يعتقد البعض بان المؤتمر الثاني للقوى السياسية العراقية لدعم
المصالحة الوطنية الذي انعقد في قصر المؤتمرات ببغداد للفترة (18/19
آذار مارس 2008م)، تحت شعار "معاً لوحدة القوى الوطنية لتحقيق الأمن
والإعمار واستكمال السيادة" قد انفض مولده بلا حمص، ومؤشر هؤلاء، أن
المؤتمر بعد يومين من الاجتماعات في أربع ورشات عمل انتهى من دون بيان
ختامي.
هذا المؤشر سمعته من الزعيم الروحي والسياسي لحزب الفضيلة الشيخ
محمد اليعقوبي عندما سألني في مكتبه في حي الزهراء في النجف الأشرف يوم
23/3/2008م عن رأيي بالمؤتمر بوصفي احد المشاركين فيه، وهو تصور مشروع
ومعقول لأن العادة أن يكون لكل مؤتمر بيان افتتاحي وآخر ختامي، فقلت
له، إن عدم صدور بيان ختامي هو أحد معالم قوة المؤتمر ونجاحه، وأضفت:
فلو كان المؤتمر قد خرج ببيان ختامي لحكمت عليه حينئذ بالفشل، ولقلت
وقال غيري أن البيان معدٌّ سلفا. فاستغرب الشيخ اليعقوبي من جوابي،
فبادرته بالقول: إن ورشة "القوى الميدانية .. الدور الأمني والسياسي"
التي عقدت في صالة الدائرة الإعلامية لمجلس النواب العراقي، والتي
أدارها النائب علي الأديب، وهي الورشة الأكبر التي ضمت ما يزيد على
مائة شخصية أكثرها قادمة من مدن الأنبار وديالى وجنوب بغداد وكركوك
والموصل، وهي الورشة الأكثر صراحة في عرض المقترحات والتوصيات، هذه
الورشة لوحدها وضعت بين يدي الحكومة أكثر من ثلاثين ورقة عمل وتوصية،
ومثلها أقل أو أكثر في الورش الثلاث الباقية، ولا اعتقد أن من المناسب
قراءة أكثر من ثمانين ورقة عمل وتوصية خلال فترة الغذاء ثم إصدار بيان
ختامي على ضوئها، ولذلك وعد المسؤولون بقراءة الأوراق المقدمة بدقة
ومسؤولية ثم تنسيبها إلى الجهات المعنية.
فالمؤتمر الذي بذلت وزارة الدولة لشؤون الحوار الوطني بوزيرها
الدكتور أكرم الحكيم جهدا استثنائيا في استقطاب شخصيات مختلفة المشارب
والهوى من داخل العملية السياسية وخارجها، كان مؤتمر كشف نوايا وفتح
سرائر، فالحواجز النفسية داخل قاعات ورش العمل ذابت تحت شعلة المصارحة،
وكل أدلى بدلوه من مؤيد للعملية السياسية أو معارض، وهذا ما لم يعهده
العراق من قبل، ولو كان عشر الذي يحصل اليوم في العراق الجديد قد حصل
في العهد البائد، لربما عاش العراق في خير، ولكن النظام كتم الأنفاس،
ولم ير العراق إلا من خلال ذاته وأنانيته، ولذلك فان الحرية التي
يعيشها العراق اليوم والتي يجهل البعض قدرها وعظمتها هي نعمة إلهية ما
بعدها نعمة.
وبدوري كإعلامي ومراقب سياسي قدمت للمؤتمر بعض التوصيات، ومثلها
قدمتها إلى ورشة عمل أقامها تحالف نساء الرافدين في فندق الرشيد ببغداد
يوم 20/3/2008، حول دور المرأة في المصالحة الوطنية، برئاسة السيدة
انتصار الجواهري، قلت في التوصية:
من الثابت أن الشباب هم النسبة الأكبر من بين قطاعات الشعب العراقي،
ولذلك فهم يشكلون محيطا اجتماعيا واسعا وعميقا، واستيعاب الملايين من
الشباب وأغلبهم عاطل عن العمل، من مسؤولية الحكومة، بحاجة إلى مشاريع
نهضوية عملاقة لسد نوافذ تسرب الشباب إلى مسارب خطيرة على مستقبلهم
وعلى مستقبل السلم الاجتماعي، واعتقد أن بعض الحلول المستعجلة قادرة
على تقويم أي اعوجاج في مسيرة المجتمع وبخاصة طبقة الشباب.
أولا: إعطاء دور أكبر لوزارتي التربية والتعليم العالي في خلق دورات
وكورسات وورشات عمل في حقول شتى لتطوير مهارة الشباب نساءاً ورجالاً،
وعدم الاقتصار على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وبذلك يتم تغذية
المجتمع بطاقات بشرية فاعلة من حيث الشهادة العلمية والكفاءة العملية.
وهذا يستدعي الاستفادة القصوى من المؤسسات التعليمية من مدارس ومتوسطات
وإعداديات، وحتى جامعات وكليات، وبناء المزيد.
ثانيا: تفعيل قانون شبكة الحماية الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي،
وتطبيق ما كان قائما في ديوان بيت المال في العهد الإسلامي الأول،
والذي تعمل ببعض بنوده عدد من الدول الغربية، لتشمل الحماية كل مواطن،
ولا تقتصر على المتعفف أو العاطل.
ثالثا: تفعيل الأداء الأمني الجماهيري من خلال تشكيل لجان شعبية في
كل دائرة انتخابية تكون بمثابة الرابط بين مركز شرطة الدائرة وسكانها،
وتقوم هذه اللجان عبر اجتماعات منتظمة أو غير منتظمة بنقل تصورات
الشارع إلى الأجهزة الأمنية وبالعكس وبالتالي يتم عملياً إضفاء طابع
الرسمية على اللجان الشعبية والصحوات القائمة اليوم في بعض المدن
العراقية، وتوسيع اللجان الشعبية إلى كل مدن العراق، شريطة أن يكون
أداؤها طوعيا وبالتنسيق مع المخاتير أو بغيرهم حسب اقتضاء الزمان
والمكان.
رابعا: توسيع شبه مشروط لدائرة العفو العام، مع الأخذ بنظر الاعتبار
إرضاء ضحايا النظام السابق واللاحق عبر تقديم الاعتذار العلني للضحايا
وأسرهم، على غرار ما حصل في جنوب أفريقيا، هذا من جانب، ومن جانب آخر
تعويض الضحايا وأسرهم معنويا وماديا، فالمصارحة والاعتراف بالخطيئة
مقدمة لترطيب نفوس الضحايا وأسرهم وتمكينهم من التغلب على بعض الذكريات
المؤلمة.
خامسا: على المستوى الإداري السعي لردم الفجوة الكبيرة في سلم
الرواتب بين الموظف المدني والأمني، لسد الطريق أمام عسكرة المجتمع
العراقي من جديد.
سادسا: تطوير الخطاب الإعلامي وبخاصة شبه الحكومي بما يساعد على
لملمة تداعيات الحرب الطائفية التي بيّت لها الأعداء لإسقاط العراق في
أتون الحرب الأهلية، والتي تفاداها العراق بفضل حكمة المرجعيات الدينية
والقيادة السياسية الحاكمة، واقتناع الكثير من القطاعات الشعبية بأن
الاختلاف تحت سقف مجلس النواب هو أقرب الطرق وأسلمها لخدمة العراق
وأهله وفق الاستحقاقات الانتخابية، كما أن الإعتراف بحجم كل مكون دون
تهويل إعلامي هو طريق إلى الإقرار المتبادل بحق الحياة والاستفادة من
خيرات العراق، فالبشر جميعا من آدم وآدم من تراب، ولا فضل لإنسان على
آخر إلا بالتقوى وحب الوطن وأهله.
اعتقد أن مؤتمر القوى السياسية لدعم المصالحة الوطنية سيأتي أكله لو
أن التوصيات المقدمة من جهات حزبية ومستقلة مؤيدة ومعارضة، أخذت طريقها
إلى التنفيذ، ولو في الحدود الدنيا، لأن الأعمال بخواتيمها، فان لم
يقفل المؤتمر الثاني أعماله ببيان ختامي، فان مسك الختام يكون بترجمة
ورقات العمل والتوصيات عظم شأنها أو قلّ، إلى أفعال على أرض الواقع،
وحينذاك يقطع شك المشككين الذي لا يرضى البعض منهم حتى على رب العباد،
بيقين عمل السلطة التنفيذية، وهو جهد ليس باليسير لان السلطة
التنفيذية تناضل على كل الجبهات الصديقة والعدوة، الجاهلة والعاقلة،
ولكن الجهد المخلص وإن قلّ، ربما ألقم المتربصون بالعراق التعددي سوءاً
حجرا.
* الرأي الآخر للدراسات – لندن
[email protected] |