لا تخلو الساحة الفكرية على أختلاف مدارسها الأيديولوجية وتوجهاتها
المتنوعة من بحوث ودراسات عديدة وفي اكثر من لغة تتناول موضوع الأرهاب
الذي تفتك آفته العدمية بالكثير من دول العالم وتحرق الأخضر واليابس
على حد سواء فالبحوث والدراسات حول هذا الموضوع أكثر من ان تحصى , وهي
متنوعة تناولت وجوه وأبعاد ظاهرة الأرهاب وتاريخيتها وكل مايتعلق
بأسبابها والعوامل التي شكلت النسغ التي تتغذى منه هذا الظاهرة فضلاً
عن نتائجها وآثارها المدمرة على العالم الغربي بشكل عام والعالم العربي
والأسلامي بشكل خاص, لذلك لايبدو غريباً أن كتب أحدهم حول هذا الموضوع
خصوصاً وكل فترة يحدث تفجير هنا أو هناك يؤدي بحياة الكثير ويُشعل
عشرات الأسئلة النارية والمقالات والبحوث التي تكون بمثابة صدى للحدث
الأرهابي الذي يذهب ضحيته دائماً الأبرياء ممن لاعلاقة لهم بالصراع بين
طرفي الحرب.
وقد لاحظت في الواقع ومن خلال أستقرار ومراجعة بسيطة لما كُتب عن
هذا الموضوع ان البحوث والمقالات التي كُتبت حوله لم تتناول الجانب
الفلسفي في الأرهاب أو بمعنى أكثر دقة ومنسجمة مع بحثي , لم نر بحث
يتناول بالتحليل والدراسة سلوك الأنتحاري من الناحية القيمية الفلسفية
!!! كما سأتناوله هنا في هذا البحث, وهو جانب مهم وضروري فيه يتم تسليط
الضوء على قيمة الفعل الأنتحاري والروئ الثلاثة التي تتحكم بهذه القيمة
كما سأمر عليها تفصيلاً بعد قليل.
وقبل الدخول في أتون هذا الموضوع لابد لي أولاً من تذكير القارئ
الكريم_ من أجل الأيضاح _ بمجموعة من الحقائق التالية:
الأولى:
أن ظاهرة التفجيرات الأنتحارية ليست جديدة من الناحية التاريخية
ولكن أنتشارها الأن قد أصبح أوضح بفعل الصراعات السياسية والاجتماعية
والأقتصادية والتأويل الخاطئ للدين فضلاً عن تطور وسائل الأعلام الذي
تحول العالم بواسطتها الى قرية صغيرة.
الثانية:
أن الحضارات والثقافات الأنسانية على أختلاف منطلقاتها واشكالها
تُمجد وتحترم وتُقدر التضحيات التي يقدمها الأشخاص من أجل وطنهم ودينهم.
الثالثة:
أن هنالك أجماع عقلاني عالمي على رفض قيام الأنسان بقتل نفسه وقتل
الأخرين الأبرياء معه لأي سبب كان.
الرابعة:
أن هذه الظاهرة لاتختص بالمسلمين فقط بل أنها قديمة وقديمة جداً حيث
أشار تقرير مذهل منشور في " الأورينت برس " عنوانه " العمليات
الأنتحارية بدأها اليهود ولم تُختم بالكاميكاز " بتاريخ 26/5/2007 ,
الى انه في العهد القديم قد ورد ذكر عملية انتحارية حين قام '' شمشون
'' بإزاحة أعمدة المعبد الفلسطيني بقوته فوقع عليه وعلى مَن فيه من
العموريين الذين حاربوا اليهود وهي أولى العمليات الأنتحارية, ويرى بعض
المؤرخين أنّ العمليات الانتحارية بدأت في أثناء الحملات الصليبية
عندما قامت سفينة صليبية تحمل فرساناً أطلق عليهم تسمية " فرسان المعبد
" بالأصطدام عمداً بسفينة للعرب المسلمين فغرق بسبب ذلك 140 فارساً من
الصليبيين ومعهم آلاف المسلمين , كما قام بعض الجنود من كلا البلدين في
الحرب الفرنسية ـ الإسبانية المعروفة بحرب البيرينيه (1793ـ 1795)
بتنفيذ بعض العمليات الأنتحارية، وفي الولايات المتحدة، قام عدد من
الأميركيين من بنسلفانيا وفيرجينيا وتكساس بعمليات أنتحارية ضد الجنود
المكسيكيين في العام 1863 وكذلك فجّر بعض العساكر الأميركيين من أصل
أفريقي أنفسهم في كارولينا الجنوبية في الولايات المتحدة , وفي الحرب
العالمية الأولى، خاض الجنود الاستراليون الذين كانوا مع قوات الحلفاء
هجوماً انتحارياً في مدينة جاليبولي التركية ضد القوات التركية , كما
قام بالعمليات الأنتحارية الكاميكاز وهم مجموعة من الطياريين
الأنتحاريين اليابانيين الذين يقومون باسقاط طائراتهم بأرادتهم فوق
البوراج الأميريكية أواخر الحرب العالمية الثانية من أجل تدميرها ,
ولازال يقوم بهذه العمليات الأن نمور التاميل والغالبية العظمى منهم
هندوس..
ونتيجة لهذا يُصبح الزعم القائل أنه قد بدأ بتنفيذ العمليات
الأنتحارية المسلمون أو العرب هو أمر يخلو من الحقيقة وبعيد عن الصواب
ويفتقر الى المصداقية وعاري عن الصحة , كما أنه يدل على جهل فاضح
ومُخجل بالتاريخ وحقائقه التي ثبتت عبر العصور المختلفة التي شهدت هذه
العمليات الأنتحارية.
الخامسة:
أن الأنتحاري الذي أقدم تحليلاً قيمياً له هو من يقوم بتفجير نفسه
ليقتل المدنيين الذين ليس لهم علاقة بالصراع الدائر بينه أو بين من
يحركه وبين
أعدائه , بل حتى " هو من يقتل أعدائه ويصيب ويقتل المدنيين معهم
أيضاً ".
يتبع....
Mohanad.habeeb@yahoo.com |