم في التيار الصدري يمتلكون وثيقة تؤكد اصدار أوامر من رئيس الوزراء نوري المالكي الى قيادة عمليات بغداد بمنع تزويد محطات مدينة الصدر بمادة البانزين وزيت الغاز مما ادى الى حدوث مشكلة حقيقية في المدينة.

ورفض العكيلي في بيان تلاه ما وصفه تهديد رئيس الوزراء للنواب في الكتلة الصدرية بانهم "يثيرون الفتنة من خلال تصريحاتهم" قائلا ان "الدستور الحالي يعطي الحصانة لعضو مجلس النواب في ما يدلي به من تصريحات لذا لا صلاحية لرئيس الوزراء بتوجيه الاتهام للنواب حول تصريحاتهم كما ان عليه تقديم الاعتذار لهم عما بدر منه من تصريحات".

لكنه في الوقت نفسه اتهم المالكي بتبرير ما اعتبر استمرار قتل المزيد من العراقيين قائلا ان "ادعاء رئيس الوزراء من ان اهالي مدينة الصدر قالوا له (اقتلنا واقتل المسلحين) لا يعني بتصورنا الا تبرير لقتل المزيد من العراقيين الابرياء بدم بارد".

ودعا العكيلي رئيس مجلس النواب وأعضاء مجلس النواب العراقي الى "تحديد موقفهم" من رفض رئيس الوزراء اللقاء مع اللجنة البرلمانية المشكلة مع المجلس التنفيذي والتي صوت عليها بالاجماع في مجلس النواب العراقي.

اتهام الحزب الاسلامي بـ"الاستحواذ" على المناصب الحكومية 

من جهة اخرى وفي اطار صراع الكتل السنّية فيما بينها للاستحواذ على السلطة والمناصب اتهم رئيس كتلة الحوار الوطني صالح المطلك الحزب الإسلامي، احد أقطاب جبهة التوافق السنية، بـ"الاستحواذ" على المناصب التي منحتها الحكومة العراقية للعرب السنة، فيما قال عبد الكريم السامرائي عضو في الحزب إن المطلك لم يشترك في الحكومة حتى يطالب بأي منصب فيها.

وقال المطلك لوكالة (أصوات العراق) إن "الحزب الإسلامي تفرد بشكل عجيب في الاستحواذ على المناصب التي منحتها الحكومة للعرب السنّة الذين شاركوا في العملية السياسية".

والحزب الإسلامي الذي يتزعمه نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي هو أحد المكونات الثلاثة الرئيسة في جبهة التوافق العراقية مع مؤتمر أهل العراق ومجلس الحوار الوطني، والتي تمثل المشاركة الأساسية للعرب السنة في العملية السياسية في العراق.

وأضاف رئيس الكتلة العربية للحوار الوطني "تمثيلنا النيابي في مجلس النواب اكبر بكثير من تمثيل الحزب الإسلامي النيابي وبالتالي فنحن نعتقد انه ليس من الصحيح الاستحواذ على كل شي".

وتحتفظ الكتلة العربية للحوار الوطني التي يتزعمها النائب صالح المطلك بـ28 مقعدا من أصل 275 هم أجمالي أعضاء مجلس النواب.

وحول الاتهامات التي وجهها النائب خلف العليان للحزب الإسلامي بالهيمنة على جبهة التوافق التي ينتمي لها قال المطلك "نحن نبادل رئيس مجلس الحوار نفس التصورات فيما يتعلق بهيمنة الحزب الإسلامي بالقرار داخل جبهة التوافق وندعو إلى أهمية ان يغير الحزب الإسلامي من سياساتة المتبعة من شركاءه السياسيين".

وكان خلف العليان ذكر الأسبوع الماضي ان مجلس الحوار الوطني احد المكونات الثلاثة لجبهة التوافق قرر الانسحاب من الجبهة "رغبة في الخروج من التكتلات الطائفية والتخندق في تكتل وطني".

ومن جانبه، قال عبد الكريم السامرائي عضو في الحزب الإسلامي إن "المطلك لم يشترك في الحكومة حتى يطالب بأي مناصب حكومية وعليه أن يتفاوض معها لا مع جبهة التوافق بهذا الخصوص"، موضحا أن "التوافق أخذت استحقاقها  الانتخابي وبموجب الدستور".

وتعد (جبهة التوافق السنية) الكتلة الثالثة في مجلس النواب ولها (44) مقعدا من مجموع نواب المجلس البالغ عددهم (275) نائبا، وتأتي بعد الائتلاف العراقي الموحد (83 مقعدا)، والتحالف الكردستاني (55 مقعدا).

وأضاف السامرائي أن "المطلك ليس شريك في جبهة التوافق لذلك لا حق له في توجيه أي انتقاد إلى أي قطب من أقطاب الجبهة، ونحن لسنا مضطرين للرد على كلامه".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 4 أيار/2008 - 27/ربيع الثاني/1429