يا جملي الصغير

من مذكرات الكاتب التركي "عزيز نيسين"

ترجمة: أوزجان يشار

إن من أجمل المنازل في "كراب غريق" هو المنزل الذي يسكنه "حافظ رجب أفندي". فهو من الخارج مطلي بلونٍ أصفرٍ فاتح. كان "حافظ أفندي" يتمتع بصوت جميل بالأضافة إلى كونه شخص مشهور جداً وغني أيضاً و كانت تسكن إلى جواره إمراءة سمينة, يبدو أنها أغنى منا، كانت تحبني كثيراً.

كان "محمد أفندي" ، إبن مالك الدار التي نعيش فيها ينوي الزواج. والزوجة هي شركسية (من سكان شمال غرب القفقاز المعروفين بالشراكسة). أي أهل الجمال.. فالشركسيات لهن جمال آخاذ! هل تعرف الحناء التي توضع على بشرة العذارى ؟ حسناً. لقد تم تزيين بعض النقوش الساحرة على وجه العروس. وتم الاتفاق على أن يكون الزواج في الحديقة التي تقع بالقرب من الدار.

كنت قد اجتزت سن الختان. كانت أمي تفكر دائماً بذلك (الختان) وكيف سترتب أمور وشؤون هذا الختان ؟ فالختان باهظ التكلفه و يكلف الكثير من المال أيضاً.

على مايبدو تزامن مشروع ختاني مع وقت زواج الشاب الكردي الوجيه "محمد أفندي" من الفتاة الشركسية الجميلة ".

لم يكن لدينا سرير في منزلنا. فكنا ننام على فراش يتم نشره على الأرض ثم يتم جمع هذا الفراش في الصباح ليوضع في المخزن.

لأجل مشروع ختاني أستعرنا لباس نوم وسرير من جارٍ لنا. وأعطانا جار آخر سريرين. بعد ذلك وضعوا سرير الختان في ركن من الحديقة.

إذا ترك الأمر لوالدي لما تم مشروع الختان. ليس لأنه لا يهتم بي ولكنه يتصرف بكبرياء وكأنه لا يريد أن يكشف الستار عن حالة الفقر والحرمان التي نعيشهما.

وضعت أمي طربوش الختان على رأسي وتم تطريز عبارة " ما شاء الله " فوق الطربوش. ربما قد يكونوا قد استعاروا الطربوش من شخص آخر أيضاً. ثم ارتديت ملابس العيد. بنطلون من المخمل وقميص ساتان. ثم أخذتني أمي إلى بيت تلك المرأة الغنية التي تسكن إلى جوار "حافظ رجب أفندي" وذلك لتقبيل يدها كنوع من الامتنان والشكر.

بدأ الاحتفال في المساء. كان احتفالاً كبيراً بالنسبة لجيراننا. كان الجو ساحر مليئ بالغناء والرقص ، بدا لي الأمر كمسرح ، هذا الاحتفال احتوى على الكثير من الأحداث المثيرة.

أصبح "محمد أفندي" الأب الروحي لي. في عرف المحافظات الشرقية، الأب الروحي يعني أن تكون في وضعٍ اعلى وأقرب من وضع الأقارب والأهل. وهو الشخص الذي يلطخ دم ختان الصبي بيده فيصبح بالتالي الأب الروحي. ولابد للأب الروحي أن يحمي ولده " بالتبني" طيلة حياته. هذا هو العرف السائد.

عانيت لمدة شهر بعد الختان، كان ختاني ما يعرف بـ " الغشائي" حيث يمتد الغيار لأيام وأسابيع.

إن الشخص الوحيد الذي أعطاني هديةً في ختاني هو تلك المرأة الغنية التي تسكن بجوار "حافظ رجب أفندي". كانت هديتها عبارة عن جملٍ صغير منحوت من الخشب ذو لون بني وملمس شمعي ناعم. كانت السنام عبارة عن غطاء لها مفصلتين صفراويتين. عندما ترفع المفصلة كان هناك دواة. عندما أرى هذه الدواة أنسى ألم الختان. أخذت الجمل معي إلى السرير. أعطاني أبي أيضاً هدية, كانت عملة معدنية (من العهد العثماني).

لازلت أتذكر صوت تلك المغنية اليهودية,. ذلك الصوت العميق والأجش, كانت تغني:

أتيت إلى العالم لأضحك..

أصرخ ولا أدري لماذا؟

عندما كنت اسمعها تغني,

أنا أيضاً أصرخ ولا أدري لماذا؟

أين انت يا دواة جملي الصغير؟

أتيت إلى العالم ، يا جملي الصغير ، يا دواة جملي الصغير.

أين أنت الآن ؟ أين ؟ ، أووه أين ذهبت ؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21 نيسان/2008 - 14/ربيع الثاني/1429