شبكة النبأ: "تلعب القوة المسلحة دوراً محدوداً في حماية مصالح
الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل أن الوجود العسكري الأمريكي في
المنطقة يعد أحد منابع الإرهاب والتطرف الذي يهدد واشنطن". هذه العبارة
تلخص وجهة نظر الباحث "برادلي بومان" التي عرضها في دراسته المعنونة
بـ "بعد العراق: مستقبل التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط".
ونشرت هذه الدراسة في دورية "الواشنطن كوارتيرلي". وتجدر الإشارة
إلى أن "بومان" هو زميل مجلس العلاقات الخارجية للشؤون الدولية، كما
عمل كأستاذ مساعد سابق في الأكاديمية العسكرية في وست بوينت. ونقل
الدراسة موقع تقرير واشنطن.
المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط
إن الوجود العسكري الأمريكي الفعال في الشرق الأوسط لابد أن يكون
قائماً على أو مرتبط بمصالح الولايات المتحدة في هذه المنطقة. ورغم
أهمية حماية إسرائيل والعمل على توطيد العلاقات مع الحكومات العربية
المعتدلة، إلا أن المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة تتبلور ـ على
حد ذكر الدراسة ـ في ثلاث مصالح رئيسية، هي:
1 ـ ضمان تدفق النفط من دول الخليج العربي إلى الولايات المتحدة
والدول الصناعية الأخرى، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية (EIA) زيادة نسبة
الاستهلاك العالمي من الطاقة بمعدل 71% خلال الفترة من 2003 إلى 2030.
ومعلوم أن أمريكا تستورد حالياً نحو 60% من استهلاكها النفطي، وحسب
تنبؤات وكالة الطاقة الدولية فإن الاعتماد الأمريكي على واردات النفط
الخارجي سيزيد إلى 62% بحلول عام 2030. ومن المنتظر أن تلعب دول الخليج
دوراً مركزياً في إشباع الطلب المتزايد على الطاقة في المستقبل، فحتى
عام 2003 كانت هذه الدول تمثل 27% من إنتاج النفط العالمي وتتحكم في
57% من احتياطات النفط على مستوى العالم و41% من الاحتياطات العالمية
للغاز الطبيعي. وبحلول عام 2020، فإن المساهمة الخليجية في إنتاج النفط
العالمي من المتوقع أن ترتفع إلى 33%، ومن ثم إذا لم يتمكن الاقتصاد
الأمريكي أو حتى العالمي من الحصول على هذا النفط أو الغاز الطبيعي،
فإن العواقب السياسية والاقتصادية لذلك ستكون سيئة جداً.
وتحذر الدراسة من ثلاث مصادر رئيسية قد تهدد من خلالها الجماعات
الإرهابية أو الدول العدوانية تدفق النفط من دول الخليج العربي. أولى
مصادر التهديد هذه هي الاستقرار الداخلي، بمعني أن شيوع الاضطرابات في
دولة منتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية قد يحول بدوره دون حصول
الولايات المتحدة على نسبة كبيرة من واردتها النفطية الشرق أوسطية.
أما مصدر التهديد الثاني فيتمثل في البنية التحتية النفطية بما
تتضمنه من أنابيب النفط ومعامل التكرير، فعلى سبيل المثال تعرض حقل "أبقيق"
السعودي في فبراير 2006 إلى هجمات إرهابية من قبل تنظيم "القاعدة"،
ورغم أن الهجمات أسفرت عن أضرار ضئيلة بيد أن الحادث كان بمثابة مؤشر
على نية "القاعدة" استهداف البني التحتية النفطية.
وأخيراً فإن مصدر التهديد الثالث هو الممرات البحرية، على اعتبار أن
نحو 17 مليون برميل أو 52% من التجارة العالمية للنفط تتدفق عبر مضيق
هرمز يومياً. وهناك دول مثل إيران أو جماعات إرهابية مثل "القاعدة" قد
تهدد تدفق هذا النفط عبر مضيق هرمز أو الممرات المائية الأخرى مثل باب
المندب الذي يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب.
2ـ ضمان عدم تطوير الفاعلين الدوليين وغير الدوليين أو استخدامهم
لأسلحة الدمار الشامل، وتعد إيران حالياً هي التهديد الأكبر في المنطقة
الذي قد يقوض الجهود الأمريكية الهادفة لحظر انتشار الأسلحة النووية.
فمن ناحية فإن طهران قد تستخدم هذه الأسلحة في شن هجوم على إسرائيل،
ومن ناحية أخرى فإنها قد تزود الجماعات الإرهابية مثل "حزب الله" بتلك
الأسلحة والتكنولوجيا والمواد النووية ذات الصلة لمهاجمة تل أبيب
وتهديد المصالح الأمريكية، وبالإضافة إلى هذا وذاك فإن تطور القدرات
النووية الإيرانية من شأنه أن يشجع الجمهورية الإسلامية على تبني سياسة
خارجية عنيفة، ناهيك عن زيادة السباق الإقليمي نحو التسلح النووي.
3 ـ العمل على إيجاد منطقة خالية من الجماعات المتطرفة مثل تنظيم "القاعدة"
والحركات الإرهابية المرتبطة به، والتي تمثل بدورها الخطر الأكبر على
المجتمع الأمريكي وعلى مصالح الولايات في الشرق الأوسط. ومن ثم فعلى
أمريكا أن تتعاون مع شركائها الإقليميين من أجل القضاء على المتطرفين
ذوي التوجهات الراديكالية، مع إدراك الأسباب التي تقف وراء انتشار
التطرف في المنطقة ومن ثم ظهور أجيال قادمة من الإرهابيين.
القواعد العسكرية الأمريكية ومدى تحقيق مصالح واشنطن
تلقي الدراسة الضوء هنا على الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة،
لافتة إلى محدوديته خلال فترة الحرب الباردة، إذ نشرت الولايات المتحدة
قوات لها في لبنان لشهور قليلة عام 1958، كما دعمت قوات حفظ السلام
الدولية في لبنان خلال الفترة (1982 ـ 1984) وفي سيناء (1981 ـ حتى
الآن).
وقبل نحو خمسة عقود من حرب الخليج، اعتمدت الولايات المتحدة في
حماية مصالحها بالمنطقة على حلفائها الإقليميين مثل السعودية (1933 ـ
حتى الآن) وإيران (1953 ـ 1979) بدلاً من الاحتفاظ بقواعد عسكرية ضخمة
ودائمة في الشرق الأوسط. وخلال هذه الفترة حاولت أمريكا التقليل من
النفوذ السوفيتي في المنطقة من خلال دعم الحكومات المناهضة للاتحاد
السوفيتي وتقديم المنح الاقتصادية والعسكرية لها.
وهكذا ظلت واشنطن لفترة طويلة تعتمد على تلك الاستراتيجية في حماية
مصالحها بالمنطقة، إلا أنها ومع أواخر عام 1989 لجأت إلى نشر نحو 700
جندي لها في دول البحرين والكويت وعمان والسعودية والإمارات العربية
المتحدة مجتمعة.
وتضيف الدراسة أنه بعد أن قام "صدام حسين" بغزو الكويت في بداية
تسعينات القرن المنصرم، نشرت الولايات المتحدة أكثر من 500 ألف من
قواتها في المملكة العربية السعودية، وهو ما مثل نقطة تحول دراماتيكية
في الإستراتيجية الأمريكية والوجود العسكري للولايات المتحدة بالمنطقة
على الرغم من الدعوات المتزايدة آنذاك للرحيل. وقامت واشنطن بنقل
قواتها إلى مناطق نائية في المملكة، بيد أن ذلك لم يخفف من الغضب إزاء
هذا الوجود الأمريكي الذي نظر إليه النظام السعودي باعتباره خطر كبير.
وأدى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وما تبعه من الإطاحة بنظام
"صدام" إلى تخفيض القوات الأمريكية الموجودة في السعودية. وتحتفظ
أمريكا حالياً بأكثر من 220 ألف جندي في العراق ودول مجلس التعاون
الخليجي الست (البحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات
العربية المتحدة).
وعلى الرغم من هذا التزايد المطرد في الوجود العسكري الأمريكي
بالشرق الأوسط، إلا أن الدراسة ترى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى قوات
عسكرية محدودة للتصدي للمخاطر التي تهدد مصالحها الرئيسية الثلاث
السابق الإشارة إليها، ويمكن توضيح ذلك كالتالي:
1 ـ من أجل ضمان تدفق النفط من دول الخليج، فإن واشنطن يجب أن تعزز
الاستقرار الداخلي للمجتمعات الخليجية وحماية بنيتها التحتية وتأمين
ممراتها المائية.
ففيما يتعلق بالاستقرار المحلي تعتبر الدراسة أن القواعد الأمريكية
تلعب دوراً محدوداً في هذا الصدد، بل والأكثر من ذلك أن وجود مثل هذه
القواعد قد تمثل دافعاً على إثارة العنف والانقلابات (الاضطرابات)
الشعبية ضد تلك القواعد وضد الحكومات المستضيفة لها. وبناء على ذلك
يمكن للولايات المتحدة أن تحقق الاستقرار وتحول دون وقوع الانقلابات
داخل المجتمعات الخليجية من خلال تخفيض القوات الأمريكية، والاعتماد
على الوسائل السياسية والاقتصادية في دعم الحكومات المنتجة للنفط
وتشجيعها على تنويع اقتصادياتها وتحقيق تقدم نحو الليبرالية الدستورية.
وحسب الدراسة، فإن القوات الأمريكية تلعب كذلك دوراً محدوداً في
حماية البنية التحتية النفطية في الدول الصديقة بالمنطقة، حيث أثبتت
هجمات القاعدة الفاشلة التي استهدفت حقول "أبقيق" النفطية في السعودية
أن الدول المنتجة للنفط أمنت بنيتها التحتية بالاعتماد على نفسها وعن
طريق تطبيق إجراءات أمنية شاملة وفعالة، بل أن البعض منها عمل على
تعزيز الاستراتيجيات الأمنية الراهنة، مثل السعودية التي قررت تأسيس
قوة رد فعل سريعة وقوية قوامها نحو 35 ألف جندي من أجل تأمين وحماية
مواردها.
أما فيما يتعلق بالهجوم على الممرات المائية، تشير الدراسة إلى أنه
في حال استهدف تنظيم "القاعدة" أو إيران ناقلات البترول، فإن الرد
العسكري الأمريكي سيكون بحري، ومن ثم قد تشن الولايات المتحدة عملياتها
في هذه الحالة بدون قواعدها الموجودة في الخليج.
2 ـ لضمان عدم استحواذ أي فاعل دولي أو غير دولي في المنطقة على
أسلحة الدمار الشامل، فكما سبق الإشارة تمثل طهران الخطر الأكبر الذي
تخشاه واشنطن في هذا الخصوص. ورغم أن طبيعة اتخاذ القرارات وصنع
السياسات الإيرانية تجعل من الصعوبة بمكان تحديد وبشكل قاطع الدوافع
وراء سعي إيران لتطوير برنامجها النووي، إلا أنه يمكن القول أن إحساس
إيران بعدم الأمان النابع من تجربة حربها مع العراق في ثمانيات القرن
الفائت والغزو الأمريكي للعراق عام 2003 فضلاً عن تغير توجهات الإدارة
الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، هذا الإحساس هو الذي يقف وراء
محاولة الجمهورية الإسلامية للحصول على الأسلحة النووية.
ويحاول البعض تبرير زيادة الوجود العسكري الأمريكي في دول مجلس
التعاون الخليجي عبر القول أن انتشار عدد ضخم من الجنود الأمريكيين يعد
ضرورة إذا ما قررت الولايات المتحدة مهاجمة إيران لمنعها من الحصول على
الأسلحة النووية. وتنتقد الدراسة هذه المبررات وأصحاب تلك الحجج، مؤكدة
أن التواجد العسكري الأمريكي في دول الخليج كافي وبقوات أكثر من
المطلوبة لدعم وتنفيذ هذه العمليات العسكرية ضد طهران. ومن ثم فإن
توسيع الانتشار العسكري الأمريكي في الدول الخليجية يصبح ذا غير أهمية.
وإذا تطلب الأمر قوات إضافية، يمكن للولايات المتحدة إرسالها عبر
أوروبا أو أي أماكن أخرى.
3 ـ أما عن المصلحة الثالثة والأخيرة المتعلقة بإيجاد منطقة لا
تعاني أو تصدر التطرف، فترى الدراسة أن الوجود العسكري الأمريكي الضخم
في الشرق الأوسط يتعارض مع هذه المصلحة، بل إنه يعتبر الدافع الرئيسي
نحو انتشار الراديكالية والإرهاب، إلى جانب عوامل أخرى أقل تأثيراً مثل
الصراع العربي ـ الإسرائيلي والطبيعة السلطوية للنظم الشرق أوسطية.
وعلى الرغم من أن إحداث أي تخفيض في عدد القوات الأمريكية المنتشرة في
المنطقة لن يؤدي إلى القضاء وبشكل فوري على خطر الجماعات المتطرفة، إلا
أن هذه الخطوة من شأنها التقليل من نزعة التطرف لدى الأجيال
المستقبلية. |