مجلس النواب.. هل خيٌب آمال ناخبيه؟

جميل عودة/ مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

يتمتع مجلس النواب بحسب الدستور العراقي الدائم بالصلاحيات الواسعة المصنفة دستوريا إلى صلاحيات تشريعية وصلاحيات رقابية، كما يتمتع أعضاء مجلس النواب بالامتيازات والمخصصات المالية الضخمة التي يفتقدها نظرائهم في دول الديمقراطيات المتقدمة كالهند. فهل تمكن مجلس النواب العراقي  خلال العام الثالث له من تحقيق أهدافه التشريعية والرقابية أم أن مجلس النواب تلكأ في أدائه، وأن أعضائه كانوا قد خيبوا ظن ناخبيهم؟. 

يبدو أن التقويم العام لأداء مجلس النواب من خلال استطلاع آراء المواطنين العراقيين يسير باتجاه معاكس لمصلحة مجلس النواب تماما، فالكثير من الناخبين الذين صوتوا في انتخابات 2005  لايرون أن مجلس النواب قد اضطلع بدوره ومسؤولياته، ويحملون أنفسهم ونظام القوائم المغلقة وقيادات الكتل البرلمانية مسؤولية الأداء المتعثر لأعضاء مجلس النواب.

فمن المؤكد أن الدعاية الانتخابية لانتخابات مجلس النواب السابقة كانت مهولة إلى حد ما، ولم يدرك المواطنون العراقيون في خضم المعارك الانتخابية لقوائم المرشحين ما هي المسؤوليات الدستورية والقانونية المنوطة بأعضاء مجلس النواب، كما لم يتمكنوا من التعرف على كل أسماء المرشحين ضمن القوائم المغلقة، وظلت معلومات الناخبين محدودة  في إطار ما تمثله هذه القائمة الانتخابية لامتداداتهم الدينية والمذهبية والعرقية والعشائرية.

في ذلك الحين كنت قد سألت مجموعة من الناخبين في محافظة الناصرية لمن ستصوتون؟ فأجاب أكثريتهم نصوت لـ(555) فأعدت السؤال عليهم مرة أخرى هل تعرفون أسماء المرشحين ضمن القائمة التي تنون التصويت لصالحها؟ أجابوا  بلا، إلا بعض منهم كانوا يعرفون اسم المرشح الأول أو الثاني إلا أنني لم أستطع أن أخفي اندهاشي وذلك عندما أجاب بعضهم أنهم يصوتون لإبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي في حينها؛ رغم أن اسمه لم يكن ضمن أسماء المرشحين لمدينة الناصرية!

ويبدو أن تمكن الناخبين من التعرف على أسماء المرشحين لم يكن بالأمر المجدي وذلك لأن خيارات الناخبين العراقيين في اختيار مرشحيهم محدودة إلى حد ما، فنظام القوائم المغلقة يعدم فرص الاختيار المتعدد، وخيار الانتقال من قائمة انتخابية إلى أخرى كان محكوما في أكثر الأحيان بالانتماء المذهبي والقومي.

أيضا كان لجوء العراقيين إلى القوائم الانتخابية المغلقة يحتم أن تلعب قيادات الأحزاب السياسية المؤتلفة دورها في انتخاب عدد من المرشحين الموالين لها ووضعهم ضمن قوائم الكتل الائتلافية كل بحسب حصته من عدد المرشحين، كما أن هذه القيادات كانت ملزمة وفق نظام "الكوته" ترشيح ما لا يقل عن ثلث الأعضاء من النساء، ولم تتوفر فرصة كافة لدى الكتل المؤتلفة لمناقشة مؤهلات وكفاءات الأعضاء الحزبين. 

  إلا أن هذه الأسس والمحددات الانتخابية الضيقة التي تشكلت خارج قبة البرلمان العراقي ليست هي وحدها المقوض لنشاط أعضائه، بل كانت الأسس والمحددات السياسية والقانونية التي توافق عليها الأعضاء تحت قبة البرلمان قد ساهمت إلى حد كبير في تقليص نشاطات المجلس التشريعية والرقابية وشل حركته.

واليكم ما يأتي: 

1-مشلولية القرار البرلماني:

فقد يجد نواب الكتل النيابية أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه عندما يكونون في قاعة الاجتماع وهم ينتظرون لساعات طوال ربما أيام على طريقة الجلسة المفتوحة أن تأتيهم الحلول والمقترحات من ما يسمى بـ"المطبخ" وهو مصطلح متداول في وسط البرلمانيين العراقيين ويقصدون به المكان الذي يجتمع فيه قادة هذه الكتل ليقرروا شانا من الشؤون فيمضيه الأعضاء!.

2-خرق للقوانين وعدم الالتزام بالأنظمة الداخلية: 

رغم وجود نظام داخلي لمجلس النواب يحكم نشاطات المجلس وأعماله، فلا يبدو أن أعضائه يتمتعون بالكثير من الاحترام والالتزام والتقيد بتعليماته، ففي الوقت الذي يتطلب أن يكون مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية للبلاد أكثر التزاما بالقانون فان الكثير من العراقيين بما فيهم بعض الأعضاء يرون أن مجلس النواب وبعض أعضائه هو أكثر المؤسسات الحكومية خرقا للقانون والنظام!.

   فقد حدثني أحد النواب "إنه يشعر بالخجل في كثير من الأوقات عندما يرى المواطن والموظف العادي يحرص كثيرا على دوامه بينما "نحن" في مجلس النواب نضرب التشريعات والقوانين التي نشرعها عرض الحائط".

3-شخصنة النشاطات البرلمانية:

  أكثر الأمور اندهاشا أن العراقيين بما فيهم الطبقات المعدومة يتمتعون بحس عالي من حيث تقويم حركة أعضاء النواب، وهم من المتابعين الجيدين لطبيعة نشاطاتهم، حيث يعتقد أكثر من 95% من الفئات التي التقيناها أن عمل أعضاء مجلس النواب جزء كبير منه يذهب إلى اهتماماتهم الشخصية، واقل منهم إلى اهتماماتهم الحزبية، وأن ما نسبته 5% يهتمون بالصالح العام.

4-الخمول واللامبالاة:

  وفي نظر المراقبين الدوليين والمحليين يعد بعض أعضاء مجلس النواب خاملين غير ناشطين، ولا يعرف منهم إلا عددا محدودا بين مؤيد بقوة للحكومة وبين رافض لها، ولا ينطبق هذا الأمر على الرجال بل النساء اللواتي يشكلن ثلث المجلس فأكثر من ثلثهن يتميزن بالخمول المطلق ولا يرغبن بالمشاركة أو التعليق أو حتى الإثارة التي يلجا إليها بعض الأعضاء للدعاية السياسية.

5-نقص الخبرة وقلة الحلول المطروحة:

يتميز بعض أعضاء مجلس النواب العراقي بالنقص الواضح للخبرة السياسية والفكرية والشجاعة الأدبية، ولا يتمتعون بروح المبادرة والفعل، ويتفاعلون مع المسائل والموضوعات والمشروعات الجاهزة التي لا تحتاج إلى عناء كبير في فهمها أو حلها، كما أنهم لا يهتمون كثيرا بالملفات الوطنية التي تعرض أمامهم ولا يُجهدون أنفسهم في البحث عن السبل والحلول، وليس لديهم مشاورون قانونيون أو اجتماعيون إلا عدد قليل منهم، ولا يقبلون بتطوير قابلياتهم القانونية والسياسية، ويعدون الدورات والندوات وورش التطوير منقصة بحقهم، وإذا ما ذهبوا فانهم لا يتعاملون معها جديا.

  كل هذا ربما يكون صحيحا، وأن تجربة مجلس النواب في العراق كتجربة برلمانية لم تتقدم كثيرا للأسباب المتقدمة وغيرها، وربما شعر العراقيون الناخبون بالإحباط الشديد؛ لأنهم لم ينتخبوا ممثليهم بالطريقة الصحيحة، ولكن مع ذلك وفي كل الأحوال لا يمكن لنا أن نتنازل عن هذه التجربة المدنية الفتية، ولا يمكن أن نشطب عليها بعلامة أكس، والمطلوب هو أن نعزز هذه التجربة بالمزيد من الحرص، ومزيد من التدقيق، ومزيد الالتزام؟

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28 نيسان/2008 - 21/ربيع الثاني/1429