أزمة الدرع الصاروخي: حرب باردة جديدة بإنتظار خليفتَي بوش وبوتين

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: مع اخر لقاء قمّة جمعهما، حافظ فلاديمير بوتين وجورج بوش حتى النهاية على صراحتهما الكاملة مع السعي الى ترك افضل صورة ممكنة للتاريخ عن الثنائي الروسي الامريكي وعن علاقة شخصية متذبذبة استمرت سبعة اعوام، مع ان نهاية العلاقة كانت غير ودّية على خلفية اصرار واشنطن الاستمرار في اقامة الدرع الصاروخي شرقي اوربا بالرغم من معارضة موسكو لذلك على اساس انه انتهاك صارخ للحدود القومية الروسية.

فطوال يومين في المقر الصيفي للرئيس الروسي في سوتشي على الشواطىء الرومنسية للبحر الاسود تنادى الرئيسان الروسي والاميركي بـ "فلاديمير" و"جورج" ورقصا معاً!!، وتنزها على الشاطىء وأعربا عن التقدير المتبادل.

وقال بوش قبل شهر على مغادرة الرئيس الروسي الوحيد الذي عمل معه الكرملين "انه لقاؤنا الاخير كرئيسين لا كرجلين". واضاف "الامر يثير الحنين. انها لحظة تذكر بان الحياة مستمرة". وصرح بوتين ان علاقته ببوش كانت دائما "مثمرة". واضاف "طالما قدرت نزاهته وانفتاحه وحضوره".

ولم يقصر الرئيسان في اثبات هذه الصراحة. فبوتين اعرب بوضوح عن رفضه المشروع الاميركي القاضي بنصب عشرة صواريخ اعتراضية في بولندا ونظام رادار فائق التطور في جمهورية تشيكيا. وكذلك بالنسبة الى توسع الحلف الاطلسي نحو المنطقة السوفياتية السابقة. بحسب رويترز.

كما تختلف الحكومتان بحدة حول استقلال كوسوفو والحرب على العراق واستخدام موارد الطاقة. لكن نظرا الى دعم الحلف الاطلسي ابان قمته قبل يومين للمشروع الاميركي واستكماله عملية توسعه امتنع بوتين عن اعتماد خطاب الحرب الباردة الذي صدر عن موسكو في الاشهر المنصرمة.

من جهته تطرق بوش الى احترام دولة القانون وهو موضوع كان يثير حنق بوتين في السابق. لكن الرئيس الاميركي تجنب هذه المرة تناول وضع الحريات في روسيا. وفضل عوض ذلك الخوض في تعاون القوتين في كل المجالات.

وسيظل الكلام الذي اعلنه بوش اثر اللقاء الاول للرجلين العام 2001 يلاحقه. فقد صرح انه نظر الى عيني بوتين و"اخذ فكرة عن روحه" ووجده اهلا للثقة.

فبعد تعرض بوش للانتقاد في الولايات المتحدة لاقامته علاقة شخصية جدا مع بوتين واتهامه بغض الطرف عن بعض الحقائق المتعلقة بشخص الرئيس الروسي وبلاده لم يحاول الرئيس الاميركي رد تلك التهم على ارض نظيره.

وصرح بوش "رأيته اهلا بالثقة وكان فعلا اهلا بالثقة" مع ترك شيء من الغموض حول ما اذا كان يقصد بوتين او خلفه ديميتري مدفيديف الذي شاطر الرئيسين العشاء السبت وعقد مع بوش اول لقاء طويل.

ولم يبق امام بوش الا بضعة اشهر في البيت الابيض حتى كانون الثاني/يناير 2009. وتجهد ادارته حاليا لتجميل صورتها للمستقبل.

ويرمي "الاعلان من اجل اطار استراتيجي" بين الاميركيين والروس الذي تم تبنيه في سوتشي الى ترتيب البيت الاميركي الروسي في شكل افضل عما كان عليه قبل اشهر رغم انه لا يحقق اي اختراق في ملفات شائكة كثيرة باقرار من بوتين نفسه.

ويتوقع ان يساهم الاعلان في تسهيل دخول مدفيديف الساحة بعدما اعرب عن نيته بذل ما في وسعه للمحافظة على العلاقة التي اقامها الرئيسان الحاليان.

وقال بوش "اوحى لي (مدفيديف) انه شاب صريح يعبر عما يفكر فعلا" وهي صفة تبدو جوهرية بالنسبة الى الرئيس الاميركي الذي اتفق مع نظيره الجديد على لقاء اخر في قمة مجموعة الثماني في اليابان في تموز/يوليو.

موسكو تتراجع عن اعتراضاتها

لم تتفق موسكو وواشنطن بشان الدرع الاميركية المضادة للصواريخ. لكن الخبراء يعتبرون ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطا اخيرا خطوة كبيرة نحو نظيره الاميركي جورج بوش عندما تجاوز اعتراضاته ليقترح العمل معا في هذا المشروع الدفاعي.

ولم تشهد سوتشي مراسم احتفال ولا التوقيع على اتفاق استراتيجي. لكن اللهجة التصالحية للرئيس الروسي تعني الكثير حول تغيير مقاربة موسكو: لقد خففت روسيا لهجتها المعارضة المتشددة ازاء مشروع نشر الدرع الاميركية المضادة للصواريخ في اوروبا الوسطى. بحسب فرانس برس.

وهذا تغيير يتوقع ان يكون اثره عميقا على العلاقات الروسية الاميركية وعلى الامن الاوروبي ايضا. وظهر المؤشر الاول للتراجع الاحد عندما أطل الرئيسان بوتين وبوش على الصحافيين غداة مادبة عشاء سادتها اجواء ودية.

واعلن الرئيس الروسي "حصلت خطوات ايجابية. استمعت الولايات المتحدة اخيرا الى مخاوف روسيا" مبديا "تفاؤله الحذر" بشان احتمال التوصل الى اتفاق.

لكن سيد الكرملين رحب للمرة الاولى بالموقف الاميركي معتبرا ان الجهود التي ستبذلها واشنطن لطمأنته بشان طبيعة مشروع الدرع الاميركية المضادة للصواريخ "مهمة ومفيدة". واضاف بوتين "وبرزت بالتالي فرصة للعمل معا ونحن على استعداد لذلك".

وفي "اعلان اطار استراتيجي" هو بمثابة استعراض لحالة العلاقات بين الدولتين ولكنه يحدد ايضا خارطة طريق لخليفي بوش وبوتين ذهب البلدان ايضا الى ابعد من ذلك مع فكرة وضع نظام دفاعي مضاد للصواريخ حيث يكون الاوروبيون والاميركيون والروس "شركاء متساويين".

ومن خلال ابداء اهتمامها بنظام دفاعي شامل اقرت روسيا للمرة الاولى بانه كان هناك فعلا خطر "محتمل" من تهديدات مصدرها الجنوب ايران والحالة هذه وانها تريد ان تشارك في الرد.

وقال المحلل في مركز كارنيجي في موسكو الكسي مالاتشنكو "لقد كرروا كلماتهم المنمقة على مسامعنا واشار الرئيسان الى ضرورة التوصل الى اتفاق" بشان الدفاع المضاد للصواريخ. واضاف مالاتشنكو "لقد فهمت روسيا انها وقعت في فخ العملية وانه لا بد من المشاركة فيها".

وراى المحلل العسكري المستقل بافل فلغنهاور ان فلاديمير بوتين قدم "تنازلا مهما". واضاف فلغنهاور "قال بوتين انه لم يكن يعارض نظاما شاملا مضادا للصواريخ".

وتسعى واشنطن الى نشر عشرة صواريخ اعتراضية في بولندا ورادار متطور في جمهوية تشيكيا لمواجهة ضربات محتملة من دول تعتبرها "مارقة" مثل ايران في حين ان موسكو تعتبر ان هذه الدرع تستهدفها مباشرة.

وكان الكرملين عرض على البيت الابيض استخدام رادر روسي في اذربيجان المجاورة لايران. لكن روسيا لم تذهب سوى الاحد الى هذا الحد من خلال القبول بالفكرة الاساسية لنظام دفاعي موسع يشمل كل اوروبا كما ذكر المحللون.

وراى المحلل لدى مؤسسة "هيريتيج" افغيني فولك ان متابعة مضمون المفاوضات بين الروس والاميركيين حرفيا "يجعل الرغبات تبدو وكأنها وقائع". وقال "ان الخلافات جوهرية ولم تتم تسويتها" مذكرا بالتحديات "التقنية" التي سيمثلها مثل هذا التعاون. وكما اعلن فلاديمير بوتين الاحد فان "الشيطان يكمن في التفاصيل".

بوش يسعى لترك بصمة على الساحة الدولية

وسعى الرئيس الامريكي جورج بوش لانقاذ ما سيخلفه من تركة على الساحة الدولية بالدفاع عن سياساته في العراق وافغانستان ومناشدة روسيا التخلي عن معارضتها للدرع الصاروخية الامريكية.

وفي اطار وضعه لجدول اعمال قمته الاخيرة في حلف شمال الاطلسي حث بوش كذلك الحلفاء على وضع جورجيا وأوكرانيا على الطريق للحصول على عضوية حلف شمال الاطلسي على الرغم من ارتياب فرنسا والمانيا من ان ذلك قد يزيد من توتر العلاقات بين روسيا والغرب.

وبدت كلمة بوش في مؤتمر قبيل القمة في بوخارست محاولة لتحسين صورة سياساته الخارجية في اطار سعيه للحفاظ على مكانته في الخارج في أواخر فترة ولايته الثانية والاخيرة.

ولكن مع تراجع شعبيته في الخارج بدرجة اكبر من تراجعها في الداخل فانه قد يجد صعوبة في استمالة زعماء العالم وهم يتطلعون لمن سيخلفه كرئيس في يناير كانون الثاني عام 2009.

ويدرك بوش ان أعضاء الحلف قد سئموا الحرب في أفغانستان ضد حركة طالبان الاسلامية وحلفائها في تنظيم القاعدة لكنه دعا الحلفاء لارسال المزيد من القوات الى هناك قائلا انهم لا يمكنهم تحمل خسارة المعركة. وقال بوش "حلفنا يجب ان يبقي على صموده وينهي القتال."بحسب رويترز.

واثارت مسألة مستويات القوات في افغانستان حيث نأت بعض دول الحلف بنفسها عن مناطق القتال العنيف تبادلا للاتهامات عبر الاطلسي ومن المتوقع ان تظل مصدرا للتوتر في قمة الحلف التي تبدأ يوم الأربعاء.

ويتهم أوروبيون بوش بانه شتت جهوده بسبب حرب العراق التي ساعدت في تكريس فكرة العمل المنفرد في الشؤون العالمية. ويقولون انه لم يول اهتماما كافيا لما يعتبرونه قتالا أكثر اهمية في أفغانستان.

وفي حين من المتوقع أن ترسم حرب العراق صورة تركة الرئاسة التي سيخلفها بوش أبقى الرئيس الامريكي على دفاعه عن الحرب المستمرة منذ خمس سنوات والتي قوضت مصداقيته مع الاصدقاء والاعداء على حد سواء.

وقال بوش ان زيادة القوات الامريكية في العراق أسفر عن تحسن أمني ملحوظ. وقال "مازال قتال عنيف ينتظرنا لكن المكاسب التي شهدناها من زيادة القوات كانت حقيقية."

لكن تصاعد القتال في الفترة الاخيرة عزز الشكوك في امكانية سحب اعداد كبيرة من القوات الامريكية قبل ان يترك بوش منصبه.

وفي حين يبدو ان العلاقات الامريكية الروسية تراجعت الى ادنى مستوياتها منذ ما بعد الحرب الباردة استغل بوش كلمته لمناشدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تبني خطة امريكية لنظام دفاع صاروخي ينشر جزئيا في وسط اوروبا.

بوتين يسعى الى اصلاح العلاقات مع الغرب

ويخطط الرئيس فلاديمير بوتين ان يبلغ قمة لحلف شمال الاطلسي ان روسيا تريد العمل مع الغرب وليس الدخول في مواجهة معه وأن يخرج من المشهد على نبرة تصالحية بعد حكم استمر ثماني سنوات اثار حديثا عن حرب باردة جديدة.

لكن بوتين الذي سيكون ضيف الشرف في القمة التي ستعقد في بوخارست لن يوجه هذه الرسالة التصالحية الا اذا لم يتحداه الحلف اولا باستغلال القمة لضم الجمهوريات السوفيتية السابقة الى صفوفه.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "حقيقة أن الرئيس ذاهب الى بوخارست نفسها.. توضح النزعة الايجابية لروسيا ورغبتها في مواصلة الحوار."لكنه أضاف "هذه الرغبة تحمل معها توقعا بأن شركاءنا هم أيضا راغبون بشدة في الاستماع الى رأي روسيا."بحسب رويترز.

ويتنحى بوتين الذي كان يعمل بجهاز المخابرات الروسية في مايو أيار. وقد اعاد منذ توليه السلطة تأكيد روسيا كلاعب على الساحة الدولية واشتبك مع الغرب بشأن قضايا من استقلال كوسوفو الى الدرع الصاروخي الذي تخطط الولايات المتحدة لنصبه في أوروبا.

واتهم في خطاب بميونيخ العام الماضي الولايات المتحدة بمحاولة فرض ارادتها على بقية العالم. وبالنسبة لمخضرمي دبلوماسية الحرب الباردة من الحضور فقد احيت نبرة بوتين الرنانة ذكريات مواجهات الماضي.

وقال فيودر لوكيانوف رئيس تحرير دورية "روسيا في الشؤون العالمية" ان الخطاب الذي سيلقيه بوتين في بوخارست سيتخذ توجها أهدأ.

وقال لوكيانوف "بوتين ذاهب الى بوخارست لالقاء خطاب مهم جدا بالنسبة له وسيعتبر ارثه في السياسة الخارجية."

"لا يريد ان يجعل ميونيخ ارثه في السياسة الخارجية. يريده ان يكون اكثر ايجابية وربما اكثر فلسفية وليس ردا على بعض افعال او اخرى للغرب."

وربما تظهر احدى الاشارات الملموسة على رغبة روسيا في العمل مع الغرب في شكل اتفاق يسمح لحلف شمال الاطلسي بالطيران فوق الاراضي الروسية للقيام بمهام امداد وتموين لعملياته في افغانستان. وربما تعرض روسيا دعما اخر يتعلق بعمليات الامداد والتموين.

وقال دبلوماسي غربي اذا لم تقف قضية عضوية اوكرانيا وجورجيا حجر عثرة في طريق الاتفاق فانه "مضمون".

وسيتعلق توجه روسيا نحو القمة على ما اذا كان حلف شمال الاطلسي سيمنح اوكرانيا وجورجيا خطة عمل خاصة بالعضوية وهي الخطوة الاولى على طريق عضوية الحلف.

وتنظر موسكو الى الدولتين على انهما جزء من نطاق نفوذها التقليدي وتقول ان عضوية حلف الاطلسي ستعطي الولايات المتحدة موطئ قدم لاحضار اسلحتها مباشرة على الجهة الجنوبية الغربية لروسيا.

وقال لوكيانوف انه اذا اعطى الحلف بالفعل اوكرانيا او جورجيا خطة العمل الخاصة بالعضوية فسيكون ذلك "بصاقا صريحا على وجه روسيا". ويقول دبلوماسيون انه في هذه الحالة فان بوتين الذي من المقرر ان يحضر جلسة مجلس روسيا-حلف شمال الاطلسي في اليوم الاخير للقمة لن يشارك فيها.

وحلف الاطلسي نفسه منقسم بشأن القضية. فواشنطن تدعم اوكرانيا وجورجيا لكن بعض الدول الاوروبية الاخرى بقيادة المانيا تقول ان الوقت ليس بالمناسب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 9 نيسان/2008 - 2/ربيع الثاني/1429