لم يكن بودي أن أكتب مقالة سياسية نقدية عما يجري في العراق واقطع
البحث المطول وسلسلة الحلقات الفلسفية التي أقوم بنشرها الأن عن
التحليل القيمي لسلوك الانتحاري , اذا ربما سيشوش ذلك الحلقات والبحث
وتسلسل أحداثه وتتابع سياقاته , لكن مادعاني الى الكتابة هي الصور
التي شاهدتها في الفضائيات في يوم الاثنين المصادف 14 من شهر نيسان
الحالي عندما نقلت لنا صور الصحفي البريطاني ريتشار باتلر الذي يعمل
لشبكة CBS الامريكية بعد أن حررته القوات الامنية العراقية في البصرة
والذي كان مختطف لمدة دامت أكثر من شهرين.
طبعاً ما اثار انتباهي وحزني وكآباتي وكل المشاعر المرتبطة بذلك هو
العرس المضحك الذي أقامه بعض العسكريين من قوات الأمن حينما خرج الصحفي
ريتشارد من مكان أختطافه حيث لاحظت كما قد لاحظ غيري سخافة ماحدث مع
الصحفي حينما رقص أو كاد أن يرقص بعض من هؤلاء الذين استقبلوه اثناء
خروجه ومن ضمنهم المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع العراقية اللواء _
مدري الفريق في زمن الرتب المتطايرة _ محمد العسكري.
محمد العسكري يحمل بنفسه المايكرفون كأنه مراسل صحفي ويمشي بخفة مع
الصحفي البريطاني ويطلب منه الحديث !! والقوة الأمنية تأخذ هذا الصحفي
الى مركز العمليات حيث مقر رئيس الوزراء وقائد العمليات الفريق موحان
ونرى وزير الدفاع يأخذه بالاحضان بقوة والكل من حوله يضحكون ويبتسمون
كانما تقرا في وجوههم انهم حققوا النصر النهائي على المليشيات المسلحة
في البصرة وحرروا العراق من كل العابثين بامنه.
وأرجو ان يكون واضحاً أنني لا احاول الأستهانة او التقليل باي نصر
يمكن ان تحققه القوات العراقية في معركتها ضد الجماعات المسلحة في
البصرة او في غيرها من مناطق العراق الحبيب والتي تحاول ان تخلق دولة
داخل الدولة وتسعى للعبث بامن العراق واستقراره...
كما أنني لا استخف بالصحفي البريطاني ريتشار باتلر ولا بالمهنة التي
تعرضت في العراق الى اقسى واقذر حرب من قبل الارهاب والمليشيات والتي
راح ضحيتها مئات الصحفيين الشهداء الذي رسموا بدمائهم أروع لوحة
أنسانية لرجال ونساء قدموا حياتهم ثمناً للحقيقة التي تسعى ورائها بشغف
مهنة المتاعب والسلطة الرابعة.....
ان مدار انتقادي يكمن في هذا الاحتفاء المبالغ فيه بهذا الذي حصل
بعد تحرير الصحفي البريطاني, اذ حينها لا اعرف لماذا أحسست أن العراقي
وخصوصاً الفقير كأنما يعيش غريباً في بلده وليس له اي وزن ولاقيمة...
فبيته يُهدم ودمائه تُستباح وأمواله تُسرق على يد مختلف القوى
الارهابية والمليشياوية التي تلعب ِشاطي باطي _ كما تقول اللهجة
العراقية _ بالعراق وأهله وتحت اقنعة مختلفة...
في نفس اليوم الذي حررت القوات الامنية فيه هذا الصحفي , ظهر تقرير
في قناة الحرة عن وضعية المهجرين في ديالى وصورت لنا نفس الكاميرا
والفضائيات_ التي صورت الاحتفاء بالصحفي باتلر _ الحالة المزرية التي
يعيشها هؤلاء الفقراء والتي لاتليق حتى بالحيوان في بلاد الغرب...
الماء قذر... المسكن مهلهل... غذاء لايوجد...لاتعويضات ولا اموال...
وفوق كل هذه المآسي تبلغهم القوات الامنية في ديالى بان عليهم أخلاء
القصور التي يعيشون بها...قصدي انصاف البيوت والقذارات والمزابل التي
تعيش فيها هذه العوائل الفقيرة العراقية....
لهذا ياسادتي أعترضت على هذا الحفاوة التي حفل ها السيد الصحفي
البريطاني والتي قابلتها _ ويالسخرية القدر _ أهانة واستخفاف وذل
لعوائل عراقية مهجرة تعيش في مستوى لايليق بالكائن الأنساني...
[email protected] |