نافذة من بغداد: شارع النهر.. لمسات التراث ومقصد الجنس اللطيف

شبكة النبأ: يعتبر شارع النهر احد نوافذ بغداد الجميلة وهو ما زال يحافظ على سيرته الذاتية كمقصد اساس للعرائس ولسيدات بغداد وفتياتها حيث تنتشر فيه محلات الملابس النسائية والاكسسوارات والحقائب والاحذية والمصوغات والتحف ذات الانواع الفاخرة.

ولد شارع النهر مع ولادة الخلافة العباسية في القرن العاشر الميلادي بحسب ما يذكر الباحث عماد عبد السلام رؤوف الذي يشير الى اختيار الخلفاء لقصر كبير كان يوما ما متنزها للخليفة المأمون، فقد عرف القصر بأسمه "القصر المأموني" وصار مقرا رسميا للخلافة ثم اعيد بناؤه في عهد المتوكل ليعرف بـ"قصر التاج" ويتبوأ موقعه على شاطئ دجلة في منتصف شارع النهر بموقعه الحالي.

احيط القصر في القرن التالي بسور معيني الشكل يبدأ من "شارع البنوك" المحاذي لشارع "السموأل " وحتى "محلة السنك" ونظرا لمقتضيات استقبال الوفود الرسمية الوافدة على قصر التاج فقد شق طريق محاذية لدجلة تبدأ من الباب الشمالي لدار الخلافة الواقعة في مدخل "شارع النهر" وحتى باب الدار نفسه المعروف ب"باب المراتب" عند محلة السنك واطلق على هذه الطريق اسم رأس القرية وهو نفسه الان شارع النهر.

كان شارع النهر وما يزال يمتد بمحاذاة دجلة باناقة أنثوية باذخة حيث صاغة الذهب ومحلات الفساتين والاقمشة بالوانها المترفة وباعة التحفيات.

ويبدو ان الشارع لم يكتسب فقط تسميته من النهر الذي يحاذيه بل حمل ايضا بعض صور ذلك النهر حيث تشق القوارب الامواج منداة برذاذ الماء ما يماثل مشهد النساء في الشارع وهن يتمايلن كقوارب طريات برذاذ العطور.

كان على كل فتاة مخطوبة أن تزور هذا الشارع لتنتقي أقراطها أو أساورها وحليها وهو ما يسميه العراقيون (النيشان) في طقس يوحي وكأن سرير الزوجية مركون في نهاية شارع النهر.

وقال الباحث رفعت مرهون الصفار لوكالة الانباء الكويتية، ان شارع النهر الان يمتد موازيا الى شارع الرشيد من جهة ونهر دجلة من جهة اخرى ويبدأ من باب الاغا الى جسر الاحرار.

ندخل الشارع من جنوبه من جهة جسر الاحرار لنجد محال صاغة المجوهرات والحلي الذهبية والفضية ومن اهم الصاغة كما يذكر الصفار هم عيسى الفياض ودهش فرحان وخليل مال الله وزهرون وصكر الحيدر وعبد حسن دحام وهم من الصابئة كما كان هناك صائغ روسي مشهور يدعى (سيكال).

وترتكن في الشارع بصمت يلفه عبق تاريخ شفيف بعض محال الأنتيكات المجاورة لبناية غرفة تجارة بغداد التي تأسست عام 1926 وتعد هذه البناية القاسم المشترك بين الشارع ونهر دجلة حيث تطل واجهتها على الشارع وخلفيتها على النهر.

وما ان تدلف في الشارع حتى تلفت انتباهك مجموعة من الخانات القديمة، يقول رفعت الصفار انها احد معالم الشارع التي تكسبه هويته مشيرا الى ان ثمة خانات فيه تحولت الى محال تجارية وهي خان دله وخان الباجه جي وخان الخضيري وخان النملة وخان النبكة وخان العادلية وخان الدفتردار .

احتوى الشارع على عدد من دور العبادة التي توزعت في اطرافه ففي الشارع "جامع الباجه جي" الآيل للسقوط اليوم وجامع "التكية الخالدية" وجامع "العادلية الكبير" و "جامع الخفافين" الذي يستند الى عمق تاريخي فهو من اقدم الجوامع ببغداد ويعود تاريخه الى نهايات العصر العباسي ويقال ان فيه قبر السيد اسماعيل ابن الامام جعفر الصادق.

وفي الجزء القريب من "جسر الشهداء" هناك مرقد الشيخ علي بن محمد السمري، احد "سفراء" الامام المهدي المنتظر "الإمام الثاني عشر لدى المسلمين الشيعة".

يحتوي الشارع على المحلات التي تعنى بالملابس النسائية وعشرات المحلات التي تمتد على طول الشارع وهناك محلات تصب الاحذية لاقدام النساء وتصنع قوالب جديدة تضاهي جودتها احذية الاسواق العالمية وموديلاتها

وفي وسط شارع النهر يقع البنك المركزي العراقي اضافة الى فروع مصرفي (الرافدين) و(الرشيد) في تشكيل عمراني حديث منبثق من تزاحم العمارة البغدادية القديمة.

وفي تقاطع شارع النهر مع شارع السموأل تبهرك محلات الفساتين التي تحيط بك لياتي بعد ذلك سوق دانيال الذي سمي بهذا الأسم نسبة الى اول من باع به وهو يهودي عراقي يدعى دانيال وهذا السوق متخصص ببيع لوازم الخياطة كافة والى جانبه سوق لبيع الاقمشة النسائية والرجالية.

وما ان تتجه نحو المدرسة المستنصرية عند نهاية شارع النهر يصادفك سوق (الخفافين) الذي انشئ قبل 800 عام وهو الطرف الاخير من شارع النهر حيث يوجد مسجد وعدد من المقاهي حملت الاسم نفسه.

كان هذا السوق طبقا لما يذكر الباحث في التراث الشعبي باسم عبد الحميد حمودي يهتم ببيع الاشياء الخفيفة واشتهر بمهنة (الريافة) وصناعة العباءات الرجالية والعقال العربي وغيرها من الملابس الشعبية.

ويبدو ان هذا السوق هرم هو الآخر بما فيه الكفاية فالاماكن تشيخ ايضا ويهجرها الناس كالناس تماما ولم يبق فيه سوى محلات قليلة حافظ اصحابها على استمرار صنعتهم .

وعلى شاطئ دجلة ثمة قطعة ارض مملوءة بانوع السجاد المعروض لأشعة الشمس في مشهد من الزخرفة بانواع سجاد استمد اسماءه من قوميات ومدن مثل اصفهان وكاشان وقمي وقرباغ.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19 نيسان/2008 - 12/ربيع الثاني/1429