هل البعوض أفضل منا... !!!

منشد مطلق المنشداوي

وقفت بعوضتان على الشباك ووجدتا شخصاً نائماً.... فقالت بعوضة رقم (1) كم أتمنى أن أكون بشراً... بعوضة (2) ويحكِ كيف تتمنين أن تكون بشراً وهم أناس يمتصون دماء بعضهم بعضاً بدون أن يصدروا صوتاً... ونحن لا نفعل ذلك... صدقتِ... أسف على هذه المقدمة التي أقحمتكم فيها....

       على الرغم من كل ما حدث في العراق وعلى مدى سنوات الاحتلال، من غياب خطة طموحة لبناء العراق، وفي ظل الصراع التنافسي على الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من المناصب ((الكراسي)) من قبل السادة المتناحرين بالأمس أو اليوم أو الغد... وفي ظل سياسة الفوضى العارمة التي تجتاح الشارع العراقي من قبل أشخاص ملثمين ((أسف الأخوة)) حيث تنتشر في الشوارع سيارات – بيكبات - الرعب وهي تزرع الخوف في النفوس علها تفوز بكبش فداء... في ظل كل هذا، وفي ظل السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة... وفي ظل السادة نواب البرلمان الأفاضل.. الذين هم بعيدين كل البعد عن المواطن بل يكاد يكون عدوهم اللدود... وفي ظل تجار الأعضاء البشرية... وفي ظل ظهور الاحتلال بوجهه الغبي ونفوذه وسيادته على حساب كرامة الإنسان العراقي.

 وكان الواضح هو غياب الرغبة في بناء العراق، على الرغم من ثرثرة فاضحة تتحدث عن الديمقراطية وعلى الرغم من أن العراق أقدم بلد عرف الديمقراطية وذلك في زمن ملك الوركاء جلجامش في صراع الوركاء مع مدينة أوما.

ظل العراقيون ينعمون بالانسجام بين طوائف تعيش منذ فجر التاريخ، ولم تدخل في معارك أو تصفيات وإنما انتمت إلى الأرض والتراب. وتعدد الطوائف والملل يمكن أن يفيد حيوية الأمم، عندما يهيمن مشروع ما، يجند كل ذلك في زخم وتيار التنمية. وتصبح هذه التعددية كارثة في ظل احتلال والفوضى التي تسعى للتفتيت وتحقيق مصالح الطوائف على حساب الدولة وهويتها ونظامها.

وقد ساعد الاحتلال على الانقسام، وكان عليهم تحقيق المصالحة عندما وصلوا إلى السلطة للمحافظة على كيان الدولة ووطنيتها وحقوق جميع المواطنين. وقد أرتكب النظام السابق أخطاء الإنفراد بالسلطة والمحافظة عليها بالحديد والنار. وهذا الأسلوب يضعف الشعوب ويساعد على انهيارها، مهما كانت لغة الخطاب السياسي والثوري. وأن الصنم غامر بتراث شعبنا ودفعه إلى مغامرات طائشة، ومعارك خاسرة، ولم يفكر على الإطلاق بمصالح العراقيين. ولعل قمة المأساة في احتلال الكويت، مما كان بداية انهيار العراق وتعرضه للاحتلال بهذه القسوة. ما حدث ويحدث كل يوم يُعبر عن فكرة وهو الإبقاء على العراق ضعيفاً حتى لا ينهض مرة أخرى. فلماذا لا نفكر ببناء دولة المؤسسات والقانون يُحترم فيها المواطن كإنسان وحق العيش بحرية وكرامة.. بعيداً عن الفتن والقتل لحساب المصالح الشخصية أو المصالح الحزبية لهذه الكتلة أو تلك.. لتحقيق المكاسب على الأرض من خلال الضغط هنا وهناك وبشتى الوسائل، والضحية هو الشعب العراقي.. الذي أصبح في جحيم هذه الصراعات الشخصية.

انتظرنا، أن يعيد الاحتلال أو الحكومة التيار الكهربائي، أو مد خطوط مياه الشرب، أو تحقيق الأمن والاستقرار للبلد الذي يكفيه ما عاناه وعلى مدى سنوات طويلة غير أن ذلك لم يتحقق. وها نحن نشهد هذه الأيام القتال في البصرة ومناطق مختلفة من العراق، والذي للأسف مرة أخرى ذهب ضحيته المواطن العراقي والذي هو بأمس الحاجة لأن تدرس اجميع الأحزاب مصلحة هذا الشعب.. فهل ما يحصل الآن هو لمصلحة الشعب العراقي، وعلى الرغم من إننا نطلب من السيد مقتدى الصدر من إعادة النظر ببعض المندسين بهذا التيار ممن يحاولون تحقيق مكاسبهم الشخصية والذين شوهوا هذا التيار وتحويله إلى تيار دموي.. ناهيك عن المجازر التي ترتكب من قبل هؤلاء المندسين والتي هي بعيدة عن القيم الإسلامية فراح بعض ممن ينتمون لهذا التيار بطرق الأبواب مهددين الناس بالقتل إذا خرجوا لأعمالهم. 

ناهيك عن قذائف الهاون التي ننتظر وقوعها على سقوف منازلنا وفي النهاية سنكون في نشرة الأخبار القادمة وفاة مجموعة من المواطنين أثر سقوط قذائف الهاون على حي سكني ومن مصدر مجهول !!!.. فبدلاً من أن نتوجه لقتال القاعدة والتكفيريين الذين استباحوا الدم العراقي. والمستفيدين مما يحصل اليوم في العراق. وعلى كل الجهود الخيرة أن تتكاتف لتجنب الصراع الداخلي الداخلي.

       فهل تناسيتم دماء هذا الشعب وطوال سنوات عجاف مضت.. أم ماذا !!! في ظل موارد هائلة... فالعراق يصدر حوالي مليوني برميل من النفط ويزيد فأين تذهب هذه الموارد النفطية في ظل خدمات معدومة والضحية طبعاً معروف أنا وأنت... والجميع يعرف كيف أن تجار النفط  يبيعون النفط في فنادق يعرفها هؤلاء وبدون أي رقيب... يمتصون دمائنا بدون أن يصدروا صوتاً... ومن المسؤول.

       إن بلدنا في مأزق حقيقي مستمر منذ خمس سنوات، نتيجة الاحتلال الغبي، والذي لم يدرس قبل تحريك قواته خطة حقيقية للبناء، لكن عندما تفشل الدول وتنزلق إلى فوضى وحروب أهلية وطائفية، يكون خطرها أكبر ومدمر، وهذا ما لا نريده. لقد ساعدت ظروف الاحتلال وغياب خطة للبناء، تسلل تنظيم الإرهاب المتمثل بالقاعدة من الترويج لأفكاره التي تستلهم بنودها من تفسيرات في غاية الخطورة، في محاربة المجتمع المدني ومعاداة الديمقراطية والحزبية ونشر لواء التعصب. نحن في العراق بحاجة لبناء مؤسسات المجتمع المدني، لكن ربما قصور تجربة الديمقراطية أضعف الأحزاب السياسية، وهم يعرفون زعماء تلك الكتل والأحزاب أكثر من غريهم كيف كانت كتلهم غائبة, نتيجة تعرضها للاعتقال المستمر والتعذيب لسنوات طويلة من قبل أزلام الصنم. وهي الوحيدة التي تعرف الظروف التي مر بها الشعب العراقي وسنوات معانات هذا الشعب. فيحيط بنا اليأس بل يُحاصرنا من الجهات الأربعة.. ويورثنا وهنًا يكاد يقضي على ما بقي من همتنا وحماسنا.. فيمكث أحدُنا يُناجي نفسَه:

أسئلة لا تكاد تنقضي.. ولا يزيدها الواقع المر إلا إلحاحًا وإصرارًا.. ولربما كان ورودها المتكرر سببًا من أسباب القهر والضيم.. أو - يا للضعف - سببًا من أسباب الانتكاس..!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7 نيسان/2008 - 30/ربيع الاول/1429