إسْلامٌ... بِلا إضَافًة.!!!

محمّد جواد سنبه

إنّ صورة الإسلام وضعها الله تعالى جميلة، فلا تحتاج إلى تزيين أحد، ولا إلى تزويق أحد. لأنّ هذه الصورة البهيّة، ما هي إلا ّ مجموعة كبيرة من الصورالمنسجمة المتناسقة فيما بينها، وفي مجموعها تتشكل صورة الإسلام الكليّة. هكذا أراد الله سبحانه وتعالى، أنْ يكون الاسلام. أنْ يكون منظومة تستوعب الكون باسره، حتى تؤثر فيه ارادة الله سبحانه، لا العكس فيكون الإسلام تابعاً للكون، بمعنى ان يكون الاسلام متلقياً من الحياة.

 إنّ كلّ تعاملات الحياة تتلقى قوانينها من الإسلام (حسب التصور الاسلامي للموضوع). لذا أصبح الإسلام خارج حركة التاريخ، فالتاريخ لا يؤثر بالاحكام الثابتة على الاطلاق، فما اقرت الشريعة من حلال أوحرام مثلا، باقِ على مرّ الزمن حتى نهاية التاريخ.

 هذه المركزية الثابتة للاسلام، الفاعلة بالتأثيرعلى سيرورة الحياة، يقابلها شيء من اللامركزية في مفاصل أخرى، أراد الله تعالى أنْ يترك أمر تدبيرها للانسان، حتى تحصل حالة المرونة والتطور في الاسلام، فالاجتهادات التي تغطي احتياجات الانسان، الحاصلة جرّاء التقدم العلمي، وتطور العقلية البشرية، وصعود الحياة في سلم الارتقاء، هذا الهامش ترك فيه العمل، لنشاط العقل الانساني، لتغطية احكامه الشرعية، ولكن اعتماداً على قواعد فقهيّة أصوليّة، وضوابط علميّة محددة، يصل إلى مطالبها أهل الاختصاص من الفقهاء، لإشغال منطقة الفراغ الحاصل، في المنطقة المسكوت عنها من الاحكام، إزاء مستجدات الحياة، وهي في حركة مستمرة، من النمو والابداع، والتطور المتواصل. فتملأ هذه المناطق بالاحكام الشرعية، ليكون موقف الإسلام واضحاً قبال كلّ متطلبات الإنسان في حياته.

هذه هي باختصار خارطة الموقف الاسلامي، بموجب الرؤية الكليّة الشاملة، لهذا الدين المتكامل. لكن الملاحظ بشكل جلي، محاولة البعض تجزيئ هذه الصورة الكلية المتكاملة، لأسباب كثيرة منها ؛ الفهم الناقص للإسلام، وفي بعض الأحيان تعارض الإسلام مع التصورات الشخصية، لهذا الانسان او ذاك، فيلجأ البعض إلى حالة الإجتزاء من الإسلام المجيد. فمثلاً عندما يريد شخص ما أنْ يضفي المشروعية،على قضية ترضي مزاجه، أو تشبع هواه من جهة، ومن جهة ثانية يريد هذا الانسان، أنّ لا تتصادم رغبته مع الشريعة الغراء، فهو يرغب بالاحتفاظ برضا هواه ومزاجه، لكن تحت غطاء شرعي. فمثلاً ان شخصاً يريد ان يطبق احكام الاسلام في الحياة لكن الاغراء المادي يلح عليه، بأن يعمل في مصنع لإنتاج المشروبات الكحوليّة، لوجود امتيازات مادية لا تتوفر في عمل آخر. وبدلا من أنْ يلجأ هذا الشخص، إلى ذوي الاختصاص الفقهي، ليستوضح منهم موقف الإسلام من موضوع ابتلائه، ويعمل على ضوء حكم شرعي محدد. نراه يبني لنفسه موقفاً شرعياً، يستنتج منه حليّة عمله، بحجة انّه يعمل في بلاد أجنبية، وأهل هذه البلاد، يعاقرون الخمرة سواءاً عمل، أو لم يعمل في انتاج هذه المسكرات، فالامر سيّان.

وبناءاً على هذا الاستنتاج، فإنّ هذا الشخص يكسر قاعدة شرعية، ويؤسسس لموضوعه قاعدة مستوحاة من رغباته موهماً نفسه أنّه يسير في المسلك الآمن من القضية. وكذلك الامر عينه يتكرر ولكن بصورة اخرى، عندما يحاول البعض الآخر أنْ يصنع إسلاماً يرضي العقليّة الغربيّة، فيبدا بتطويع أحكام الإسلام، بناءاً على المنظور الغربي لقضيّة معيّنة. بمعنى تكييف الإسلام لإرادة غير الإسلامي. واذا كان هذا مسلك بعض المثقفين، الذين يحرصون كلّ الحرص، التمظهر بصورة الانفتاح والتقدميّة، أمام الآخر الغربي، الذي ينظر إلى الإسلام بنظرة التخلف. وأساس هذا الموقف الذي يتبناه بعضنا، نابع من حالة تناقضيّة ولدت في عالم المسلمين، والصقت بالاسلام خطأ وعنوة أيضاً.

فالتطرف الذي يعاني منه العالم، خصوصا بعد احداث 11 سبتمبر 2001، وضع المسلمين في جميع انحاء العالم بموقف حرج جداً. هذه حقيقة لا يمكن تجاوزها على الإطلاق. والتطرف أساساً له حيثياته، التي ساهم في انتاجها الغرب نفسه، بمساعدة بترول المسلمين، الممسوك بيد حكام العرب المسلمين، إضافة الى الغطاء الشرعي لمنهج تطرف المسلمين (أُأكد تطرف المسلمين، وليس تطرف الإسلام)، وهذا الموضوع أصبح بحكم الحقيقة، نتيجة لاشباعه بمعطيات البحث والتوثيق والدراسة.

فالمسلم المتطرف الذي اشبعت ذهنيته بالجهاد ومحاربة الكفار، لايبحث في القرآن الكريم، إلاّ عن الآيات التي تتحدث عن القتل والقتال، مع التآمرعلى القرآن العزيز، بالقفزعلى كلّ الوقائع التاريخيّة، وأسباب نزول تلك الآيات، ومناسباتها وملابساتها السياسية والاجتماعية، والناسخ والمنسوخ في كتاب الله المجيد.

 إنّ المتطرفين يستلّون من القرآن الكريم، كلّ آية يرد فيها موضوع القتل، أو الحرب استلالاً، وعزلها عن كل موضوع، يجعلها بعيدة عن ممارسة القتل. فمثلا يفسر قول الله تعالى (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)، بمعزل عمّا جاء قبلها مباشرة، وفي نفس الاية الكريمة (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ)، فضلاً عن بقية الآيات في الكتاب المبين، التي يمكن أن توصل إلى موقف آخر مختلف عن الأوّل. أضف إلى ذلك، مشكلة تفسير القرآن بالرأي، دون الرجوع إلى التفاسير المعتبرة، الموثوق بصحة مصدريتها.

أمّا بالنسبة للمسلم الذي يعيش وسط مجتمع غير مسلم، فإنّه يريد أنْ يظهرالإسلام، بالصورة التي تؤمّن له، علاقة طيّبة مع الآخرين، سواءاً كان من ناحية حرصه على إسلامه، أو من ناحية حرصه على علاقته، مع المجتمع الذي يعيش فيه. وقد تكون وجهة نظرهذا النوع من الاشخاص، نابعة من تحسسهم لانتماء هويتهم للإسلام، وهم يعيشون في مجتمع غربي، أو ربّما حرصهم على إظهارالإسلام، بالمظهرالذي يرضي عندهم، فكرة القناعة بالحداثة والتطور، ومواكبة حركة العالم والتقدم، لأجل نفض غبار التخلف عن هوية المسلمين. فصار اتجاه هذا البعض، أنْ يضع عناوين جديدة للإسلام. فظهرت تقليعة الإسلام الاشتراكي، أيام المدّ الثقافي الشيوعي، أو الإسلام الحداثوي، أو الإسلام المتنوّر، أو الإسلام السلفي، أو الإسلام العملي، (كما أطلق هذه التسمية مؤخراً، أحد المثقفين المسلمين المغتربين. وبناءاً على هذا الطرح يسلزم الامر وجود إسلام نظري).

ولأجل استجلاء الموضوع، لابدّ من التعريج على السؤال التالي، الذي سيقودنا إلى إجابة مقنعة، نتوصل من خلالها إلى أنّ الإسلام كلّ لا يتجزأ، وأنّ مصالح بعض المسلمين شيء، وهدف الإسلام كرسالة شيء آخر. والسؤال : هل يجوز إقامة علاقة جنسية، بين رجل وامرأة اجنبية، بدون عقد زواج شرعي ؟. الإجابة لا يجوز بالتأكيد. هل هذا هو رأي الإسلام بكينونته المستقيمة ؟. الإجابة نعم. إذن لابدّ أنْ تكون إجابة الإسلام الاشتراكي، والإسلام الحداثوي، والإسلام المتنور، والإسلام العملي (مؤخراً)، نفس الإجابة أعلاه، وإذا كانت الإجابة غير ذلك، فهذا ليس حكماً إسلامياً، وإنّما حكماً خاطئاً، يتنافى مع تشريعات الإسلام جملة وتفصيلا. وكذلك ينعكس الإشكال في ميدان الفكر السياسي، في موقف الإسلام من الديمقراطية.

 إنّ الموجة المتصاعدة في عالمنا المعاصر، هي اشكالية الديمقراطية مع الإسلام، فالعالم الحر ينظر الى الديمقراطية، كونها آليّة لانتقال السلطة بالطرق السلميّة، تؤمِنُ بأنّ الشعب هو مصدر السلطات، فيكون الإنسان هو المشرّع، لجميع القوانين التي تغطي شؤون حياته المختلفة.

إنّ هذا المنطق يتنافى مع منظور الإسلام التشريعي، لأنّ الله تعالى هو مصدر التشريع. ونتيجة لعجز المسلمين، من سدّ هذا الفراغ، في الفكر السياسي الحديث. ولأجل التملص من هذا الاشكال، لجأ المسلمون المشتغلون في ميدان الفكر والثقافة والسياسة، إلى محاولة تبعيض الإسلام، ليكون إسلاما مجزأ. يرضي جزء منه الديمقراطيين، والجزء الآخر يرضي الإسلاميين، فاقترحوا أنْ تكون الديمقراطيّة، وسيلة لتبادل السلطة، على أنْ لا يتعارض تشريعها مع الإسلام. هذه المحاولة تطرق إليها القرآن الكريم، في صدر الرسالة المطهرة، فقال تعالى في محكم كتابه الكريم (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ)( قال الطبرسي: جعلوا القرآن عضين، أي فرقوه وجعلوه أعضاءاً كأعضاء الجزور، فآمنوا ببعضه و كفروا ببعض. وعن ابن عباس : جعلوه جزءاً جزءاً)( بحارالأنوار\ العلامة المجلسي \ ج 31 \ ص573).

يجب على المسلمين، أنْ يتعاملوا مع الإسلام، بطريقة لا تشوّه الصورة البديعة لهذا الدين الجميل، الذي اراده الله تعالى أنْ يكون رحمة للعالمين، ليتعاملوا معه بيقين وثبات (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). والإسلام ليس بحاجة إلى إجراء جراحات تجميلية، فالإسلام القرآني هو الإسلام المحمدي، وهو الاسلام الصريح، وهوالمحجّة البيضاء، فلا يحتاج مطلقاً، إلى وصفه بالاشتراكي أو المتنوّر أو العملي. نحن المسلمين بحاجة إلى تعديل بوصلة أفكارنا وسلوكنا، لتكون منسجمة مع أفكار الاسلام وسلوكياته، لتكون منسجمة مع إرادة الله سبحانه. نحن المسلمين بحاجة أكثرمن أيّ وقت مضى، لنجعل واقعنا بكل تشعباته، لا يتعارض مع الإسلام، نحن بحاجة ماسة إلى أسلمة المجتمع قبل أن نبتكر إسلاماً عملياً، أو نخترع إسلاماً ديمقراطياً.

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22 نيسان/2008 - 15/ربيع الثاني/1429