البصره... رئة الجنوب

حيدر شامان الصافي

البصرة البوابة البحرية الوحيدة للعراق وثاني أكبر مدنه، ومصدر نحو 90 في المئة من احتياطاته النفطية التي تبلغ حالياً نحو مليوني برميل يومياً، إضافة إلى ثلاثة حقول عملاقة بطاقة إنتاجية تزيد عن مليوني برميل يومياً إضافية اكتُشفت ولم تطور بعد، هي حقل مجنون وحقل غرب القرنة وحقل نهر بن عمر. وتشكل هذه المعركة فاصلاً مهماً في تاريخ البصرة الحديث، وتاريخ صناعة النفط العراقية ومستقبلها.

لقد نالت البصرة نصيبها من الدمار، مقارنة ببقية المدن العراقية، أثناء الحرب مع إيران طوال عقد الثمانينات من القرن العشرين، إضافة إلى الوهن الذي أصاب محافظات الجنوب وبقية المناطق العراقية في التسعينات نتيجة للحصار الدولي ضد العراق. ومن الطبيعي، مع قربها من ساحات المعارك الضارية، ان عملية تطوير الصناعة النفطية في المحافظة توقفت خلال ذلك العقد، ناهيك عن الإصابات المدمرة التي حلت بالكثير من المنشآت النفطية.

وما الدمار الذي لحق بميناء الخور العميق، إلا مثال على حجم الخسائر التي لحقت بالمنشآت النفطية في تلك المنطقة الإستراتيجية.

ومنذ وقوع العراق تحت الاحتلال في آذار (مارس) 2003، أصاب المنشآت النفطية في البصرة ما أصاب بقية المصانع في العراق، خصوصاً عمليات النهب والسرقة والتهريب والتخريب. فقد سُرقت مصانع بأكملها، قطعة قطعة، خصوصاً مصنع تنقية مياه كرمة علي الذي كانت تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 130 ألف برميل يومياً، وبسبب نهبه وسرقته توقف حقن المياه في كثير من الحقول الجنوبية لفترة طويلة، وانخفض الإنتاج النفطي العراقي بسبب ضعف الضغط نتيجة لذلك.

وبسبب الفوضى التي سيطرت على شوارع البصرة وأحيائها في السنوات الخمس الأخيرة ، هاجر كثير من المهندسين والخبراء العراقيين النفطيين إلى الخارج، حفاظاً على حياتهم وحياة عائلاتهم، بعد اغتيال نحو مئة مهندس وخبير نفطي عراقي منذ وقوع العراق تحت الاحتلال، وكذلك اختطاف العشرات الذين لا يزال مصير بعضهم مجهولاً.

ومن اللافت ان معركة البصرة تدور في وقت استعاد النفط أولويته في الأجندة العراقية، إذ تعقد في العاصمة الأردنية عمان، مفاوضات بين وزارة النفط العراقية وشركات النفط العالمية الكبرى لتحسين الإنتاج من حقول عملاقة، أهمها في البصرة والمناطق المحيطة بها. ومن الطبيعي ان يضعف موقف الحكومة العراقية في المفاوضات مع الشركات، حتى لو انتصرت الحكومة عسكرياً في معركة البصرة، لأن الشركات سترفع في وجهها ورقة فقدان الأمن في الجنوب، وستطلب ثمناً لذلك من خلال تحسين شروطها، علماً ان هذه الاتفاقات تمتد لسنوات عدة.

 وأحالت الحكومة مسودة قانون النفط إلى البرلمان في دورته الحالية لمناقشته والتصويت عليه، على رغم وجود شك كبير في ان يحصل القانون على الأصوات اللازمة بسبب الخلافات حوله.

ان لتوقف الإنتاج والتصدير من البصرة انعكاسات عالمية. فارتفاع سعر برميل النفط من 90 دولاراً إلى نحو 109 دولارات خلال يوم واحد لم يكن بسبب انفجار خط أنابيب واحد تبلغ طاقته نحو 800 ألف برميل يومياً، فالأسواق العالمية قلقة من استمرار القتال لأيام وتوسع رقعتها، كما ان الخوف هو من احتمال حدوث انفجارات أخرى قد توقف تصدير النفط كلياً (1.50 مليون برميل يومياً من الجنوب).

 رئيس أبحاث أقدم

مركز أبحاث الاهوار-جامعة ذي قار

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 2 نيسان/2008 - 25/ربيع الاول/1429