من يصر على خراب العراق

عباس النوري

 المثل العراقي الشائع (بعد خراب البصرة) هذا المثل أنتشر وأستخدمه كثيرٌ من الكتاب العرب للتعبير عن أمور سياسية في دول متعددة، لكن المثل أستخدم في العراق كثيراً وهو يوحي لتأخر العمل بعد فوات الأوان، وقد يعني أنه لا يمكن الإصلاح إلا بعد أن يعم الخراب. لكن بعد بحثي أن أصل المثل وجدت في الرابط أدناه:

http://www.al-shia.com/html/ara/books/lib-tarikh/mahdi-89/006.htm

أخذ جزءً من الرواية وللقارئ العزيز إن رغب بقراءة البقية.

أما خراب البصرة فرواياته ثلاثة أنواع: خرابها بالغرق. وخرابها بثورة الزنج. و(خرابها)  بوقوع خسف وتدمير فيها.

وأكثر كلمات أمير المؤمنين عليه السلام  الواردة في نهج البلاغة وغيره تقصد الخرابين الأولين اللذين وقعا في زمن العباسيين كما ذكر عامة المؤرخين.

قال عليه السلام  في الخطبة رقم13: (كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم. أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق. المقيم بينكم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه. كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة، وقد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها).

قال ابن أبي الحديد: (فأما إخباره عليه السلام  أن البصرة تغرق ما عدا المسجد الجامع بها، فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها، فتغرق ويبقى مسجدها.

- أن البصرة تهلك بالماء الأسود يتفجر من أرضها (يقصد النفط، وقد يكون المقصود أن خرابها يكون بسبب وجود النفط تحت أرضها. وهذا الذي نراه اليوم من الصراع بين الأطراف للسيطرة على البصرة والتحكم بمواردها النفطية…وقد يؤدي هذا التقاتل لخراب البصرة والله أعلم.

والصحيح أن المخبر به قد وقع. فإن البصرة غرقت مرتين، مرة في أيام القائم بأمر الله، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر، حسب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام  جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام، وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها، وهلك كثير من أهلها، وأحد هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم). انتهى.

وأما خرابها بسبب ثورة الزنج التي وقعت في زمن العباسيين في منتصف القرن الرابع، فقد أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام  أكثر من مرة، من قبيل الخطبة 128 التي قال فيها: (يا أحنف كأني به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب، ولا قعقعة لجم، ولاحمحمة خيل، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام).

قال الشريف الرضي(ره): ( يومئ بذلك إلى صاحب الزنج). ثم قال عليه السلام :(ويل لسكككم العامرة، والدور المزخرفة، التي لها أجنحة كأجنحة النسور. وخراطيم كخراطيم الفيلة، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم، ولا يفقد غائبهم).

وثورة الزنج بدأت في القرن الثالث بقيادة القرمطي الذي ادعى أنه علوي، وهي مدونة في مصادر التاريخ، وقد انطبقت عليها الأوصاف التي وصفها بها أمير المؤمنين عليه السلام  بشكل دقيق، وكانت ردة فعل للظلم والترف واضطهاد العبيد، وكان عامة جيشها من الزنوج العبيد الحفاة الذين لا خيل لهم.

- لكن للرواية وقصة خراب البصرة بقية وأمور غيبية لا أريد أن أطيل النقل عنها، ولمن يرغب مراجعة الرابط أعلاه ليتطلع على تفاصيلها، ولست هنا بصدد البصرة بالذات دون غيرها من مدن العراق وخرابها وخراب قياداتها.

بعد هذه المقدمة عن المقولة (بعد خراب البصرة) ادخل بالحديث عن عنوان المقالة (من يصر على خراب العراق)، وقبل الإجابة جال في خاطري سؤال من يريد أعمار العراق – بعد خرابه. وهل للبصرة وخرابها أثر في خراب العراق ودماره…أم أن العمل على أعمار البصرة له أثر إيجابي من أجل أعمار العراق، ونحن بصدد عام الأعمار حسب مقولة رئيس الوزراء الذي قالها بعد أن أعلن انتصار خطة فرض القانون والمصالحة الوطنية …وما إلى ذلك من إشاعات أثرها السلبي وضح وبان أكثر من أثر المقولة الإيجابي. وهذه نتيجة الأخذ بالوشايات والرأي العبثي.

نعم العراق بدأ خرابه قبل ثلاثة عقود، وقد خرب العراق في تاريخه لمرات عديدة، ولا أعرف إلى أي مدى وبعد تاريخي نذهب، ونتحدث عن تاريخ خراب العراق من قبل سبعة آلاف عام، أم نبدأ من حيث تأثير العثمانيين والصفويين. أم تاريخ خراب الوطن ينحصر من تاريخ الدكتاتورية المقيتة، أم أن لكل الفترات أثار سيكولوجية على البنية التحتية للإنسان العراقي، أم أننا نأخذ بفترة الاستعمار البريطاني وما بعد ثورة العشرين. أم أن الصراع قومي، طائفي وذات علاقة بأحقاد دفينة لم تطفو على سطح الضمير العراقي لكي تعد لها حلول جذرية.

هل حقيقةً أن هناك من يريد خراب العراق؟

لكي أجيب على هذا السؤال الذي بات أمراً يعيش أثاره المواطن العراقي من انعدام ثقته بقياداته السياسية والدينية لحد كبير…وإن أراد البعض إخفاء الأمر لكي لا يعد عدواً ويخسر حياته كما خسر مجمل حقوقه. يجب أن أوضح الفارق بين العراقي الذي يريد الخراب، والأجنبي، وأقصد بالأجنبي كل من هو ليس عراقي بالولادة والولاء…وإن أغتصب وثائق البعض لكي لا يحسبون عراقيون لغاية فضحتها وقائع وحقائق تاريخية وحوادث ومجريات حديثة العهد.

نعم، ولا… العراقي الذي يعمل على خراب العراق من جانبين أما عن إدراك وأما من غير شعور. ولا تنطبق على جميع المخلصين للوطن والشعب لكن لم تسنح لهم الفرصة لإثبات ذلك. ولنعد للعراقي الذي يعمل على خراب العراق، وأمثال هؤلاء كثيرون، منهم غسلت أدمغتهم لدرجة أنهم لا يفرقون بين معنى الوطنية وعلاقتها بالفكر والمبدأ والمعتقد, ويوجهون كل قواهم باتجاه الهدف الذي رسمه أعداء العراق حسب المنظور والمفهوم الشائع. وأعداء العراق لا يعملون ويجتهدون ويوظفون كل شيء من أجل خراب العراق لحبهم للخراب والتدمير، لكن نواياهم ونتاج عملهم يصب في مصالحهم القومية والمادية ودفاعهم عن عوامل بقائهم. والعلماء أجادوا وبينوا مثل هذا الأمر بمقولة (الصراع من أجل البقاء). فأنهم بمنظورنا أعداء العراق، لكنهم يصورون تحركاتهم وتوظيفهم للعراقيين لنيل مآربهم بأنه دفاع عن العقيدة الحقيقية والأمر الذي لا بد منه.

 العراقيون المتلقون لمثل هذه الأفكار لم يتعرفون على معاني الوطنية، ولا يهمهم أمر الوطن بقدر ما توصلت قناعتهم الضيقة لفكرة العقيدة فوق كل شيء، وما يقومون به وإن كانت تعد جرائم في نظر الآخرين، لكن النية تصب لغاية سامية وفوق جميع الغايات والمصالح الدنيوية، لذلك يمكنهم تبرير كل قبيح بنظر الطرف الآخر لحسن لم يناصروهم.

 ولهؤلاء أعداد كثيرة من التابعين والمناصرين. الموضوع طويل ومتشابك وبحاجة لتفصيل جوانب عديدة منها تاريخية وأخرى ذات علاقة بشخصية الإنسان العراقي. والتعرض لأمثال هذه المواضيع قد يتهم الفرد بالزندقة ولا ينجوا من الحكم القاسي. ويجدر بالمثقفين الاستعانة بأسلوب (كليلة ودمينة) وكبار الكتاب الذين كتبوا بلسان حال الحيوان، من أجل إيصال الفكرة للناس عسى أن يتعظون، وبذلك وقووا أنفسهم وأهليهم نار غضب المعنيين.

المعروف عن تشكيلة المجتمعات العراقية المتنوعة أنها لا تعرف عن بعضها الكثير، وهناك من لم يسمع عن الأطياف المتنوعة، ولا يعرف عن أهمية هذا التنوع الجميل وبعده الثقافي وكنوزه الحضارية والتاريخية…وفوائده المستقبلية. فيحاول أصحاب الفكر الضيق أن يعطوا صورة عن حقيقتهم الأبدية، وتفردهم في البقاء في حياة الدنيا وتفردهم للحصول على مكاسب الآخرة دون غيرهم. وبهذه الطريقة يشعر المتلقون وهم بكثرة أن الباقين حجر عثرة وشوائب يجب إزالتها بأي ثمن ويصبح واجب حتمي لا تراجع فيه.

لو أننا نظرنا لطرفين رئيسيين في الصراع القائم حالياً في عراق الحداثة، مع أن مصطلح الحداثة بعيد كل البعد عن الواقع العراقي الغارق في عصر الظلام. وكم كان بودي أن أبتعد قد الإمكان من المسميات المذهبية والطائفية، لكن الواقع هو هكذا، وما هو إلا نتاج الخطاب الخاطئ الذي بدأ به قيادات سياسية ودينية منها ذات ارتباط بما أسلفنا، ومنها نتاج عن عدمية التجربة إلا تجربة المعارضة طويلة الأمد.

وهنا أتحدث عن المنتمين للمذهب الشيعي وأنا منهم وللمذهب السني الذي أناسبهم وبيننا روابط الدم والأولاد والأحفاد وتاريخ نضالي ضد الدكتاتورية. وبودي أن أبدأ بأمر تاريخي وعن شخصية إسلامية مهمة للطرفين دون إنكار ولا حتى من الأعداء ولا حتى من الذين لا ينتمون للدين الإسلامي. هو الأمام علي أبن أبي طالب عليه السلام رابع الخلفاء وأبن عم الرسول محمد صل الله عليه وآله وسلم وعلى أصحابه الغر الميامين. فليس هناك أي شك من أي الطريفين بخصوصية هذه الشخصية الإسلامية من شجاعة وإخلاص للدين الحنيف وصدق الحديث وما قدمه للأمة من علوم مازالت موضع بحث ودراسة. ولنهج البلاغة مثالٌ حي. لو أن للأمام الأول للشيعة أي قدر شك أو شائبة لأحد الخلفاء الذين سبقوه بالخلافة لما سمى أسماء أولاده بأسمائهم. فأولاده من فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (ع) بنت الرسول الأعظم الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام سيدي شباب أهل الجنة، فكان له أولاد أبو بكر وعمر وعثمان  والعباس (عليهم السلام أجمعين) ومنهم من أستشهد مع الحسين (ع) في واقعة الطف بكربلاء المقدسة. فهل من المعقول أن يكون هناك خلاف بينه وبين الخلفاء ويكني أبنائه بأسمائهم، أم أنه كان من باب الود والمحبة…ومن منا يكره شخصاً ويسمي أبنه باسمه؟.

ومن يقول بأن أبناء المذهب السني لا يحترمون الأئمة عليهم السلام، ومن حضر مراسيم الذكر يعرف جيداً أنه لا يخلو الأشعار والمدائح الدينية من ذكر الأئمة الأطهار والتقرب منهم وبهم للخالق المتعال، ومن تفحص الزائرين للنجف وكربلاء وسامراء والكاظمين لعرف أن كثير من أبناء المذهب السني يترددون في الزيارات والمناسبات ويتقربون إلى الله تعالى بالنذر والدعاء خلال زياراتهم. ومن أطلع على كتب الصحاح وكثير من الكتب التي هي من تأليف شيوخ المذهب السني لقرأ عن مناقب الأئمة عليهم السلام. وللشافعي قصيدة بحقهم قال: يا آل بيت المصطفى حبكم فرضٌ من الله في القرآن أنزله، يكفيكم فخراً أنكموا من لم يصلي عليكم لا صلاة له.

وبالمقابل ألم يزور عدد من رجال الدين الشيعة لأبي حنيفة النعمان ولمرقد عبد القادر الكيلاني وصلوا جماعة بإمامة شيخ من المذهب السني. والعديد من التزاور والتقارب. أليس ممثلي الشعب العراقي من السنة والشيعة تحت قبة البرلمان، أليس رئاسة مجلس النواب من السنة، أو ليس رئاسة الجمهورية من السنة، وفي رئاسة الوزراء من السنة. فلماذا هذا الجزم على أن الصراع بين السنة والشيعة…وأن الحرب الأهلية بين السنة والشيعة…وما إلى ذلك من سموم أعداء العراق وأعداء الإنسانية فقط لنيل أهدافهم وغاياتهم وتحصين مصالحهم ونفوذهم في العراق الجريح.

الذين يريدون ويصرون على خراب العراق، هم الذين يحاولون إيجاد النعرة الطائفية المقيتة التي لا اصلها ولا فروع بل هي مختلقة من قبل أعداء العراق ومن قبل العراقيين الذين وقعوا في الفخ، ومن الذين باعوا دينهم بدنياهم والأشر الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم.

في العراق مسلمين ومسيحيين وأزيديين وصابئة مندائيين…وهناك من لا يعتقد بأي دين…ومن العراقيين سار مع السرب حفاظاً على حياته وحياة عائلته. لكن لماذا تشريد هذه الشرائح وقتلهم وإجبارهم لترك مناطقهم التي سكنوها منذ آلاف السنين.

السؤال الملح…هل العراق وجد لدين معين ولمذهب خاص…وعلى الباقين ترك البلاد أو قتلهم أمر بات واضحاً ولا مفر منه…و لا حل له.

نسمع كثيراً بأن السنة والشيعة يتعاونون مع بعضهم للقضاء على الإرهاب وهذا التعاون بدأ نتيجة عمل حثيث من قبل الحكومة والعشائر والتوجيه الصحيح من علماء المسلمين من قبل الطرفين. هل هذا يكفي أم أنه يجب أن يتعاون السياسيون الذين هم أصل المشكلة وما كان خطاباتهم السياسية غير المسؤولة التي أدت لهذا الشرخ الكبير. والتعاون لا يبدأ إلا ما توفرت ظروف ومستلزمات ضرورية كثيرة ومن أهما الثقة المتبادلة وقبول الآخر على أساس أنه عامل مهم في بناء الدولة العراقية المبنية على أساس الديمقراطية والتعددية مثلما كان ويجب أن يكون…عراق جميع الطيف الجميل.

ولا يمكن أن ننسى بأن هناك خطوات تستحق الذكر والتقدير من قبل السياسيين المنتمين للمذهبين، فبدأت خطابات السيد رئيس الوزراء نوري المالكي بأن العمل يجب أن يكون نحو لم شمل جميع العراقيين دون أي تفرقة مذهبية أ, عنصرية وهذا أمرٌ يبشر بالخير. وما بدئه السيد طارق الهاشمي من مشروع المصاهرة الوطنية وجمع بين زوجين من مذهبين مختلفين لأمرٌ يستحق التقدير والإعلان عنه بصورة أكبر وأوضح لكي يتبعوه الآخرون ويأخذوه نموذجاً حياً للتقارب وللتآخي…وأن تقتصر وسائل الإعلام من إشاعة الكره والبغضاء وبيان محاسن صاحب الوسيلة الإعلانية ونسيان حقوق الآخرين ممن يقدمون على أعمال واقعية ملموسة ترتقي لمستوى الألفة والمحبة ولم شتات العراقيين الذين أراد تفرقتهم الخارجي الباعث للحقد والزارع لبذور الفرقة والعداء بين أبناء الوطن الواحد.

لو لخصنا الأمر بأن بعض القادة بدئوا بمحاولاتهم الحثيثة لسد ثغرات التفرقة التي أوجدتها قوى الظلام…ونعي جيداً أن أمام هذه القادة قادة آخرون من صنف معاكس ومشاكس يرون الحياة والآخرة لهم لا لغيرهم لأن الحقيقة التي توصلوا لها حقيقة أبدية ولا يعلو عليها حق…فيعرقلون المسيرة من خلال التذكرة بالماضي وربط الأمور الإيجابية المستحدثة بأمور يراد بها تبريرات لما في داخلهم وعقولهم المريضة للكسب المادي وتلبية لمصالح الأجنبي…فعلى هؤلاء أن يضعوا دماء الأبرياء التي تراق كل يوم أمام أعينهم، وأن يتحكموا لضمائرهم ويتقوا الله تبارك وتعالى إن كان لهم ذرة من الإيمان. وإلا على القيادات الوطنية المخلصة استئصال جذورهم لكي لا يكون على المخلصين من حرج، ولا تأخذهم لومه لائم  فقال الله تعالى:( ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب). مع أنني لا أود قتل ذبابه أو أقل أو أكثر من ذلك.

الذين يصرون على خراب العراق، أما أنهم يؤمنون بمفاهيم ظلامية متعمدين لفعلها لكي يقدموا عجلة التاريخ حسب ما هو مذكور في كتب خاصة قد تكون صحيحة أو لا، أو أنهم يؤولون أخبار طبقاً لرغباتهم وما أملاه عليهم أعداء العراق. ولا أعرف أي منطق وأي عقل يقبل بأن من أجل إسعاد البشر علينا بقتلهم…ومن أجل الأعمار يجب أن يبدأ خراب البصرة…فلكي يطبقوا المثل(بعد خراب البصرة). ولهذا نرى البصرة وغيرها بدأت فيها عملية الخراب المبرمج تلبيةً لتحقيق المقولة.

الأمر المستعصي والذي لا يتحدث به قياداتنا الأفاضل وبيدهم الحل والربط وبيدهم سيل الدماء أو إراقتها. وهو موضوع الذين عملوا مع النظام السابق وهم المنتمين لحزب البعث. يقال أن عدد أعضاء حزب البعث قبل التغيير كان مليون أو يزيد. وينسى البعض أن لهؤلاء أهل وأقارب وأولاد وأحفاد وأبناء عمومة وآخرين مقربين…ولو أضفنا العدد لذلك العدد لما بقى عراقي داخل العراق إلا وكان أما منتمى للحزب أو قريبٌ منه بشكلٍ وآخر. وإذا أردنا وضع الجميع في قفص الاتهام لما كنا منصفين ولا يمكننا تطبيق العدالة ولا الأقرب منها. ولو تحدثنا عن المصطلح المشاع (الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين) فلنتحكم للقانون…والقانون يفرض على السابق واللاحق…وليس له حكم رجعي…وأي قانون نتحكم إليه…وقانون الغاب غالبٌ في أكثر الأحيان. أما أن نقبل بأن هؤلاء المنتمين للبعث رغم كل جرائم السلطة الدكتاتورية والمصائب التي جر إليها العراق من حروب داخلية وخارجية وأنفال وحرق حلبجة والأهوار ودفن الأحياء…وما جر به العراق لهذا المنزلق الخطير بوجود الأجنبي والتحكم بسيادة العراق ليومٍ لا يعرف مداه أحد. وهو الوحيد المستفيد من انعدام التوافق السياسي والمجتمعي في العراق.

إن أعضاء حزب البعث لا يستسلمون لأمر الواقع ويرون بأن السلطة لهم وحدهم ومحرمٌ على غيرهم فهذا يعني استمرار المأساة والحاجة ضرورية لجميع القوى الوطنية أن توحد صفوفها والوقوف بوجه تحركاتهم وبيان نواياهم من قبل الجميع، ومن يحاول التستر عليهم يعد عدواً لأمن العراقيين وسلامتهم…ويجب أن يقدمون للقضاء لينتهوا مما هم عليه أو نيل جزائهم العادل وحسب مقتضيات ضرورة المرحلة. وأما إذا كان الأمر أن يكونوا جزءاً من العملية السياسية حسب المستحقات الديمقراطية، فهم أحوج لبيان حسن نيتهم من خلال اعترافهم بالجرائم السابقة، وطلب المعذرة من الشعب العراقي وخصوصاً من المظلومين في عهدهم.

لكننا نرى أن الصراع القاتل هو بين أطراف وأحزاب من المذهب الواحد، وخصوصاً من المذهب الشيعي مع أنه هناك صراع بين المذهب السني بسبب مقاتلة أعضاء القاعدة والتكفيريين. لكن القتال المشهود في أيامنا هذه هو بين أحزاب شيعية لأن كل طرف يرى أنه هو صاحب الحق في الحياة والسياسة وغيره على خطأ…والنتيجة أن خراب البصرة أمر أخذت بوادره تظهر يوماً بعد يوم. والحكومة المركزية لا تتدخل، أو بالأحرى لا تتمكن من التدخل لأن هناك ضغوط خارجية وداخلية من قوى لها قدرتها ومن قوى داخلية تعتبر جزءٌ مهم في العملية السياسية. فكلما تخلصنا من معضلة ظهر أمرٌ أخطر وأكثر صعوبة.

هل يمكن أن نقول أن هناك رؤية سوداوية عندي ولدى غيري، أم أن الواقع يفرض علينا هذا الاشمئزاز والاستسلام للأحقاد الدفينة وأنه لا منقذ لنا غير الفوضى الخلاقة التي اختلقت وليس لنا مخرج.

الأكثرية يعبرون عن تجاربهم ورؤياهم في الحل الأمثل لكي يجد الشعب العراقي متنفس، لكن هل كل الحلول واقعية وممكنة التطبيق…وهل الجميع يوافقون على التعامل من أجل تحقيق تلك الحلول…وقد تأخذ بعض القيادات العزة بالأثيم وكبريائهم لا تدعهم أن يتقبلوا الحلول من الآخرين…لأنهم أصحاب الحقيقة ولا يقبلون بالنصح من الآخرين. وهناك مثل ( خذوا الحكمة من أفواه المجانين). لكن هل هناك عقلاء لكي يتقبلوا الحكمة من أفواه المجانين…أم الأكثرية تضن أنهم أصحاب الحكمة وليس غيرهم فهم المجانين.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 27 آذار/2008 - 19/ربيع الاول/1429