في ثلاثينيات القرن العشرين بدأت بوادر تشكيل مراكز بحثية لقياس
الرأي العام وذلك لما يتمتع به من تأثير على صناع القرارات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية، باعتباره قوة لا يمكن إنكارها من قبلهم لذلك
بات من الضروري التعرف على حجم واتجاه هذه القوة، وذلك من خلال دراستها
وقياسها بوسائل عدة ابرزها استطلاعات الرأي العام التي تنوعت في أساليب
تطبيقها،وسنتناول في هذه المقالة مفهوم الرأي العام والمقومات الرئيسية
للرأي العام والعوامل الرئيسية المؤثرة في تشكيل الرأي العام وكذلك
صعوبات قياس الرأي العام في العراق.
مفهوم الرأي العام:
لإعطاء تصور واضح عن مفهوم الرأي العام نستعرض في البداية التطور
التاريخي لهذا المفهوم منذ البداية الى ان أصبح مصطلحا شائع الاستعمال
والتداول فالأشياء توجد أولا ثم تعرض أسماءها ومنها الرأي العام فهو
قديم قدم البشرية وان كان كاصطلاح من مصطلحات العصر الحديث الذي تعددت
فيه وسائل التعبير عن هذا الرأي العام من الصحيفة الى الإذاعة الى
التلفزيون واستطلاعات الرأي العام.
وعند اكتشاف الإنسان الكتابة وما رافقتها من ظهور الحضارات زادت
أهمية الرأي العام فكان حكام (سومر) و(بابل)و(آشور) يقيمون للرأي العام
وزنا لا باس به كما تكتشف آثار مصر القديمة عن إدراك واضح للرأي العام
وتكشف عن أساليب راقية للتأثير فيه وتوجيهه الوجهة المطلوبة مثل (تالية)
الفرعون و(تقديس) الكهان وتشييد المعابد والأهرامات ولم يكن هذا كله
سوى أساليب متطورة للتأثير في الرأي العام.
وكانت المدن اليونانية القديمة أول من أعطى للرأي العام مجالا واسعا
لتنظيم شؤون المجتمع.
لقد تحدث اليونانية بعد ذلك عن ( الآراء الشائعة) ووصولا الى مفهوم
(صوت لجمهور) او (صوت الشعب).ثم جاءت الحضارة الإسلامية ومن خلال
القواعد التي أرسلتها القول فإنها قد اهتمت بالرأي العام وأعطته سلطات
كبيرة تصل الى حد معصية الحاكم والثورة عليه. ان هو خرج عن حدود سلطته
المحددة له.
وقد وضع الإسلام أصولا عامة منها: مبدأ الشورى كما اعترف الإسلام
بالحقوق والحريات كحق الملكية الفردية والجماعية وأقام الإسلام حرية
الرأي وحرية العقيدة وغير ذلك من الحريات الأخرى.وابتداء من كتابات
ميكا فيلي (1469-1527) حدث التطور معتبر في الكيفية التي تتناول الفكر
الفلسفي ما يسمى (بالرأي العام) فقد اعتبره عنصرا يجب ان يأخذ بالحسبان
في عملية الصراع من اجل السلطة.
فيما كان روسو 1712 - 1778 أول فيلسوف يستخدم تعبير الرأي العام ومن
أهم كتابات روسو العديدة كتابه في العقد الاجتماعي ويمكن اعتبار الفكرة
الأساسية وراء العقد الاجتماعي هو موضوع الوحدة.. وحدة البناء
الاجتماعي وذلك بإخضاع المصالح الخاصة للإرادة العامة فالحكومة دورها
مساعد لان الإرادة العامة هي مجموع إرادة الشعب الذي يخضع للقوانين
والحكومة ما هي إلا الأفراد الذين يقومون بتنفيذ القوانين، وأوضح ان
مفهوم إرادة الشعب يشير في المعنى العلمي التطبيقي الى جوهر الرأي
العام في معناه المعاصر في القرن الثامن عشر المسمى بـ ( عصر التنوير)
الرأي العام جاءت الثورة الأمريكية وبعدها الفرنسية كأبرز حدثين يعبر
عن دور وقوة الرأي العام .
ثم جاء القرن التاسع عشر المليء بالأحداث والتغييرات حيث قامت
الثورة الصناعية وتطورات الكشوفات العلمية واختراع وسائل الاتصال
الجديدة حتى أصبح الرأي العام ذو سطوة وسلطان كبير كان من نتائج مطلبه
العمال بوضع التشريعات التي تضمن حقوقهم ومصالحهم.
وشهدت نهاية القرن التاسع عشر (جوستاف لوبون) العالم الاجتماعي الذي
كان احد الأوائل الذين أدركوا فكرة الجمهور والتكتل الشعبي, وتأثيرها
في العمل السياسي وأخيرا جاء القرن العشرين ليتوج وانتصارات الرأي
العام بمزيد من الانتصارات ذلك ان ظهور الراديو والتلفزيون والسينما قد
جعل هذا القرن قرن الرأي العام وكان للحرب العالمية الأولى التي شهدها
هذا القرن اثر هام في تدعيم الرأي العام، فظهور الدراسات النفسية في
القارة الجديدة بعد هذه الحرب التي ركزت على دراسة السلوك قادت الى
اكتشاف ان أصل السلوك ما هو الا بعض صور التهيؤ للعمل وأطلقت عليه
مفهوم (المواقف) او ( الاتجاهات) وهذا المفهوم ليس إلا الرأي العام في
جوهره او القاعدة التي يقوم عليها الرأي العام .
ومنذ بداية الثلاثينات بدأ ما يسمى بأبحاث قياس الرأي العام حيث
تقوم هذه الأبحاث بقياس المواقف وردود الأفعال على القضايا والموضوعات
التي تشهدها الحياة السياسية والاجتماعية.
ان الأحداث الضخمة التي شهدها القرن العشرين والتي هزت الوجدان
العالمي بأسره بدأ من الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية
قد اثر ت بهذا الشكل او ذاك بالرأي العام وبدورة الحياة السياسية
الوطنية والدولية وأصبح للرأي العام دور كبير في صياغة الأحداث في
توجيهه أصحاب القرار السياسي يضعونه في حساباتهم سواء صرحوا بذلك أم
لم يصرحوا به.
ولتوضيح مفهوم الرأي العام نلجأ الى الطريقتين معا لتوضيح هذا
المفهوم ودلالته. فهناك عاطفة وذكاء تم لا تلبث هذه العاطفة ان تنشر
وتعتنق من قبل معظم أشخاص الذين تتكون منهم جماعة متعلمة ذات مشاعر
سوية تعيش في دولة متمدنة ومتحضرة فيما اعتبر آخرون ان كل ما يمكن ان
يحدث على عملية التفكير والإعراب عن ذلك حول قضايا المصلحة العامة يدخل
في تكوين الرأي العام وبالتالي يمثل الرأي الأكثر فعالية لأكبر عدد
ممكن من المواطنين الواعين.
والرأي العام إنما يصبح ذا معنى حيث يكون متعلقا بموقف يتخذه أفراد
كثيرون يعبرون او يمكن مناشدتهم للتعبير من خلاله عن أنفسهم في شكل
تحبيذ او تأييد او بالعكس في شكل رفض ومعارضة لحالة محددة او شخص معين
بالذات ولمقترح محدد ذي أهمية واسعة النطاق بشرط ان يكون متمتعا بقدر
كبير من القوة العددية والشدة بحيث يسمح باحتمال اتخاذ إجراء مباشر او
غير مباشر إزاء الهدف المقصود.
ويؤكد العلماء على هذه الطبيعة المائعة للرأي العام فهو قوة حقيقية
شانها شان الريح له ضغط لا تراه ولكنه ذو ثقل عظيم وهو كالريح لا تمسك
بها ولكنك تحني لها الرأس متطبعا. والرأي جزء من منظومة متكاملة تبدأ
بالمعلومات وتنتهي بالسلوك وتشمل (المعلومات والآراء والاتجاهات والقيم
والمعتقدات والسلوك) وهناك تداخل بين هذه المسميات المختلفة وحسب
الضرورة للتمييز بينها لمعرفة المعنى الدقيق لكلمة الرأي الذي نقصده في
مصطلح الرأي العام.
J2000_saad@yahoo.com |