نوايا تقمص الشخصيات

أوزجان يشار

 ربما يستفز السؤال عقولنا عندما نبدأ بالبحث عن نوايا تقمص الشخصيات و أسبابها و هذا ما جعلني أقف امام مقارنة ربما تبدو غريبة نوعاً ما بين شخصية "فؤاد مرتضى" الذي تقمص شخصية ولي عهد المغرب الأمير رشيد و بين "انستازيا" الابنة الصغرى لآخر قياصرة روسيا  "نيكولاس الثاني".

نشأ فؤاد مرتضى في مدينة كلميمة المغربية في وسط محافظ بسيط و كان أبوه يعمل في وظيفة مفتش بالتعليم الابتدائي وتربى هو و اخوته الأربعة تحت إشراف أمه و هي ربة منزل بسيطة.

يقول فؤاد مرتضى بأنه لجأ إلى أحد مواقع الانترنت من أجل أن يضع حداً لمعاناته النفسية وفشله مع الجنس الآخر.  وبالفعل أنشأ فؤاد مرتضى معلومات شخصية صحيحة و صادقة في قائمة التعريف الشخصية في هذا الموقع بالإضافة إلى صورة شخصية له على أمل أن يجد الفتاة التي قد تتفاعل معه من خلال الشبكة الإليكترونية.

ولكن لم تأتي الرياح بما تشتهي السفن, حيث لم تثير المعلومات الصادقة اهتمام أي فتاة مما زاد من معاناته النفسية كما يقول  وهنا بدأ بالتفكير بانتحال شخصية شخص معروف ومشهور يلقى تأثير افضل لدى قلوب الجنس الآخر.

و قرر فؤاد مرتضى أن يتقمص شخصية ولي عهد المغرب "الأمير رشيد" حيث  أن ولي عهد المغرب رجل أعزب وهذا هو النوع المرغوب من الرجال لدى الفتيات, وبالفعل بدأ فؤاد مرتضى بإنشاء بيانات جديدة على نفس الموقع و لكن هذه المرة بأسم ولي عهد المغرب الامير رشيد بعد ان قام بجمع معلومات شاملة عن الأمير من خلال الشبكة الإليكترونية  بل واستطاع الحصول على صورة شخصية للأمير أرفقها ضمن البيانات الجديدة.

ويقول فؤاد الذي تم اعتقاله فيما بعد، بأنه بعد مرور يومين فقط من إنشائه للمعلومات المزيفة انهالت عليه الرسائل الإلكترونية من الفتيات المعجبات بولي عهد المغرب, بل اقتنعت الكثير من الفتيات بأنهن يتحدثن فعلاً مع ولي العهد المغربي.

أن تقمص الشخصية في حالة فؤاد مرتضى تبدو اسبابها جليه وواضحة بكافة الجوانب و لنا أن نتعاطف مع الظروف النفسية لفؤاد مرتضى أو لا نتعاطف.

واعود إلى لغز "انستازيا" و هي  من أكثر القصص غموضاً في التاريخ المعاصر من خلال مصير عائلة " نيكولاس الثاني"، آخر قياصرة روسيا، الذي قال البولشفيون أنهم أعدموه وعائلته في 19 يوليو 1918 بعد عدة أشهر من عزله من الحكم اثر قيام الثورة الروسية في أوائل عام 1917.

تضاربت الأقوال و كثرت القصص حول هذا الموضوع، فمن المؤرخين من يقول أن القيصر اعدم بمفرده, وان أفراد عائلته تم نفيهم إلى مكان سري غير معروف, وهناك من يقول أن جميع أفراد الأسرة زوجة القيصر وأولاده الخمسة وهم أربع بنات وصبي واحد  اعدموا جميعاً باستثناء " آناستازيا" الابنة الصغرى التي تمكنت من الفرار.

ومهما اختلف المؤرخون في الأمر يبقى أن شخصية "اناستازيا" أصبحت هي بالتحديد هدف الكثير من المحتالين والمزورين، إذ تقدمت خلال السنوات القليلة التالية على إعلان موت" اناستازيا"  مئات الفتيات اللواتي ادعين أنهن الدوقة "اناستازيا"  طمعا في ثروة والدها الضخمة.

ولكن أشهر تلك القصص كانت بطلتها مراهقة ثم انتشالها وهي فاقدة الوعي من قناة مائية في برلين و بالتحديد في 17 فبراير 1920، ونجحت تلك الفتاة في إقناع الكثير من العائلات الإرستقراطية الروسية المتواجدة في ألمانيا بأنها فعلا ابنة القيصر " نيكولاس الثاني".

قالت الفتاة أنها اقتيدت مع عائلتها ( القيصر وزوجته وأولاده ) إلى احد الأقبية, وهناك أطلق عليهم الجنود النار. وأصيبت هي بطلق ناري فقدت على أثره الوعي، فظن الجنود أنها ماتت. وكان بين هؤلاء الجنود شقيقان لم يريدا الاشتراك في الجريمة وعندما اكتشفا بالصدفة أنها مازالت حية، عملا على تهريبها إلى رومانيا، ومن هناك إلى برلين. وخلال العشر سنوات التالية عملت هذه الفتاة على استرجاع ما ادعت أنه حقها, وتمكنت من صنع بلبلة في الأوساط الإرستقراطية الروسية في برلين، بل اشتهرت قصتها لدرجة أنها أصبحت محور العديد من الكتب والروايات.

كان المدهش في الامر أن هذه الفتاة كانت تعرف أدق التفاصيل عن حياة القيصر وعائلته، وأكدت الأميرة "أيرين" شقيقة زوجة القيصر " نيكولاس" أن هذه الفتاة تشبه فعلا إلى حد كبير "اناستازيا" ابنة شقيقتها، كما أكد أبن عم القيصر شخصيتها. وبينت بعض صور الأشعة التي أخذت لها في المستشفى أنها مصابة بجروح في الرأس و من الممكن أن تكون الإصابة نتيجة ضربة شديدة بطرف مسدس, وأن هناك نتوءات عظمية على قدمها في المكان ذاته الذي كانت توجد به النتوءات العظمية على قدم ابنة القيصر, و ان هناك اثر جرح على كتفها الأيمن في المكان ذاته الذي اجرت فيه ابنة القيصر عملية لإزالة شامة. كما فسرت الفتاة الجرح الصغير على أحد أصابع يدها اليسرى، بأنه نتج عندما أغلق أحد الحراس بالخطأ باب العربة على يدها. وقد أكدت أحدى المربيات اللواتي كن يعملن في القيصر في ذلك الوقت القصة.

وظلت قصة الفتاة المجهولة التي تدعي أنها "اناستازيا" عالقة في محاكم "هامبورج" حتى شهر مايو 1968 عندما حكمت المحكمة ضدها، لكن مازال العديد يعتقدون أن "اناستازيا" لم تمت، وأن تلك الفتاة ربما كانت تقول الحقيقة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 27 آذار/2008 - 19/ربيع الاول/1429