الواقع المتردّي في قُرى كردستان وهجرة الشباب نحو المُدن

شبكة النبأ: اهمال القُرى في كردستان العراق ليس ظاهرة آنية، فقد تعرضت القرى الكردية في الثمانينات الى حملات واسعة بدءا من عمليات التهجير وحتى عمليات التصفية المعروفة بـ الأنفال. وذاك الدمار المبرمج  ترك آثار كبيرة على القرى وناسها. حيث يتجه حاليا اغلب الشباب القروي الى المدن لعوامل الجذب المختلفة التي تتمتع بها بدءا من مستوى الخدمات والمعيشة وانتهاء بمغريات المدينة واحلام وطموحات الشباب.

ما أن وصلنا قرية قسري حتى استقبَلَنا رجل في الأربعينات من عمره ماداً كفيه المفتوحتين ليقدم لنا عشبة ذات رائحة زكية " إسمها كيابند تنبت لوحدها في قريتنا " هذا ما قاله حسين، وهو موظف من سكان القرية..

تقع قرية ( قسري) على سفح جبل هلكورد في كردستان. وحسب هذا الموظف فإن الحكومة  قررت منذ ما يقرب السنة تحويل القرية إداريا الى ناحية. بحسب اصوات العراق.

تتمتع هذه القرية بخصائص مميزة فقد عمد أهلها الى حل مشكلة الكهرباء منذ سنوات  بوضع مولدات تعمل بقوة المياه، وبذلك حققوا نوعا من الاكتفاء الذاتي من الكهرباء.

 تمتلك هذه الناحية مثل الكثير من  قرى كردستان، كل ما يؤهلها للزراعة.. أراضي خصبة على امتداد النظر، مياه غزيرة، الا انها عاجزة على زراعة ما يسد حاجتها من المحاصيل الزراعية و تعتمد كأغلب القرى الكردية الأخرى على محاصيل مستوردة، ولم تعد الزراعة تشكل نشاطا رئيسيا لسكانها لأن شباب القرية ، كما هو الأمر مع معظم شباب القرى في كردستان تركوا القرية بحثا عن فرص عمل في المدينة .

درباز 21 سنة، يقدم مثالا لشباب القرى المهاجر الى المدينة. ترك قريته وصار  يبيع الخضروات في احد أحياء اربيل. قال درباز "لقد كانت قريتنا (سابلاخ )تتمتع بخدمات الكهرباء والماء قبل خمس وثلاثين سنة، بيد أنها محرومة منها اليوم مما يجعل الحياة والأنتاج فيها شبه مستحيلة ".

ويستطرد درباز " دمرت قريتنا من قبل حزب البعث وبالرغم من اننا رممناها بعد الأنتفاضة بيد  اننا ، ونحن 8 إخوة ،لا نستطيع العيش هناك الان  لأن مهنتنا هي الزراعة، وصارت  صعبة في هذه الظروف، فليس هناك دعم يذكر من الحكومة. وبالرغم من ذلك ما يزال البعض من أبناء قريتنا يقومون بزراعة القمح والشعير."

أما صباح (19 سنة)  من قرية شيراوا فقد  أضطرلترك مهنة أجداده لأن الزراعة كما يقول " تحتاج الى أمور كثيرة أهمها المصاريف، بالأضافة ألى مشكلة السوق ، فلم تعد منتوجاتنا تباع كما كانت ، لأن الا ستيراد قضى على الزراعة."بحسب اصوات العراق.

هناك محاصيل زراعية كانت تشتهر بها العديد من مناطق كردستان، فقد كانت منطقة  بازيان في السليمانية تشتهر بزراعة الرز. لم يبق من رز بازيان " سوى الذكرى" كما يقول الطالب من سكان بازيان سربست17 سنة "لم يبق في بازيان من يزرع الرز للتجارة، إنما أصبحت زراعة الرز حكرا على عوائل محدودة، وتزرعه لأستهلاكها الشخصي وليس للبيع." و يعلل سربست سبب ذلك بـ "أن زراعة الرز تتطلب موارد و أيدي عاملة ،والحصص التموينية بالرغم من سوء نوعيتها، أثرت على بيع المحاصيل الزراعية، فهي تستورد  بدلا من تشجيع الزراعة في كوردستان."

وللعم حسن ( 52 سنة) رأي أخر "كنا أيام زمان نعمل و نكافح و نقضي الأشهر في العناية بالزرع ،ولكننا لا نفعل اليوم غير الجلوس في المقاهي ، فأبنائي صاروا يأخذون رواتبهم من الدولة ولن  يقبلوا بالعودة الى الزراعة ." ويبدي العم حسن، استغرابه ساخرا "حتى الرجال العاجزين  أصبحوا يقبضون رواتب بأسم (الشيوخ)((بياوماقول)) لقد تعلم اولاد القرية الكسل."

لا ينطبق (الكسل) على الجميع، فهناك العديد من ابناء القرى الذين لم يستغنوا عن قريتهم  ووجدوا حلا في التوفيق بين القرية والمدينة، وكما يقول العم قادر من قرية (برانتي) "بالرغم من كل الصعوبات، الا انني ما أزال متمسكا بالعيش في قريتي وسخرت كل امكانياتي  لزراعة ارضي، ورغم أن أبنائي طلبة يدرسون في المدينة ،الا أنهم يساعدونني حسب الامكان."

أما رسول، وهو طالب جامعي في المرحلة الثانية من كلية الاداب قسم الأعلام من قرية (قاديانا)  فقال "تركت قريتي (قاديانا)  وتزوجت وأقمت في اربيل كما معظم الشباب في قريتنا... لكن هناك الكثير من الشباب الذين يعملون في المدينة و يعودون للقرية ليصرفوا ما قبضوه من نقود."

عضو اللجنة في الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي أشرف لفترات متفاوتة على القرى في منطقة "باسرمة" ظاهر سليم قال "لقد اصبح الشباب يتركون كردستان كلها فما بالك بالقرى." وفسر سليم  السبب بـ " قلة الخدمات كما انه لايوجد في الكثير من القرى مراحل متقدمة من المدارس , ناهيك عن أن الزراعة لم تعد عملا ذا قيمة، أذ حل الأستيراد محلها، حتى ان باقة الكرفس اصبحت تأتينا من تركيا."

وأشار سليم ألى أن "هناك الكثير من المتع  في المدينة بحيث لا يمكن للشاب القروي الأستغناء عنها ،فلذلك يهاجر القرية طامحا الى حياة افضل."

أيوب عبدالقادر32 سنة مزارع من قرية داربند  يحيل الأمر الى ارتفاع تكلفة الأنتاج الزراعي مما يجعل المزارعين يتراجعون عن زراعة أراضيهم أو يؤجرونها للأغنياء. خلال  السنتين الأخيرتين أصبحنا لا نقدر على زراعة أكثر من نصف  أراضينا بسبب غلاء اسعار الوقود و السماد " ويضيف عبد القادر "لقد كانت  في قريتنا 200عائلة ، أغلبها تزرع اراضيها، ورغم أن العدد زاد الى  ما يقارب 350 عائلة، لكن عدد الذين يزرعون اراضيهم لا يزيد عن 15عائلة".

تقول الباحثة الاجتماعية تارا 35 سنة، بان  هناك "اسباب كثيرة" وراء ترك الشباب القرية للعيش في المدينة  "فالمدينة توفر الوظائف والأعمال السهلة مقارنة بالعمل الصعب في الزراعة ، ناهيك عن الجاذبية التي تتمتع بها المدينة بالنسبة للشاب القروي."

المدير العام للتخطيط في وزارة الزراعة أنور عمر قادر يقلل من سوء الوضع ويقول "أن تدني الأنتاج الزراعي ليس بالسوء الذي يبدو عليه، ففي جرد اجريناه و استغرق سنة 2007  كاملة،  تبين لنا أن نصف الموجود في السوق من الطماطة هو من الأنتاج المحلي، ونفس الحال بنسب اقل بالنسبة للباذنجان والخوخ ، ولكن هناك بعض العراقيل مثل عدم امكانية الخزن و عدم وجود بيوت بلاستيكية ".وأضاف "أننا نستعد لطرح خطة خمسية للزراعة بحيث نسهل عملية الأنتاج الزراعي".

دمار القرى في كردستان ليس ظاهرة آنية، فقد تعرضت القرى الكوردية في الثمانينات الى حملات واسعة بدأ من عمليات التهجير وحتى عمليات التصفية المعروفة بالأنفال ."  ذاك الدمار المبرمج" كما قالت باحثة اجتماعية "ترك آثار كبيرة على القرية وناسها."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  5 نيسان/2008 - 28/ربيع الاول/1429