لمن القرار الحاسم في البصرة وعموم العراق؟

عباس النوري

عملية الفرسان أو خلاص البصرة من عصابات القتل والمافيات والخطف والاعتداءات على الأعراض والقائمة تطول…من غير أن يتحدث البعض عن التدخل الأجنبي لتأجيج الوضع الأمني في مدينة البصرة التي تحولت لمدينة الأشباح.

هل القرار الحاسم للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي أم القرار الحاسم لسماحة السيد مقتدى الصدر. وهنا ستكون هيبت الحكومة العراقية والأمريكية على المحك. فعملية القضاء على المسلحين في البصرة هي بمثابة تجربة قدرات الحكومة العراقية وقواتها المسلحة من قبل الأمريكيان ليثبتوا أن ما قدموه من تدريبات للقوات الأمنية  هل أتت أكلها. وأنه من جانب آخر أن القادة العسكريين الأمريكان وبعض السياسيين يعلمون إذا كان المقصود من هذا القتال هو القضاء على قوات جيش المهدي فذلك أمر ليس باليسير فلهم تجربتهم في النجف وبغداد. لأن التيار الصدري ينطلق من مقاومة المحتل ومن غير الممكن تنازله عن هذا المبدأ الذي أسس على أساسه جيش المهدي.

أصبح أمامنا طلبين متقابلين الحكومة تطالب بتسليم السلاح مع بعض التنازلات، وأولها تمديد المدة من 72 ساعة إلى عشرة أيام…وسيد مقتدى يطالب بخروج المالكي من البصرة…وبعد مشاهدتي للقاء من شاشة العراقية بين السيد حيدر العبادي ممثل حزب الدعوة وعضو البرلمان والمقرب من السيد نوري المالكي. فهو يتحدث باسم الحكومة ويدافع عن عملية البصرة. وقد أقترح أن تسلم جميع الأسلحة، وبالمقابل طالب التيار الصدري وقف القتال لمدة 24-48ساعة.

الحكومة تقول أن الحملة لا تستهدف التيار الصدري وهذا ما سمعناه من رئيس الوزراء أو ممن تحدث باسمه، بينما يرى العديد من أعضاء البرلمان من التيار الصدري بالخصوص أن المستهدفين هم التيار الصدري.

الحرب في البصرة هو حرب بين إيران وأمريكا، لكن الذي ينيب الطرفين هي القوات العراقية والمسلحين في البصرة…مع أن في البصرة أكثر من عشرين طرفاً مسلحاً…وهناك عشائر مسلحة وذات نفوذ واسع…أختلط الأمر على جميع الأطراف.

موضوع القتال بين القوات العراقية والتيار الصدري أنتقل لمحافظات عديدة ومن ضمنها العاصمة بغداد ،والكوت، وبابل و الديوانية، وقد أنحصر أمر بغداد في مدينة الصدر (مدينة الثورة سابقاً)، لكن ليس هناك ذكر لمناطق أخرى في بغداد مثل الكاظمية…الشعلة، مدينة الحرية، حي العامل….ومناطق أخرى كثيرة في أطراف بغداد…فيمكنني الجزم بأن أعدادهم تعبر نصف مليون فقط في منطقة الحسينية شمال غربي بغداد.

وقد تكون بعض الجهات استفادة واستغلت هذا الوضع المأساوي وبدأت بقصف الأحياء السكنية والمنشئات الحكومية…وقد زاد سوء أحوال المواطنين لما يعانوه من نقص في الماء الصالح للشرب والكهرباء والوقود….وزيادة أسعار السلع الاستهلاكية، والبطالة المتضخمة بين المناطق المتضررة سابقاً ولاحقاً. فبهذه العملية أزداد أزمة العراقيين من سوء لأسوء. وأضاف للأعداد الكبيرة من الأرامل أرامل جدد، وللأيتام يتامى آخرين…وللمهجرين هجرة. فتبدل عام الأعمار لعام الإرهاب الجديد من نوعٍ آخر.

إذا كان فعلاً الحرب هو ضد التيار الصدري، فأن السيد نوري المالكي وجميع أعضاء حزب الدعوة تنظيم العراق أو خارجه أو التقسيمات الأخرى يعدون من التيار الصدري. لكن الذي نسمعهٌ من المسؤولين على هذه الحملة الجديدة أنه ليس ضد التيار الصدري…وإذا كان التيار الصدري من ضمن التشكيلة الجديدة للعملية السياسية…فأن الشعب العراقي أيضاً أنتخبهم…ولديهم حقائب وزارية…لكن مبدئهم إخراج المحتل…وهذا المبدأ لم ينفردوا به فنادى بها عدد من الأحزاب ولكل حزب طريقة وأسلوب بأن يبين هذا المبدأ. فأنا لا أتصور أن السيد رئيس الوزراء يضع نفس في مثل هذه المخاطرة للقضاء على التيار الصدري، فيعد هذا الأمر خلاف دستوري، لكن القضاء على مظاهر التسلح أمرٌ آخر ومؤيد قانونياً ودستورياً.

 فلو رجعنا لحسابات أصوات المنتخبين فلكل مقعد في البرلمان أعداد كبيرة من الأصوات…وإذا نظرنا للإعتصامات السلمية في بغداد ومدن متفرقة…يبين أعداد المناصرين للتيار الصدري…فلا أعرف قصد رئيس الوزراء من أنه ليس ضد التيار الصدري…هل يقصد التيار الصدري الذي ينتمي إليه أم التيار الصدري الذي يقوده السيد مقتدى الصدر.

هل الموضوع رغبة أمريكية، وتدخل إيراني…هل يريد المالكي تجربة قدرته للتحكم بالعراق.

هل الصراع من أجل إقامة إقليم الجنوب والوسط؟

  هل الصراع بين قوتين شيعيتين – بين المجلس والتيار الصدري؟

هل الصراع نتيجة لقرب انتخابات مجالس المحافظات.

هل الصراع من أجل السيطرة على ثروات النفط في البصرة؟

وهل هو صراع من أجل السلطة وحلاوتها بصورة عامة؟

وهل هناك أمرٌ يمكن اعتباره غريب في عراق اليوم/ عراق المحتل/ عراق بعد الدكتاتورية/ عراق الجديد/ عراق الديمقراطية والتعددية/ عراق جميع الطوائف …أم عراق البعض دون الآخر؟

كان من أهم أجنده وبرنامج السيد رئيس الوزراء حل المليشيات، وماذا فعل في هذا المضمار. وهل كانت جميع القوى معه وتؤيده…!

كان من المفروض تقديم مشروع قانون نزع السلاح من جميع المدنيين وبالتشاور مع كافة القوى السياسية…قبل القيام بأي عملية عسكرية من قبيل عملية ثورة الفرسان في البصرة أو في أي منطقة في العراق.

وبالمقابل المفروض من قيادات التيار الصدري البحث في موضوع تحويل التيار وجيش المهدي إن كانت لديهم سيطرة كاملة عليه لتيار سياسي يدخلون الانتخابات بقائمة خاصة ليثبتوا مدى شعبيتهم وعرض قاعدتهم الشعبية ومن خلال العملية السياسية يصلون للهدف الذي يناضلون من أجله. وبهذا أن المبادرة القادمة التي المتوقعة هو نزع السلاح طوعاً من التيار وجيش المهدي، أما المقولة بأن هذا الجيش عقائدي ولا يخضع لتنظيم معين…ولذلك لا يمكن حله، أو لأن الدولة غير قادرة على حماية الناس فلذلك ضرورة وجود السلاح الشخصي لدى المواطنين فلتسلم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والمتفجرات …وكل سلاح زيادة عن السلاح الشخصي للدفاع عن النفس. وقرار السيد مقتدى الصدر  لتابعيه بالاعتماد على الاعتصامات السلمية يكون له مردود أكبر من المجابهة المسلحة لنيل المطالب…هل سوف تأخذ به الفصائل والأطراف التي دخلت في صراع مسلح مع الحكومة…خلال الأيام القلية القادمة سيثبت للشعب العراقي منهم مع أمن وسلامة العراقيين ومن هم الخارجين عن القانون.

السلاح يجب أن يكون بيد الدولة وأجهزتها الأمنية، وعلى الدولة توفير وحماية أمن المواطنين. لكن نرى بالمقابل أن الحكومة تزود مجالس الصحوة بالأسلحة، ومن يمكنه أن يضمن عدم تحول هذه الأسلحة بيد العصابات أو استخدامها لأغراض خاصة غير قانونية. وعليه أن الوقت ليس متأخر للعمل من أجل قانون صارم بخصوص نزع السلاح من جميع الأطراف المدنية.

عملية البصرة لم تأتي بقرار انفرادي من السيد رئيس الوزراء فأن الرئاسات الثلاثة يتشاورون في أي عمل ذات شأن بأمن العراق وسلامة المواطنين. وتعتبر مبادرة رئيس مجلس النواب محمود المشهداني والسيد إبراهيم الجعفري والدكتور احمد الجلبي لتشكيل لجنة خاصة لمتابعة الأوضاع المتأزمة في العراق بصورة عامة وفي البصرة بصورة خاصة. وأن أهم ما جاء من مقترح سريع هو وقف القتال في البصرة مع الحفاظ على هيبة الحكومة…وهذا أمر مهم لأنه كما ذكرت سابقاً فأن الحكومة تمر بتجربة مريرة سياسية أمنية اقتصادية اجتماعية وعلى كافة الأصعدة الداخلية والخارجية…ولأمريكا دور مهم في مراقبة أداء الحكومة التي تعثرت منذ تشكيلها بانسحاب 16 وزيراً…وقد راهن الكثيرون على انتخابات مبكرة. لكن أمريكا وعلى رأسها الرئيس بوش يدعم قرارات نوري المالكي…

والنقطة الأخيرة المتوقعة من العملية العسكرية في البصرة هو تأييد لمقولة أهمية بقاء القوات الأمريكية في العراق لأمد لا يعرف أحد يعرف مدته. وأثبتت عملية انسحاب القوات البريطانية من مدينة البصرة لقاعدتها الرئيسية في مطار البصرة لهو دليل حي أن العراق وقواته الأمنية التي تعدت المليون ليس بمقدورها السيطرة على الوضع الأمني، والحاجة ضرورية لبقاء القوات المتعددة الجنسيات. وهذا الأمر سيؤدي للتوقيع على ستراتيجية بعيدة المدى بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة الأمريكية…فهل يتغير موضوع جدولة انسحاب القوات الأمريكية لبحث موضوع تمركز القوات الأمريكية في قواعد ثابتة ليوم يبعثون.

أناشد جميع القوى المحبة للسلام والمدافعة عن حقوق الإنسان الوقوف مع أبناء البصرة لتقديم العون والدعم الإنساني والتحضير لعملية إعادة تأهيل المدينة من النواحي الصحية.

أناشد المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياتها الإنسانية للنهوض بالبصرة بعد هذه النكبة والمأساة، فلا يجب أن تكون البصرة البقرة الحلوب تأخذون منها دون العطاء…فمواردها تصل للجميع لكن أهلها محرمون من أبسط الأمور…لتطبق المقولة (بعد خراب البصرة) ليعم الأعمار الإنساني وتتواصل الدعم المستمر للنهوض بمستوى المعيشي للمواطن البصري…فلا سبب للهمجية والقتل والمصائب إلا العوز والفقر والشعور باللامبالاة…فعندها يلجئ البعض لطرق غير سليمة من أجل الاستمرار في الحياة…على المجتمع الدولي أن يقف بقوة ضد التدخلات الخارجية في مدينة البصرة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29 آذار/2008 - 21/ربيع الاول/1429