كيث موريسون روح جامايكا الساخرة

أحلام أفريقية تقرع اجراس الفن الامريكي المعاصر

تحقيق: محسن الذهبي- بريطانيا

شبكة النبأ: كيث موريسون، هو عميد كلية الفنون الابداعيه في جامعة سان فرانسيسكو، الفنان التشكيلي واالبرفسور الجامعي والناقد الادبي والمربي والممثل الساخر في مطلع شبابه. 

ولد في جامايكا في 1942 الا انه عاش في الولايات المتحدة لسنوات عديدة بعد ان انتقل اليها مهاجرا عام 1959  ليدرس في معهد الفن في شيكاغو ويقيم هناك، ومثل العديد من الفنانيين الذين يعيشون في أمريكا من اصول عرقية متنوعه، يظهر اهتمامه الواضح بالقضايا الخاصه بانتماءه في البحث عن هوية ثقافية تميز ميراثه الزنوجي، ومحاولة ايجاد حلول لهوية الاندماج في المجتمعات الجديدة، دون التفريط بالهوية المحلية عبر لوحات فنيه مرتجلة الصور تترنح بين الذاكرة والخيال، ورحلة اللغز، والرموز الخاصة، وخلق اشارات تصور الطبيعيه والحياة والانسان، المستقات من ثقافتة الكاريبي المحلية، وأجواء افريقيا وامريكا الحضريه. لمعالجة الوضع الانساني الهش.

 ان شخصية (كيث موريسن) النادرة  اتت مشبعه بتلك الاجواء المزدهرة بالقص والحكايات والاساطير والاغاني التي تصور حياة الانسان بشكل ساخر، فحتى الموت كموضوع مميز ومتكرر في لوحاته يشكل جزء من تلك السخرية والفكاهة لكنه هزو يحترم الموروث ويبعث على الحنين وكأنه يقابل النقد المر ليشكل اساسا لنمو الفنان الرؤيوي.ان اعمال(موريسون) الفنية تقدم للمشاهد رحلة يتمتع فيها  ويشعر بسحر الشتات الافريقي.

انه يحاول ايجاد تفسير للظواهر في تلك المناطق من العالم وهو استكشاف بشكل فعال من خلال مساعيه استخدام الذاكرة لسرد القصص عن حياة القرية والممارسه الدينية والسحر.  فهويعمل لاعادة خلق الاسطوره والخرافه التي تم تحويلها من الشفوي الى العرض المرئي.  هذه الاشغال اعادة ذكريات الطفولة من الممارسات الدينية. 

ففي لوحة "الأناشيد الزنجيه" يصور الفنان، امرأة في حالة هيجان على سطح الكتاب المقدس المفتوح ان وهذه الشعائريه والارقام التي تذكرنا بالعلاقة بين الديانات الافريقيه والاوروبية المسيحيه.. فالثقافة الشعبية – غير الاوربية – منبع للطاقة الجمالية غير المكتشفة في حكائيتها واساطيرها مما شكل ظهور نوع جديد من الثقافة تحترم الماضي وتفتح نوافذ متعددة للاثراء الفني. فلوحاته تذكرنا حتما باعمال الكوبي (اليخو كاربانتيي) و الكولومبي (جابرييل جارسيا ماركيز) وغيرهم من روائي و كتاب امريكا اللاتينة بما يطلق عليه (الواقعية السحرية) عبر اختصار الرسائل الى محض اشكال وتحويل الرمز الى واقعية مادية بينما تتسع الذات الى تراكمات عديدة الاوجه بين ماضي بعيد موغل في البعد والسحر والجمال وبين واقع يومي ماساوي معاصر ومعاش. ان اعماله يسودها شيء من الذهول في البدء لكنه سرعان مايدرك النشوة في استحضار الذاكرة وامتلاك الحرفة لخلق اسلوبية متميزة  فيهجر لوحاته المائية للطبيعة الصامتة وازهارها والدخول لعالم الاسطره والرمز.

ان (موريسون) يعترف بان الفنان الاسباني العظيم (فرانشيسكو جويا) قد ألهم الكثير من خلال اعماله الذي صور في لوحاته الكوارث وفضائع الحرب بأسلوب عنيف، كما رسم لوحات اخرى مليئة بالخيال والاثارة والرعب لم يخفف منها سوى لمساته الفنية الرائعة وملاحظاتة الواقعية وخاصة اخر اعماله التي اصبحت اكثر تحررا وابهار.  

هذه المصاهره مع جويا يجوز ان ينظر اليه في  استخدام الهجو المروع في عمله، ومواضيع الموت والكوميديا والتي غالبا ما تجتمع على شكل الاستعارات الثقافيه.  فلوحات الفنان تبدوا في بعض الاحيان تذهب الى اجواء تصل حد البكاء بينما  في أحيان أخرى الى حد الضحك معه. ففي لوحته (امشي كما يمشي المصري) تبرز استخدامه لرموز الثقافة الفرعونية فهو يجسم التماثيل والانصاب والدمى وكأنها ارواح تحاول الانبثاق للتذكير بالماضي السحيق وفلسفة الحياة في تلاحق الازمان او تبكي عليه ويتكرر ذلك في العديد من اعماله.

 فيما المجازي التمثيل يشكل عنصرا اساسيا في رسومه، انه يتجنب الواقعية.  في حين ان هناك نزعات سريالي في عمله، واحساسه الخيالي هو الاساسي واكثر تحديدا في مجال الحركة. كما  في السريالية لكنها ابعد في استجلاء الروئيه الروحية. 

انه يعتمد على قوة معينة لصورة أبلغ  فهو مقنع يحقق باسلوبه الاستثنائي لتصوير الهدف.  ونتيجة لذلك، فقد قدم عددا من الصور التي تعكس نشاط يشمل جوانب وكأنها من الحلم، وبلغة جديدة من علامات ورموز فهي جزءا من رؤية رسام متمرس  يبرع في تفسير ذلك الحلم.

ان المنتج من يقظة تلك الاحلام هو اندر ما يمكن ان يحققه الفنان في تصوير تلك المبالغة الواعية، فالصورة لديه تبدوا وكانها متوقفه في مسارها الذهني الى العين، ان الاجسام مرسومه بكثافة تجذب الانتباه اليها والتركيزعليها. وكما اقترح (فرويد) فالحلم لايفارق الوعي بالذات، بل هو نموذج حقيقي للحياة العقلية.

وهذا مانجده في اغلب اعمال الفنان مع فارق مميز واحد هو ان (موريسون) يؤدي نظريته بصورة رياضية تتسم بالفكاهة، فهو مرتجل للصور التي تتراوح بين الذاكرة والخيال المرمز باشارات وثقافة الكاريبي وافريقيا وامريكا الحضرية.

لقد كان (موريسون) مسحورا بالموسيقى الافريقية الضاجه بالاصوات مما انعكس على شكل اعماله فهو يؤكد ذلك بقوله في احدى محاضرته عن الفن والاثنوغرافيا:(احاول ان اظهر صدى الموسيقى بشكل مختلف وفق ثقافتي الافريقية، في عدة لوحات استوحيت الموسيقى بوصفها موضوعا).

لقد صور في لوحته (الف ليلة في تونس) استيحاءه لموسيقى الجاز والبلوز والابواق والطبول الافريقية بسرد تفاصيل فولكلور السكان الاصلي بينما تأخذ البيانو الجانب الابعد من اللوحة فيما يظهر الافارقه باجسام صغيرة ساكنة صحبة الببغاوات.

اضافة الى اعماله ومعارضه المنفردة في اكبر المتاحف وصالات الفن بالولايات المتحدة الامريكية تعد كتاباته النقدية في تاريخ الفن ومفهومه مرجعا للباحثين فقد قدم مقاربة مهمه في بحثة عن (بدائل من قبل الفنانيين السود)، وكتب عن الفن والاثنوغرافيا، والفن والهوية، مثلما قدم عشرات المقالات والكتلوكات لاهم المعارض والمتاحف العالمية ولعل اطرفها كتابة (افاق على فن غوغان والدعابة العنصرية). واعتزازا بفنه فقد اختير ليمثل بلده الاصلي جامايكا – كأبرز فنانيها – في بينالي فينيسيا عام 2001.

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 2 نيسان/2008 - 25/ربيع الاول/1429