
شبكة النبأ: لا شك أن تنظيم القاعدة
الإرهابي موضع اهتمام الباحثين وذوي الإختصاص في مختلف الشؤون، لما
لهذا التنظيم من مخاطر جمة، من بينها العمليات الإرهابية التي قام بها
في الكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، و في الدول
الإسلامية مثل العراق وأفغانستان ودول المغرب العربي.
وفي تقارير تعتبر الأخطر من نوعها توضح التكتيك الحديث للقاعدة في
كسب جيل جديد ودماء جديدة تساعد في دعم وانتشار هذا التنظيم.
توضح التقارير أيضا هوية الجيل الجديد ونشأتهم، رغم عدم وجود دليل
كاف يكشف عن هوية الذين قضوا في العراق.
مايكل هايدن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.اي.ايه)
أكد ان القاعدة تجند وتدرب إرهابيين ذوي "ملامح غربية" قادرين على عبور
حدود الولايات المتحدة دون إثارة الشكوك.
وقال هايدن ان الشبكة الإسلامية التي توجد لها معاقل في المناطق
القبلية الباكستانية على حدود أفغانستان ترسل إلى هناك "مجندين جدد
للتدريب وهم عناصر لا يلفتون انتباه رجال الجمارك في مطار داليس (قرب
واشطن) إذا كانوا يقفون في صف الانتظار عند العودة من الخارج.
وأضاف ان هؤلاء المجندين لهم ملامح غربية وقادرون على دخول هذا
البلد دون جذب الانتباه كما يمكن ان يفعل آخرون.
وقال أيضا أن المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان أصبحت خطراً
راهناً وواضحاً على الدولتين والولايات المتحدة والغرب تحديداً.
وقال ، إن تنظيم القاعدة، الذي أسس ملاذاً آمناً في المنطقة، يدرب
جيلاً حديثاً من الناشطين، لا تثير هيئاتهم الغربية الشكوك، مضيفاً أن
أي هجوم إرهابي جديد على أمريكا ستكون تلك المنطقة مصدره، وفق
الأسوشيتد برس.
وعقب أعلى مسؤول استخباراتي أمريكي على الأجيال الجديدة للقاعدة
قائلاً: لن يلفتوا الانتباه لدى مرورهم عبر مطار دولس بواشنطن عند
قدومهم من الخارج .. فهيئاتهم غربية الطابع.
وأضاف قائلاً: يبدو جلياً لنا أن القاعدة تمكنت خلال الـ18 شهراً
الماضية من تأسيس ملاذ آمن بين حدود أفغانستان وباكستان وأنهم يجلبون
ناشطين للتدريب هناك.
جهاديون نشأوا في مهاجر أوروبية
وعلى الصعيد نفسه خلفت موجة الأفغان العرب الإرهابية الأولى، وهي
موجة كان أسامة بن لادن وأيمن الظواهري العلم عليها، موجة ثانية مادتها
مغتربون متعلمون من الشرق الأوسط هاجروا إلى الجامعات الغربية، في
العقد الأخير من القرن الماضي. وحملهم انقطاعهم من مجتمعاتهم، وعسر
انخراطهم في المجتمعات المضيفة، الى قيامهم على هذه المجتمعات و كرهها
والهجرة الى معسكرات التدريب بأفغانستان ثأراً منها.
وربما بقي على قيد الحياة، والنشاط، 20 من الموجة الأولى، و100 من
الموجة الثانية. والموجة الثالثة، والناشطة اليوم، من جنود الإرهاب، لا
تمت بصلة الى الموجتين السابقتين. فأصحابها أثار اجتياح العراق غضبهم،
وتحدوهم رغبة شديدة في التمثل بـ المجاهدين الأبطال الذين سبقوهم الى
القتال و الشهادة. وعلى خلاف أهل الموجة الثانية، لا تربط هؤلاء
بمثالاتهم وقدوتهم رابطة أو علاقة. فهم شبكات تعارف أفرادها من طريق
الإنترنت وحجرات المحادثة. ويتولى بعضهم تدريب بعض بالواسطة نفسها.
ويرتجلون ارتجالاً مصادر تمويلهم.
فعاصمتهم هي بيئة الإنترنت الافتراضية والمشرعة البوابات والمواقع.
فهي جامعتهم وجامعهم وبنيتهم التنظيمية. وكثرة من مجاهدي أو مقاتلي
الموجة الثالثة ولدوا في المهاجر الأوروبية، على شاكلة قاتل المخرج
السينمائي الهولندي ثيو فان غوغ (في تشرين الثاني/ نوفمبر 2004)، محمد
البويري. وفي المهاجر هذه نشأوا وشبّوا وعملوا.
وكانت حرب العراق، بعد حرب أفغانستان، الذريعة التي أشعلت غضبهم.
والتقى بعضهم بعضاً على الإنترنت. فكانوا بهولندا نحو 100 شاب، معظمهم
مولود بها، وفي مقتبل شبابهم وحياتهم المهنية أو في نهاية مراهقتهم.
وغالباً ما يبرز في المجموعة 3 أو 4 قادة. ويلتقي بعضهم الأنصار
المتحمسين في تظاهرات تعلن مساندة قضايا إسلامية دولية.
وقد ينتقلون من مقاهي الإنترنت، وحجرات أو غرف المحادثة،
والتظاهرات، وربما المساجد، الى غرف بعضهم. فيجتمعون ويخططون
لعملياتهم، يتقدمهم من يكبرونهم ســـناً، واستقلوا بإقامتهم عن اهلهم،
على خلاف معظـــمهم الذين لم يفارقوا الأهل بعد.
وعندما دهمت الشرطة البريطانية، في تشرين الأول (اكتوبر) 2005،
بلندن بيت يونس تسولي، ابن الديبلوماسي المغربي، وقعت على أسطوانة
جهازه الصلبة. وأدركت ان الشاب (22 سنة) هو الإرهابي 007، على ما كان
يلقب نفسه. فإذا به صاحب عشرات المواقع الإلكترونية، ومحمّل أشرطة لا
تحصى تصور قطع الرؤوس والعمليات الانتحارية في العراق، وناشر كتيبات
تعلّم صنع المتفجرات اليدوية، ومصدر دعوات للتطوع في جيش أبو مصعب
الزرقاوي قبل مقتله. وكان يونس موضع اهتمام الزرقاوي نفسه. وعثرت
الشرطة الهولندية في منزل محمد البويري، ومنازل شركائه وأصحابه، على
خطط تفجير مجلس النواب الوطني، ومفاعل نووي، ومطار العاصمة، إلى خطط
اغتيال سياسيين بارزين.
وخلّف هذا الضرب من التنظيم مشكلات قضائية وعدلية شائكة. فتهمة من
كانوا يلتقون على نحو منتظم ومباشر لإنشاء جماعة، أو جمعية إرهابية،
يسيرة. ومقاضاتهم على هذا كذلك. ولكن معظم الناشطين لا يعرف بعضهم بعضاً،
ولم يلتق بعضهم بعضاً. فاضطرت محكمة استئناف هولندية، في كانون الثاني
(يناير) 2008، الى إبطال تهمة الانتماء الى شبكة بويري بهوفستاد، حيث
يقيم، لانتفاء الدليل على لقاءات مباشرة ومنتظمة.
وأصحاب هجمات مدريد الدامية، في آذار (مارس) 2004، هم كذلك من مجندي
الجهاد الذاتي والتلقائي، غير الصادر عن مركز أو عن دعوة منظمة.
فاجتماعهم كان مصادفة. وبعضهم سبق ان كانوا بتطوان، بالمغرب، جيراناً
وأصدقاء حي واحد. وجمعتهم بمدريد تجارة حشيشة الكيف وحبوب اكستازي.
وتصدرهم جمال احميدان (33 سنة) المتسكع والناشط في عصابات جانحة
والمتعرض لنوبات تصوف وقلق جامحة. وقضى جمال عقوبة سجن ثلاثة أعوام في
أحد السجون المغربية، وهو دين بتهمة قتل. فلما خرج من السجن، في 2003،
عاد الى مدريد.
وجمعه هاجس حرب العراق بـ إخوته لاحقاً، بسرحان عبدالمجيد فاخت،
الطالب التونسي الذي حل مدريد طلباً لشهادة عليا في الاقتصاد، وبآخرين
معظمهم قتلوا أنفسهم بضاحية مدريد بعد ان طوقتهم الشرطة وهي تحقق في
أعنف تفجير (2007) إرهابي وقع على أرض أوروبية. ولم تنجح محكمة مدريد
التي قاضت العصابة في إثبات رابطة بينها وبين القاعدة.
والمهاجر الكندية، خارج أوروبا، ميدان اختبار جهادي من الصنف نفسه.
ففي حزيران (يونيو) 2006 ألقت الشرطة القبض على مجموعتين من شبان الجيل
الثاني من المهاجرين بتورونتو وجوارها. واشترى اعضاء المجموعتين مواد
متفجرة خزنوها في بيوتهم. وخططوا لهجمات في تورونتو نفسها، وفي أوتاوا.
وسبق التقاؤهم، وهم في المرحلة الثانوية من الدراسة، في ناد سموه نادي
الوعي الديني، تواطؤهم على العمل الإرهابي.
وتزاوج شباب النادي وشاباته. وارتادوا المساجد المعروفة بإمامة أئمة
متطرفين. وكان الإنترنت وسيلتهم الى توسيع مناقشاتهم ومعارفهم. ومن
طريقه حادثوا الإرهابي 007 بلندن، يونس تسولي، وتعلموا صنع المتفجرات،
ووصلهم بـ إخوة بالبوسنة وبريطانيا والدنمارك والسويد وجورجيا. وفي
أثناء هذا لم يحتاجوا الى علاقة بـ القاعدة، أو لم ينجحوا في إنشاء مثل
هذه العلاقة.
والأمثلة هذه، على تفرقها واختلافها، تشترك في رسم مصائر التيارات
الجهادية والأصولية، وسبل انتشارها من غير دليل أو مرشد. فمقاتلو
التيارات هذه المحتملون يتضامنون مع مقاتلين لم يتلقوهم، ولا يعرفون
عنهم، أو منهم، غير رغبتهم في قتل أنفسهم و أعدائهم دفاعاً عن دينهم،
على ما يحسبون. وهم ينتمون الى الحالة الجهادية أو الإسلامية، ويربطون
خططهم بها، وينسبون الخطط هذه إليها، من غير ان يأمرهم أحد بها أو
يدعوهم إليها. ويقتصر دليلهم على نصائح وإرشادات يستقونها من الإنترنت.
وهذا النهج في الالتقاء والتخطيط والعمل يحجبهم عن التعقب، ويحول
بين السلطات العامة وبين رصدهم. وضعف خبرتهم ودربتهم يقيدهم من غير شك،
ولكنه، من وجه آخر، يسدل عليهم ستارة الإغفال. والتنظيم الشبكي هذا هو
مرآة دواعي موجة الجهاديين الثالثة الى القتل والقتال. فهؤلاء، إنما
يصدرون عن غضب أخلاقي، وليس عن أفكار ومعايير ونظر تحليلي. ففي
الثمانينات كان قتل المسلمين بأفغانستان هو باعث غضبهم هذا.
وحلت البوسنة والشيشان وكشمير، في التسعينات، محل افغانستان مؤججاً
للثورة على الظلم. وخلفت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في عام 2000،
بلاد المسلمين السابقة.
وفي 2003، توج العراق الحلقات كلها، قديمها وجديدها. ويتصدر العراق
المناقشات والهموم الحالية كلها، ويوحد المؤامرة العالمية، و المؤامرات
المحلية التي يتولاها الحكام، على الإسلام والمسلمين.
وعلى رغم دور الولايات المتحدة الأميركية في الحرب على الإرهاب، لا
يتوقع نشوء إرهاب محلي، أميركي، في أوساط المسلمين الأميركيين
ومهاجريهم. فالولايات المتحدة، على خلاف بلدان أوروبا الغربية، ترجح
كفة أحلام المهاجرين، وهجرتهم إليها وإلى حلمها، على كفة أساطيرها
الداخلية والموروثة. وهذا الترجيح لا يستبعد المهاجرين، ولا يقسرهم على
تبني أفكار او معايير طارئة، ولا يهمشهم.
وتحرك المواقع الإلكترونية الشعور بالتهميش، وتغذي في نفوس قلة
ضئيلة، تأتلف من أعضاء عصب وجمعيات طالبية وخلايا دراسية في المساجد.
ومواقع الشبكة حجرة صدى ضخمة تبعث على المزاودة والمبالغة، وتكتل
المتحادثين كتلة واحدة مستميتة. والداعي الحقيقي لحجرة الصدى هذه،
وللحركة الاجتماعية المتخلفة عنها، والمتحلقة عليها، هو خطاب جماعي
تتناقله، وتبثه، ستة منتديات بارزة ومعروفة. ويتعمد الجيل من
الإرهابيين، أو الموجة، تمييز نفسه من الجيل الذي سبقه. وسبيله الى
التمييز هو الغلو في إنجازاته وفظاعاته. فبعد طالبان بأفغانستان، بسط
الجهاديون ظلهم على الجزائر، وصنعوا فظائع الجماعة الإسلامية المسلحة.
وكانت الأنبار العراقية، قبل طردهم منها، إنجازهم الجديد. وتعاظم
اشمئزاز المسلمين من صنيع الأصوليين في المراحل المتعاقبة هذه. وعلى
هذا، فالإرهاب يخسر قاعدته ومناصريه وماءه تلقائياً، وينهار من الداخل،
ويتحول إجراماً عادياً، شريطة ألا تنصّبه الملاحقة الظاهرة بطلاً.
غموض الانتحاريين في العراق
يكثر في المقلب الآخر من الحرب على الإرهاب أشخاص يتولون عمليات
تفوق أعمال الانتحاريين ترويعاً وعنفاً. وبعد خمسة أعوام على غزو
العراق، لا تزال تفاصيل أعمال التصفية الذاتية الأوسع في تاريخ
البشرية، غامضة أو مجهولة.
ولعل الجانب المروع من ميراث جورج بوش في العراق هو مزاوجة الشعور
القومي الحاد والتصلب العقائدي. وولدت المزاوجة هذه جرّاراً من
إسلاميين يرمون بأنفسهم على الموت. فالأمر الذي يتجاهله الأميركيون، و
الحكومة العراقية والسلطات البريطانية وصحافيون كثر، هو اتساع رقعة
الحملات الانتحارية، وعظم عدد الشبّان (والشابات أحياناً) الذين
يفجّرون أنفسهم وسط القوافل الأميركية، وعلى أبواب مخافر الشرطة
العراقية، وفي الأسواق، وحول المساجد، وفي الشوارع المكتظة، والطرقات
البعيدة، وعلى الحواجز القصية بين المدن الكبرى والصحارى.
وفي حصيلة عمل استقصائي، بنته إندبندنت البريطانية على أخبار من
أربع صحف عربية، ومن إحصاءات رسمية عراقية، ووكالتي أنباء ببيروت،
وصحافيين غربيين، تبيّن أن 1121 جهادياً فجّروا أنفسهم بالعراق. وهو
رقم يقل عن الرقم الحقيقي نظراً إلى ميل السلطات (والصحافيين) إلى
الاعلان عن التفجيرات التي تحصد عشرات الأشخاص. وقد يبلغ التقدير
الحقيقي ضعفي هذا الرقم. وتروي بعض الأخبار وقوع نحو تسعة تفجيرات
انتحارية، في يوم واحد. وقتلت التفجيرات الانتحارية في العراق أكثر من
13 ألف شخص، على أقل تقدير، رجالاً ونساءً وأطفالاً، وأوقعت أكثر من 16
ألف جريح. وإذا أضيف عدد القتلى والجرحى في التدافع الجماعي على جسر
دجلة، في صيف 2005، فزعاً من تربص انتحاريين بالجموع، بلغ عدد القتلى
14 ألفاً، والجرحى 16 ألفاً.
لا ريب في ان عدد ضحايا التفجيرات الانتحارية ضئيل قياساً على عدد
القتلى الذين سقطوا في العراق منذ غزو 2003، وفاق نصف المليون. غير أن
قدرة التفجيرات على ترويع المدنيين ومجندي الميليشيات وقوات التحالف
والمرتزقة، كبيرة.
ولم يسبق للعالم العربي أن شهد ظاهرة الموت انتحاراً على هذا القدر.
فإبّان الاحتلال الإسرائيلي للبنان، بعد غزو 1982، كان يقع تفجير
انتحاري واحد في الشهر. وفي أثناء الانتفاضتين الفلسطينيتين، في
ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، كانت تقع أربع عمليات انتحارية في
الشهر. وكان هذا سابقة. ويشن الانتحاريون في العراق هجومين في كل ثلاثة
أيام، منذ 2003.
ولم تفلح التحقيقات في تحديد هوية أكثر من 10 انتحاريين من 1000.
ومن أسَرِ هؤلاء، عُرف أن بينهم فلسطينيين وسعوديين وسوريين وجزائريين.
وقلة منهم عُرفت أسماؤهم. وفي معظم الهجمات، لم تنته السلطات العراقية
الى معرفة أصحاب الأشلاء.
ويبعث على القلق انتشار ثقافة التفجير الانتحاري، واستمالته كثيرين
خارج العراق. ففي السنة الأولى بعد غزو العراق، كان انتحاريو طالبان
الأفغان يفجّرون أنفسهم في القوات الغربية، أو القواعد العسكرية بولاية
هلمند، والعاصمة كابول. وانتقل المثال هذا الى باكستان، وقتل الآلاف من
الجنود والمدنيين. وقُتلت زعيمة المعارضة بينظير بوتو في آخر الأمر.
ونسج تفجير مترو الأنفاق بلندن، (تموز/يوليو 2006)، على المنوال
العراقي.
ولطالما ناقش الأكاديميون والسياسيون دواعي الانتحاريين
والانتحاريات الذين يقررون من غير انفعال إنزال الموت في ضحاياهم،
والضغط على زر العبوة القاتلة. ورأت إسرائيل، منذ زمن، أن لا ملف
كاملاً للانتحاري الذي قضى سنوات يحارب إسرائيل، بجنوب لبنان، أو سُجن
وعُذّب على أيدي جنودها أو عملائها. وفي أحيان غير قليلة، يسبق
الانتحاري الى فعله إخوة أو أقرباء. وفي بعض الأحوال يقوم السابقون
مقام قدوة للاحقين الذين ينقادون إلى العمل الانتحاري من طريق التمثل
والتشبه بمن تقدمهم.
ولا تبدو علاقة مسلك الانتحاري بالمعتقد الديني واضحة. فـ الكاميكاز
اليابانيون إبان الحرب العالمية الثانية كانوا يُرغمون على إلقاء
أنفسهم بطائراتهم على السفن الحربية الأميركية في المحيط الهادئ.
واعتقد كثيرون أنهم يموتون في سبيل الإمبراطور. ولكن ديكتاتورية صناعية
كاليابان، وقع مجتمعها بيد قوة عظمى، لم تستطع تعبئة أكثر من 4615
كاميكاز. وقد يكون عدد الانتحاريين في العراق بلغ نصف العدد هذا.
وسعت السلطات اليابانية في النفح في عصبية الوحدات الانتحارية
الجماعية في صفوف الطيّارين. ولواء الوحدة هو عصبة رأس تحمل صورة شمس
مشرقة وشال أبيض. وسبقت عصبة الرأس اليابانية العصبة الصفراء التي درج
مقاتلو حزب الله على حزم رؤوسهم وجباهها بها في عملياتهم ضد الجنود
الإسرائيليين بالشريط المحتل، جنوب لبنان.
والحق أن قادة جيش الانتحاريين في العراق لا يفتقرون إلى أفكار
مبتكرة. فانتحاريوهم يصلون إلى موقع التفجير في حلّة ميكانيكي، أو جندي
أو شرطي أو ربة منزل متوسطة العمر، أو بائع تمر أو حلوى للأطفال، أو
فقير زاهد، أو حتى راعٍ وديع. ويخبئون عبواتهم في سيارات، أو في صهاريج
وقود وشاحنات وناقلات قمامة. وينقلونها على دواب أو دراجات هوائية
ونارية، أو عربات و باصات صغيرة. ولا يحرك عقل مدبّر واحد التفجيرات
كلها، على رغم أن الانتحاريين ينشطون في مجموعات صغيرة. وتعزز الشبكة
الالكترونية الدولية قوة الانتحاريين بالعراق.
فهل ثمة وجه عقلاني أو منطقي للتفجيرات الانتحارية في العراق؟ حين
كانت القوات الأميركية تتقدم نحو بغداد نفذ عريف في الشرطة العراقية،
متأهّل وله خمسة أولاد، العملية الانتحارية الأولى بالعراق قرب مدينة
الناصرية الشيعية. ثم أقدمت امرأتان على عمليتين انتحاريتين.
وخلفت هذه العمليات دهشة في حاشية صدام حسين المتهاوية. وقال نائب
الرئيس العراقي، طه ياسين رمضان، ان الولايات المتحدة تحوّل العراقيين
الى قنابل فتاكة تقتل عدداً كبيراً من العراقيين يفوق عدد ضحايا قنابل
القاذفات الأميركية. كما استهدف الانتحاريون قوات الأمن التي يدرّبها
الأميركيون. وشنوا 365 هجوماً على مراكز الشرطة العراقية، ودورياتها
وحواجزها ومراكز التجنيد ببغداد والموصل والمدن السنّية شمال العاصمة
وجنوبها. ولم يتعدَ عدد الهجمات الانتحارية على القواعد العسكرية
الأميركية 24 هجوماً. وجليّ أن الانتحاريين يفضّلون استهداف الوحدات
العسكرية العراقية. وتدنى عدد الهجمات على الأميركيين منذ 2006، بينما
ارتفع عدد الهجمات على الشرطة العراقية ومجنّديها.
وحاكى انتحاريو العراق القتلة الجزائريين المتطرفين الذين نفذوا
مجازر في شهر رمضان في التسعينات، ورفعوا عدد هجماتهم الانتحارية في
المناسبات والأعياد الدينية. وبعد 2005، تزامن انخفاض عدد العمليات
الانتحارية مع اندلاع أعمال القتل المذهبي. ويعود هذا الانخفاض الى خوف
الانتحاريين من عرقلة العصابات العشائرية عملياتهم، أو الى انصراف
الانتحاريين الى المشاركة في أعمال القتل الطائفي.
ولا شك في ان وقع الهجمات السياسية على المنطقة الخضراء في بغداد،
ومقر الأمم المتحدة ومقتل مبعوث المنظمة الاممية سيرجيو دي ميللو،
ومكاتب الصليب الأحمر الدولي، في 2003، ثقيل وشديد. وفي نهاية 2003،
حذر المسؤولون البريطانيون من تفجيرات مدمرة وفظيعة. وفي كانون الثاني
(يناير) 2004، وقع أول تفجير انتحاري في مسجد ببعقوبة. وتعاقبت الهجمات
على المساجد الشيعية، في الكاظمية والدورة والموصل، وسامرّاء في شباط
(فبراير) 2006. وبعد هذه الهجمات، استهدف مسجد سني. وردّ الانتحاريون
بتفجير مسجد شيعي. وفي تموز (يوليو) 2006 فجّر 7 انتحاريين أنفسهم في
مساجد شيعية وسنية. ثم وقعت أولى الهجمات الانتحارية على حجاج شيعة
قادمين من ايران. ولم تسلم الأسواق الشعبية والجنازات والأفراح
والمدارس والجامعات من الهجمات. ومعظم قتلى هذه التفجيرات هم من
الشيعة. وفي 2007، هاجم انتحاريون سنيون زعماء عشائر سنية ومقاومين
سابقين قرروا التعاون مع القوات الأميركية في الحرب على القاعدة.
وتفتقر السلطات المحلية والقوات الأميركية والاستخبارات العراقية
والأميركية الى معلومات عن هويات منفذي الهجمات. والدليل على شح
المعلومات هو اتهام مسؤولين أميركيين سورية بـ تصدير الانتحاريين.
والتهمة هذه تخالف تهمة المسؤولين العراقيين بلداً خليجياً بتصديره
الانتحاريين الى العراق. وعلى هذا، فنسبة باعث معروف الى الانتحاريين
حين يرتكبون مجازر جماعية أمر عسير.
معركة استمالة القلوب
من جانب آخر حققت زيادة عدد الجنود الأميركيين في العراق نتائج
كثيرة. ويقر المرشحان الديموقراطيان الى الرئاسة الأميركية، باراك
أوباما وهيلاري كلينتون، بهذا النجاح. ولكنهما يطعنان فيه، ويزعمان أنه
نجاح عسكري ظرفي، ولن يكتب له الدوام. وفي مناقشات الديموقراطيين، رأى
أوباما أن قوة القاعدة، اليوم، تفوق قوتها في 2001. وخلصت كلينتون الى
أن الحرب على العراق زادت قوة أعداء أميركا، وأن على أميركا الانسحاب
من العراق والانصراف الى محاربة القاعدة.
والحق أن هجمات القاعدة بالعراق أسهمت في تقويض شعبية هذا التنظيم
في العالم الإسلامي، وفي مناوأة فكره. ففي باكستان، بلغت نسبة تأييد
القاعدة نحو 20 في المئة، في كانون الثاني (يناير) الماضي، بعدما كانت
46 في المئة قبل نحو أربعة أشهر. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، أصدر
المصري سيد إمام الشريف، المعروف بالدكتور فضل، وهو مرشد أيمن
الظواهري، كتاباً ذهب فيه إلى أن لا سند شرعياً يسوغ إطاحة حكومات
مسلمة. ودعا الدكتور فضل الى إنشاء محاكمة إسلامية، والادعاء أمامها
على أسامة بن لادن والظواهري.
وقبل نحو شهر من صدور كتاب الشريف، أطلق مفتي المملكة العربية
السعودية، عبدالعزيز عبدالله آل الشيخ، فتوى تحظر على الشباب المشاركة
في الجهاد في الخارج. وفي أيلول (سبتمبر) المنصرم، وجه الشيخ سلمان
العودة رسالة الى بن لادن انتقد فيها عمليات القاعدة بأفغانستان
والعراق.
وفي الأنبار العراقية، وهي كانت معقل القاعدة الى وقت قريب، انحسر
نفوذ القاعدة على وقع ضربات صحوة الأنبار. ومحاربة قوات إسلامية عراقية
ناشطين إسلاميين (أجانب)، وتحالفها مع القوات الأميركية، هما انعطاف
كبير في مجرى الأمور.
فالحرب على العراق هي مرحلة مفصلية في الحرب على الإسلاميين
المتطرفين. وبقاء القوات الأميركية في العراق يخالف تعويل بن لادن
عليها، وحسبانه إياها حصاناً ضعيفاً.
.................................................................
المصادر:
* مارك سايغمان (طبيب نفسي جنائي ومؤلف جهاد من غير
قادة)، فورين بوليسي الأميركية، 3-4/2008
*بيتر وهنر (نائب أميركي ومساعد سابق للرئيس جورج
بوش)، فايننشل تايمز البريطانية، 15/3/2008
* إندبندنت البريطانية، 14/3/2008
*روبرت فيسك الحياة- 26/03/2008
*جريدة الشرق الأوسط 1/4/2008
......................................................................................................................
*المركز الوثائقي والمعلوماتي مركز يقدم الخدمات
الوثائقية التي تتضمن موضوعات مختلفة من دراسات وبحوث وملفات متخصصة.
للاشتراك والاتصال:www.annabaa.org ///
arch_docu@yahoo.com |