ثقافة القتل مرض اجتماعي…أم ضرورة مرحلية

عباس النوري

 الحلول السياسية أم الحلول العسكرية؟ تسعى دول العالم لفض النزاعات عبر الوسائل الدبلوماسية والطرق السياسية ووفق القانون الدولي. قد يخون البعض التعبير، ويحاول تبرير الأمر بأن ذلك يتبع في دول متحضرة تتبع الأسلوب الديمقراطي…وليس قانون الغاب.

هل القتل مرض اجتماعي مزمن، وكيف لنا التعامل مع الصعوبات والأزمات وإن كانت مستعصية أو شيه مستحيلة. هل التعامل والتوصل لحلول ولأهداف خاصة أو عامة يكون من خلال القتل ولا يمكن التفكير بطريقة أخرى.

هل أنه موروث تاريخي لا يمكن للعراقيين التخلص منه بسهولة، ولذلك علينا الرضوخ للأمر الواقع. وهل أن الغزوات بين القبائل وأسلوبها لم يتغير…فقط تغيرت الأسلحة وأنواعها لتحصد أرواح أكثر. هل أن معنى الجريمة في العراق مصاحب بإطار وألوان تغير من أثرها السلبي لتعطي معنى مقبول عوض أن يكون مرفوض ومحارب. هل أننا تطبعاً على حلاوة القتل والتلذذ به ومن الصعب إيجاد منفذ أو مفر من أثره المتسلط والمتوارث عبر الأجيال وعصور الظلام.

لو نظر مراقب غير عراقي لأكثر ما كتب خلال الفترة الحرجة منذ قيام الحكومة العراقية بتنفيذ عملية الفرسان في البصرة للقضاء على مسلحين ومجرمين وقتلة وعصابات تهريب وخطف ومافية المخدرات…وما إلى ذلك من مقترفي الجرائم الكثيرة بحق أبناء البصرة. وما كان يؤثر على سياسة الدولة واقتصادها من تهريب النفط وتعطيل التطور الأعمار وبناء المؤسسات للحكومة المحلية التي تتصارع على قيادتها أحزاب متنوعة. أو للوقوف بوجه التدخلات الأجنبية لكن على حساب أرواح العراقيين. أي صورة يبدأ يرسم في مخيلته، وكيف له أن يبرر التهجم على الرسول الأكرم (ص) بسبب رسوم كاريكاتيرية…أم يبدأ بالدفاع عن من أصاب الهدف ليعبر عن من يحاولون أن يكونوا جزءاً من الأمة، لكنهم يمارسون أبشع الجرائم…ومثقفيهم يبررون صد الجرائم وبجرائم مثلها أو أبشع. أي صورة ينقلها لقرائه والمجتمع الذي يؤثر فيه.

فبعد تحويل العملية من خلال الإشاعات المقصودة وغير المقصودة بأن العملية العسكرية بقيادة القائد العام للقوات المسلحة تستهدف جيش المهدي وتطورها أكثر بأنها تستهدف التيار الصدري…وما أدى تلك الإشاعات من نقل الصراع العسكري لمناطق كثيرة في الجنوب والوسط…وراح ضحيتها مئات وعدد مضاعف من الجرحى وكلهم عراقيون…والمراقب يلاحظ الكم الهائل من الدعوات للقتال والاستمرار بالقتل والتحريض من أجل خلاص العراق من جيش المهدي…وتسميتهم ببقايا فدائي ((صخام)) وحزب البعث…وفي كل مرة يكون هناك مشكلة وصراع..فيتهم الجانب بارتباطه بالبعث والقاعدة…فيقولوا أن جيش منظمة بدر هم من التوابين…أي أفراد الجيش العراقي الذي وقع في الأسر أبان الحرب العراقية الإيرانية وتابوا من فعلتهم وأصبحوا في صف المجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية العراقية – بدعم إيران طيلة أكثر من عشرون عاماً. وإذا كان هناك صراع بين جبهة التوافق أو الحزب الإسلامي العراقي أو الطرف السني بشكلٍ عام…أصر البعض الكثير أنهم أتباع ((صخام)) وحزب البعث المنحل.

وحزب الفضيلة ورئيسها يعد من البعث…والبرلمان مملوء بأعضاء بعثيين…والجيش العراقي أكثر قواده بعثيين، ووزير الأمن الوطني بعثي، ووزير الداخلية بعثي والشرطة فيهم بعثيين كثيرين…وهلم جر حتى أن الرئاسات الثلاثة لم تكن يوماً بعيدة عن هذه الاتهامات.

ولا أعرف كيف يمكننا التخلص من هذه الظاهرة، هو أنه في كل مرة يحدث أمر نربطه بالبعث والنظام البائد…هل هو هروباً من الحقيقة والمسؤولية؟ أم أن الحقيقة مازال الكثيرون مصممين على رجوع البعث للحكم والسيطرة على الشعب العراقي ويروجون له بهذه الطريقة. وأن جميع الأحداث الغريبة التي مر بها العراق خلال الأعوام الخمس الماضية كانت بتخطيط مسبق من النظام البائد…أي عبقرية شيطانية كان يملك ذلك النظام المجرم والمستمر في جرائمه..لأي بعد وزمن لا يعلمه أحد…أو يمكن أن يحدده.

والأمر العجيب أن أكثر المثقفين كتبوا في هذه الأيام العصيبة يطالبون الحكومة بالقضاء على جيش المهدي والتيار الصدري، وهم يعلمون بأن عدد العراقيين المحسوبين على التيار الصدري يفوق الخمس ملايين عراقي، وعدد أعضاء جيش المهدي يقدر بمليون شخص. وهم لا يعلمون أن المالكي نفسه محسوب على التيار الصدري، فهناك تيار صدري أسس منذ نهاية الخمسينات وكافح رجاله ومخلصيه وبقوة  البعث ومن وقف ورائه من دول وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية لأنها كانت ترعى الولد المدلل الذي لم يلد العصر مثله طاغية، ففي مطلع السبعينات حتى سقوط الصنم…ولو أن الأدوار تنوعت وأختلف أسلوب الصراع وذلك التيار كان بقيادة محمد باقر الصدر وأفكاره وتابعيه والمقربين منه. وهناك تيار صدري قاده السيد محمد صادق الصدر الذي بدأ بصلاة الجمعة…حتى نقل لولده مقتدى الصدر…والتيار الصدري الجديد له نشاط سياسي وقد شارك في العملية السياسية، وله نشاطات كثيرة في المجال الاجتماعي من تقديم المساعدات…وكانت له قوة كبيرة لحماية المواطنين في مناطق عديدة… وله مشاركات سياسية اجتماعية عسكرية وفي بعض الأحيان بطلب من وزارة الداخلية للقضاء على الإرهاب.

وقد لا يعرف المثقفون الكرام…أن مرادهم من القضاء على جيش المهدي فهم يدعمون عملية قتل جماعية لعدد يزيد عن مليون مقاتل قبل بالانضمام لجيش المهدي لأسباب كثيرة ومتنوعة منها العقيدة..وأخريات ما بين العوز والشعور بالظلم..فهل أن مرض القتل المزمن الاجتماعي المتواجد بين جزئيات من المجتمع العراقي لأسباب التخلف والتواجد في عصر الظلام أنتقل لبعض المثقفين…أم أنه كان من الأجدر بهم التطلع لحلول سياسية، أو أي حلول أخرى يحقن فيها دماء العراقيين.

مع علمي أن المثقف يتحلى بمواصفات كثيرة معتمداً على الأخلاق الحسنة في التعامل وإصدار الحكم…ولا يتعصب لجهة بل يفضل أن يحتفظ باستقلاليته، ويختلف عن السياسي والعسكري بأمر مهم للغاية أن المثقف يدافع بكل ما أوتي من قوة عن حقوق الإنسان ويطلع لحياة أفضل هدفها السلم والأمان، وهما مناقضان للحرب والعنف بكل أشكاله… حتى في حالة الاعتداء العسكري من دولة جارة أو شقية فهناك من المثقفين يرون أن الابتعاد قدر الإمكان عن المجابهة العسكرية أمرٌ ضروري لتفادي المواطنين آثار الحرب. إلا المثقف الذي يكون في ركب صاحب القرار ويعد من وعاظ السلاطين وينسى هموم الناس. أو الذين لديهم انتماءات خاصة وعقد فكرية وعقائدية يحاولون تفريغها للنيل من كل من يخالف توجهاتهم. أو أصحاب العقد النفسية للبشر ومعنى الإنسانية. أو الذين يتقاضون مبالغ مقابل كلمات حمد وشكر وثناء… وضرب بكل الألفاظ الطرف الآخر…وليس في حساباتهم ثمن الأرواح وعددها لأنهم لا يعرفون ما معنى الموت والحياة فهاتين الكلمتين ليس في معجم القواميس التي يراجعونها قبل الكتابة.

الكل يسعى للأمن والأمان ودولة القانون لكن بأي ثمن…وهل لو كان زهق أرواح مليون إنسان أو أكثر…هل يحسبون أن أسباب الصراع والقتل معلوم وواضح ليتخذ البعض القرار ويوجه سهام كلماته لجهة معينة متناسياً الجهات التي كان يرميها بالأمس. مع أن صاحب القرار وقائد الحملة تبين أرحم منهم، فأعطى الأمان لكل من يلقي السلاح وأكثر حين قال عدم تعرضهم لأي مسائلة قانونية…فهل تدفعونه لارتكاب القتل الجماعي، وهل تريدون خلق دكتاتور جديد على غرار الجلاد المقبور…أم حبكم للدماء..له دافع ذاتي وقوي.

هل سيطرت ثقافة القتل على عقول وكلمات ومشاعر وأشجان المثقفين أيضاً، في حين كانوا بالأمس ينتقدون ثقافة قطع الأعناق أم أنهم يتبعون المقولة (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) ويؤمنون بها بعد تفسيرهم الخاطئ لمضمون المقولة، ويدافعون عن ظاهر القول لكي يكونوا عوناً لمن يزهق الأرواح وبأعداد كبيرة ويفسرونها على أساس أنها تختلف عن قطع الأعناق. وصحيح أنهم منادون ضد الجريمة، جريمة القتل والنهب والسلب والخطف والتهجير وتهريب النفط والمخدرات والسلاح…فكلها جرائم يوجب الوقوف ضدها، لكن السؤال هل تقابل الجرائم والمجرمين بنفس الأسلوب والطرق والوسائل…وحيينها ما الفرق بين المجرمين ومن يحاولون القضاء على الجريمة.

في زمن المعارضة للنظام البائد كان أكثر الكتاب يعترضون على أساليب القمع والقتل ومجابهة الأحداث بالقوة العسكرية وبلا رحمة…هل تغير رأي بعضهم لأنهم ينتمون لبعض عناصر الحكومة وتحول حسهم الإنساني لنوعٍ مخالف ومختلف.

أنني أطالب بحلول قانونية وسياسية وحلول فض النزاعات بالطرق السلمية وبكل ما هو ممكن ما عدى استخدام العنف. وأنني مع نزع السلاح وبكل أنواعه من المواطنين جميعاً دون قيد وشرط ومن واجب جميع القوى السياسية دعم عملية وحملة نزع السلاح. وعلى أسس قانونية صارمة ووضع خطط لحملة واسعة في كل أرجاء العراق. وأن أي حزب أو تيار يحاول بطريقة وأخرى إيجاد التبريرات للدفاع عن النفس أو حماية مقرات أحزابهم ومكاتبهم، فيجب على الدولة توفير الحماية لتلك الأحزاب عن طريق الجيش العراقي والشرطة والمؤسسات الأمنية الحكومية.

لكن وضع مصائر الناس العزل بأيدي مسلحين ينتمون لجهة دينية، قومية، مذهبية أو عرقية لسبب وآخر هو خلاف لأمن وسلامة الوطن والمواطن. وبالتالي أي اعتراض على عملية نزع السلاح بشكل كامل وشامل من جميع المواطنين يعد من أهم إستراتيجيات الأمن الوطني والقومي ويهيأ الأجواء المناسبة للتقارب مع المحيط الإقليمي وتقبل المجتمع الدولي لعراق مسالم يؤمن بالعملية السياسية السليمة والسلمية…وتتغير وجهات نظر المراقبين الذين ينظرون لنا نحن العراقيون بأننا أكلي لحوم البشر…ومصاصي الدماء…وتسقط ادعاءاتهم بأن الإسلام أنتشر بقوة السيف ليس إلا، وأن الديمقراطية لا يمكن تطبيقها إلا بقوة السلاح المتطور القادر على قتل الكثيرين دون رحمة ورأفة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 2 نيسان/2008 - 25/ربيع الاول/1429