بعد خمس سنوات: الاخطاء الامريكية في العراق مصدر الأزمات

شبكة النبأ: مع ولوج السنة السادسة على دخول قوات التحالف الى العراق وإسقاط النظام السابق، جدد سياسيون عراقيون القول بأن الولايات المتحدة التي قادت قواتها الحرب، ارتكبت مجموعة من الاخطاء تسببت في الاوضاع الحالية بالبلاد، أبرزها حل الجيش العراقي، وعدم حماية المؤسسات الحكومية، وترك الحدود مفتوحة وسائبة أمام كافة انواع التدخلات من دول الجوار.

يقول محسن السعدون، عضو مجلس النواب عن التحالف الكردستاني، إنه "رغم قول الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لم ترتكب أي خروقات أو أخطاء بعد إسقاطها نظام صدام، إلا أن السياسيين العراقيين يرون عكس ذلك."

وأضاف "توقيف عدد كبير من العراقيين بدون محاكمات، والاعتداء على الموقوفين، وعدم حماية الأمريكيين للدوائر التابعة للدولة (بعد دخول العراق) نماذج من تلك الأخطاء."

ويشير السعدون إلى أن هناك " تجاوزا لبعض الوحدات العسكرية الأمريكية ضد المواطنين العراقيين، إضافة إلى عدم قيامهم بالإجراءات اللازمة للمحافظة على المؤسسات الحكومية، مثل الوزارات التي نهبت وأحرقت بعد السقوط."

ونوه النائب البرلماني بأن الولايات المتحدة " لم تحافظ على الحد الأدنى من بقاء قوات لوزارتي  الدفاع والداخلية للقيام بواجبها في حفظ الأمن" في البلاد.

ويشغل التحالف الكردستاني (55) مقعدا من مقاعد مجلس النواب، البالغ عدد أعضائه (275) نائبا، وهو الكتلة البرلمانية الثانية بعد (الائتلاف العراقي الموحد) من حيث عدد المقاعد.

ويرى جلال الدين الصغير، عضو البرلمان عن الائتلاف الموحد والقيادي في المجلس الأعلى الإسلامي، أن " أبرز الأخطاء الأمريكية، بعد خمس سنوات من سقوط نظام صدام، هو توليها المسؤولية الأمنية بدون الرجوع إلى الشعب العراقي."

ويقول الصغير، في تصريح لـ أصوات العراق " لو أن الولايات المتحدة أعطت الخيارات العسكرية للشعب، لما حدث هذا الأمر"، مضيفا بأن "عزل الشعب عن العملية الأمنية كان الخطأ  الأكبر الذي ارتكبته الإدارة الأمريكية."

ويشغل الائتلاف، الذي يتكون من عدة تنظيمات سياسية ودينية شيعية، (83) مقعدا في مجلس النواب، يحتل بها الأغلبية البرلمانية.

من جانبه، وصف رشيد العزاوي عضو مجلس النواب عن جبهة التوافق العراقية احتلال العراق بأنه " أكبر أخطاء الولايات المتحدة"، وقال إن الولايات المتحدة "لم تحافظ على البنى التحتية للبلد، وإنما تركته للسلب والتخريب."

وتشغل جبهة التوافق (44) مقعدا في مجلس النواب، وتحتل بهم المرتبة الثالثة بين الكتل البرلمانية.

وشدد العزاوي على أن " ترك الحدود سائبة واحد من الأخطاء الأمريكية الكثيرة، الأمر الذي ساعد على تدفق الأسلحة (عبر الحدود) إلى المسلحين."وأضاف "كما أن حل الجيش والأجهزة الأمنية، بدون إيجاد البديل، كان من الأخطاء الكبرى."

ولفت النائب عن التوافق إلى أن تشكيلة مجلس الحكم الإنتقالي "على أساس طائفي وعرقي، كان أيضا واحدا من الأخطاء الأمريكية التي رسخت الطائفية في العراق."

وتأسس مجلس الحكم في الثاني عشر من شهر تموز/ يوليو (2003)، بقرار من سلطة الائتلاف الموحدة، التي كان يرأسها الحاكم المدني الأمريكي السابق للعراق، ومنح صلاحيات جزئية في إدارة شؤون البلاد.

وتم حل المجلس، الذي كان يتألف من ممثلين عن أحزاب وتكتلات عراقية مختلفة كانت تعارض صدام حسين، في الأول من حزيران/ يونيو العام (2004).

أما أحمد المسعودي، عضو مجلس النواب عن التيار الصدري، فاعتبر أن دخول القوات الأمريكية العراق "رغم إرادة الشعب، وتخليها عن الشعارات التي رفعتها قبل الحرب، تعد أبرز الأخطاء" التي ارتكبت بعد الحرب.

وقال المسعودي إن "حل الجيش العراقي، وجلب القوات الأمريكية لميليشيات من المرتزقة، ووضع حصانة على الجنود الأمريكيين، هي أيضا من أهم الأخطاء في العراق."

ويشغل التيار الصدري (30) مقعدا في مجلس النواب، وكان ضمن القوى السياسية الشيعية المكونة لـ (الائتلاف الموحد)، لكنه إنسحب منه وعمل ككتلة مستقلة، في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي.

من جهته، اعتبر عباس البياتي، وهو نائب برلماني مستقل منضم إلى الائتلاف الموحد، أن "عدم تشكيل حكومة عراقية بعد الاحتلال، وشرعنة الاحتلال بقرار دولي، واحدة من الأخطاء الأمريكية الكبيرة" في العراق.

وقال البياتي إن من أهم الأخطاء أيضا "عدم حماية المؤسسات الحكومية، وحل الجيش العراقي السابق"، واصفا تلك الأخطاء بأن "بعضها تكتيكية، والآخر بسبب عدم استشارة العراقيين، والبعض الثالث كان ضمن الإستراتيجية الأمريكية" بعد دخول العراق.

صورة قاتمة للجندي الامريكي

وبعد خمس سنوات على الغزو الأمريكي للعراق سقط خلالها أربعة آلاف جندي أمريكي "رسميا" وألوف مؤلفة من العراقيين لم يجدوا من يحصيهم، أصبحت صورة الجندي الأمريكي قاتمة في أذهان مواطنين من شرائح وأعمار ومحافظات مختلفة برغم أن بعضهم أقروا أنهم قابلوه بالترحاب يوم سقط نظام صدام في 9 نيسان 2003.

وبالنسبة لعيسى العداي (من اهالي الفلوجة 49 سنة) فإن تجربة السنوات الماضية جعلته يرى "الأمريكي شخصا متغطرسا يرى نفسه أفضل من غيره".

ويضيف العداي مستذكرا احداث الاعوام الخالية والعنف الذي صبغها "لم نكن نتوقع ان يكون الجندي الأمريكي بهذا المستوى من القتل ونزيف الدماء فقد أصبحت صورة المواطن الأمريكي عموما شخص غير مرحب به بسبب الاحتلال وسلوكيات الجندي الامريكي".

ويرى المواطن بلال محمد جاسم ( 32،سنة خريج كلية الآداب وعاطل عن العمل) وهو أيضا من مدينة الفلوجة (45 كم غرب بغداد) حيث دارت معارك عنيفة بين الجيش الأمريكي ومسلحين بالمدينة في ربيع عام 2004 ان الجندي الامريكي "فقد توازنه". وقال ان "تصرفاته الهمجية والوحشية أفرزت صورة مقيتة له لدى اغلب الشعب العراقي".

ولم تبد الصورة مختلفة كثيرا حتى عند رجالات "الصحوة" الذين يحاربون الد اعداء امريكا، تنظيم القاعدة. فالقيادي في صحوة الفلوجة الشيخ أبو محمد الدليمي (56 سنة) يرى ان "الجندي الامريكي بالعراق نقل صورة سيئة عن أمريكا كدولة وشعب".

 "فنحن لا تجمعنا قبل الاحتلال مع أمريكا لا جغرافيا ولا دين ولا تاريخ فنجهل صورة المواطن الامريكي إلا بعد أن تعرفنا عليه من خلال الاحتلال ورأيناه مرعوبا بشكل مستمر ويفكر بالقتل كأول حل لمواجهة أي مشكلة تقف أمامه" يقول الدليمي. بحسب اصوات العراق.

ولم يختلف التصور كثيرا في مدينة كربلاء ( 108 جنوب غرب العاصمة بغداد) عن الجندي الامريكي الا  في مقدار الاحباط من المقولات الحداثية التي تستعملها الليبرالية الامريكية، فيقول مدير إعلام صحة المحافظة سليم كاظم "كنا نحمل صورة عن الجندي الأمريكي بأنه راع لحقوق الإنسان والجنود الأمريكان لا يقبلون بالانظمة الدكتاتورية وإنهم جاءوا لكي يخلصوا الشعب من الطاغية"

وأوضح متحدثا عن الجندي الامريكي "لقد استقبلناه بترحاب كونه حقا خلصنا من حكم  قاس استمر لمدة 35 سنة لذلك كانت نظرتنا له إنه حررنا"

لكن بعد خمس سنوات تغيرت هذه النظرة كليا حسب كاظم لانهم "أصبحوا لا يحترمون مشاعر العراقيين ويستيهنون بدمائهم".

وبالمثل يوافق المتقاعد احمد حسين  قائلا "تحولت فرحتنا حين كنا نقف الى جوار الجندي الأمريكي على انه جاء مخلصا خاصة وأنني فقدت اثنين من أبنائي احدهما اعدم والأخر لم اعرف مصيره لحد الآن" في زمن النظام السابق.

ويؤكد ان "الصورة اختلفت تماما بعد خمس سنوات ولا يمكن أن أطيق الآن واستقبل أو حتى أرى جنديا أمريكيا لأنه اخذ يقتل العراقيين".

ويرى المتقاعد الستيني ان  الامريكيين "استخدموا طريقة رعاة البقر كما في أفلامهم وهذا شيء متعب أن تتحول الصورة التي حملناها في الأيام الأولى لسقوط النظام إلى هذه الصورة التي أستطيع أن أقول إنني اكره إن أرى جنديا أمريكيا".

ويستذكر المواطن فاضل الكناني (عامل بناء) الايام الاولى من سقوط نظام حكم صدام  قائلا "كنت فرحا بقدومهم وقلت سأحصل على وظيفة خاصة وأنني خريج معهد إلا إن واقع الحال جعلني استمر بعملي كعامل بناء".

ويمضي العامل متحسرا وهو يقول ان "صور القتل والدم في الشارع العراقي وصورة السياسيين الذين يعملون تحت مظلة الأمريكان تجعلني بكل تأكيد أغير تلك الصورة التي حملتها عام 2003".

 ويرى العامل ان على الامريكيين "إذا ما أردوا تغيير الصورة عليهم أن يعملوا لصالح العراق وليس لصالح شركاتهم وان يغيروا الطاقم السياسي لأنهم لم يجلبوا لنا جميعا سوى الدمار".

وفي البصرة (550 كم جنوب شرق بغداد) التي خرجت للتو من معركة بين القوات الحكومية والمسلحين قال قاسم حنون (مدرس 50 عاما) ان الواقع والتجرية " أظهرا أن الجندي الأمريكي لا يختلف عن تأريخه في غزو العديد من بقاع العالم وتقوده الغطرسة في علاقته بالآخر".

وأوضح " لذلك أن الكثير من التضحيات التي قدمها الشعب العراقي كان بسبب عنجهية هذا الجندي الذي كشف عن صورة عكس الصورة التي روجتها هوليود والأدبيات السياسية الأمريكية"

وقال إن الجندي الأمريكي "لا يحمل حتى رؤى متسامحة وإنسانية مع الآخر" بالرغم من ان البصرة لم تعش السنوات الخمس الماضية تحت سيطرة الجيش الامريكي بعد ان تركها لحلفائه البريطانيين قبل ان ينسحبوا بدورهم من داخل المدينة الى ثكنة خارجها.

ويؤيده طالب الشريفي (43 عاما موظف يسكن العشار) في ان الجندي الأمريكي ليس السوبرمان "وهو عكس الحجم والصورة التي صورت عبر الشاشات الفضائية والسينمائية ولم يكشف إلا عن ضعف ورعب".

وفي الاتجاه نفسه، بدا ابو محمد (40 سنة موظف يسكن في منطقة حي العامل جنوب غربي بغداد) مستاء من الوضع الذي آل اليه البلد وقال ان "اغلب العراقيين بدأ ينظر الى القوات الامريكية بنظرة عدو بعكس ماكان في بداية احتلالهم للعراق بعد ان استقبلهم البعض بالاهازيج".

من جهته قال ستار حسين المحمداوي ( 43 ) موظف سابق من اهالي مدينة الصدر شرقي بغداد الخاضعة للحظر منذ نحو أسبوعين بعد مصادمات بين الجيش الأمريكي والقوات العراقية من جانب وجماعات مسلحة من جيش المهدي التابع للسيد مقتدى الصدر من جانب آخر "ان الولايات المتحدة غذت العنف في العراق عبر قصفها للاحياء السكنية والمناطق الآمنة بدعوى محاربة الجماعات المسلحة، وخير دليل على ذلك محاصرتها لمدينة الصدر وقصف المنازل الامنة فيها الامر الذي ادى الى معاناة انسانية حقيقية".

فيما يرى مواطنه حازم جبار الربيعي ( 32 عاما سائق لسيارة اجرة) " ان الامريكان ادعوا أنهم جاءوا لارساء دعائم الديمقراطية في العراق ولكن امريكا برغم ذلك اثبتت انها قوة احتلال وتتعامل مع العراق بصفتها قوات غازية محتلة".

وحتى سعد هادي (30 سنة عامل يسكن في منطقة حي الرسالة جنوبي بغداد) يعترف انه كان من المرحبين بالقوات الامريكية الا ان هذا الموقف تبدل بعد سنوات من الاحتلال الامريكي للعراق."لقد اصبت بالاحباط بعد ان وجدت خلاف ما اعلنته امريكا قبل اسقاطها لنظام صدام" يقول هادي. ويضيف ان نظام صدام قد اعدم احد اشقائه و"كنت اتمنى ان يسقط باي طريقة" لكن "الوعود الامريكية تبين بأنها سراب".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14 نيسان/2008 - 7/ربيع الثاني/1429